جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-29@14:12:39 GMT

أموال وديون ضائعة

تاريخ النشر: 25th, December 2024 GMT

أموال وديون ضائعة

مريم الشكيلية

قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ" (البقرة: 282).
كثيرًا ما أصادف، وتحدثت مع أشخاص جلست معهم، وحدثوني عن ديون الناس، وقصصهم وحكايات أخبروني بها، وكيف أن الآخرين يقصدونهم للاقتراض منهم بعضًا من مالهم ثم يمتد الأمر لأكثر من مرة والبعض الآخر يكرر الاقتراض من الشخص بحجج مُختلفة وكلها تختتم بالوعد، والقسم بإرجاع المال في أقرب وقت ممكن ثم تمر الأيام، والأشهر، وحتى السنوات ولا عودة لهذا المال المُقتَرَض.


وكنت أستمع لهذه القصص من الناس، واعتقدت أنَّ هذه الأمور من الاقتراض تكون في بيئة النساء فقط، ولكن عندما سألت حين شدني الموضوع برُمته تبيّن لي بأن اعتقادي خاطئ فهذه الاقتراضات ومن بعدها ديون غير مسددة يشترك فيها النساء والرجال معًا، وهنا لا أقصد الجميع لطفًا وإنما أتحدث عن البعض عن فئة من الناس تستسهل طلب الأموال من الآخرين وتستصعب سدادها بحجة أنها لا تملك المال، وهنا أيضًا لا أتحدث بالضرورة عن اقتراض أموال كبيرة وإنما قد تكون أموالًا معدودة، ولكنها مع الأسف أيضًا لا ترد إلى أصحابها.
ثم إن الديون المستحق سدادها ليست فقط بين طرفين وإنما هناك أموال وديون لم تسدد بين المشتري والتاجر الذي يملك محلا صغيرا يكسب منه قوته.. مع الأسف عندما تستمع لهم يقصون عليك عجائب القصص عن أناس اشتروا منهم بالدين ولم يسددوا ديونهم حتى البعض منهم لم يسدد لسنوات طويلة وفي كل مرة يكرر سوف أدفع ديني عندما كذا وكذا وكلها أعذار واهية والبعض الآخر يقصد التاجر ويشتري منه لمرة واحدة وبالدين ثم لا يراه بعدها أبدا حتى لا يطالبه بالدفع.
وأيضًا هناك نوع آخر من الديون الضائعة التي تترك أصحابها دون حساب للضمير وهي ديون بعض تقديم خدمة معينة وأمثلة على هذه الخدمات (صالونات تجميل، ونساء يمتهن بعمل الحناء) وغيرها من هذه الخدمات التي انتشرت في وقتنا الحالي فلو استمعتم لقصص هؤلاء لشاب شعر رأسك من غرابتها وحيلها.
والأغرب من كل هذا هو عندما يعذر الشخص عن اقتراض الشخص الآخر للمال وتكرار الأمر دون سداد المال السابق فإنه يعامله بعدها مُعاملة سيئة أو جافة أو حتى يصل الأمر به أنَّه يتحدث عنه بين الناس بصفات سيئة.
إنَّ انتشار هذا السلوك في مجتمع مسلم يعي تمامًا أهمية سداد الدين وعواقبه الوخيمة على الفرد في الدنيا والآخرة لهو أمر لا يُمكن إلا أن نقف عنده بشيء من التفكير والتعمق، وإنني أرى أن غياب الحقوق بهذا الشكل لهو كفيل بأن يترك شرخا في النفوس بين الناس في الدنيا وما يترتب عليه العقاب في الآخرة، وليس هذا فحسب وإنما أرى أن انتشار هذه الأفعال يترتب عليه قلة البركة في الأموال، وانتشار السخط وعدم الرضا بما قسمه الله تعالى من رزق والسعي الدائم لما في يد الآخر من وفرة في المال ومحاولات بقصص سخيفة حتى اقترض من الآخرين وعدم سداد الدين لاحقًا.
إن الاقتراض الذي أتحدث عنه اليوم ليس الاقتراض الذي يقصده الناس في الحالة الملحة والتي تستدعي فعلًا أن أقترضَ من الآخر مثال حاجتي للمال في ظرف صحي، أو غيرها من الأحداث التي تصادف الناس دون حساب وهي لا تملك المال الكافي لقضاء تلك الحاجة وأنني أعلم اليوم أن هناك أناساً فعلًا بحاجة إلى وقوف الناس معهم ومنها أنهم لا يملكون وظيفة تسد حاجاتهم أو مسرحين يعولون أسراً تقطعت بهم السبل في ظرف معين هنا وجب على الخيرين أن يسعوا للمساعدة إذا كانوا باستطاعتهم فلهم أجر فك الكرب عن محتاج، ولكنني أتحدث عن الاقتراض لأسباب سخيفة جدًا، مثال أن أتعرض لضعظ من ابنتي أو ابني لأنه يُريد أو تُريد أن تشتري هاتفًا على مستوى عالٍ من الجودة، أو شراء كماليات ومواكبة آخر صيحات الموضة، أو حتى الاقتراض للسفر لعدة أيام حتى يراني الناس أنني أتجول وأسافر وأنني أعيش برغد عيش، أو أنني أريد أن أعيش مثل فلان وفلان، حتى لو على حساب الآخرين.. هذه وغيرها من الأسباب التي لم ينزل الله بها من سلطان!
في نهاية هذا المقال.. أتمنى من الجميع أن يكونوا أكثر وعيًا وإدراكًا ولا نُساعد في انتشار هكذا سلوكيات، تخلف ما تخلفه من ضغائن بين الناس، وتكون سببًا لقلة البركة والخير في المجتمع.
 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ضجيج الوقت

 

سارة البريكية

sara_albreiki@hotmail.com

 

نقترب من يوم الوداع، ها هو يمضي حاملًا حقائب سفر كثيرة؛ فيرحل معه الكثير ويبقى شيء قليل لا يكاد يرى، أما الضيوف فرحلوا وسكان البيت بقوا في مشهد معتاد يمر علينا كل عام عندما يغادرنا رمضان.. شهر الصيام.

رمضان وضجة كبيرة في الأسواق وبين حامل ومحمول ومنفق ومنفوق عليه ومُشترٍ وبائع وسفر. مركز عُمان التجاري يكتظ بالشباب الكبار والصغار وأراني كالأطرش في مكان ليس له مكان، يكتظ عقلي بصورة الراحلين الذين لن يكونوا هذا العيد معنا، والمسافرين والموتى والسجناء والمرضى.

أُشعل شمعة الامل وأسعد بأنه لم يكن رمضانًا عاديًا بالنسبة لي، فقد كنت مجتهدة طبخًا ونفخًا وعبادةً، وفُزتُ بالتحدي الذي أبرمته مع نفسي، وهو أن اختم كتاب الله ثلاث مرات، وفعلت. لذا أستحق أن أفتخر وأسعدُ بهذا النصر؛ لأدرك أننا لاهون كثيرًا، وأننا لو اخترنا الآخرة لوجدنا أنفسنا نحوها نسير، ولبنينا قصورًا في الجنة؛ فالجنة دار الأنقياء الذين لا تغرهم الحياة الدنيا، لا ذهب لا مال ولا جاه ولا منصب ولا أي شيء يدوم، لا يبقى سوى العمل الصالح الذي سعينا واجتهدنا وعبرنا من خلاله.

تضج الأسواق بالمارة وتتناقص الاعداد في المساجد في عدد مهول وكأنهم فرغوا من العبادة والصلاة وكأن الحياة ستنتهي لو لم يتم النزول للأسواق.

كأني كنتُ أتحسس الموت قريبًا، فقد رحل خالي أحمد بن علي الكيومي، مع قائمة الراحلين، وأنا أكتب مقالي طرق بابنا الموت، فأحسستُ بالغربة، وأنا بين الناس، لكن قلبي لا يزال يرى خالي جالسًا على كرسي في المدرسة عند باب الحارس، وأنا أتوجه نحوه لأقول له "خالي خالي"، وها هو الان رحل في شهر كريم وهو رجل صالح.

يُعلِّمُنا رمضان الصبر والقوة على احتمال مصائب الدهر، والسكون الذي يلفنا، والطمأنينة التي تملأنا، نجدها صادقة جدًا لأنه لا يوجد غش ولا كذب في أيامه ولا تلفيق ولا بهتان، لكنه يوجد مع ضعاف النفوس الذين لا يستطيعون السيطرة على مشاعرهم وهم قومٌ يحبون الفتنة ودس السم في العسل والمبالغة بالكذب والتلفيق والافتراء، فلا يغيرهم رمضان ولا يتغيرون في غير رمضان هم عملة لوجه واحد لا يمكن أن يحدث في حياتهم ما يمكن أن يصحي فيهم الضمير الميت.

إن الانشغال في رمضان بأمور الدنيا ومتابعة المسلسلات الدرامية والبرامج التلفزيونية ومنصات التواصل الاجتماعي وغيرها، والنوم عن العبادات والطاعات والانخراط في الأسواق بحثًا عن عذرٍ للهرب والتنصل من المسؤولية التي يجب أن تكون في كل وقت تجاه حرمة الشهر الفضيل وأوقاته المهمة جدًا والتي قد لا تُعوَّض، هو أمر صرنا نبكيه ونحزن عليه؛ لأن أبواب الجنة مفتوحة، وهنا باب مهم ولكنهم لا يفهمون ذلك أو على أعينهم غشاوة أو على القلوب أقفالها.

لن يدرك الإنسان قيمة نفسه إلّا عندما يزنها بميزان العقل والحكمة، ولن يُثمِّن كم من الوقت أهدره على الأمور الدنيوية الزائلة، إلّا عندما يصفعه القدر، لكن يجب عليه أن يخاف؛ فبعض الصفعات لن تكون لتتعلم الدرس وإنما لتنتهي حياتك وأنت في غمرة نفسك لا تدرك أنك ماضٍ نحو أسفل السلم في لوحة من الألوان المنتهية الصلاحية ولا مجال فيها للإصلاح أو إعادة ضبط النفس وإيقافها وتعليمها وإعطاءها فرصة أخرى للتعلم من جديد.

يُغادر رمضان حاملًا أسماءً عديدة تغادر معه؛ فرمضان سيعود، لكنهم لن يعودوا وأن الفرصة لا تُعاد مرتين والمشهد لا يتكرر، والحياة ليست كما نحب، لكن هناك مُتسع للحب.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • الاعرجي يزور قبر الحاخام اليهودي خازن بيت المال إسحاق جاؤون في بغداد
  • 7 عادات يومية تمنعك من بناء الثروة
  • كل ما تريد معرفته عن شهادة "الأهلي فوراً" الدولارية بعد تعديل العائد
  • علي جمعة: الإيمان باليوم الآخر يمنح الحياة معناها الحقيقي
  • علي جمعة: لولا الإيمان باليوم الآخر لأصبح العالم عبثًا وفوضى
  • خشية الاقتراض.. فرنسا وإيطاليا وإسبانيا يعارضون خطة إنتاج أسلحة مشتركة
  • أزمة في بروكسل .. 3 دول أوروبية كبرى ترفض تمويل تصنيع الأسلحة خشية الاقتراض|تفاصيل
  • الكويت تصدر قانونا جديدا يهدف إلى تنظيم الاقتراض العام
  • نحـو نـقـد الانتـقـائيـة في النـظـر إلى الآخـر
  • ضجيج الوقت