المقاومة مستمرّة: الكيان الصهيوني تحت مجهر القانون
تاريخ النشر: 25th, December 2024 GMT
الثورة نت/..
يستمر العدو الصهيوني في عدوانه الوحشي على غزة ولبنان في ظل صمت عربي ودولي فاضح، تجاوز حدود “الحيادية” بأشواط ليبلغ حدود التآمر والمشاركة في العدوان، وقد لعبت الولايات المتحدة الأمريكية الدور الأبرز في تشكيل خط الدفاع الأول عن حليفتها “إسرائيل” على مستوى المحافل الدولية، لا سيما أمام القضايا القانونية المرتبطة بجرائم الحرب والإبادة.
هذا الواقع فرض نفسه على الساحة القانونية والحقوقية، وكان محور اهتمام ومتابعة من قبل العديد من القانونيين والناشطين في المجال الحقوقي وضد العدوان الصهيوني، وفي هذا السياق كانت التحديات والقضايا المرتبطة بهذا الواقع محط دراسة ومتابعة في جدول أعمال الندوة التي نظمها المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، تحت عنوان “حقوقيون ضد العدوان، في المواجهة القانونية.”
الندوة تخللها العديد من المداخلات حول قضايا وأفكار متشعبة تصب جميعها في قالب واحد، وهو المواجهة القانونية لجرائم العدو الصهيوني باختلاف طبيعتها، وقد نتج عنها مجموعة من التوصيات التي يتعزّز عبرها المسار القانوني لهذه المواجهة، ومساءلة “إسرائيل” في المحافل الدولية بكل الوسائل الممكنة والمتاحة.
البداية مع نائب مدير المركز ورئيس “مرصد قانا لحقوق الإنسان” الدكتور محمد طيّ الذي أوضح أنه وقبل الحديث عن طبيعة جرائم العدو، لا بد من تحديد المنهجية التي على أساسها تعالج هذه الجرائم، بمعنى أنه لا يجب أن ننجر إلى معالجتها على طريقة الأوروبيين، لأن هؤلاء معترفون أساسًا بالعدو الصهيوني كـ”دولة”، لكننا نرى أن هذا الكيان زُرع لهدف معين يخدم الدول الأوروبية من جهة، ويحقق مصالح خاصة بالصهاينة من جهة أخرى.
جرائم “إسرائيل” بالطبع، لم تبدأ اليوم، وهي ليست وليدة العدوان الحالي، وبالتالي يجب أن تعالج على ضوء تاريخيّتها، بمعنى أنها جرائم متواصلة ومستمرة ولها أهداف محدد. هدفها القريب هو كسر المقاومة، أما الغاية الكبرى فهي إخلاء الأرض من سكانها للاستيلاء عليها.
لهذه الجرائم تصنيف يستند إلى طبيعة كل منها. البداية مع الأخف خطورةً وهي جريمة الحرب، لا سيما وأن “إسرائيل” تستهدف المدنيين وتقتل الأسرى، وجريمة الفصل العنصري، وقصف المدن والقرى غير المحمية، وهي سياسة ممنهجة ومتّبعة وهادفة إلى إخلاء الأرض والاستيلاء عليها، ولا تنطوي أبدًا تحت مسمى “خسائر حرب تبعيّة”، كما يحاول بعضهم تصنيفها.
نوع آخر من الجرائم يسمى “جرائم ضد الإنسانية”، وذلك حين نشهد استهداف مدنيين على نطاق واسع وبشكل مبرمج، وهذا الأمر لا يجري صدفةً بل هو مخطط ومبرمج، أما جريمة “إبادة جنس بشري” وهي تعدّ أخطر، فهي تعني التوجه إلى مجموعة من الناس من أجل إهلاكها كليًا أو جزئيًا، على أن تكون هذه الجماعة قومية أو دينية أو إثنية أو عرقية، ولا يقال عنها جريمة إبادة جماعية، لأن وطأتها وخطورتها هي أكبر من ذلك بكثير، وهذا التغيير في المسمى، أو تعديل المصطلح يصب بالطبع في مصلحة العدو لأنه يخفف من وطأة إجرامه.
أخيرًا وليس آخر، تأتي جريمة “إلغاء وطن” وهي جريمة خطيرة رغم أن بعض المتخصصين يصنفها جريمة سياسية، وإقامة ما يسمى بالكيان “الإسرائيلي” على أنقاض وطن آخر كفلسطين، هي الحقيقة الأكثر تطابقًا مع هذا النوع من الجرائم، وهذا ما يجب علينا أن نفرضه ونبيّنه ونشرحه للرأي العام العالمي.
وفيما يرتبط بالتوصيات والآليات المعتمدة لتنفيذها، فإن أهمها، ما هو مطلوب من الحكومة اللبنانية القيام به من التحرك لمخاطبة المنظمات الدولية، كمجلس حقوق الإنسان والمنظمات المختصة بالطفولة والنساء وغيرها، بالإضافة إلى ما هو مطلوب من الحقوقيين على صعيد التواصل مع نقابات المحامين في أرجاء العالم خاصة في الدول الصديقة، ومنظمات الحقوقيين، مثل جمعية الحقوقيين العرب والجمعية العربية للعلوم السياسية، وسائر الجمعيات التي تهتم بالجانب الحقوقي.
الدكتور طي أكد أن نشر وتعميم ما تم التوصل إليه يعطي شرعية للدول التي تقاطع العدو الصهيوني، وأيضًا للحركات التي قامت ضد هذا العدو وما زالت تقوم في أوروبا وأميركا وغيرها، كما أن إظهار أحقيّة الشعوب في مواجهة وحشية العدو الصهيوني، يسقط عنها تهمة الإرهاب بوصفها حركات مقاومة، ويضغط على الحكومات التي تدعم العدو ويعرّضها لمساءلة شعبها، كما أن هذا الأمر يخلق حالة من الاضطراب في الساحة الداخلية للعدو ويعطي المقاومات بالمقابل زخمًا ويشجعها على مواصلة النضال وتشديده.
في سياق الندوة، شدد الدكتور عقل عقل على أن العدالة تنتزع ولا تطلب، وما نشهده اليوم من صمت عربي ودولي هو تواطؤ مكشوف يجب التصدي له بالأدوات القانونية والسياسية المتاحة، والتي تشمل المحكمة الجنائية الدولية، محكمة العدل الدولية، المحاكم الدولية بفضل الولاية القضائية العالمية، والتعاون مع المنظمات الدولية. وفي المقابل أشار الدكتور عقل إلى التحديات السياسية والقانونية التي تواجه لبنان في مسار محاكمة “إسرائيل”، والتي تتمثل بـ”الفيتو” الأميركي في مجلس الأمن، ونسف “إسرائيل” لكل مبادئ القانون الدولي، والضغط السياسي الدولي الذي تتعرض له المحاكم الدولية.
الدكتور عقل، أكد أنْ لا حصانة للعدوان، وأن على المجتمع الدولي أن يختار بين العدالة والتواطؤ، وملاحقة جرائم العدو هي واجب وليست خيارًا، وكل من يسعى لحجبها هو شريك في الجريمة.
مداخلة أخرى في الإطار عينه للدكتور حسن جوني الذي رأى فيها أن العدو “الإسرائيلي” ارتكب في عدوانه على فلسطين و لبنان كل الجرائم الدولية خصوصًا جريمة الإبادة الجماعية، وإبادة الأجناس البشرية التي تعتبر في القانون الدولي من أخطرها حسب المادة السادسة من نظام روما، وارتكابها يهدد السلم والأمن الدوليين.
الدكتور جوني أشار إلى أن العدو “الإسرائيلي” يلاحَق أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جريمة الإبادة، وقد اعتبرت المحكمة في تقريرها الاحترازي أن “إسرائيل” قد ارتكبت هذه الجريمة بحق أهل غزة الذين يشكلون مجموعة بشرية ثابتة في فلسطين المحتلة، كما أن عدة دول انضمت إلى دولة جنوب إفريقيا في ملاحقة المجرم “نتنياهو” وغيره من الصهاينة بتهمة ارتكاب هذه الجريمة.
أبرز المداخلات كانت أيضًا للدكتور خالد الخير، الذي تحدث فيها عن موضوع “المسؤولية الدولية” عن الجرائم “الإسرائيلية” المرتكبة، فحدد القواعد القانونية الدولية التي تحكم المسؤولية المدنية والتي بموجبها تكون دولة الاحتلال ملزمة بالتعويض العيني والمالي عن الأضرار التي تسببت بها وذلك استنادًا إلى العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية أهمها ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية جنيف 4 والبروتوكول الإضافي الأول وقرارات مجلس الأمن وغيرها، وهنا الحديث يشمل بالطبع كل من غزة ولبنان وسورية خاصة في ظل ما تشهده حالياً.
الدكتور خير تناول أيضًا قواعد المسؤولية الجزائية التي تنطبق على جرائم الاحتلال المتمثلة بجرائم الإرهاب والحرب والعدوان والجرائم ضد الإنسانية وجريمة إبادة جنس بشري، وليس آخرها جريمة اغتيال القادة التي تعد من أخطر الأنواع، مؤكدًا أن العدو مارس كل هذه الجرائم بحق الشعوب في فلسطين ولبنان وسورية، منتهكًا كل القوانين والمواثيق والقرارات الدولية.
المصدر: العهد الاخباري: سارة عليان
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: العدو الصهیونی ا جریمة
إقرأ أيضاً:
المقاومة العمياء التي أخذت غزة إلى الجحيم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في السابع من أكتوبر، خرجت حماس من خلف ضباب الخطاب المتكلّف، لتفتح على غزة أبواب الجحيم، لم تكن العملية سوى مقامرة مسلّحة بلا بوصلة، ولا ملامح مشروع.
رفعت حماس راية "المقاومة"، لكنها – في الجوهر – لم تكن إلا فعلًا انفعاليًا منزوع التخطيط، استدرجت به الاحتلال الإسرائيلي إلى تدمير منهجي للقطاع، دون أن تملك خطة خروج، ولا حتى خريطة سياسية تدير بها مآلات ما بعد الضربة.
ما فعلته حماس في ذلك اليوم لم يكن إلا تتويجًا لمنهج متراكم من التفرّد، وإقصاء الآخر، واحتكار القرار الفلسطيني، منذ انقلابها الدموي في عام 2007، حين انتزعت السلطة من يد السلطة الوطنية الفلسطينية بقوة السلاح، اختارت أن تدير غزة كمنطقة مغلقة تحت سلطتها، لا تحت مظلة مشروع وطني جامع، ولعبت حماس لعبة الإقصاء مع من يخالفها، وألغت من يختلف معها، واستفردت بمصير مليوني فلسطيني، دون رقابة، دون محاسبة، ودون أي حسّ بمسؤولية الشراكة.
لم تنجح حماس في السياسة، وفي ظني أنها لم تنجح أيضا في الميدان، عسكريًا، أساءت استخدام "المفاجأة" في الأيام الأولى، حين أطلقت موجة الهجوم بعيدًا عن مجمل المكونات الوطنية، ثم تركت المعركة مفتوحة على مصراعيها، دون تنسيق مع أي فصيل، ودون حساب لحجم الرد الإسرائيلي الذي جاء أعنف مما توقعه أي تقدير، انتهى الأمر بسقوط عشرات الآلاف من الشهداء والمصابين، وتشريد مئات الآلاف، فيما ظل قادة الحركة يتحدثون من الخارج عن "نصر استراتيجي" لا يراه أحد سوى على شاشاتهم.
هذا الفشل العسكري لم يكن معزولًا عن سياق أوسع من الانتماءات المتضاربة التي تتحكم في قرار حماس، فالحركة لم تكن يومًا ذات ولاء فلسطيني خالص، نشأتها كانت تحت عباءة جماعة الإخوان المسلمين، ومنها استمدّت أيديولوجيتها، ورؤيتها العابرة للحدود. ثم ما لبثت أن نسجت تحالفات مع قوى إقليمية – وعلى رأسها إيران – التي دعمتها بالسلاح والمال، ولكن بثمن سياسي باهظ، جعل قرارها أسيرًا لأجندات لا تُبنى في غزة، بل في طهران، وفي غرف عمليات لا تعرف حدود فلسطين ولا طبيعة شعبها.
هذا الانتماء المتشظي أضعف استقلالية الحركة، وانحرف ببوصلتها من مشروع وطني إلى مشروع وظيفي، يخدم مصالح خارجية، ويزايد باسم القضية على حساب معاناة الفلسطينيين، حتى الإعلام لم يسلم من هذا التفرّد، إذ تسعى حماس باستمرار إلى احتكار صورة المقاومة، وتنسب لنفسها كل عمل عسكري، حتى وإن كانت فصائل أخرى صاحبة المبادرة، ولطالما استثمرت في الصورة الدعائية، أكثر من استثمارها في بناء استراتيجية حقيقية قادرة على الإنجاز لا الاستعراض.
وما يُفاقم المشهد أن قيادة الحركة تعيش في الخارج، متنقلة بين العواصم، تستقر في فنادق خمسة نجوم، بينما شعبها يحترق تحت القصف.. حياة الرفاهية التي يعيشها هؤلاء لا علاقة لها بالحرمان الذي يعانيه أهل غزة، لا كهرباء، لا دواء، لا غذاء، ولا أفق. كل ما تملكه حماس لشعبها هو خطاب استهلاكي عن "الثبات"، و"الرباط"، و"الاصطفاف خلف المقاومة"، بينما قياداتها تصدر الأوامر من عواصم بعيدة، ثم تعود لتخطب في الجنازات لمن بقي حيًا.
الرعونة السياسية كانت حاضرة دائمًا، فكل خطوة خطيرة اتخذتها حماس، كانت بمعزل عن باقي الفصائل، دون أي دراسة للعواقب. قرار الحرب لم يكن قرار إجماع وطني، بل قرار فصيل واحد يظن أنه وحده يملك حق القتال والتفاوض، وحق مصادرة دماء الناس تحت لافتة "المصلحة العليا". وهكذا، تحوّلت "المقاومة" من فعل يرتبط بالشرف إلى فعل سلطوي، يُستخدم لتكريس الحكم، لا لتحرير الأرض.
وفي ظل هذا الانسداد، كانت مصر، كالعادة، تمارس دورها العروبي الثابت، بخطاب عقلاني لا يتأثر بالاستفزازات، وذلك لسبب بسيط هو أن مصر لم تنظر يومًا إلى القضية الفلسطينية من زاوية الفصائل، بل من زاوية الشعب، دعمت الحق الفلسطيني عبر التاريخ، منذ 1948، وقدّمت آلاف الشهداء، وأبقت ملف فلسطين على رأس أولوياتها رغم تبدّل الأنظمة والضغوط الدولية.
اليوم، مصر تميّز بين الموقف من ممارسات حماس، وموقفها من الشعب الفلسطيني. فتحت معبر رفح رغم الدمار، واستقبلت المصابين والجرحى، وقدّمت المساعدات اليومية، وأقامت مستشفيات ميدانية، وأرسلت القوافل الطبية، وتحملت فوق طاقتها، دون أن تطلب شكرًا، رغم أن قيادات حماس لم تتوقف عن إطلاق تصريحات مستفزة، بل أحيانًا خارجة عن حدود الأدب السياسي.
بل إن مصر – بما تحمله من ثقل دبلوماسي – أفسحت المجال لكافة المبادرات، وأبقت خيوط التفاوض قائمة، رغم تعنت الطرفين، محاولة وقف الحرب بأي وسيلة، وحماية المدنيين من طاحونة القتل المجاني، لم تساوم مصر على دم الفلسطيني، بل رفعت صوتها عاليًا في المحافل الدولية دفاعًا عن القضية، لا عن سلوك الفصائل.
والأهم هو أن مصر تملك من الحكمة ما يفرّق بين القضية وبين من يعبث بها، وهي ترى أن النضال لا يُقاس بعدد الصواريخ، بل بنتائجه الواقعية، وقدرته على إعادة الحقوق لا على تراكم الجثث، وأن المقاومة الحقيقية لا تكون بقتل الأمل في قلوب الناس، بل ببنائه، والبناء لا يكون بالعناد السياسي بل بالتوافق الوطني. وهذا ما فشلت فيه حماس مرارًا، لأنها لا تؤمن بفكرة الوطن أصلًا، بل بفكرة الجماعة، وما دونها فرع وتفصيل.
إن التاريخ سيذكر كثيرًا من مشاهد البطولة في فلسطين، لكنه لن يرحم من استخدم دم الشهداء ليرسّخ حكمه، ومن تاجر بالدمار ليبرّر الفشل، ومن اختبأ خلف ستار "المقاومة" ليهرب من فشله في بناء دولة، أو حتى إدارة قطاع محاصر.
فلسطين تستحق من يحملها كهوية، لا من يحملها مثل راية حزبية، وتستحق مقاومة تعرف متى تقاتل، ومتى تفاوض، ومتى تصمت لأجل الناس، لا لأجل الكاميرات، لذلك نقول بوضوح ونقول عكس التيار وننتظر الهجوم من الكثيرين نقول ما لم يتم استرداد القرار الوطني من يد من خطفوه، ستظل غزة تحترق، بينما من أشعلوا النار يراقبون من بعيد.. بلا ندم، بلا خجل.