سيكون على دول الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة تعميق علاقتها السياسيّة والاقتصاديّة مع الهند، التي تتجه للعب أدوار مهمّة على مستوى الاقتصاد العالمي.

هكذا يخلص تحليل لمؤسّسة "فَنَك"، الذي يشير إلى أنه لتحقيق هذه الغاية، فإنه يمكن لدول الخليج الاستفادة من القواسم المشتركة التي تجمعها بالهند في مجال السياسة الخارجيّة، فكلهم يحافظون على علاقات متوازنة وبراغماتيّة مع الدول الغربيّة وروسيا والصين، وهما ما يسمح لهم بالبحث عن فرص التعاون الاستراتيجي بعيدًا عن الاستقطابات التي تثيرها النزاعات الدوليّة الآخذة بالتزايد.

وتشهد الهند حاليًا نموًّا اقتصاديًا سريعًا ومستدامًا، بفضل سياسات عامّة اتبعتها، بالإضافة إلى بعض العوامل السياسيّة والديموغرافيّة، حتى بات يطلق عليها "الصين الجديدة"، في إشارة إلى تحوّلها إلى أحد أهم الأقطاب الصناعيّة الواعدة على المستوى العالمي.

وهذا يفتح آفاقا واسعة للشراكات التجاريّة والاستثماريّة ما بين الهند والاقتصادات القريبة منها جغرافيًا، ومنها دول الشرق الأوسط.

وحسب صندوق النقد الدولي، سيكون الاقتصاد الهندي الأسرع نموًا في العالم خلال العام 2023، إذ من المتوقّع أن يسجّل الناتج المحلّي الهندي ارتفاعًا بنسبة 6.1%، وهي نسبة تتجاوز متوسّط نمو الأسواق الناشئة البالغ 4%، وتوازي خمسة أضعاف متوسّط نمو أسواق الدول الصناعيّة البالغ 1.2%.

ووفق التحليل، فإن ثمّة ظاهرة اقتصاديّة يصفها البعض بالمعجزة التنمويّة في الهند، التي استيقظت متأخّرة مقارنة بجيرانها في دول شرق وجنوب آسيا، لكنّها باتت اليوم تسابق كبرى التكتلات الاقتصاديّة العالميّة، ما يمثّل أبرز القفزات الاقتصاديّة التي يشهدها التاريخ الحديث.

اقرأ أيضاً

واشنطن تواجه الحزام والطريق الصيني بسكك حديدية تربط الخليج بالهند وإسرائيل

وخلال السنوات الخمس المقبلة، من المتوقّع حسب خطط الحكومة الهنديّة، أن تتمكن البلاد من التقدّم إلى المرتبة الثالثة عالميًا بعد الولايات المتحدة والصين، على مستوى حجم الناتج المحلّي، بفضل النمو السريع الذي يشهده القطاع الصناعي الهندي.

تتنوّع عوامل القوّة الاقتصاديّة التي تمتلكها الهند حاليًا، والتي تسمح لها بمنافسة الصين وسائر دول شرق آسيا على مستوى تنمية واستقطاب الاستثمارات في القطاعات الإنتاجيّة.

أبرز هذه العوامل، وفق التحليل، يتمثّل في القوّة الديموغرافيّة التي تملكها، والتي ترتبط بشكل وثيق بحجم القوّة العاملة المتوفّرة.

ويعد متوسّط الأعمار المنخفض مقارنة بالصين، أهم ما في القوّة الديموغرافيّة الهنديّة، إذ إنّ نصف سكّان الهند تقل أعمارهم عن الـ30 عامًا.

أما مزايا القوّة العاملة في الهند لا تقتصر على معدلات الخصوبة المرتفعة والهرم السكّاني الشاب، بل تشمل توفّر الخبرات في القطاعات الرقميّة والتقنيّة المتقدمة، وانتشار اللغة الإنجليزيّة في صفوف خرّيجي المعاهد والجامعات الهنديّة.

كما تمتاز الهند بتوفّر أكبر نظام تعليمي جامعي في العالم، من حيث عدد الكليّات والطلّاب، وهذا ما يسمح بتخرّج 20 مليون طالب سنويًا إلى سوق العمل. وجميع هذه العوامل، جعلت الهند مقصدًا للشركات الأجنبيّة الباحثة عن مراكز إنتاج جديدة، كبديل عن الصين.

اقرأ أيضاً

الاستثمار الهندي في الخليج مكسب للطرفين.. ولكن

بالتوازي مع كل هذه المزايا التنافسيّة، ركّز رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، على مجموعة من الإصلاحات والسياسات العامّة، الكفيلة بالاستفادة من هذه القوّة العاملة المحليّة وجذب الاستثمارات الأجنبيّة.

كما حافظ مودي، وفق التحليل، على سياسة خارجيّة براغماتيّة جدًا، وعلى علاقات استراتيجيّة متوازنة مع جميع القوى الدوليّة المؤثرة اقتصاديًا وسياسيًا.

وجاءت العقوبات والقيود الأمريكيّة على الشركات والسوق الصينيّة، ليزيد من استفادة الهند، ما ساهم في نهضة اقتصاديّة يفترض أن تستمر بقيادة معدلات النمو على مدى السنوات المقبلة.

ويضيف التحليل: "من الأكيد أنّ كل هذه التطوّرات ستحمل فرصًا مهمّة لدول الشرق الأوسط، بالنظر إلى الترابط التاريخي ما بين الاقتصاد الهندي واقتصادات هذه الدول، وخصوصًا الخليجيّة منها، بالإضافة إلى التقارب الجغرافي ما بين الهند والشرق الأوسط".

ويتابع: "هذه الفرص لن تقتصر على الجانب الاستثماري والتجاري فحسب، بل ستشمل بعض التحوّلات السياسيّة التي يمكن أن تنتج عن الصعود الاقتصادي الهندي".

وتُعتبر الهند ثالث أكبر مستورد للنفط والغاز عالميًا، بعد كل من الصين والولايات المتحدة، حيث تصل قيمة وارداتها من مصادر الطاقة إلى حدود الـ119 مليار دولار أمريكي سنويًا.

اقرأ أيضاً

فورين بوليسي: تقارب الهند مع الخليج يستهدف مواجهة الصين

ورغم استفادة الهند من انخفاض أسعار النفط الروسي، مازالت دول الخليج، وخصوصًا قطر والإمارات والسعوديّة، تؤمّن 60% من حاجات الشركات الهنديّة لمصادر الطاقة.

ولهذا السبب، وفق التحليل، فمن الأكيد أنّ تنامي حجم الصناعات الهنديّة سيعني تلقائيًا زيادة طلب الشركات الهنديّة على النفط والغاز الخليجي، ما سيؤمّن سوقًا مستقرًا لهذا النوع من الصادرات الخليجيّة.

يشار إلى أنّ التقارب الجغرافي ما بين الهند ودول الخليج، يسمح بتحييد سلاسل توريد الطاقة بين الطرفين عن التوترات الأمنيّة والعسكريّة، التي يمكن أن تهدد هذه الإمدادات في أنحاء أخرى من العالم.

كما تجدر الإشارة إلى أنّ تنامي طلب الهند على مصادر الطاقة الخليجيّة يكتسب أهميّة استثنائيّة في سوق الغاز المُسال بالتحديد، وخصوصًا بالنسبة لقطر، التي تعتمد بشكل كبير على صادرات الغاز.

في الوقت نفسه، تمثّل القطاعات الإنتاجيّة الهنديّة عامل جذب للاستثمارات والصناديق السياديّة الخليجيّة، الباحثة عن فرص مغرية في أسواق جنوب آسيا، لتنويع توظيفاتها وعدم حصرها بالأسواق الغربيّة.

ولاستقطاب هذه الرساميل، قدّمت الحكومة الهنديّة أساسًا إعفاءات ضريبيّة كبيرة لأرباح صناديق الثروة السياديّة، من استثماراتها في الهند، ما دفع جهاز أبوظبي للاستثمار، وشركة مبادلة للاستثمار الإماراتيّة، وصندوق الاستثمارات العامّة السعودي، للدخول في استثمارات طويلة الأجل في قطاعات البنية التحتيّة والطاقة والصناعة في الهند.

اقرأ أيضاً

لماذا تعمق الهند تعاونها العسكري مع دول الخليج وغرب آسيا؟.. أسباب مهمة

ويؤكد التحليل أن اتجاه الدول الخليجيّة للاستثمار في الهند يتسق مع سعي بعض زعماء هذه الدول، لتقليص الاعتماد على الشركات الاستراتيجيّة مع الولايات المتحدة والدول الغربيّة.

ومن هذه الزاوية بالتحديد، يمكن فهم حرص ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على إنشاء مجلس خاص للشراكة الاستراتيجيّة مع الهند، بهدف تطوير علاقات البلدين في المجالات الدفاعيّة والأمنيّة والنفطيّة.

في المقابل، وبينما يسعى العراق إلى التحوّل إلى مركز إقليمي للنقل في منطقة الشرق الأوسط، سيسمح تنامي الصادرات الهنديّة بزيادة الحاجة إلى البنية التحتيّة العراقيّة، التي ستقوم بنقل هذه الصادرات شمالًا باتجاه أوروبا.

وتمثل الهند ثاني أكبر شريك تجاري للعراق، بعد الصين، بينما يمثّل العراق خامس أكبر شريك تجاري للهند.

ويختتم التحليل بالقول: "يمكن القول إن خطوط التوريد الموجودة أصلًا بين البلدين ستسمح للعراق بالتحوّل إلى مركز لإعادة تصدير المنتجات الهنديّة، بعد إنجاز الاستثمارات التي تكفل بتحويله إلى مركز للنقل في منطقة الشرق الأوسط".

اقرأ أيضاً

أوراسيا ريفيو: الإسلاموفوبيا تشوه صورة الهند شعبيا في الخليج

المصدر | الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الهند الخليج السعودية استثمارات السياسة الخارجية الشرق الأوسط الاقتصادی ة دول الخلیج ة الهندی ة الخلیجی ة اقتصادی ا اقرأ أیضا اقتصادی ة فی الهند ة التی القو ة ما بین

إقرأ أيضاً:

«فلسفة الدين».. التحليل العقلي للمعتقدات الدينية

 

 

فلسفة الدين هي الدراسة العقلية للمعاني والمحاكمات التي تطرحها الأسس الدينية وتفسيراتها للظواهر الطبيعية وما وراء الطبيعة مثل الخلق والموت ووجود الخالق. أي أن فلسفة الدين هي ذلك الفرع من الفلسفة المعني بدراسة وتحليل طبيعة المعرفة الدينية وما تنطوي عليه المعتقدات الدينية ونوع الأدلة والبراهين التي تستند إليها تلك المعرفة، وتحاول تحليل التجارب الإيمانية والبحث في منابعها وتجليتها وأحوالها.

ولهذا نجد، خلال التاريخ أن الدين والفلسفة كثيرًا ما كانا شريكين أو خصمين سواء في عصر اليونان أو زمن الرومان، كما أن تعارضهما سمة مهمة جدًا في تاريخ الفلسفة، فمجرد زعم أو ادعاء أن الفلسفة كانت تزدري (تستخف) الدين، إذ الواقع أن الفلسفة لم تهمل الدين إلا في الظاهر فحسب. ففي التاريخ لم يحدث أبدًا أن ترك الواحد منهما الآخر دون أن يمسه.

عزيزي القارئ، أننا في الفلسفة نجد أن الأعلى (الله) يسمي المطلق، الفكرة العادية، ومن نافلة القول إننا نرتد أكثر هنا إلى الوراء ونقول إن هذا الأعلى كان يسمي في فلسفة فولف – فيلسوف ألماني – (الشيء)، ذلك أنه يعلن نفسه في التو على أنه تجريد وهو يتطابق تطابقاً غير دقيق بالمرة مع فكرتنا عن الله. والمطلق في الفلسفة الأكثر حداثة ليس تجريداً كاملاً على هذا النحو، ومع هذا ليست فيه الدلالة نفسها المتضمنة في مصطلح الله. ولكي نجعل حتى الفرق واضحاً يجب في المقام الأول أن ننظر فيما تدل عليه كلمة تدل.

إلا أنه ظهر في نهاية القرن الثامن عشر، مصطلح "فلسفة الدين"، وهي نوع من الفلسفة تعتمد العقلَ في بحث وتحليل المقدسات، والمعتقدات، والظواهر الدينية، وتفسيرها. ففلسفة الدين هي التكشف وهي الاستيعاب لله، موجودة وعن طريقها فحسب تكون معرفتنا الفلسفية بطبيعة الله قد تم التوصل إليها. إن الله هو هذه الفكرة المعروفة تماماً والمألوفة – إنه فكرة هي – على أي حال – لم تتطور بعد علمياً ولم تُعرف بعد علمياً.

ولعل القارئ لهذا الفرع من الفلسفة – فلسفة الدين – يُدرك أتم الادراك أن العلاقة بين الفلسفة والدين اتخذت أشكالاً متعددة، في المراحل التاريخية المختلفة، حسب رؤية علماء الدين للفلسفة وحسب رؤية الفلاسفة للدين، وقدم الفلاسفة في هذه الإطار تصورات فلسفية متنوعة للعلاقة بين الدين والفلسفة.

وكانت فلسفة الدين في العصور القديمة جزءًا لا يتجزأ من الميتافيزيقا. فقد تجلت فلسفة الدين عند أفلاطون في نظرياته الفلسفية وخاصة في نظريته حول "المثل" التي جعل على رأسها مثالاً للمثل هو "مثال الخير" الذي هو صورة الإله الأسمى عند أفلاطون، وقد كان لأفلاطون نظريته المستقلة عن الخلق، وتحدث فيها عن دور الإله الصانع في خلق هذا العالم الذي أعتبره أفلاطون حادثاً، وإن لم يكن صنعه قد تم إلا من خلال وجود مادة قديمة هي العناصر الأربعة، ومثال قديم هو ما يشكل من خلاله الإله الصانع أي شيء أو أي كائن من الكائنات. 

أما أرسطو في كتابه الشهير "الميتافيزيقا" قد اعتبر أن البحث عن العلة الأولى للوجود، علة الحركة غير المتحركة من صميم البحث الميتافيزيقي، وتم تسميته "الإله". وتبعاً لأرسطو فإن البحث حول الإله هو موضوع دراسة اللاهوت الطبيعي. وتبنى الفلاسفة منذ ذلك التاريخ حتى اليوم مصطلح فلسفة الدين لهذا النوع من الدراسة كمجال مستقل من التخصص. وذلك على الرغم من أنه مازال هنالك بعض الفلاسفة وخاصة الفلاسفة الكاثوليك يعتبرونه جزءًا من الميتافيزيقا.

وإذا ألقينا النظر على العصر الوسيط – بشقيه المسيحي والإسلامي – يمكننا القول إن الفكرة التي سادت العصر الوسيط المسيحي هي تلك التي نادت بعجز العقل البشري وحده عن الإحاطة بكثير من مسائل ما بعد الطبيعة. ومن هنا خضعت الفلسفة للدين (أو العقل للنقل) خضوعاً تامًا في القرن الثالث عشر الميلادي، وانتشرت العبارة المشهورة التي تقول: "إن الفلسفة إن هي إلا خادمة لعلم اللاهوت أو تابعة له".

وأكد أيضاً فلاسفة الإسلام علي أنه "لا يوجد أي تعارض بين الدين والفلسفة فالحق لا يضاد الحق"، وأن الحجة العقلية الفلسفية داعمة للإيمان والاعتقاد الديني ومؤكدة له، فالدين والفلسفة يلتقيان في معالجة موضوعات معينة مثل أصل العالم، طبيعة الإنسان، وطبيعة الوجود. أما في العصور الحديثة فقد استقلت الفلسفة عن اللاهوت، وعادت إلى الاعتزاز بالعقل، وهذا ما رأيناه مع رينيه ديكارت، وديفيد هيوم، وإيمانويل كانط.

إذًا فالعلاقة بين الدين والفلسفة علاقة جدلية من قديم، والتلاقي بينهما قليلًا، والتصادم كثيرًا، هو الذي يحكم طبيعة التعامل بينهما، أو بالأحرى التعامل بين من ينتمي إلى كل منهما. ومثل هذه العلاقة من الشد والجذب تعكس تداخل موضوعاتها والقضايا المتعلقة بهما. فالدين يمثل القلب والعقل معًا، وهو رحلة العلاقة الروحية من الإنسان تجاه خالقه، وهو ضمان للسعادة في الدينا والآخرة. أما الفلسفة فهي جهد الإنسان لبلوغ الحقيقة.

[email protected]

مقالات مشابهة

  • «فلسفة الدين».. التحليل العقلي للمعتقدات الدينية
  • التوتر البنغلاديشي- الهندي: بين النفوذ الإقليمي والسيادة الوطنية
  • وفاة رئيس الوزراء الهندي السابق مانموهان سينج
  • آمال النمو الاقتصادي في أميركا تقود العملة الخضراء للارتفاع
  • تحديات النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. المشكلات الموضوعية
  • تحديات النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. المشكلات الموضوعية
  • أنظمة ري وقروض.. 10 قرى تستفيد من مشروع «ستار» بالمنيا
  • محافظ دمياط: دعم متواصل لمنظومة الاستثمار وجذب المستثمرين ورفع معدلات النمو الاقتصادي
  • الحكومة: استطعنا تأمين استقرار الدولة للحفاظ على النمو الاقتصادي
  • مدبولي: الحكومة مستبشرة بوصول النمو الاقتصادي 4% عام 2025