د. طارق عشيري
    
نجاح الدول الصناعية الكبرى يعتمد على كيفية الاستفادة من المحتوى المحلي للدولة؛ حيث تتبنى الرؤية الاستراتيجية للدولة على إمكانياتها بالنهوض المحلي أولًا ثم الانتقال إلى العالمية، وبما أن أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة بحلول عام 2030، تتواءم مع رؤية "عُمان 2040"، التي من خلالها تم تعزيز التنمية المستدامة بكل جوانبها الاقتصادية والعمرانية والاجتماعية التي تسعى لتحقق الاكتفاء الذاتي والذي بدوره يعزز الأمن الغذائي والدوائي والتقليل من المخاطر الناتجة على الاعتماد على الآخرين، ومن هذا المنطلق يمثل المحتوى المحلي في رؤية السلطنة نقطة تحول في اقتصادها.


ورؤية "عُمان 2040" هي خطة استراتيجية تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط والغاز، مع التركيز على تعزيز المحتوى المحلي في مختلف القطاعات الاقتصادية؛ حيث تشمل أهداف الرؤية دعم الصناعات المحلية، تنمية القطاع الخاص، تعزيز الابتكار، والاستثمار في رأس المال البشري.
وقد حققت الرؤية نجاحات ملموسة، منها زيادة الاعتماد على المنتجات المحلية، والعمل على نمو الصناعات التحويلية، دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص. كما شملت النجاحات تطوير الصناعات الزراعية والسمكية ودعم الابتكار التكنولوجي.
ومع ذلك، تواجه الرؤية تحديات مثل: ندرة بعض الموارد، الحاجة إلى مزيد من الاستثمار في التحول الرقمي، والتأثر بالأزمات الاقتصادية العالمية، ولتحقيق أهداف الرؤية يتطلب الأمر تعاونًا مستمرًا بين القطاعين العام والخاص.
المحتوى المحلي في سلطنة عُمان يهدف إلى تعزيز استخدام الموارد الوطنية، توفير فرص العمل للمواطنين، وتقليل الاعتماد على الواردات. يتم تحقيق ذلك من خلال سياسات حكومية داعمة، مثل برنامج القيمة المحلية المضافة (ICV)، الذي يُركز على الاستثمار المحلي، تطوير الصناعات الوطنية، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وتشمل الجهود أيضًا تعزيز التصنيع المحلي في قطاعات مثل التعدين والزراعة، والاستثمار في التعليم والتدريب لتأهيل الشباب العُماني، بالإضافة إلى دعم ريادة الأعمال وتشجيع الابتكار. كل ذلك يسهم في تنويع الاقتصاد وتعزيز استدامته.
المحتوى المحلي في سلطنة عُمان يمثل جزءًا أساسيًا من الجهود المبذولة لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة وتعزيز التنوع الاقتصادي. يركز على استخدام الموارد الوطنية من مواد خام، وخدمات، وكوادر بشرية، لتحفيز النمو الاقتصادي وتقليل الاعتماد على الواردات. 
ويتمثل المحتوى المحلي في تشجيع الشركات على توظيف الكفاءات الوطنية، واستخدام المواد المحلية في الإنتاج، وتطوير الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص. 
الحكومة العُمانية وضعت سياسات تهدف إلى زيادة المحتوى المحلي عبر القوانين والمبادرات. تشمل هذه السياسات اشتراط استخدام مواد وخدمات محلية في المشاريع الكبرى، خاصة في قطاع النفط والغاز.
ويُعد المحتوى المحلي أحد الركائز الأساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في سلطنة عُمان. من خلال تعظيم الاستفادة من الموارد الوطنية، ودعم الصناعات المحلية، وتمكين الكفاءات العُمانية، تسعى السلطنة إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام يعزز من تنافسيتها العالمية. ورغم التحديات التي تواجه تحقيق هذه الأهداف، فإن الالتزام بالتعاون بين القطاعين العام والخاص، والاستثمار في الابتكار والتعليم، سيضمن تحقيق رؤية عُمان 2040 وجعل المحتوى المحلي محورًا رئيسيًا في نهضتها الاقتصادية.
ويعد تطوير المحتوى المحلي في سلطنة عُمان هدفًا استراتيجيًا لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاقتصاد الوطني، ومع التوجه نحو التنويع الاقتصادي ضمن رؤية "عُمان 2040"، يبرز المحتوى المحلي كعنصر رئيسي لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الواردات.
وهناك ركائز مستقبلية لتطوير المحتوى المحلي؛ منها: تشجيع إنشاء المصانع والشركات المحلية، مع تقديم الحوافز للمستثمرين ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة لزيادة الإنتاج الوطني.
ولا شك أن توسيع برامج التدريب والتأهيل لرفع كفاءة الكوادر المحلية وتزويدها بالمهارات اللازمة للمساهمة في الإنتاجية، مما يضمن تقليل الاعتماد على العمالة الأجنبية، إلى جانب تبني تقنيات حديثة لتعزيز الإنتاج المحلي، مثل الذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد، والاستثمار في البحث والتطوير لدفع عجلة الابتكار، وكذلك بناء شراكات بين القطاعين العام والخاص لدعم سلسلة التوريد المحلية وتعزيز القيمة المضافة للاقتصاد الوطني، علاوة على تشجيع المنتجات المحلية على دخول الأسواق الإقليمية والعالمية من خلال تحسين الجودة ودعم العلامات التجارية العُمانية.
في المقابل، هناك تحديات مُحتملة، مثل تحدي التمويل بتوفير قروض ميسرة وحوافز ضريبية لدعم المشاريع المحلية، ووضع سياسات تحمي الصناعات المحلية دون الإضرار بالتجارة الحرة، وإطلاق حملات توعوية لتحفيز المواطنين والمقيمين على دعم المنتجات المحلية.
وأخيرًا.. إنَّ تطوير المحتوى المحلي في سلطنة عُمان ليس مجرد خيار؛ بل ضرورة لتحقيق التنمية المستدامة، ويمثل ذلك خطوة نحو تحقيق رؤية مستقبلية قوية ومستقرة نحو "عُمان 2040".
 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: بین القطاعین العام والخاص وتقلیل الاعتماد على التنمیة المستدامة الصغیرة والمتوسطة لتحقیق التنمیة والاستثمار فی

إقرأ أيضاً:

73 مستشفى غير معتمد في المملكة.. ”سباهي“ يكشف تفاصيل عدم الالتزام بالمعايير

كشف تقرير حديث صادر عن المجلس المركزي لاعتماد المنشآت الصحية ”سباهي“ أن 73 مستشفى في المملكة، تمثل حوالي 16,97% من إجمالي المستشفيات التي تمت زيارتها وتقييمها، لم تتمكن من الحصول على شهادة الاعتماد حتى تاريخ 13 مارس الماضي، ويأتي ذلك من أصل 430 مستشفى شملتها عمليات التقييم التي أجراها المركز.
وأوضح التقرير أن هناك أيضاً 12 مستشفى لا تزال قيد إجراءات التقييم ولم يصدر قرار نهائي بشأن اعتمادها، بالإضافة إلى تعليق اعتماد مركز واحد متخصص في جراحة القلب، مما يسلط الضوء على التحديات التي تواجه بعض المنشآت في تلبية معايير الجودة والسلامة المطلوبة.
أخبار متعلقة طقس بداية الأسبوع.. إنذار أحمر من أمطار غزيرة على المدينة والقصيمصواعق رعدية وأمطار خفيفة على مكة المكرمة تستمر حتى المساء .article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } 73 مستشفى غير معتمد في المملكة.. ”سباهي“ يكشف تفاصيل عدم الالتزام بالمعاييرمستشفيات غير معتمدةوعند تحليل توزيع المستشفيات غير المعتمدة على المناطق الرئيسية، أظهر التقرير أن منطقة الرياض سجلت العدد الأعلى من المستشفيات التي لم تحصل على الاعتماد، بواقع 20 مستشفى من أصل 90 تم تقييمها، وهو ما يمثل نسبة 22,2% من مستشفيات المنطقة التي شملها التقييم.
تلتها منطقة مكة المكرمة بعدد 12 مستشفى غير معتمد من أصل 85 «بنسبة 14,1%»، ثم المنطقة الشرقية بعدد 9 مستشفيات غير معتمدة من أصل 75 «بنسبة 12%».
وفي المقابل، سجلت منطقة نجران أقل عدد ونسبة، حيث يوجد مستشفى واحد فقط لم يحصل على الاعتماد أو لا يزال في طور التقييم من أصل 15 مستشفى تم زيارتها «بنسبة تقارب 6,7%».
ورغم هذه الأرقام، أشار التقرير إلى أن الغالبية العظمى من المستشفيات التي تم تقييمها، بواقع 344 مستشفى تمثل 80%، قد نجحت في تلبية المعايير المطلوبة وحصلت على اعتماد ”سباهي“، مما يعكس جهوداً كبيرة مبذولة في القطاع الصحي لتحسين الجودة.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } 73 مستشفى غير معتمد في المملكة.. ”سباهي“ يكشف تفاصيل عدم الالتزام بالمعاييرتعزيز جودة الرعاية الصحيةويعتبر المركز السعودي لاعتماد المنشآت الصحية هو الجهة الرسمية المخولة منح شهادات الاعتماد لجميع منشآت الرعاية الصحية العاملة في القطاعين العام والخاص بالمملكة، وقد انبثق المركز السعودي لاعتماد المنشآت الصحية من المجلس الصحي السعودي كمنظمة غير هادفة للربح.
وتكمن مهام المركز الرئيسية في وضع معايير جودة الرعاية الصحية وسلامة المرضى التي يتم بموجبها تقييم جميع منشآت الرعاية الصحية لإقامة الدليل على التقيد بتلك المعايير.
وتٌلزم جميع منشآت تقديم الرعاية الصحية في القطاعين العام والخاص «المستشفيات، المستوصفات، بنوك الدم، المختبرات الطبية» بالتقيد بالمعايير الوطنية التي يضعها المركز السعودي لاعتماد المنشآت الصحية والحصول على الاعتماد من خلال عملية التقييم المنصوص عليها من قبل المركز.

مقالات مشابهة

  • محافظة الإسماعيلية تطلق مشروع "السوق الحضري" لدعم الصناعة المحلية وتعزيز التنافسية
  • مكتبة النهضة.. ذاكرة عراق في قلب بغداد (صور)
  • معهد دبي القضائي يحصل على اعتماد المركز الوطني للمؤهلات
  • السيسي: حريصون على توطين الصناعات المرتبطة بالنقل وزيادة نسبة المكون المحلي
  • وزير الإسكان يوجه بزيادة الاعتماد على المنتج المحلي في تنفيذ المشروعات
  • "مياه نهر النيل شريان الحياة".. رسالة حاسمة من السيسي عن تطورات سد النهضة
  • النهضة يهزم الخابورة برباعية
  • أكد اهتمام وحرص القيادة ومتابعتها المستمرة.. الخريف: نعمل بروح الفريق الواحد لتطوير المحتوى المحلي
  • بلدية دبا الحصن تجدد اعتماد «آيزو استمرارية الأعمال»
  • 73 مستشفى غير معتمد في المملكة.. ”سباهي“ يكشف تفاصيل عدم الالتزام بالمعايير