لجريدة عمان:
2025-03-10@02:43:36 GMT

السيّاب..ستّون عاما من الغياب

تاريخ النشر: 25th, December 2024 GMT

ككلّ عام، لم تمرّ ذكرى وفاة الشاعر الرائد بدر شاكر السيّاب التي توافق الرابع والعشرين من ديسمبر، مرورا عابرا، فقد أشعلت الأوساط الثقافـية فـي مناطق عديدة من عالمنا العربي، الشموع على روحه، مستذكرة دوره الريادي البارز فـي الشعرية العربية، وهو دور كرّسه منجزه الشعري الضخم الذي تركه الشاعر المولود فـي البصرة عام 1926م والمتوفّى فـي الكويت 1964م، رغم عمره القصير، فلم يكن يومها قد «لامس حدود الأربعين»، على حدّ وصف زميلته الشاعرة لميعة عباس عمارة بقولها فـي قصيدة أهدتها لروحه:

«يوم أحببتكَ أغمضتُ عيوني

لم تكن تعرفُ ديني

فعرفنا وافترقنا دمعتين

عاشقاً مُتَّ ولم تلمسْ حدود الأربعين

وأنا واصلتُ أعواميَ

أو .

.. واصلتُ تسديد ديوني»

فإذا ما شطبنا سنوات الطفولة، والمراحل الدراسية الأولى، سوف يتبقّى حوالي عشرين سنة أنجز خلالها جلّ عطائه الشعري الذي غيّر به خريطة الشعر العربي الحديث، وقد ظلّ متدفّقا حتى فـي سنوات مرضه الذي هاجم جسده النحيل فـي عام 1961م حين بدأ يشعر بآلام شديدة فـي الظهر، تبعه ضمور فـي القدمين، لإصابته بمرض فـي جهازه العصبي حدّ من حركته، وبدأ يشلّها، شيئا فشيئا، وقد بذل الأطباء جهودا فـي بغداد، وبيروت، ولندن، دون جدوى، وكانت خاتمة الرحلة فـي المستشفى الأميري بالكويت الذي تلقّى به العلاج بمساعدة صديقه الشاعر الكويتي علي السبتي.

شعراء كثيرون ظهروا مع السياب وقبله وبعده، لم ينالوا ما نال السيّاب من الشهرة والدراسة، والتقدير، وظلّ علامة فارقة، فـي الشعر العربي، يرى الناقد د. محمد لطفـي اليوسفـي فـي محاضرة له ألقاها فـي مركز سلطان بن زايد عام 2012م أن «المعنى بدأ بالأفول منذ عصر السياب».

ونتيجة لتفرّده استحقّ الاحتفاء، والأمم المتقدّمة تحتفـي بشعرائها البارزين، وقد روى لي الشاعر الكبير الراحل عبدالرزّاق عبدالواحد أنه حين فاز بوسام بوشكين فـي مهرجان الشعر العالمي الذي أقيم بموسكو عام 1976م وتزامنت زيارته مع احتفالات روسيا بيوم ولادة بوشكين ( 1799 - 1837م) الذي يوافق السادس والعشرين من مايو من كل عام، ورأى المكانة التي يحتلّها هذا الشاعر ذو الأصول الحبشية فـي روسيا، فالمسارح تعرض مسرحياته، وبلدية موسكو تضع لافتات على الشوارع تشير إلى أماكن كان يجلس فـيها بوشكين، وخصصت الإذاعة الرسمية ومحطّة التلفزيون برامج خاصة عن شاعر روسيا الكبير، ويزور الروس تماثيله ويضعون عليها باقات الورود، وكم تمنّى أن ينال الشاعر العربي مثل هذا التقدير فـي أمّة كان الشعر له مكانة عليا فـي أيّامها الزاهرة فهو ديوانها وسجلّ أيّامها ! ومع ذلك يظلّ السيّاب هو الأوفر حظّا فـي التكريم بين الشعراء، فقد نال من التكريمات ما لم يحظ به شاعر عربي، وللأسف جاء ذلك بعد رحيله، فقد أزيح الستار عن تمثال له فـي مدينته البصرة عام 1972م أي بعد ثمانية أعوام عن رحيله، وأعيدت طباعة دواوينه عدّة مرات، وكُتبت عن شعره مئات الرسائل الجامعية وصدرتْ مئات الكتب عنه، وأدرجت قصائده وسيرته فـي المناهج الدراسية، ونالت مجايلته الشاعرة نازك الملائكة التي توفـيت فـي عام 2007م بعضا من هذا التقدير بدرجة أقلّ، ونظر لها البعض كونها ناقدة أهم منها شاعرة، بينما تجاهلت المؤسسات الثقافـية الشاعر عبدالوهّاب البيّاتي، ثالثهما فـي ريادة الشعر الحديث!

ورغم تبدل الأنظمة السياسية فـي العراق إلا أن تقدير السياب ظلّ من الثوابت الثقافـيّة، وهذا الاهتمام لم يأت عن فراغ، فالأثر الشعري الذي أحدثه السيّاب فـي الشعر العربي لم يكن قليلا، والمنجز الشعري الذي تركه ليس بالهيّن، وسيبقى صوته مؤثّرا فـي الأجيال القادمة، وقد أسرني شعره منذ أول نص قرأته له فـي عام 1972 فـي مقال نُشر فـي صحيفة (المزمار)، يومها، وجدت نفسي منجذبا إليه، فقد شعرتُ كأنه يتحدّث معي، وفهمتُ أنّ الشعر هو حديث الروح للروح، وقد علقتْ بعض كلماته فـي ذهني لليوم:

«وداعا يا صحابي يا أحبائي

إذا ما شئتمو أن تذكروني فاذكروني ذات قمراءِ

وإلّا فهو محض اسم تبدّد بين أسماء

وداعا يا أحبائي»

وكم سُعدتُ عندما كلّفني ولده المهندس غيلان السياب المقيم فـي أمريكا بتسلم درع تكريم والده فـي مهرجان الشعر العربي الذي أقيم فـي إسطنبول عام 2021م نيابة عنه بعد تعذّر حضوره، وكما قال: «النخل الذي أحاط بالوالد وظلّله هو الذي أحاط بك وظلّلك، والماء الذي سقاه هو ما سقاك، والتراب الذي كوّن جسمه هو ما كوّنك. وفوق هذا وذاك، فالأدب رحِمٌ بين أهله».

وحين اعتليت المنصّة، شعرتُ برهبة، فاسم السيّاب له وقع خاص فـي الوجدان، واليوم ونحن نحتفـي بمرور ستين سنة على غيابه المبكّر، سيبقى هذا الاسم الذي حفره فـي تاريخ الشعر العربي، حاضرا، بقوّة، لأجيال قادمة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشعر العربی

إقرأ أيضاً:

حسام الشاعر: مشاركة مصر في بورصة برلين السياحية تحقق نتائج واعدة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكد حسام الشاعر، رئيس الاتحاد المصري للغرف السياحية، أن مشاركة مصر في بورصة السياحة الدولية ببرلين، التي اختتمت أعمالها مؤخرًا، كانت ناجحة وحققت نتائج إيجابية تعكس المكانة القوية للسياحة المصرية على الساحة العالمية.

وأوضح، أن هذه المشاركة جاءت متماشية مع أهمية بورصة برلين باعتبارها أكبر تجمع سياحي عالمي يرسم خريطة السياحة الدولية للعام المقبل.

وأشار الشاعر إلى أن المشاركة المصرية شهدت حضورًا مكثفًا للقطاع السياحي بشقيه الرسمي والخاص، حيث ترأس وزير السياحة والآثار، شريف فتحي، الوفد المصري، إلى جانب مشاركة واسعة من كبار المستثمرين السياحيين ورؤساء الغرف السياحية. 

كما شهد الجناح المصري لقاءات مكثفة بين مستثمري السياحة الدوليين ونظرائهم المصريين، تركزت حول مستقبل السياحة في مصر وفرص التعاون مع الكيانات السياحية العالمية.

وأضاف الشاعر، أن هناك اهتمامًا عالميًا متزايدًا بالتطورات التنموية التي تشهدها مصر، خاصة فيما يتعلق بالبنية التحتية، وتطوير الطرق، والحوافز الاستثمارية المقدمة للقطاع السياحي. 

كما لفت إلى أن كبار منظمي الرحلات حول العالم يتابعون عن كثب هذه التغيرات، مما يعزز فرص النمو والاستثمار في السوق السياحية المصرية.

وأوضح رئيس اتحاد الغرف السياحية، أن الجناح المصري في بورصة برلين شهد إقبالًا كبيرًا، خاصة مع تخصيص ركن خاص للترويج للمتحف المصري الكبير، مما جذب اهتمامًا واسعًا من الزوار، وأكد أن العالم يترقب بشغف افتتاح المتحف، الذي يُعد مشروعًا استثنائيًا سيعزز مكانة مصر كوجهة سياحية عالمية.

وأشار أيضًا إلى الحضور القوي للساحل الشمالي في البورصة، حيث أبدى كبار منظمي الرحلات اهتمامًا متزايدًا بإضافته إلى خريطة السياحة الدولية، لما يتمتع به من مقومات سياحية واعدة.

كما أشار الشاعر إلى التواجد البارز لمنتج السياحة الثقافية، حيث أعلن وزير السياحة والآثار عن تقديم حوافز جديدة لتعزيز السياحة في الأقصر وأسوان خلال الموسم الصيفي، مع التركيز على تنشيط السياحة النيلية وتطوير هذا المنتج الفريد الذي يميز مصر عن باقي الوجهات السياحية العالمية.

مقالات مشابهة

  • صيادو جزر فرسان.. مغامرات يرسمها الغياب طلبًا للرزق
  • نجم الفرقد
  • ما يبقى من الشعر وما يبقى للشعراء
  • غزة… أهناك حياة قبل الموت؟ أنطولوجيا شعرية توثق صمود الروح
  • 5 خطوات لتدليك فروة الرأس وتعزيز نمو الشعر
  • استشهد السيّد؟.. مسلسل عربي يستذكر نصرالله بطريقة مؤثرة (فيديو)
  • الغياب من «أبطال أوروبا» يهدد دورتموند!
  • حسام الشاعر: مشاركة مصر في بورصة برلين السياحية تحقق نتائج واعدة
  • حسام الشاعر: نتائج مبشرة للمشاركة المصرية في بورصة برلين السياحية
  • علي معلول يواصل الغياب عن الأهلي أمام الزمالك