السيّاب..ستّون عاما من الغياب
تاريخ النشر: 25th, December 2024 GMT
ككلّ عام، لم تمرّ ذكرى وفاة الشاعر الرائد بدر شاكر السيّاب التي توافق الرابع والعشرين من ديسمبر، مرورا عابرا، فقد أشعلت الأوساط الثقافـية فـي مناطق عديدة من عالمنا العربي، الشموع على روحه، مستذكرة دوره الريادي البارز فـي الشعرية العربية، وهو دور كرّسه منجزه الشعري الضخم الذي تركه الشاعر المولود فـي البصرة عام 1926م والمتوفّى فـي الكويت 1964م، رغم عمره القصير، فلم يكن يومها قد «لامس حدود الأربعين»، على حدّ وصف زميلته الشاعرة لميعة عباس عمارة بقولها فـي قصيدة أهدتها لروحه:
«يوم أحببتكَ أغمضتُ عيوني
لم تكن تعرفُ ديني
فعرفنا وافترقنا دمعتين
عاشقاً مُتَّ ولم تلمسْ حدود الأربعين
وأنا واصلتُ أعواميَ
أو .
فإذا ما شطبنا سنوات الطفولة، والمراحل الدراسية الأولى، سوف يتبقّى حوالي عشرين سنة أنجز خلالها جلّ عطائه الشعري الذي غيّر به خريطة الشعر العربي الحديث، وقد ظلّ متدفّقا حتى فـي سنوات مرضه الذي هاجم جسده النحيل فـي عام 1961م حين بدأ يشعر بآلام شديدة فـي الظهر، تبعه ضمور فـي القدمين، لإصابته بمرض فـي جهازه العصبي حدّ من حركته، وبدأ يشلّها، شيئا فشيئا، وقد بذل الأطباء جهودا فـي بغداد، وبيروت، ولندن، دون جدوى، وكانت خاتمة الرحلة فـي المستشفى الأميري بالكويت الذي تلقّى به العلاج بمساعدة صديقه الشاعر الكويتي علي السبتي.
شعراء كثيرون ظهروا مع السياب وقبله وبعده، لم ينالوا ما نال السيّاب من الشهرة والدراسة، والتقدير، وظلّ علامة فارقة، فـي الشعر العربي، يرى الناقد د. محمد لطفـي اليوسفـي فـي محاضرة له ألقاها فـي مركز سلطان بن زايد عام 2012م أن «المعنى بدأ بالأفول منذ عصر السياب».
ونتيجة لتفرّده استحقّ الاحتفاء، والأمم المتقدّمة تحتفـي بشعرائها البارزين، وقد روى لي الشاعر الكبير الراحل عبدالرزّاق عبدالواحد أنه حين فاز بوسام بوشكين فـي مهرجان الشعر العالمي الذي أقيم بموسكو عام 1976م وتزامنت زيارته مع احتفالات روسيا بيوم ولادة بوشكين ( 1799 - 1837م) الذي يوافق السادس والعشرين من مايو من كل عام، ورأى المكانة التي يحتلّها هذا الشاعر ذو الأصول الحبشية فـي روسيا، فالمسارح تعرض مسرحياته، وبلدية موسكو تضع لافتات على الشوارع تشير إلى أماكن كان يجلس فـيها بوشكين، وخصصت الإذاعة الرسمية ومحطّة التلفزيون برامج خاصة عن شاعر روسيا الكبير، ويزور الروس تماثيله ويضعون عليها باقات الورود، وكم تمنّى أن ينال الشاعر العربي مثل هذا التقدير فـي أمّة كان الشعر له مكانة عليا فـي أيّامها الزاهرة فهو ديوانها وسجلّ أيّامها ! ومع ذلك يظلّ السيّاب هو الأوفر حظّا فـي التكريم بين الشعراء، فقد نال من التكريمات ما لم يحظ به شاعر عربي، وللأسف جاء ذلك بعد رحيله، فقد أزيح الستار عن تمثال له فـي مدينته البصرة عام 1972م أي بعد ثمانية أعوام عن رحيله، وأعيدت طباعة دواوينه عدّة مرات، وكُتبت عن شعره مئات الرسائل الجامعية وصدرتْ مئات الكتب عنه، وأدرجت قصائده وسيرته فـي المناهج الدراسية، ونالت مجايلته الشاعرة نازك الملائكة التي توفـيت فـي عام 2007م بعضا من هذا التقدير بدرجة أقلّ، ونظر لها البعض كونها ناقدة أهم منها شاعرة، بينما تجاهلت المؤسسات الثقافـية الشاعر عبدالوهّاب البيّاتي، ثالثهما فـي ريادة الشعر الحديث!
ورغم تبدل الأنظمة السياسية فـي العراق إلا أن تقدير السياب ظلّ من الثوابت الثقافـيّة، وهذا الاهتمام لم يأت عن فراغ، فالأثر الشعري الذي أحدثه السيّاب فـي الشعر العربي لم يكن قليلا، والمنجز الشعري الذي تركه ليس بالهيّن، وسيبقى صوته مؤثّرا فـي الأجيال القادمة، وقد أسرني شعره منذ أول نص قرأته له فـي عام 1972 فـي مقال نُشر فـي صحيفة (المزمار)، يومها، وجدت نفسي منجذبا إليه، فقد شعرتُ كأنه يتحدّث معي، وفهمتُ أنّ الشعر هو حديث الروح للروح، وقد علقتْ بعض كلماته فـي ذهني لليوم:
«وداعا يا صحابي يا أحبائي
إذا ما شئتمو أن تذكروني فاذكروني ذات قمراءِ
وإلّا فهو محض اسم تبدّد بين أسماء
وداعا يا أحبائي»
وكم سُعدتُ عندما كلّفني ولده المهندس غيلان السياب المقيم فـي أمريكا بتسلم درع تكريم والده فـي مهرجان الشعر العربي الذي أقيم فـي إسطنبول عام 2021م نيابة عنه بعد تعذّر حضوره، وكما قال: «النخل الذي أحاط بالوالد وظلّله هو الذي أحاط بك وظلّلك، والماء الذي سقاه هو ما سقاك، والتراب الذي كوّن جسمه هو ما كوّنك. وفوق هذا وذاك، فالأدب رحِمٌ بين أهله».
وحين اعتليت المنصّة، شعرتُ برهبة، فاسم السيّاب له وقع خاص فـي الوجدان، واليوم ونحن نحتفـي بمرور ستين سنة على غيابه المبكّر، سيبقى هذا الاسم الذي حفره فـي تاريخ الشعر العربي، حاضرا، بقوّة، لأجيال قادمة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشعر العربی
إقرأ أيضاً:
40 عاما من العطاء الثقافي.. مؤتمر أدبي لتكريم الشاعر أشرف أبو جليل بالفيوم بمشاركة 50 مبدعا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يقيم المركز الثقافي والإعلامي بنادي قارون بالفيوم مؤتمرا أدبيا موسعا يوم السبت ٢٨ ديسمبر الجاري احتفاء برمز ثقافي من أبناء المحافظة الشاعر والكاتب المسرحي أشرف أبوجليل بعنوان: «40 عاما من العطاء الثقافي».
ويتضمن المؤتمر أربع ندوات نقدية وجلسة للشهادات وأمسية شعرية وأوبريت من تأليف الشاعر أشرف أبوجليل وتكريم عشرة من مثقفي الفيوم الراحلين.
يفتتح المؤتمر بكلمة الإعلامية إيناس عبد العزيز رئيس المركز الثقافي والإعلامي وعضو مجلس إدارة نادي قارون في العاشرة صباحا يليها أوبريت "سجل حلمك لبكرة " تقدمه مدارس 30 يونيه بالفيوم من تأليف أشرف أبوجليل.
يشارك في المؤتمر نخبة من الباحثين والمثقفين والشعراء حيث يشارك في الجلستين النقديتن الصباحيتين عن سمات المسرح الشعري والتسجيلي لدي أشرف أبوجليل كل من الفنانين عزت زين ومحمود عبد المعطي وعلاء عبد القوي والنقاد الدكتور محيي عبد الحي وأحمد عبد القوي وعصام الزهيري ورانيا زينهم وعادل الجمال ويدير الجلستين حسن جبر وعلاء عبد القوي.
وتقام جلستان مسائيتان عن الرواية والشعر وأدب الطفل لدي أبوجليل يشارك فيها من النقاد: الدكاترة عبد الناصر هلال و أحمد تمام ورضا بكري وغادة دكروري، والأدباء: ألفت عبد الكريم وعيد كامل ومجدي مرعي ومحمد جمال وهدى توفيق ويدير الجلستين الأديبان الدكتور محمد ربيع هاشم ومحمد البجيجي، وحول أدوار الشاعر أشرف أبوجليل المتعددة في الحركة الثقافية بالفيوم ورئاسته لجماعة الشعر دار العلوم وإشرافه على مهرجان سعد الدين وهبة المسرحي بالمعادي ودوره في المسرح المدرسي وتطويره للنشاط الثقافي بهيئة قصور الثقافة تدور شهادات النقاد والأدباء: أحمد عبد الرازق أبو العلا والدكتور عايدي على جمعة ود, رضا بكري وعويس معوض وطارق عمران ومعتز الجنيدي ونائبا البرلمان د. محمد طه عليوة وكمال أبوجليل اللذان سيقدمان في نهاية جلسة الشهادات دروع التكريم لعشرة من مثقفي الفيوم الراحلين بحضور أسرهم وهم : المفكرين الدكتور لطفي سليمان ومحمود مرسي والشاعرين محمد عبد المعطي و صلاح على جاد والروائيين حمدي أبوجليل وسيد معوض وفناني المسرح صلاح حامد وأحمد الأبلج والتشكيليين شمس الدين حسين ومحمد الطلاوي ويدير جلسة الشهادات الدكتور نصر الدين الزغبي
ويختتم المؤتمر بأمسية شعرية يتخللها غناء فنان الفيوم عهدي شاكر ويشارك فيها الشعراء: أحمد الفزاري وأحمد الفيصل وأسامة سند وجاسر جمال الدين ود. سارة حسان ود.عايدي على جمعة ود.عبد الناصر هلال وسيدة فاروق وشحاتة إبراهيم وصبري رضوان وطارق عمران وطارق محمود وعبدالله الخطيب وعلاء ابوجليل وعلاء الرمحي وكريم سليم ومحمد حسني إبراهيم ومحمد قاياتي ومحمود بلال ومروة عادل. ومصطفى عبد الباقي