الآخر بيننا.. حوارات مع مستشرقين ومترجمين من العالم
تاريخ النشر: 25th, December 2024 GMT
صدر في المغرب عن دار منشورات ملتقى الطرق بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل كتاب مهم وشيق عنوانه: (الآخر بيننا) وهو عبارة عن حوارات مع مستشرقين ومترجمين أجراها الأستاذ الشاعر والباحث حسن الوزاني، و من المحاورين (بفتح الواو) ثمة مثقفون ساهموا في صناعة المشهد الثقافي والابداعي العالمي، وكانت لهم إسهامات في الترجمة إبداعية وعميقة أثّرت على أجيال كاملة في اللغة والرؤية.
من هؤلاء البريطاني جيمس إي مونتغمري، والإسباني غونزالو فرناندز باريا، والألمانية لاريسا بندر، والإسباني بابلو غارسيا سواريز، والأمريكي مايكل كوبرسون، والصيني تشانغ هونغ يي، وأليكس إلينسون من الولايات المتحدة الأمريكية، والصيني هو يوي شيانغ، وديبوراه كابشن من أمريكا، والفرنسي فرانس ماير، والصيني شوي تشينغ قوه، والأمريكي تشيب روسيتي، والإسباني إغناثيو فيراندو، والصيني تشن تشنغ، والإسبانية اللبنانية فكتوريا خريش، وجستن ستيرنز من أمريكا، ولين فنغمين من الصين، والفرنسية كاترين شاريو، والإسباني فرانسيسكو موسكوسو غارسيا.
أهم ما في كتاب (الآخر بيننا) هو تعرفنا على صورتنا أمام الغرب المثقف، وكان الباحث الوزاني قد أصدر كتابا قبل هذا الذي بين أيدينا، جمع فيه حوارات أجراها مع 30 شاعرا أجنبيا، تحت عنوان: (يتلهون بالغيم) اقترب فيه بشكل كبير كما يقول في مقدمة الكتاب من الجهل الذي يحيط بصورتنا نحن العرب، لدى وفي عدد منهم، ويضيف: وفي أكثر من مرة كان يتردد كتاب الف ليلة وليلة، ضمن أجوبة الشعراء عن أسئلتي الخاصة، باطلاعهم على ملامح الثقافة العربية وبذلك يبدون كما لو أنهم ما زالوا يتخيلون الشرق، فصلا من حكاية اسطورية لم تنته بعد.
علاقة المثقف العربي مع الحداثة الثقافية الأوروبية تراوح مكانها تماما، العربي ما زال متوترا يبحث عن صورته فيها والأوروبي الحديث يبحث عن تفسير لها وأبعاد أخرى تمهيدا لغرض ما ربما يكون استشراقيا استعماريا، وربما يكون خالصا لوجه التثاقف، مما لا شك فيه أن الابداع الأوروبي ما زال مسيطرا على المشهد الإبداعي العالمي، حتى الأدباء العرب الذين كتبوا رواياتهم وقصائدهم بلغات أوروبية بحثا عن مساحة خاصة ورسوخ مختلف لم يتمكنوا من إقناع المثقف الأوروبي أنهم ينطقون باسمهم، وباسم المكان الذي يعيشون فيه، وهذا حسب رأيي، خلق فجوات في الفهم وفي تقدير قدرات الآخر.
في هذا الكتاب ثمة رغبة في تصحيح المشهد، تتلاقى هنا جغرافيات ثقافية مختلفة في صفحات يؤمن صاحبها، بأن التثاقف ضروري جدا لنمو العالم نموا سليما بلا تشويهات طائفية ونعرات ثقافية إثنية هنا وهناك، ويؤمن صاحب هذا الكتاب بأن هذا التجاور بين الجغرافيات الثقافية سيساهم في سد فجوات الفهم والتقدير بين الطرفين.
على غلاف الكتاب كتب مترجم صيني اسمه: شوي تشينغ، (إذا عاش أنسان مع أنسان، أسبوعا، نشأت بينهم محبة أو صداقة فما بالك باللغة العربية التي عايشتها أربعين عاما، انها علاقة أطول من علاقتي بزوجتي واسمحوا لي أن أقول مازحا طبعا لأن محبتي للغة العربية أكثر من محبتي لزوجتي فهي حبيبتي الأولى)، وكتبت مترجمة فرنسية هي فرانس ماير ( أظن أن تعلم لغة أو لغات أخرى خارج اللغة الأم أمر ضروري لتفتح الانسان، وبالنسبة لي تم ذلك عبر اللغات الثلاث الإنجليزية والعربية والفرنسية، وكنت محظوظة باستماعي في نفس الوقت لكلمات اللغة الامازيغية واللغة العربية منذ ولادتي).
حسن الوزاني في سطور:
شاعر وباحث مواليد 1970 شغل منصب مدير الكتاب بوزارة الثقافة المغربية، وهو أيضا أستاذ في مدرسة علوم الاعلام، حاصل على الدكتوراة، في الآداب، صدر له العديد من الدراسات و الدواوين الشعرية مثل: (هدنة ما)،( دليل الكتاب المغاربة،) (قطاع الكتاب بالمغرب،) (الادب المغربي الحديث) وغيرها من الاعمال الأدبية والتوثيقية.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
سامح قاسم يكتب | ضي رحمي.. أن تترجم لتكون القصيدة قلبك الآخر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في عالمٍ تُستنزف فيه الكلمات كما تُستنزف الأعمار، تبدو الترجمة أحيانًا فعلًا باردًا، مجرّد جسر صامت بين لغتين. لكن حين تمر القصائد من بين يدي ضي رحمي، تصبح الترجمة طقسًا شعريًا قائمًا بذاته، كأن النص الأصلي لم يوجد إلا ليُولد من جديد بلغتها. ليست ضي رحمي مترجمة تقف على الحياد بين الشاعر وقارئه العربي، بل هي عاشقة تختار قصائدها كما تختار روحٌ عاشقٌ مَن يهواه، بعين تمسّ، وقلب يُنصت، وضمير لا يُهادن.
ضي رحمي لا تضع نفسها في مصاف "المترجمين المحترفين". تصرّ، بتواضع متوهج، على أنها "مترجمة هاوية". وهذا في ذاته مفتاح لفهم صوتها الخاص: ليست ضي أسيرة قواعد النشر ولا شروط المؤسسات، بل أسيرة الدهشة وحدها. لا تترجم ما يُطلب منها، بل ما يطلبها. ما يمسّها كما لو أن القصيدة سُرّبت لها من حلم سابق.
في هذا المعنى، فإن ترجماتها ليست نقلًا من لغة إلى أخرى، بل استعادة. كأنّ ضي تعثر على قصيدة في لغتها الأم وقد كُتبت أصلًا بها، فتُعيدها إلى أهلها. ليس غريبًا إذًا أن تجد الكثيرين يظنون أن تلك الكلمات التي قرأوها لها هي شعر عربي خالص، لا ترجمة.
ليس من السهل أن تختار قصيدة لتترجمها. فالنصوص، كما الناس، تحمل أعمارًا وأقنعة وثقافات قد تنفر منها الروح أو لا تجد فيها ما يشبهها. غير أن ضي رحمي تمتلك حسًّا نادرًا في هذا الاختيار. تختار القصائد التي تنتمي إلى عوالم هشّة، إلى تلك الفجوات الدقيقة بين الحب والخسارة، الوحدة والحنين، الغضب والرقة. تنجذب إلى الشعراء الذين يكتبون كمن يربّت على كتف العالم: لانج لييف، نيكيتا جيل، رودي فرانسيسكو، وآخرون ممن يُقال عنهم شعراء المشاعر الدقيقة.
وتنجح ضي في أن تنقل هذه المشاعر لا باعتبارها معاني لغوية، بل باعتبارها أصداءً داخلية. فهي تعرف كيف تحفظ موسيقى النص، كيف تُبقي على رعشة الجملة، وعلى ذلك الفراغ النبيل الذي يتخلل بعض القصائد ويمنحها عمقًا لا يُفسَّر.
في ترجماتها، يظهر صوت أنثوي واضح، لكنه غير شعاري. لا تخوض ضي في قضايا النسوية من بوابة المباشرة، بل تفتح بابًا خلفيًا للقارئ كي يرى هشاشة النساء، غضبهن، صمتهن، توقهن للحب، وانهياراتهن الصغيرة، من دون أن تقول ذلك بصوت عالٍ. تترك اللغة تفعل ذلك.
في ترجمتها لقصيدة عن امرأة وحيدة تُحدّث ظلالها، لا يبدو أن ثمّة شيء يحدث سوى أن القارئ يشعر أنه هو تلك المرأة. هنا تتجلى قوة ضي: لا تسرد الشعر، بل تجعلك تعيش داخله، كأنك كنت دومًا هناك.
ضي لا تكتفي بالترجمة المكتوبة. على ساوند كلاود، نسمع بصوتها أو بصوت متعاونين معها ترجمات مسموعة لقصائدها المختارة. الصوت هنا ليس مجرد أداة قراءة، بل امتداد للقصيدة. نبرة الصوت، طريقة الوقف، وحتى الأنفاس الصغيرة بين السطور، كلها تشكّل طبقة إضافية من الترجمة، تجعل من القصيدة حدثًا سمعيًّا، لا قرائيًّا فقط.
هذه القدرة على المزج بين الكلمة والموسيقى الداخلية للصوت تجعل من ترجماتها لحظة حميمية، كما لو أنك جالس قبالة صديقة تخبرك شيئًا سريًّا عن العالم.
ما يعمق هذا البعد الإنساني في أعمال ضي هو أنها ليست فقط مترجمة، بل فاعلة في العمل الاجتماعي والإنساني. عملها من أجل ضحايا العنف يمنحها حساسية لا يمتلكها كثيرون. الترجمة هنا ليست فعل ترف ثقافي، بل امتداد للرغبة في فهم الألم الإنساني بكل لغاته. لذلك نجد في ترجماتها إصرارًا على منح الألم صوتًا ناعمًا، لا يصرخ، بل يشير بإصبعه إلى قلبك، ويصمت.
لو جاز لنا أن نكتب قصيدة عن ضي رحمي، لربما قلنا إنها تلك اليد التي تُمسك بالقصيدة المترجمة كما لو كانت دمًا طازجًا خرج لتوّه من الوريد. لا تضعه في قارورة محكمة، بل تتركه يسيل في اللغة العربية كأنه لم يكن غريبًا قط.
ربما ليست ضي مترجمة بالمعنى التقليدي، لكنها بالتأكيد شاعرة تتنكر في زي مترجمة. شاعرة لا تكتب القصيدة، بل تبحث عنها في لغات الآخرين، وتعيد كتابتها بلغة تشبه قلبها.