النص الكامل لكلمة راعي الأبرشية المطران مار تيموثاوس خلال قداس عيد الميلاد
تاريخ النشر: 25th, December 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال راعي الأبرشية المطران مار تيموثاوس متى الخوري خلال قداس عيد الميلاد المجيد في كاتدرائية السيدة العذراء أم الزنار بحمص مساء امس، :" الكلمة صارجسداً وحلَّ بيننا، ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً... ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا، ونعمةً فوق نعمة» (يوحنا1: 14 و16)".
وأضاف: “أهنئكم أحبائي بهذا العيد المبارك، عيد ميلاد سيدنا ومخلصنا يسوع المسيح، هذا الحدث الجليل الذي غيّر وجه البشرية، إنه اليوم الذي فيه التقت السماء بالأرض، اليوم الذي جسّد فيه الله محبته للإنسانية بميلاد يسوع في مغارة بيت لحم. هذا الميلاد ليس مجرّد مناسبة تاريخية، بل هو حدثٌ يحمل رسالة حياةٍ لنا جميعاً، رسالةٌ تقول: إننا «به نحيا ونتحرك ونوجد”.
وإن هذه الكلمات للرسول بولس (أع 17: 28) تختصر عمق العلاقة بيننا وبين إلهنا، فهو ليس فقط مصدر حياتنا، بل هو من يعطي لوجدنا معنى. فبه نحيا، لأنه وهبنا الحياة الروحية الجديدة بموته وقيامته. وبه نتحرك، لأنه يعطينا القوة للسير في طرق الحق والمحبة، حتى في أحلك الظروف. وبه نوجد، لأن وجودنا يرتكز على حضوره الدائم معنا، حضور يملأنا بالسلام والرجاء.
في ميلاد السيد المسيح، نتأمل بتواضعه العجيب. الإله الكلي القدرة، اختار أن يولد في مغارة، ويُلف بأقمطة وضيعة، ويُحاط برعاة بسطاء. في هذا المشهد رسالة عميقة لنا جميعاً: أن العظمة الحقيقية تكمن في التواضع، وأن القوة الحقيقية تظهر في المحبة، هذه هي الدعوة التي يوجهها لنا المسيح، أن نحيا كأبناء وبنات لله، أن نعيش المحبة الحقيقية، بل أن نعكس نورها في عالمنا.
أحبائي، ونحن في سورية الحبيبة، بلد الإيمان والحضارة، البلد الذي في حدود ولاية سورية التاريخية ولد المسيح كما يخبرنا البشير لوقا، في هذا البلد وهو بلد السريان الأزلي نعيش في ظروف صعبة منذ سنوات طويلة، حملت وتحمل الكثير من التحديات، وكان أهمها تحدي الوجود أو عدمه، لكن كما أشرق نور المسيح في ظلمة ذلك الزمان، نحن مدعوون اليوم لنكون شهوداً لهذا النور في أرضنا، كما كان آباؤنا وأجدادنا من قبلنا، دعوتنا كمسيحيين في هذا الوطن العزيز أن نكون نوراً في وسط العالم، ثابتين في الإيمان، أقوياء في المحبة، شهوداً للرجاء، حاملين رسالة الميلاد إلى كل مكان، فنعلن أن السيد المسيح هو الحياة الحقيقية، هو الذي نحيا به ونتحرّك ونوجد، الذي لا يتركنا وحدنا بل يقترب منا ويسكن فينا ويحمل معنا كل الأثقال، ويبدل حزننا برجاء.
فنور المسيح أشرق من هذه الأرض وسيبقى الشرق مصدراً لهذا النور، ومهما حاولت قوى الظلام لن تستطيع أن تطفئه لأنه متجذر في شرقنا الحبيب، وقوده المحبة، وفتيلته الإيمان، واناؤه السلام.
وها نحن اليوم نشهد على ولادة سورية جديدة التي لطالما حلمنا بها، وسنبقى حاضرين وفاعلين فيها نتشارك مع إخوتنا في الوطن مسؤولية أمانه وبنائه وتطوره، حتى نصل إلى وطن يكون للجميع والجميع له، في عدالة كاملة ومساواة في الحقوق والواجبات.
وما نريده فقط هو العدالة الحقيقية، فالمسيحي السوري لا يبحث عن حماية خاصة أو امتيازات، بل عن عدالة تنصف الجميع، مسيحيين ومسلمين، وتعيد لهذا الوطن استقراره وسلامه، ما يريده المسيحي السوري من العالم اليوم أن ينظر إلى سورية ليس كما تعود ويحب أن يراها منطقة نزاع أو مورد هام للثروات الباطنية، أو موقع جيوسياسي مميز، بل كأرضٍ مقدسة لها حقها في السلام، وكوطن يزخر بتنوعه الذي لطالما كان مصدر قوته، ما يريده المسيحي السوري من العالم أن يدرك أن دعم الوجود المسيحي في سورية لا يقتصر على حماية الكنائس أو المعالم والرموز الدينية، ولا حتى حرية ممارسة الطقوس الكنسية، بل يشمل العمل على تحقيق بيئة آمنة تُحترم فيها كرامة الإنسان، ويُصان فيها العيش المشترك، بيئة تعي جيداً التراث المسيحي وغناه ودوره في المنطقة، فالمسيحي في سورية ليس غريباً عن هذه الأرض، بل هو جزء أصيل من تاريخها وحاضرها ومستقبلها، وما نقوله عن المسيحيين نقوله أيضاً عن جميع إخوتنا في هذا الوطن المتنوع في أديانه وأعراقه وثقافاته، فجميعنا شركاء في تعزيز القيم الإنسانية، وكلنا خدام للحق وللكرامة الإنسانية، ولا نريد لأحد أن ينظر إلينا بعين الشفقة أو الحماية، بل أن يعاملنا كشريك متساوٍ في بناء وطن أكثر عدلاً وسلاماً.
نتعاطف جداً مع عائلات الضحايا والسجناء والمفقودين، ومن منّا لم يخسر أحد في هذه الحرب القاسية، نفتح قلوبنا وبيوتنا لعودة جميع اللاجئين والمهجرين، ونطالب بمحاكمة عادلة لكل من أخطأ أو قد يخطئ اليوم بحقّ الوطن وبأهله، نرفض أي سلاح غير سلاح الدولة، نرفض التخوين، نرفض كلمة أقلية وكذلك كلمة الأغلبية، نرفض الطائفية، نرفض أي شكل من أشكال التمييز الديني أو العنصري أو الجندري، ولن نقبل إلا بكلمة «سوري».
سورية، أرض التاريخ والإيمان تحمّلت الكثير، لكنها ظلّت شامخة كالصخرة. واليوم، دورنا أن نكون نحن أبناء هذه الأرض حجارة حية، نبني بها وطننا بمحبة المسيح التي تسكن في قلوبنا، فلنجعل من عيد الميلاد دعوة لتجديد إيماننا، ولنحيا بالمحبة التي تغيّر النفوس، وتزرع الأمل في القلوب، وترمّم الجراح عن طريق الحوار والمصالحة الكاملة وبناء الثقة والتعالي عن أي مصالح فئوية أو شخصية.
أيها الأحباء، بمناسبة عيد الميلاد المجيد نكرر تهنئتنا لكم جميعاً، ومن هذه الكاتدرائية التاريخية أم الزنار، أهنئ جميع أبناء الأبرشية إكليروساً ومجالساً ومؤمنين في حمص وحماه وطرطوس المقيمين فيها وأيضاً المنتشرين في مختلف دول العالم، وباسمكم جميعاً نرفع آيات التهاني البنوية الصادقة إلى قداسة سيدنا البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق الكلي الطوبى، ولجميع مطارنة وكهنة وأبناء الأبرشيات السريانية الأرثوذكسية في العالم أجمع، وهي فرصة أن نشكر كل من تواصل معنا وسأل عنا وشاركنا الدموع والآمال وفرحة ولادة سورية الجديدة، نسأل الرب الإله أن يبارك شعبه ويحفظ ميراثه بشفاعة هذه الأيام المباركة، وأن تحمل السنة الميلادية الجديدة كل الخير والفرح والسلام لسورية ولدول المنطقة بل ولجميع أنحاء العالم.
وكل عام وأنتم بألف خير.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أقباط أقباط الإرثوذكس عید المیلاد فی هذا
إقرأ أيضاً:
ما الذي يحاول ترامب تحقيقه من خلال فرض الرسوم الجمركية؟
ترجمة: بدر بن خميس الظفري -
لقد قضيت الساعات الأخيرة من يوم عيد «التحرر» مذهولة من جدول الرسوم الجمركية الجديد الذي أعلنته إدارة ترامب، محاوِلة فهم منطقه.
خذ مثلا الرسوم المفروضة على جزر هيرد وماكدونالد، التي لا يسكنها بشر، بل فقط طيور البطريق وبعض الكائنات الأخرى. لا بأس، فأنا سعيدة لأن هؤلاء «المنتهزين المتمايلين» لن يتمكنوا بعد الآن من إغراق السوق الأمريكية ببضائعهم الرديئة. لكن ما زال الأمر يحيّرني! ماذا تصدّر طيور البطريق؟ بخلاف أفلام الوثائقيات البيئية، أعني.
من الواضح أن أحد العاملين في البيت الأبيض، ربما متدرب على وشك المغادرة، استخرج قائمة بالأقاليم دون أن يتحقق مما إذا كانت مأهولة بالسكان، ثم طبّق هذا الشخص، أو آخر، صيغة جامدة، ربما أنشأها ذكاء اصطناعي. وكانت النتيجة: رسوم جمركية بنسبة 10% على البطاريق.
قد يبدو هذا مضحكًا، ولا يجب أن نولي هذه التفاصيل الطريفة اهتماما مبالغا فيه، فمعظم السياسات الكبرى لا تخلو من بعض الهفوات السخيفة. ما يثير حيرتي حقا هو الأجزاء التي تبدو متعمّدة. ما الذي تحاول الإدارة فعله بالضبط؟
الرئيس دونالد ترامب ومناصروه قدموا العديد من المبررات لفرض رسوم جمركية مرتفعة، يمكن تلخيصها في أربعة تفسيرات رئيسية.
الفكرة الأولى، أن هذه الرسوم وسيلة تفاوضية للضغط على الدول الأخرى لتقليل حواجزها التجارية.
والثانية، أنها ستعيد الحياة للقطاع الصناعي الأمريكي وتحول الولايات المتحدة إلى قوة تصديرية كبرى كما كانت في السابق. والثالثة، أنها تهدف إلى إيقاف صعود الصين كمنافس استراتيجي.
أما الحجة الأقوى، فهي أن علينا إعادة بناء قدراتنا التصنيعية في السلع الحيوية مثل أشباه الموصلات، تحسبا لوباء آخر أو حرب.
لكن الرسوم الجمركية الجديدة لا تخدم أيًا من هذه الأهداف. فلو كنت تحاول استخدام الرسوم للضغط على دول أخرى لتخفيف حواجزها التجارية، لفرضت تلك الرسوم بنسب تتناسب مع الرسوم التي تفرضها تلك الدول علينا. ومع ذلك، فإن إسرائيل، التي أعلنت مؤخرا عن إلغاء جميع الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية، واجهت رسومًا بنسبة 17%، لأن النظام الجديد يعتمد على تدفقات التجارة النسبية، وليس على مستوى الحواجز التجارية. ورغم أن حجم الحواجز يؤثر على حجم التجارة، إلا أن العلاقة ليست مباشرة، فمن السهل التوقف عن استيراد النبيذ، لكن من الصعب الاستغناء عن القهوة أو أشباه الموصلات.
نأتي الآن إلى النظرية الثانية، وهي التخلص من العجز التجاري وتحقيق التوازن في الاقتصاد عبر دعم الصناعة. حتى لو افترضنا أن هذا هدف منطقي، فإن الرسوم ينبغي أن تُفرض على نطاق عالمي، لا على أساس كل دولة على حدة، تماما كما أنك لا تنفق راتبك كاملا على منتجات الشركة التي تعمل بها، أو تطالب المتجر الذي تشتري منه الطعام أن يعينك بوظيفة توازي تكلفة مشترياتك. ليس من الضروري أن تشتري من شريكك التجاري بمقدار ما يشتري هو منك. ولهذا نستخدم النقود بدل المقايضة، ونترك للأسواق مهمة تحقيق التوازن.
ثم إن كثيرا مما نستورد من الخارج هو في الأساس مدخلات إنتاج لصناعتنا المحلية. ومن الصعب بناء قطاع صناعي عالمي قادر على المنافسة دون قطع غيار أو مواد خام.
هل الهدف إذا احتواء صعود الصين؟ لو كان الأمر كذلك، لحرصت الإدارة على تعزيز علاقتها بالحلفاء الإقليميين مثل اليابان التي فرضت عليها الإدارة رسوما بنسبة 24%. وكان من المفترض أيضا، تشجيع نمو الصناعات التصديرية في دول مثل فيتنام، التي تنافس الصين، لكنها تلقت رسومًا بنسبة 46%.
أما فيما يتعلق بإعادة توطين الصناعات الحيوية، فقد استُثنيت من الرسوم بعض السلع الأشد أهمية، مثل أشباه الموصلات والصلب والألمنيوم والأدوية (حتى الآن على الأقل، فقد تفرض الإدارة لاحقا رسومًا متخصصة على هذه القطاعات). وهذا القرار يبدو ذكيا من زاوية ما، إذ إن أي نقص مفاجئ في هذه المواد سيكون كارثيا. لكن من زاوية أخرى، ما الذي نحاول حمايته بالضبط؟ مخزون الوطن الاستراتيجي من المحامص؟
ولا واحدة من هذه النظريات تفسر ما يحدث، لأن ترامب لا يملك في الحقيقة نظرية متكاملة حول الرسوم الجمركية. ما لديه هو مجموعة من الحدسيات، منها أن التصدير يمنح القوة، والاستيراد يجلب الضعف والاعتماد على الغير، وأن أمريكا كانت أفضل حالًا عندما كان التصنيع في صميم اقتصادها، وأن القطاع الصناعي كان أقوى عندما كانت الرسوم الجمركية مرتفعة. أضف إلى ذلك ميله إلى العروض المسرحية ونهجًا إداريًا فوضويًا، وأخيرا ستحصل على هذه النتيجة، ولكي تتأكد من ذاك فقط اسأل البطاريق.
ميغان ماكاردل كاتبة في صحيفة «واشنطن بوست» ومؤلفة كتاب «الجانب المضيء من الفشل: لماذا يُعد الفشل الجيد مفتاحًا للنجاح».