زيارة جنبلاط إلى دمشق.. صفحة جديدة في العلاقات اللبنانية السورية!
تاريخ النشر: 25th, December 2024 GMT
لم يكن مستغربًا أن تحظى زيارة رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" السابق وليد جنبلاط إلى سوريا، بالحفاوة والاهتمام الكبير الذي شهدته، والذي وصفه البعض بـ"المبالَغ به"، ليس فقط لأنها أول زيارة لمسؤول لبناني بهذا المستوى إلى الشام، ليس منذ سقوط نظام بشار الأسد فحسب، بل منذ سنوات، ولكن بالنظر إلى "الرمزية" التي تنطوي عليها، والتي تجعل منها زيارة "استثنائية" بكل المقاييس والمعايير.
..
لعلّ "رمزية" الزيارة أنّها تأتي بعد "قطيعة طويلة" استمرّت لأكثر من 13 عامًا، غاب عنها وليد جنبلاط عن سوريا، منذ قرّر الوقوف في صف "الثورة السورية" في العام 2011 ضدّ النظام، ونظرية "المؤامرة" التي استند إليها لقمع المظاهرات والاحتجاجات، ولكنّ "الرمزية" التي تحملها الزيارة، تتخطّى هذا التفصيل، لتعود إلى جذورها التاريخية، من بوابة دور نظام الأسد (الأب)، باغتيال والد جنبلاط، الزعيم كمال جنبلاط.
وأبعد من هذه "الرمزية"، ثمّة من اعتبر أنّ أهمية الزيارة تكمن في كونها "تأسيسية"، فهي تفتح الباب أمام فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بين لبنان وسوريا، صفحة يقول كثيرون إنّ أساسها سيكون الاحترام المتبادل، بعيدًا عن نهج الوصاية والتدخّل الذي اعتمده النظام السابق، فأيّ انعكاسات محتملة للزيارة على هذا المستوى، وإلى أيّ مدى تبدو هذه "الصفحة الجديدة" واردة فعلاً، في ظلّ التغيّرات التي تشهدها سوريا هذه الأيام؟
زيارة "شخصية".. وعامة
تكتسب زيارة جنبلاط إلى سوريا أهمية "شخصية" بالنسبة إلى وليد جنبلاط، الرجل الذي لطالما عنَت له سوريا، وهو الذي كان من أوائل من أيّدوا "ثورتها" منذ أشهرها الأولى في العام 2011، وبقي "ثابتًا" على موقفه رغم كلّ ما يُحكى عن "انعطافاته" المتكرّرة في السياسة، مع مراعاته لمصلحة أبناء طائفته، بعكس ما فعله الكثيرون من خصومه، الذين زايدوا على النظام في الدفاع عنه، قبل أن "ينقلبوا" عليه في لحظة سقوطه، من دون أيّ حَرَج.
ويقول العارفون إنّ البعد "الشخصي" للزيارة يكتسب أهمية أيضًا، ببعده "التاريخي" المرتبط باغتيال الزعيم كمال جنبلاط، وكأنّ "البيك" الذي حطّ في دمشق بعدها غادرها الأسد، شعر بـ"ثأر تاريخي" ربما، وهو ما عبّر عنه بصورة أو بأخرى حين قال إنّه جاء "ليهنئ" الشعب السوري بأسره من أقصاه إلى أقصاه، واعتبر أن "شمس الحرية تشرق على كل الشعب السوري"، ولكن من خلاله أيضًا "على لبنان".
وهنا يكمن البعد "العام" للزيارة وفق العارفين، باعتبار أنّ جنبلاط أراد أن تكون زيارته، التي جاء توقيتها معبّرًا في ظلّ الحراك الدبلوماسي الذي تشهده العاصمة السورية منذ أسبوعين، والذي بلغ ذروته في الأيام الأخيرة، على المستويين العربي والغربي، أن تكون "فاتحة" على زيارات يقوم بها مسؤولون آخرون في الأيام المقبلة، لإعادة ترتيب العلاقات اللبنانية السورية، وفق أسُس جديدة، مختلفة عن كلّ ما كان سائدًا سابقًا.
عناوين "يُبنى عليها"
بهذا المعنى، يقول العارفون إنّ زيارة جنبلاط إلى سوريا يمكن أن تكون فعلاً "تأسيسية"، ولا سيما أنّها شكّلت فرصة للحديث الصريح بالكثير من العناوين التي "يُبنى عليها"، حيث يلفت العارفون إلى أنّ قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع أبدى حرصًا على "الفصل" مع النظام القديم، وعلى الحديث عن علاقات احترام متبادل، بعيدًا عن النهج السابق، حين كانت سوريا "مصدر قلق وإزعاج، وكان تدخلها في الشأن اللبناني سلبيًا"، وفق قوله.
وإذا كان الشرع، وفق العارفين، أبدى إيجابية بالحديث عن العلاقة اللبنانية السورية المستقبلية، سواء لجهة قوله إنها يجب أن تكون قائمة على التعاون المشترك والاستقرار المتبادل، أو تأكيده على الوقوف "على مسافة واحدة ن الجميع"، فضلاً عن احترام سيادة لبنان واستقراره الأمني، فإنّه كان حريصًا أيضًا على "تأجيل" البحث بالملفات الإشكالية العالقة، بما في ذلك موضوع مزارع شبعا وترسيم الحدود، وملف النازحين، وغيره.
ويقول العارفون إنّ مثل هذا الأمر طبيعي، فهو لا يمكن أن يُحسَم من خلال مؤتمر صحافي، بل يتطلب عملاً جادًا ومسؤولاً من قبل حكومتي البلدين، علمًا أنّ أولويات الإدارة السورية تبقى حاليًا في مكان آخر، وتحديدًا في مجالي الأمن والاقتصاد، إضافة إلى الحوار الداخلي الذي يفترض أن يؤسّس لـ"سوريا الجديدة"، ولو أنّ الجميع يدرك أنّ تمتين العلاقات بين لبنان وسوريا تندرج في إطار "تحصين" البلدين، وهو ما يتناغم مع الأولويات المطروحة.
صحيح أنّ اللبنانيين انقسموا منذ اللحظة الأولى لسقوط النظام السوري، بين "مهلّل" للحدث التاريخي والاستثنائي، ومن اختار "الاحتفاء" بالقيادة الجديدة "البديلة"، في مقابل من لجأ إلى "التخويف" من هذه القيادة، والتصويب عليها، استنادًا إلى تاريخها، رغم التحوّل في خطابها. إلا أنّ الصحيح أيضًا أنّ مثل هذه الانطباعات تبقى آنيّة، بانتظار فتح الملفات العالقة جدّيًا، وهو ما يأمل كثيرون أن تكون زيارة جنبلاط قد فتحت الباب واسعًا أمامه...
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: زیارة جنبلاط جنبلاط إلى أن تکون
إقرأ أيضاً:
تقليص الوجود الأمريكي في سوريا.. قراءة في تفاهمات غير معلنة
سوريا – لم يكن قرار واشنطن بتقليص الوجود العسكري الأمريكي في سوريا بعيداً عن مسار الرسائل المتبادلة مع دمشق وانتزاع تفاهمات تسمح بضمان مصالح واشنطن وحلفائها في سوريا والمنطقة.
ورغم أخذ الولايات المتحدة – وخلافاً للاتحاد الأوروبي – مسافة من الحكومة السورية الحالية وإصرارها على عدم الاعتراف الكامل بها، فيما أبقت الباب موارباً على قرار من هذا القبيل لا يزال في رحم الغيب.
فما هي رسائل واشنطن من وراء تقليص وجودها العسكري في بلد لا تزال تطعن بشرعية حكومته؟! وهل كان تقليص عدد القوات الأمريكية وإعادة انتشارها داخل الأراضي السورية ليمر دون التنسيق المباشر أو عبر الحلفاء بين واشنطن ودمشق؟ وإلى أي مدى تعهدت السياسة البراغماتية للحكومة السورية بالحفاظ على المصالح الأمريكية طمعاً في انتزاع ثقة واشنطن وصولاً إلى الاعتراف الكامل بها كحكومة تمثل الشعب السوري بكافة أطيافه؟
هذا مجازكم نحو اعترافنا بكم
يؤكد المحلل السياسي فهد العمري أن إعلان واشنطن عن القيام بعملية إعادة انتشار لجنودها في سوريا والمباشرة بتقليص عددهم هناك لم يكن بعيداً عن سياسة العصا والجزرة التي يبدو أن الرئيس الأمريكي ترامب بصدد تبنيها في هذا البلد، وقد تجلت أحدث إشاراتها في حديث مسؤولين حكوميين أمريكيين لعدد من وسائل الإعلام عن إمكانية الاعتراف الأمريكي الصريح بسيادة سوريا على أراضيها، وإزالة أسماء المسؤولين الحكوميين السوريين عن قوائم الإرهاب، ورفع العقوبات أو تعليقها تمهيداً لوصول المساعدات الإنسانية من كافة دول العالم.
وفي حديثه، أشار العمري إلى أن الشروط الأمريكية المتعلقة بهذا الشأن باتت في جملتها معروفة وتتمثل في إقصاء المتشددين في سوريا عن المناصب الأمنية والسياسية، وعدم السماح بأن تكون الأراضي السورية منصة لأي نشاط سياسي أو ميداني وحتى إعلامي للفصائل الفلسطينية، وتقديم إحاطة كاملة وشفافة بمخزون الأسلحة الكيميائية في البلاد والالتزام بتأمين هذه الأسلحة على نحو علني ومسؤول.
وأضاف بأن الشروط الأمريكية التي لا تقبل المساومة أبداً تتمثل كذلك في محاربة داعش ومنع اشتداد عودها مجدداً، وقطع الطريق على أية عودة محتملة لإيران إلى الساحة السورية، مشيراً إلى أن هذين المطلبين تحديداً يشكلان حجر زاوية المصالح الأمريكية في هذا البلد.
وشدد المحلل السياسي على أن بدء واشنطن بتقليص عدد قواتها في سوريا لم يكن بعيداً عن الإشارات الإيجابية التي التقطتها من الحكومة السورية الجديدة في هذا الشأن، وتحديداً فيما يخص محاربة داعش وإجهاض عدد من مخططاتها الرامية إلى الضرب في عمق الأراضي السورية وتحديداً في دمشق.
ووفقاً للعمري، فإن حكومة دمشق، وإدراكاً منها للحساسية التي عادة ما تبديها الولايات المتحدة لعلاقة الدول مع الفصائل الفلسطينية المناهضة لإسرائيل والتي تصنفها كل من واشنطن وتل أبيب كحركات إرهابية، بادرت إلى استقبال الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي قصد دمشق في زيارة رسمية، استثمرتها حكومة الرئيس الشرعي في طمأنة واشنطن إلى سلوكها الطريق المهادن في العلاقة مع القضية الفلسطينية بما تحمله من رمزية عند السوريين، والذي يمر عبر قيادات فلسطينية ترضى الولايات المتحدة وإسرائيل عن سلوكها، فيما بدا أنه سلوك براغماتي من قبل الحكومة السورية سعت من خلاله إلى تشجيع واشنطن على الاعتراف بها، حيث كان لافتاً أنه وعقب الزيارة مباشرة، قام الأمن السوري باعتقال قياديين فلسطينيين من حركة الجهاد الإسلامي المعروفة بتبنيها للكفاح المسلح ضد إسرائيل وقربها الشديد من إيران.
الانسحاب تعزيز لنفوذ دمشق في وجه “قسد”
وشدد العمري على أن الانسحاب الأمريكي المتدرج من شمال شرق سوريا سيؤثر بلا شك في قدرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” على المناورة السياسية والميدانية تجاه حكومة الرئيس الشرعي، وبالأخص بعد فشل الأكراد في توحيد كلمتهم على خلفية إلغاء المؤتمر الكردي السوري العام الذي كان يهدف إلى استخلاص موقف كردي صلب في مواجهة حكومة دمشق، قبل أن يتبادل الأكراد الاتهامات فيما بينهم بشأن المسؤولية عن فشل انعقاد المؤتمر نتيجة لضغوط خارجية اتهم المجلس الوطني الكردي السوري بالانصياع التام لها.
فشل يرى العمري أن أبرز أسبابه يتمثل في تغير المواقف الدولية تجاه “قسد” التي بدأت تستشعر الضعف عقب بدء المدرعات الأمريكية بمغادرة الأراضي السورية قبل حوالي الشهر من الإعلان الرسمي عن ذلك. وهو ما دفع “قسد” إلى الإعلان عن وقف تام لإطلاق النار في منطقة سد تشرين بريف حلب، والتي بقيت على مدى أشهر مسرحاً لمعارك عنيفة بين “قسد” وقوات من وزارة الدفاع السورية الجديدة.
ويرى المحلل السياسي أن من تداعيات هذا “التراجع” في المواقف السياسية بالنسبة لـ”قسد” هو تسريب مصادر مقربة من دمشق عن قرب الإعلان عن إعادة فتح طريق أم فروخ قرب محافظة الرقة، بعدما أفضت النقاشات المشتركة بين الحكومة السورية و”قسد” إلى قرب تسليم هذه الأخيرة مناطق عين عيسى واللواء 93 إلى قوات وزارة الدفاع في الحكومة السورية الجديدة، مع نشر قوات من الشرطة المدنية بعد السماح بعودة السكان المدنيين إلى منازلهم وقراهم، كما أفضت النقاشات إلى قرب سيطرة القوات الحكومية على المناطق الحدودية، وبالأخص منها الحدود السورية التركية.
وأشارت المصادر المقربة من الحكومة السورية إلى أن واشنطن ستسلم الأراضي التي تسيطر عليها في دير الزور والرقة إلى قوات وزارة الدفاع السورية، مع احتفاظها بقاعدة تنسيق قرب سد تشرين بحيث تشرف على عملية التنسيق بين “قسد” وأنقرة ودمشق التي لا تزال تتمسك بموقفها الداعي إلى انسحاب “قسد” من المناطق ذات الأغلبية العربية في الرقة ودير الزور بناء على رغبة السكان العرب المتواجدين هناك وفقاً للرواية الحكومية.
وهذه كلها، وفق العمري، تنازلات ما كانت لتتم بهذا اليسر لولا الضغوط الأمريكية على “قسد” ودفعها للتعاون مع الحكومة السورية الجديدة، فيما يشكل نوعاً من التوطئة السياسية للاعتراف الأمريكي اللاحق بالحكومة السورية كممثل للشعب على كامل الجغرافيا السورية، وهو ما تمثل في بيان الخارجية الأمريكية الذي أعقب الإعلان عن وقف إطلاق النار في سد تشرين، والذي رحب بالتهدئة ووقف الأعمال العدائية في جميع أنحاء البلاد، كما دعا البيان إلى العمل بمسؤولية من أجل بناء سوريا موحدة ومستقرة وآمنة.
ثمة عوائق
من جانبه، يرى المحلل السياسي أحمد طعمة أنه وعلى الرغم من كل الإشارات التي قد تفتح الباب على تعاون أوسع بين واشنطن ودمشق، فإن ثمة عوائق لا تزال قادرة على كبح أي تطور إيجابي في هذا الشأن.
وفي حديثه لـ”RT”، عدد طعمة أبرز هذه العوائق والتي تتمثل في وجود متشددين إسلاميين في عدد من المفاصل الأمنية والعسكرية والسياسية داخل الحكومة السورية ممن تضعهم واشنطن على قوائم الإرهاب، وتحديداً الأجانب منهم. وهو أمر عزز الانقسام في الموقف الأمريكي الرسمي حيال آلية التعامل مع دمشق، والذي ينتظر وفق طعمة أن يبقى قائماً ضمن قنوات التنسيق الأمني فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، فيما سيبقى رفع العقوبات أو تعليقها مرهوناً بمدى تجاوب دمشق مع المطالب الأمريكية المرتبطة بالدرجة الأولى بأمن إسرائيل، الجارة اللدودة التي لم تأخذ تطمينات الرئيس أحمد الشرع على محمل الجد.
وختم طعمة حديثه لموقعنا بالإشارة إلى الصعوبات التي تعترض طريق الحكومة السورية في مساعيها لنيل الرضا الأمريكي، والتي ستمر حتماً بصدام ما بين الدبلوماسية السورية التي تريد الاستثمار في إنجازات الشهور الخمسة الأولى، والفصائل المتشددة التي لا تزال قادرة على التأثير العميق في المشهد السياسي المحلي وتداعياته الإقليمية رغم انضوائها ضمن القوات الحكومية، ليبقى مستوى العلاقة مع الأمريكيين وفق طعمة مرهوناً بنتائج هذا الصراع الذي لا يزال يدور في الخفاء.
المصدر : RT