تقرير: سقوط الأسد يهدد استقرار الصين
تاريخ النشر: 25th, December 2024 GMT
قال الباحثان لازلو تشيكسمان، أستاذ ورئيس مركز كورفينوس للدراسات الآسيوية المعاصرة، وسكوت رومانيوك، زميل باحث في مركز كورفينوس للدراسات الآسيوية المعاصرة، إن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا أدى إلى حدوث تغيير كبير في المشهد السياسي في الشرق الأوسط، مما خلق فرصاً وتحديات جديدة للقوى العالمية.
الصين فقدت شريكاً استراتيجياً في سوريا
استجابة الصين ستتشكل وفقاً لأهدافها الاستراتيجية طويلة الأجل
وتناول الباحثان في مقالهما المشترك بموقع "جيوبوليتيكال مونيتور" الكندي انعكاس هذا التحول على الصين، خاصة في مجالات السياسة والاقتصاد والأمن، بالقول: في حين حافظت الصين تاريخياً على نهج حذر وعملي تجاه الشرق الأوسط، فإن الإطاحة بالأسد تشير إلى تحول في الديناميكيات الإقليمية التي قد تقدم مخاطر وفرصاً لبكين.
فقدان شريك استراتيجي
ورأى الكاتبان أن الصين فقدت شريكاً استراتيجياً في سوريا، حيث كان الرئيسان شي جين بينغ وبشار الأسد قد أقاما شراكة استراتيجية رسمية في عام 2023. ورغم حداثة هذه الشراكة نسبياً، فقد تأسست على تاريخ طويل من العلاقات الدبلوماسية بين الصين وسوريا. وكانت سوريا من بين أوائل الدول العربية التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية في عام 1946، وكانت الصين قد عززت علاقتها مع سوريا، من خلال الاستثمارات الثنائية والدعم في الأمم المتحدة.
Some people hope that China can send troops to help the Assad government, but in fact, that is impossible.
1. The lesson learned from the Cold War is not to fall into a long-term war. The United States fell into Vietnam, which put it at a disadvantage throughout the 1970s; while… pic.twitter.com/twt5NlEsWW
وعلى الرغم من هذه الخلفية التاريخية، يقول الكاتبان، لم تكن سوريا محورية في الاستراتيجية الإقليمية للصين، على غرار دول مثل إيران أو العراق أو المملكة العربية السعودية.
وكان انخراط الصين في سوريا مقتصراً إلى حد كبير على الاستثمارات المالية والمساعدات الإنسانية، ولم تكن منخرطة بعمق في الديناميكيات السياسية الداخلية لسوريا مثل قوى أخرى، كالولايات المتحدة أو روسيا.
لذلك، بينما تُعد خسارة سوريا مهمة من منظور دبلوماسي، يُنظر إلى تأثيره الفوري على الصين بوصفه رمزياً في الغالب. ومع ذلك، فإن سقوط الأسد يمثل نهاية تحالف استراتيجي كانت الصين تأمل أن يدعم أهدافها الأوسع في الشرق الأوسط، خاصة من حيث تأمين النفوذ السياسي في المنطقة.
التأثير على النفط والتجارة
كانت الأهمية الاقتصادية لسوريا بالنسبة للصين محدودة على الدوام. وعلى الرغم من الأهمية الاستراتيجية للمنطقة، كان دور سوريا في واردات النفط وشبكات التجارة في الصين هامشياً.
وقبل الصراع السوري، بلغ إنتاج البلاد من النفط الخام ذروته في التسعينيات، لكنه انخفض بشكل كبير بحلول عام 2011، تاركاً سوريا لاعباً ثانوياً في سوق النفط العالمية. واعتباراً من عام 2024، بلغ إنتاج سوريا 95000 برميل يومياً فقط، وهو جزء ضئيل من النفط الذي يوفره الموردون الرئيسيون للصين، مثل المملكة العربية السعودية والعراق وعمان.
.@AlMonitor: "China’s biggest concern in post-Assad Syria is about the #Uyghur separatist group — the Turkestan Islamic Party — fighting alongside #HTS." TIP members are thought to number 2K-5K.https://t.co/z5MUDOYU4f
— Daniel Pipes دانيال بايبس ???????? (@DanielPipes) December 23, 2024
وبالتالي، لم تكن سوريا أبداً مصدراً مهماً للنفط بالنسبة للصين، وكانت علاقاتها الاقتصادية مع الصين ضئيلة نسبياً.
تستورد الصين قرابة نصف نفطها من الشرق الأوسط، ولكن جزءاً صغيراً فقط يأتي من سوريا. وبحلول عام 2022، بلغ إجمالي صادرات سوريا إلى الصين مليوني دولار أمريكي فقط، وتتكون في المقام الأول من المنتجات الزراعية والسلع المتعلقة بالصابون. ونظراً لهذه التجارة المحدودة، فإن التداعيات الاقتصادية المترتبة على إزاحة الأسد على الصين ضئيلة نسبياً، وإن كانت رمزية.
ورغم ذلك، سلط كاتب المقال الضوء على الفرص الاقتصادية الأوسع التي قد تنشأ عن إعادة الإعمار في سوريا بعد الحرب. وقد تكون "مبادرة الحزام والطريق" الصينية، التي تهدف إلى توسيع طرق التجارة عبر أوراسيا، عاملاً رئيساً في جهود الصين للمشاركة في إعادة إعمار سوريا.
وقد يساعد التوسع المحتمل لمبادرة الحزام والطريق عبر سوريا في تجديد اقتصادها الممزق بالحرب وخلق فرص للصين للاستثمار في تطوير البنية الأساسية، وزيادة دمج سوريا في شبكات التجارة العالمية.
مبادرة الحزام والطريق
وأشار الباحثان إلى أن إحدى الفرص الاقتصادية المركزية للصين تتمثل في "مبادرة الحزام والطريق"، التي تسعى إلى إنشاء طريق حرير حديث يربط الصين بأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا. ويضع الموقع الجغرافي لسوريا هذه المنطقة عند مفترق طرق استراتيجي، يربط الصين بالبحر الأبيض المتوسط عبر تركيا.
ومن شأن التوسع المحتمل لطريق الحرير الجنوبي عبر سوريا أن يسمح للصين بالاستفادة من الأسواق الأوروبية المربحة مع المساهمة في الوقت نفسه في إعادة إعمار سوريا بعد الحرب.
ويؤكد كاتبا المقال أن تركيا، التي تشترك مع الصين في مصالح مشتركة في تعزيز التعاون الاقتصادي، يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في هذا التطور، مشيرين إلى دعم تركيا منذ فترة طويلة مبادرة الحزام والطريق، ويمكنها العمل مع الصين لدمج سوريا في هذه المبادرة.
وأوضح الكاتبان أن هذه الشراكة لن تساعد سوريا على التعافي فحسب، بل ستخلق أيضاً طريقاً تجارياً أكثر قوة يربط الصين بأوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط. وعلى الرغم من التحديات التي يفرضها عدم الاستقرار المستمر في سوريا، فإن مبادرة الحزام والطريق تقدم فرصة محتملة للصين للحفاظ على نفوذها في المنطقة وتوسيع نطاقها الاقتصادي.
وأشار الكاتبان إلى أن الحركة الانفصالية الأويغورية تشكل تهديداً لأي مصالح اقتصادية صينية في سوريا؛ فقد عملت "الحركة الإسلامية التركستانية"، وهي جماعة مسلحة ذات حضور أويغوري قوي، في سوريا، وأعربت عن نيتها شن هجمات على الأراضي الصينية. كما تحالفت هذه الحركة مع الفصائل السورية المسلحة، بما في ذلك هيئة تحرير الشام، واستخدمت سوريا كأرض تدريب لمقاتليها.
وقال الكاتبان إن التهديد الذي تشكله الحركة الإسلامية التركستانية للصين يتفاقم، بسبب حقيقة مفادها أن بعض مقاتليها يعودون إلى منطقة شينجيانغ الأويغورية ذاتية الحكم في الصين، موطن ملايين المسلمين الأويغور.
ويؤدي وجود الجماعات المتطرفة في سوريا، بما في ذلك الحزب الإسلامي التركستاني، إلى تعقيد جهود الصين الرامية إلى تحقيق الاستقرار على حدودها والحفاظ على الأمن الإقليمي.
بالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي هذه الديناميكية إلى توتر علاقة الصين بتركيا، التي دعمت حقوق الأويغور في الماضي. ومع استمرار هذه الجماعات في استهداف الصين، قد تواجه بكين ضغوطاً متزايدة لمعالجة التهديد الأمني في مناطقها الغربية، مما قد يؤدي إلى تغيير نهجها تجاه الشرق الأوسط.
نهج الصين الحذر
وقال الكاتبان إن الصين تبنت تاريخياً موقفاً حذراً وغير تدخلي في الشرق الأوسط، مرجحين أن تحافظ الصين على هذا النهج بعد الإطاحة بالأسد، مع إعطاء الأولوية للنمو الاقتصادي والاستقرار على المشاركة الإيديولوجية أو العسكرية.
وأكد الكاتبان أن الاهتمام الأساسي للصين هو أهداف التنمية طويلة الأجل، بما في ذلك التوسع الاقتصادي، وأمن الموارد، والنفوذ الإقليمي.
ورجح الكاتبان أن تتابع الصين منهجها البراغماتي في الانتظار والترقب في سوريا، وتراقب تصرفات الجهات الفاعلة الإقليمية والخارجية الأخرى بعناية، وتبتعد عن التورط في الصراعات الداخلية في سوريا، مع الحفاظ على أدنى مستوى في المسائل السياسية والعسكرية.
وخلص الكاتبان إلى أنه في حين أدى سقوط الأسد إلى تعطيل المشهد السياسي في سوريا وتغيير ديناميكيات القوة الإقليمية، فإن استجابة الصين ستتشكل وفقاً لأهدافها الاستراتيجية طويلة الأجل. وعدّ الكاتبان خسارة سوريا كشريك استراتيجي رمزية، لكنها ليست ضربة كبيرة لمصالح الصين الأوسع في الشرق الأوسط.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات سقوط الأسد الحرب في سوريا مبادرة الحزام والطریق فی الشرق الأوسط فی سوریا سوریا فی
إقرأ أيضاً:
الصين ترد على تقرير الاستخبارات الأميركية بشأن مصدر فيروس كورونا
ردت الصين اليوم الاثنين على تقرير للاستخبارات الأميركية "سي آي إيه" ربط انتشار فيروس كورونا المسبب لجائحة كوفيد-19 بتسرب من مختبر أبحاث صيني.
وقالت الناطقة باسم الخارجية الصينية ماو نينغ إن "فريق الخبراء المشترك من الصين ومنظمة الصحة العالمية توصل إلى أن استنتاج التسرب المختبري مستبعد إلى حد كبير بناء على زيارات ميدانية إلى المختبرات ذات الصلة في ووهان".
وأضافت ماو -في مؤتمر صحفي اليوم- أنه "تم الاعتراف بذلك على نطاق واسع من قبل المجتمع الدولي والمجتمع العلمي".
ودعت المتحدثة الصينية الولايات المتحدة إلى "التوقف عن تسييس واستغلال مسألة البحث عن أصول الجائحة، وكذلك التوقف عن تشويه وإلقاء اللوم على دول أخرى".
وكان متحدث باسم وكالة المخابرات المركزية الأميركية أكد أول أمس السبت أن الوكالة خلصت إلى أنه من المرجح أن جائحة كوفيد-19 قد نشأت في مختبر وليس في الطبيعة، ولكنه أكد أن الوكالة لديها "ثقة منخفضة" بذلك الترجيح، وأن " كلا السيناريوهين المتعلقين بالأصل البحثي والطبيعي لجائحة كوفيد-19 لا يزال محتملا".
بايدن وكوروناوكانت الوكالة قالت لسنوات إنها لا تستطيع استنتاج إذا ما كانت الجائحة نتيجة لحادث في مختبر أو أنها نشأت في الطبيعة. لكن مسؤولا أميركيا كبيرا قال إن مدير الوكالة السابق وليام بيرنز طلب من المحللين والعلماء بوكالة الاستخبارات خلال الأسابيع الأخيرة لإدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن اتخاذ قرار واضح بهذا الشأن، مشددا على الأهمية التاريخية للوباء.
إعلانوفي مقابلة مع منصة بريتبارت الإخبارية بعد تأكيد مجلس الشيوخ الأميركي تعيينه الجمعة، قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف إن من أولى أولوياته إجراء الوكالة تقييما عاما لأصل الجائحة.
وأضاف أن "هذا شيء يجب أن يحدث في اليوم الأول بالنسبة لي. سبق أن قلت إنني أعتقد أن استخباراتنا وعلمنا وحسنا السليم جميعها تقول إن أصول كوفيد-19 كانت من تسرب في معهد ووهان لعلم الفيروسات".
معهد ووهان لعلم الفيروسات (الفرنسية)يشار إلى أن التقارير السابقة حول أصول كوفيد-19 انقسمت بشأن إذا ما كان الفيروس قد نشأ من مختبر صيني، ربما عن طريق الخطأ، أو إذا ما كان قد ظهر بشكل طبيعي. ومن غير المرجح أن يحسم التقييم الجديد لوكالة "سي آي إيه" هذا الجدل. ويقول المسؤولون الاستخباريون إنه ربما لا يتم التوصل إلى حل نهائي أبدا، نظرا لعدم تعاون السلطات الصينية.
وبينما لا يزال أصل الفيروس غير معروف، يعتقد العلماء أن الفرضية الأكثر ترجيحا هي أنه انتشر بين الخفافيش، مثل عديد من فيروسات كورونا، قبل أن ينتقل إلى نوع آخر من الحيوانات، ربما الكلاب الراكونية أو قطط الزباد أو الفئران. ومن هناك، انتقلت العدوى إلى البشر الذين تعاملوا مع تلك الحيوانات أو قاموا بذبحها في سوق بمدينة ووهان، حيث ظهرت أولى الحالات البشرية المصابة بالفيروس أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
ومع ذلك، أثارت بعض التحقيقات الرسمية تساؤلات حول إذا ما كان الفيروس قد تسرب من مختبر ووهان. وقبل عامين، خلص تقرير صادر عن وزارة الطاقة إلى أن تسربا مختبريا كان هو الأصل الأكثر احتمالا، على الرغم من أن التقرير أشار أيضا إلى ثقة منخفضة بهذا الاستنتاج.