بوابة الوفد:
2024-07-08@11:08:18 GMT

فى محبة أوبنهايمر

تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT

 تقاس جودة العمل الفنى فى العادة، ليس فقط بصلابة وحدته البنائية واتساق أحداثه وترابطها، وقيمة الأثر الذى يحدثه، وبراعته فى إيصال رسائله ، ولكن أيضا بالدلالات المتعددة التى يضعها أمام المتلقى، فتفسح بذلك المجال  واسعًا لتعدد وجهات النظر، وتنوع الآراء فى تقيمه وتفسيره، وهو ما يعد شهادة بالثراء الإبداعى لهذا العمل الفنى أيا كان نوعه أوشكله أو وسيلته.

وهذا هو بالضبط موطن الجمال فى فيلم «أوبنهايمر» للمخرج الأمريكى من أصل بريطانى «كريستوفر نولان» الذى يروى سيرة عالم الفيزياء لأمريكى «روبرت أبنهايمر».

الفيلم الذى أنتجه وكتب له السيناريو المخرج «نولان» استنادا إلى كتاب «بروميثيوس الأمريكى: انتصار ومأساة روبرت أوبنهايمر الصادرعام 2005 للكاتبين «كاى بيرد» و«مارتن شيروين» يروى بايقاع سريع لاهث وبتوظيف موسيقى بالغ التأثير والتعبير، وبالمؤثرات الصوتية الصاخبة التى تلهث بدويها  وراء الجمل الحوارية المتلاحقة، فضلا عن المزج بين المشاهد الملونة ومشاهد الأبيض والأسود، يروى سيرة أوبنهايمر على لسانه. ولعل الاختيار يشى بالطابع الفلسفى والملحمى للفيلم ،الذى يقود مشاهده من لقطة إلى أخرى ،لتلك المقابلة بين «بروميثوس» الذى تحدى فى الأساطير اليونانية الألهة لخدمة البشر والانتصار لحاجاتهم، حين دلهم بالعلم والمعرفة على طرق الخلاص وجلب لهم النور والنار، فعاقبته الألهة، وبين أوبنهايمر صانع القنبلة الذرية التى أنهت بخسائر فادحة أرواح البشر، واتهم فى بلده بالخيانة الوطنية.

قلل «أوبنهايمر» من مخاطر تصنيع  السلاح النووى، لكنه رفع من شأنه فى قدرته على هزيمة هتلر. وحين اتخذ الرئيس الأمريكى ترومان قرارا بإلقاء القنبلتين على هيروشيما ونجازاكى، كانت ألمانيا قد هزمت وأعلنت استسلامها، وكان هتلر قد انتحر قبل ذلك بنحو أربعة أشهر.  وفى المقابلة التى جمعت بين أوبنهايمر وبين ترومان ، سخر الأخير من طلبه بالعمل على وقف سباق التسلح النووى، وتهكم على تألمه من النتائج الكارثية التى أحدثتها القنبلة على المدن اليابانية، وأدت إلى انهاء الحرب العالمية الثانية، وقال له فى مفارقة تعكس همه الشخصى الذى يباهى به: لا أحد سوف يذكر من صنع القنبلة، بل سيذكرون من هو الذى أصدر القرار بإلقائها. ولم يكن تعليق «أوبنهايمر» فور انتهاء تلك المقابلة سوى تعزيز لمشاعر الوحدة الذى اعتراه وهويقول واصفا اليابان: لقد هزمنا دولة مهزومة !

يعرض الفيلم لحالة الانقسام الذى عاشه «أوبنهايمر» الذى أدى دوره ببراعة واتقان الممثل الأيرلندى «كليان مورفى». الانقسام بين نزوعه الذاتى  لتحقيق اختراع  صناعى وعلمى جديد يواجه به عدو شعبه فى ألمانيا، وبين عذابه الروحى  من النتائج التى أسفر عنها. الصراع  بين رغبته، وهو اليهودى من أصل ألمانى، فى التصدى لنازية هتلر المعادى للسامية، وشغفه العلمى المحموم بالسير قدما لتصنيع وتجريب السلاح النووى وانجاز نصر علمى غير المحور مسبوق، خوفًا من تمكن ألمانيا النازية وحلفائها فى اليابان وإيطاليا. إضطراب  حياته الأسرية، وحبه لأمرأتين، زوجته الثرية التى تخلت عن زوجها من أجله وانجبت له ابنين وتحولت إلى مدمنة لاكتشافها مغامراته النسائية، وعشيقته التى انتحرت بسبب خذلانه لها. ما  بدا من ضعفه فى مواجهة للجنة التحقيق الماكرثية التى تسعى  لتلويث سمعته، واتهامه بعدم الولاء لوطنه بتسريب أسرار صنع القنبلة للاتحاد السوفيتى، ويأسه من اقناع خصومه بأن المتهم بخيانة الوطن والعمل  لصالحه كان حليفا للولايات المتحدة فى القضاء على النازية الفاشية وتحقيق النصر فى الحرب العالمية الثانية.

هذا الصراع القاسى الذى تعرضت له حياة أوبنهايمرالعلمية والخاصة بسبب لجنة تحقيق مكارثية «H1»  غاشمة، حرمته من الحصول على جائزة نوبل فى العلوم الفزيائية لاتهامه بالشيوعية، بما يجعله نسخة عصرية للبطل التراجيدى, يكشف الفيلم عن الجوانب المظلمة فى النفس البشرية، وهو يستعرض العلاقة المعقدة بين أوبنهايمر وخصمه لويس سترواس رئيس لجنة الطاقة الذرية، الذى حاك له المؤامرة لهدم حضوره العلمى والسياسى  وإحالته للتحقيق بتهمة الخيانة ،لازاحته من الموقع الذى وصل إليه بموهبته وجهده، ووضع العراقيل أمام صعوده لمواقع أخرى يستحقها طمع بها. أما السبب فهو سخرية أوبنهايمر من الأصل العائلى المتواضع لسترواس، وارتياب الأخير أن أوبنهايمر يحرض عليه العلماء وأنه وشى لإنشتاين وقلبه عليه مما أدى لتجاهله وعدم الرد على تحيته، مع أن الحوار بين الاثنين  لم يتطرق بكلمة عن سترواس، حيث يقول أينشتاين لأوبنهايمر فى المشهد الذى جمعهما: اذهب وواجه العالم بعواقب ما صنعت يداك.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: على فكرة العمل الفني عالم الفيزياء أوبنهايمر

إقرأ أيضاً:

الشعور بالنقص

يعد الشعور بالنقص من المشاعر السلبية التى قد تصيب الإنسان الذى يشعر من داخله بأن الآخرين أفضل منه وأنه ينقصه الكثير معنويا أو جسميا أو ماديا وغيره حتى وإن كانت الحقيقة غير ذلك.

فهو شعور نفسى ليس بالضرورة أن يكون حقيقيا أو أن من يشعر به يعانيه فعليا، بل قد يظهر على الفرد أنه لا ينقصه شيء، ومع ذلك فهو لم يدرك نعم الله عليه، ويشعر دائما مهما وصل بأنه ناقص ويسعى إلى المزيد، ورغم سعيه فإنه لا يرضيه ما وصل إليه ولا يشبع ولا يقنع.

كيف تتجنب الشعور بالنقص؟

١- ارض بما قسم الله لك ليطمئن قلبك.

٢- اسع لتحقيق طموحات مناسبة لقدراتك ولا تتطلع إلى المزيد الذى قد لا تقدر عليه حتى لا تشعر بالإحباط.

٣- إن نعم الله لا تعد ولا تحصى وكل فرد لديه نقاط ضعف ونقاط قوة وهبها الله له لينعم بها وتعوضه عن نقاط ضعفه فلا يشعر بنقصان.

٤- لا تنظر إلى ما فى يد غيرك واقنع بما لديك تكن سعيدا.

٥- ليس هناك إنسان كامل مهما بدا غير ذلك فالكمال لله وحده، وكما يعطى الله نعمه لإنسان فأيضا أخذ منه، فلا تتمن ما عند غيرك، لأنك لا تعلم المأخوذ منه والذى قد لا تقوى أنت على تحمله إن كنت مكانه.

٦- تذكر أن تقسيم النعم على البشر بمقدار إلهى حتى لا يبغى الناس فى الأرض فسادا وليكمل الناس بعضهم بعضا بالتراحم والود.

٧- اسع لتحقيق الطموحات قدر إمكاناتك وإن لم تستطع تحقيقها لا تسخط وحاول النجاح فى مجالات أخرى قد تكون غير واعٍ أنك قد تتميز فيها أكثر من هدفك الذى كنت تطمح له ولم يكن من نصيبك تحقيقه، فقد يكون غير ملائم لك وأنت لا تدرى.

٨- السعادة فى الرضا، فالرضا والقناعة يجعلانك تشعر أنك تمتلك كل شيء حتى وإن كانت الحقيقة غير ذلك.

مقالات مشابهة

  • في محبة المجتبى
  • الحوثي وأنصاره في مأزق.. محلل عسكري يتحدث عن سر حالة الإرتباك والتخبط التي تعيشه المليشيات مؤخراً
  • الشعور بالنقص
  • د. نادر مصطفى يكتب: حكومة مقرها الشارع
  • التغيير وارتياح الشارع ‏
  • «حمدوك» لـ«الوطن»: نسعى لوقف الحرب لحقن دماء السودانيين
  • ديوان المظالم
  • الحكومة الجديدة بين الأمل و الرجاء
  • دفتر أحوال وطن «278»
  • خضر التوني بقائمة العظماء.. مجد خاص في تاريخ رفع الأثقال بحضور «هتلر»