بوابة الوفد:
2025-02-07@00:05:44 GMT

بين الكتابة المحفوظية والإبداع المتفرد

تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT

بين الإبداع والعلم علاقة لا تنفصل، نقاط التقاء قد تكون غير مرئية للبعض، لكنها تكمن فى تفاصيل طبيعتيهما: الأدب والعلم، ويحفل التاريخ الإبداعى بأسماء أعلام طرقوا كلا المجالين وربما هجروا الطب أو الهندسة أو غيرهما تفرغا للكتابة، فمن ينسى يوسف إدريس، ونوال السعداوى وغيرهما، على أن الأمر قد تحول لظاهرة قُتلت بحثا ونالت حظا وافرا من الدراسة والمناقشة.

 

وتمثل تلك الظاهرة وبقوة روائية ماهرة، حين تكتب تجبرك سطورها على الإنصات حتى النهاية، جزلة اللغة، واقعية الفكرة والحدث، حد إثارة الدهش، لها من الأعمال ثلاث روايات ومجموعة قصصية، «عين عابد» عن دار الفؤاد 2018، «كنا يوما» المثقف 2020، «بعد التخلى» الهيئة المصرية العامة للكتاب 2021، صاحب العمر القصير» ميتابوك 2023، ومجموعتها القصصية الوحيدة «سبقها إليه»، مع دار الدار 2016.

بدأت الكاتبة والمهندسة نهلة عبدالسلام مشوارها الإبداعى بكتابة الخواطر وهى فى سن الحادية والعشرين، ثم تلتها مرحلة كتابة الشعر والنصوص الحرة، ثم انتقلت إلى القصة القصيرة فالرواية. 

واليوم، أحاول الاقتراب أكثر من روايتها «بعد التخلى»، والتى طالعتها مؤخرا..

بعد التخلى.. ترى ماذا بعد التخلى، بل التخلى عن من أو عن ماذا؟ أهو تخلى والدين عن ابنتيهما، أم تخلى زوجة عن زوجها العاجز، أم زوج عن زوجته العاقر، أم تخلى أحدهم عن مبادئه وفطرته وحياته وجذوره التى نشأ منها، أم تخليه عن صنعته التى شب عليها، أم تخلى الصحة عن الجسد وهجرها له،  أم.. أم..

هو التخلى والهجران الذى يكون بعده إما انتصار أو انهزام وانكسار.

تدور رواية «بعد التخلى» فى إطار اجتماعى صرف، يمكننا اعتبارها رواية أجيال، فهى تنتقل بنا بين جيل وآخر لعائلة مصرية، وبين أزمنة مختلفة، تتردد بين الأحفاد والأجداد، ثم تنتقل إلى الأبناء، وتعود ثانية إلى الأجداد، ورغم كثرة الانتقالات بين الأجيال والأسر المختلفة وبين الحكايات المتعددة والتى تتقاطع فى نقاط وأحداث عدة، إلا أن الانتقال يبدو سلسا لا يشوبه 

ملل، ولا تعكره توهة.. فالكاتبة كأنها كانت تشحذ جل تركيزها أثناء الكتابة حتى تتحرر خيوط الأحداث ولا تتشابك بتعقيد مربك. 

وهكذا تستخدم الكاتبة لغة سردية شائقة، تتفاعل مع الشخوص وتنقلنا من شخصية لأخرى بسهولة ويسر، فى لغة جزلة رصينة، فيما يأتى الحوار مفاجئا لى شخصيا، فكأن الكاتبة قد عايشت شخصياتها واقعيا واستمعت لتعبيراتهم ومفرداتهم وأسلوبهم فى الحكى، الذى يختلف كليا عن عصرنا هذا، فهو يتناسب تماما مع الزمن الذى تجرى به الأحداث، ويتطابق مع ثقافة الطبقة الاجتماعية التى تصفها، بل إن حوار النساء معا ومكايدتهن كأنه حوار فى شريط سينمائى يدور أمام أعيننا.. وهو ما يجعلك تلهث لهثا خلف الأحداث علك تدرك نهايتها.

تعتمد نهلة فى روايتها كثيرا على خاصية الفلاش باك، أو الاسترجاع، وهو وإن عده البعض عيبا فى تكنيك أى كتابة، إلا أنه هنا يتم بسلاسة تحسد عليها، ليتحول من عنصر منفر إلى عامل جذب قوى، كما تعمد الكاتبة إلى تأصيل الحوار بعدد ضخم من الأمثلة الشعبية التى تضرب فى التراث الشعبى للمجتمع المصرى، كما أنها تنهل من معين التأريخ الفنى الغنائى والسينمائى، لنخرج من روايتها بكم لا بأس به من المعلومات الفنية، وكأنها بحث ضخم يتردد بين التوثيق الاجتماعى لفترات زمنية متلاحقة مختلفة، وبين الإرث السينمائى والغنائى وتأثيره الأبرز فى سيكولوجية الشخصية المصرية، ممثلة فى شخوص الرواية، لتتماس فى سمتها العام واعتمادها على تتابع الأجيال والإغراق المجتمعى للأحداث، مع ذلك الإبداع المحفوظى الأثير، على أن قلم نهلة عبدالسلام يبقى فارقًا ومختلفًا باقترابه المدهش من عالم المرأة، واختراقه لحواجز ذلك العالم، ثقافة ومسكوتًا عنه، لتؤكد لنا مع كل سطر أنها تستحق أن تتبوأ يوما مكانة مميزة بين مبدعينا مصريًّا وعربيًّا.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: نبضات يوسف إدريس

إقرأ أيضاً:

أماني القصاص توقع روايتها الأولى فتاة وبحيرتان بمعرض الكتاب

وقعت الكاتبة أمانى القصاص روايتها الأولى "فتاة وبحيرتان" بمشاركة مجموعة من الأصدقاء والشخصيات العامة، بمقر معرض القاهرة الدولي للكتاب بدورته الـ56، المقرر أن تستمر خلال الفترة ما بين 23 يناير و5 فبراير 2025، بمركز مصر للمعارض والمؤتمرات الدولية بمنطقة التجمع الخامس بالقاهرة.  

حضر الحفل الوزير حلمى النمنم وزير الثقافة الأسبق والكاتب وحيد الطويلة والناشر حسين عثمان والناقدة الفنية فايزة هنداوى والأعلامى أيمن عدلى مسؤول التدريب بنقابة الاعلاميين والدكتورة أمنية العزازى استشارى الطب النفسي والاعلامى جمال عبد القادر ومدربة علم النفس نهى سليم واللايف كوتش ميادة طارق ومرام عنبر مستشار بالإمم المتحدة وأحمد غيث معد البرامج التلفزيونية والاعلامية سارة رشدى والكاتب الصحفي سيد محمود رئيس تحرير جريدة القاهرة الأسبق والدكتورة نهلة حيدر الفرا والكاتب محمد جلال.

تدور أحداث رواية "فتاة وبحيرتان" للكاتبة الصحفية أماني القصاص، حول الفتاة نداء فيما بين دلتا مصر وجنيف سويسرا، ومن أجواء الرواية نقرأ:

“بعد منتصف الليل يلهث صيادو قريتي الساحلية الصغيرة، الواقعة على آخر نقطة بخريطة الدلتا في مصر على شاطئ البحر المتوسط، على بحيرتنا الواسعة الثرية، تجري خلفهم نساؤهم تحملن معهن مؤونتهم من طعام بسيط يكفيهم مدة غيابهم، مع شباك الغزل التي يستخدمونها لاصطياد الأسماك التي تختلف نوعيتها وكمية صيدها حسب حجم قواربهم ومسافة إبحارهم ونوع شباكهم ومدة مكوثهم في البحر أو البحيرة. فهناك من يمكث يومًا، وهناك من يمكث أسبوعًا، لذلك يحملون معهم مؤونتهم حسب احتياج غيابهم المقرر مسبقًا. من طعام بسيط أو ملابس أو وقود لوابور الجاز المحمول معهم في نفس الطشت الألومنيوم الصغير، مع بقية المستلزمات الكافية لاحتياجات الرجال حتى عودتهم، غالبًا مع اقتراب أذان العصر، معهم حصيلتهم من رزق الصيد لتوزيعها على حلقات السمك، أو تأخذها النساء للسوق في نفس الطشت الصغير لبيعها”. 

"رغم أن حياتي الآن ومنذ سنوات طويلة في جنيف بسويسرا، ما زلت يوميًا أحلم بهم وبمشاهد أخرى لطفولتي، حاملة السيادة على ذاكرتي ووعيي، في صحوي ومنامي".

كيف سارت الحياة بـ"نداء" من قريتها الواقعة على أطراف الدلتا في مصر إلى سويسرا؟.

مقالات مشابهة

  • ونحن فى انتظار شهر الرحمات.. انتى فين يا حكومه؟!
  • مساعد وزير الخارجية الأسبق: مصر تتمسك بمحددات تسوية القضية الفلسطينية.. ولم أشك لحظة في ردها الحاسم
  • «فتاة وبحيرتان».. رواية تُبحر فى أعماق النفس والقدر
  • أماني القصاص توقع روايتها الأولى فتاة وبحيرتان بمعرض الكتاب
  • فى الحركة بركة
  • ترامب المظلوم.. وكلوديا الثائرة!
  • حجاب الفنانات موضة رمضان
  • الكتابة الطِعمة
  • محمد عبدالقادر يكتب عن رحلة المخاطر والبشريات
  • معرض القاهرة الدولي للكتاب يختتم فعالياته اليوم.. وضيوف عرب: حدث يليق بعظمة مصر