بين الكتابة المحفوظية والإبداع المتفرد
تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT
بين الإبداع والعلم علاقة لا تنفصل، نقاط التقاء قد تكون غير مرئية للبعض، لكنها تكمن فى تفاصيل طبيعتيهما: الأدب والعلم، ويحفل التاريخ الإبداعى بأسماء أعلام طرقوا كلا المجالين وربما هجروا الطب أو الهندسة أو غيرهما تفرغا للكتابة، فمن ينسى يوسف إدريس، ونوال السعداوى وغيرهما، على أن الأمر قد تحول لظاهرة قُتلت بحثا ونالت حظا وافرا من الدراسة والمناقشة.
وتمثل تلك الظاهرة وبقوة روائية ماهرة، حين تكتب تجبرك سطورها على الإنصات حتى النهاية، جزلة اللغة، واقعية الفكرة والحدث، حد إثارة الدهش، لها من الأعمال ثلاث روايات ومجموعة قصصية، «عين عابد» عن دار الفؤاد 2018، «كنا يوما» المثقف 2020، «بعد التخلى» الهيئة المصرية العامة للكتاب 2021، صاحب العمر القصير» ميتابوك 2023، ومجموعتها القصصية الوحيدة «سبقها إليه»، مع دار الدار 2016.
بدأت الكاتبة والمهندسة نهلة عبدالسلام مشوارها الإبداعى بكتابة الخواطر وهى فى سن الحادية والعشرين، ثم تلتها مرحلة كتابة الشعر والنصوص الحرة، ثم انتقلت إلى القصة القصيرة فالرواية.
واليوم، أحاول الاقتراب أكثر من روايتها «بعد التخلى»، والتى طالعتها مؤخرا..
بعد التخلى.. ترى ماذا بعد التخلى، بل التخلى عن من أو عن ماذا؟ أهو تخلى والدين عن ابنتيهما، أم تخلى زوجة عن زوجها العاجز، أم زوج عن زوجته العاقر، أم تخلى أحدهم عن مبادئه وفطرته وحياته وجذوره التى نشأ منها، أم تخليه عن صنعته التى شب عليها، أم تخلى الصحة عن الجسد وهجرها له، أم.. أم..
هو التخلى والهجران الذى يكون بعده إما انتصار أو انهزام وانكسار.
تدور رواية «بعد التخلى» فى إطار اجتماعى صرف، يمكننا اعتبارها رواية أجيال، فهى تنتقل بنا بين جيل وآخر لعائلة مصرية، وبين أزمنة مختلفة، تتردد بين الأحفاد والأجداد، ثم تنتقل إلى الأبناء، وتعود ثانية إلى الأجداد، ورغم كثرة الانتقالات بين الأجيال والأسر المختلفة وبين الحكايات المتعددة والتى تتقاطع فى نقاط وأحداث عدة، إلا أن الانتقال يبدو سلسا لا يشوبه
ملل، ولا تعكره توهة.. فالكاتبة كأنها كانت تشحذ جل تركيزها أثناء الكتابة حتى تتحرر خيوط الأحداث ولا تتشابك بتعقيد مربك.
وهكذا تستخدم الكاتبة لغة سردية شائقة، تتفاعل مع الشخوص وتنقلنا من شخصية لأخرى بسهولة ويسر، فى لغة جزلة رصينة، فيما يأتى الحوار مفاجئا لى شخصيا، فكأن الكاتبة قد عايشت شخصياتها واقعيا واستمعت لتعبيراتهم ومفرداتهم وأسلوبهم فى الحكى، الذى يختلف كليا عن عصرنا هذا، فهو يتناسب تماما مع الزمن الذى تجرى به الأحداث، ويتطابق مع ثقافة الطبقة الاجتماعية التى تصفها، بل إن حوار النساء معا ومكايدتهن كأنه حوار فى شريط سينمائى يدور أمام أعيننا.. وهو ما يجعلك تلهث لهثا خلف الأحداث علك تدرك نهايتها.
تعتمد نهلة فى روايتها كثيرا على خاصية الفلاش باك، أو الاسترجاع، وهو وإن عده البعض عيبا فى تكنيك أى كتابة، إلا أنه هنا يتم بسلاسة تحسد عليها، ليتحول من عنصر منفر إلى عامل جذب قوى، كما تعمد الكاتبة إلى تأصيل الحوار بعدد ضخم من الأمثلة الشعبية التى تضرب فى التراث الشعبى للمجتمع المصرى، كما أنها تنهل من معين التأريخ الفنى الغنائى والسينمائى، لنخرج من روايتها بكم لا بأس به من المعلومات الفنية، وكأنها بحث ضخم يتردد بين التوثيق الاجتماعى لفترات زمنية متلاحقة مختلفة، وبين الإرث السينمائى والغنائى وتأثيره الأبرز فى سيكولوجية الشخصية المصرية، ممثلة فى شخوص الرواية، لتتماس فى سمتها العام واعتمادها على تتابع الأجيال والإغراق المجتمعى للأحداث، مع ذلك الإبداع المحفوظى الأثير، على أن قلم نهلة عبدالسلام يبقى فارقًا ومختلفًا باقترابه المدهش من عالم المرأة، واختراقه لحواجز ذلك العالم، ثقافة ومسكوتًا عنه، لتؤكد لنا مع كل سطر أنها تستحق أن تتبوأ يوما مكانة مميزة بين مبدعينا مصريًّا وعربيًّا.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نبضات يوسف إدريس
إقرأ أيضاً:
الحرس الجديد vs الحرس القديم.. وزير التربية والتعليم يظهر «العين الحمراء» للقيادات داخل الوزارة
حرب باردة تدور رحاها داخل أروقة وزارة التربية والتعليم بين الحرس الجديد الذى يسعى لإثبات جدارته واستحقاقه للاستعانة به، والحرس القديم الذى يريد التأكيد أن وجوده يكفى لأداء الوزارة لرسالتها.
عقب تولى محمد عبد اللطيف ملف وزارة التربية والتعليم والجدل الذى أثير وقتها كان الجميع ينتظر ما سوف يحدث داخل الوزارة، خاصة مع حالات التخبط التى صاحبت الوزراء السابقين، والشكوى المتلاحقة من المواطنين حول تخبطها وعدم قدرتهم على ضبط الأمور والأداء، وهذا ما يدركه الوزير الجديد، ويسعى جاهدا لتغييره وتغيير صورة الوزارة، فكان لا بد من نهج جديد، وطريقة مختلفة لإدارة الأمور.
وبعد أقل من شهرين من عمل الوزير الجديد داخل الوزارة، وبعد تفكير قرر وضع ثقته فى مجموعة من القيادات أبرزهم الدكتور النشيط والدؤوب أحمد المحمدى مساعد الوزير للتخطيط الاستراتيجى والمتابعة فيمكن وصفه بأنه الرجل الثانى فى الوزارة بعد عبد اللطيف فهو المرافق له فى كل الجولات الخارجية سواء فى الزيارات للمدارس أو اللقاءات مع المديريات التعليمية أو غيرها من الاجتماعات، كما أنه يستشيره فى القرارات التى يتخذها الوزير ويبقى المحمدى لساعات كثيرة فى الوزارة لإنجاز الملفات المسئول عنها مما جعلها من أهم القيادات مؤخرا.
أما ثانى القيادات التى تحظى بعلاقة قوية وقريبة جدا فهو محمد عطية وهو صديق الوزير قبل توليه ملف الوزارة، فحينما كان يتولى عطية مسئولية مديرية التربية والتعليم بالقاهرة كان عبد اللطيف هو المسئول عن مدارس نيرمين إسماعيل، وكانت هناك لقاءات متعددة سواء داخل المديرية أو خارجها، ويحظى عطية الآن بثقة الوزير فهو الشخص الذى لا يغيب عن أى اجتماع للوزير وهو المسئول عن الإدارة المركزية التعليمية بالمصروفات.
أما خالد عبد الحكيم مدير مديريات التربية والتعليم بالوزارة فتمكن من كسب ثقة الوزير، خاصة أنه من أقدم القيادات داخل الوزارة وتولى مسئوليات امتحانات الثانوية العامة فى السنوات الأخيرة، واستطاع الوزير بعد تعيين عدد من القيادات من تحجيم دورهم، من خلال الاستعانة بفريق عمل من خارج الديوان.
وطبقا للمعلومات، فإن عبد اللطيف يقوم حاليا بدراسة لإجراء تغييرات هيكلية داخل ديوان عام الوزارة ولكن ينتظر الآن حتى يقوم بالانتهاء من الملفات الهامة التى على رأسها سد عجز المعلمين وكثافة الفصول التى تم حلها بشكل جزئى وليس كليا كما يتردد فالأمر بالفعل تم حله فى عدد من المديريات التعليمية ولكن مازالت هناك فصول تحتوى على ٧٠ و٨٠ طالبًا وهو الأمر الذى يعد عائقًا كبيرًا وإن كانت الوزارة لأول مرة تنجح بالفعل فى تقديم حل جزئى ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من المشكلة خلال السنوات المقبلة.
كما قام الوزير باستبعاد محسن عبد العزيز رئيس الإدارة المركزية لتكنولوجيا التعليم بشكل مفاجئ وقرر تصعيد وليد الفخرانى وهو أحد المسئولين داخل الإدارة منذ سنوات ويمكن وصفه بأنه تلميذ محسن لتعيينه بدلا منه رئيسًا للإدارة، فبحسب المعلومات، فإن الوزير استعان بـ٤ قيادات داخل الوزارة، البداية كانت بالاستعانة باثنتين وهما رشا الجيوشى المنسق الأكاديمى للمدارس الدولية ومى الحداد منسق المدارس البريطانية، و«الغريب» استعان باثنين لإدارة المدارس الدولية والبريطانية رغم قيامه بتجديد الثقة فى إيمان صبرى مساعد الوزير للتعليم الخاص والدولى وهو الأمر الذى أثار تساؤلات حول تداخل العمل بينهن ومن المسئول عن إدارة تلك الملفات هل المنسق العام الجديد أم إيمان صبري؟!
والعائدة مرة أخرى لديوان الوزارة الدكتورة نرمين النعمانى مستشار الفريق التعليمى فى وحدة المدارس المصرية اليابانية، وكانت أول مرة جاءت فيها النعمانى لمنصب وحدة التعاون الدولى خلال فترة تولى الدكتور محمود أبو النصر منصب وزير التعليم وكان والدها محافظا لسوهاج وقتها ولكنها غادرت بعد ذلك إلا أن قام طارق شوقى بانتدابها مرة أخرى لوحدة التعاون الدولى ولكن بعد فترة قام بإنهاء التعاقد واستبعادها من الوزارة. بالإضافة للمستشار القانونى الذى يلجأ إليه وزير التربية والتعليم فى كل القرارات.
فهناك صراع خفى بين عدد من القيادات الوزارة، استطاعت من خلاله شيرين مساعد الوزير والتى تلقب بالمرأة الحديدية داخل الوزارة كسب ثقة الوزير وتكريس ونفوذها بالديوان.