طحنون بن زايد: نهنئ المحتفلين بأعياد الميلاد.. ونتمنى أن يسود السلام كافة أنحاء العالم
تاريخ النشر: 25th, December 2024 GMT
قال سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان نائب حاكم إمارة أبوظبي مستشار الأمن الوطني، عبر منصة إكس: «نهنئ المحتفلين بأعياد الميلاد، متمنين أن يسود السلام والاستقرار والتعايش كافة أنحاء العالم، بما فيه رفاه الشعوب وازدهارها».
.المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات طحنون بن زايد آل نهيان الإمارات
إقرأ أيضاً:
مستجير .. فارس الثقافتين | مسيرة عطرة من الميلاد إلى الرحيل
عرفت د. أحمد مستجير سنة 1993م وتوطدت علاقتي به حتى رحيله سنة 2006م ، وزرته في بيته مرارا ، وعرفت أسرته ، وقرأت جميع كتبه ، المؤلفة ، والمترجمة ، وحاورته أكثر من مرة ، وكنت وسيطا بينه وبينه رئيس تحرير ( المصور ) مكرم محمد أحمد ، لنشره مقالات في مجلتنا الغراء ، إنه مصري موسوعي ، عاشق للغة العربية ، وشاعر نشر ديوانين ، وعالم بالإنجليزية ، وترجم عنها أربعين كتابا ، جمع في شخصيته بين الأدب والعلم ، وهما جناحا التقدم لأي أمة ، وعرفانا بمنجز الرجل تحتفي به مصر كشخصية العام لمعرض القاهرة للكتاب هذا العام ، وهو احتفاء واجب ، وهذه السطور إبحار في سيرة د. مستجير ومنجزه العلمي .
ولد د. أحمد مستجير في الأول من ديسمبر سنة 1934م بقرية الصلاحات، مركز دكرنس ، بمحافظة الدقهلية ، وهي محافظة غنية في تربتها و ثروتها البشرية ، وكما قدمت لمصر تاريخيا أجود أصناف الأرز والقطن والذرة وغيرها من المحاصيل ، قدمت ثروة بشرية متقدمة في كل مجالات العلوم والمعرفة من علماء دين ، ورياضيات ، وفنانين ، وكتاب ، وأدباء ، ويكفي أن نذكر أمثلة من روادنا كأم كلثوم ، ورياض السنباطي ، والشيخ الشعراوي ، وصالح جودت ، وعلي محمود طه ، ومحمود مختار ، وحسن الإمام ، ود. عبد الرحمن بدوي ، والشيخ جاد الحق ، والقاريء عبد الوهاب الطنطاوي ، والشحات أنور ،وأنيس منصور ، وكامل الشناوي ، وغيرهم الكثير في كل الأجيال .
وعن هذه النشأة الريفية يقول د. مستجير : أنحاز إلى الأرض الريفية لأني ابنها ، وربما كان تفوقي في كلية الزراعة ، أو ( كلية الفلاحين ) كما يحلو للبعض أن يسميها ، سببه عشقي للزراعة والأرض ، ولون الزرع الأخضر ، وحبي للخيال الرحب ، فالريف هو عشقي الأبدي ، ومنبع كل الرومانسية المتأججة بداخلي .
وكما انحاز الرجل للأرض الخضراء والريف ، انحاز للقلم والكتابة والإبداع ، خاصة الشعر ، منذ بواكيره الأولى ، وذكر في مقدمة كتابه ( قراءة في كتابنا الوراثي ) ، الصادر عن ( دار المعارف ) أنه وهو في الصف الرابع الابتدائي ، وعمره دون العاشرة كتب خطابا لرئيس وزراء مصر ، يقول :
( كان مدرس الانجليزية شفيق أفندي ، وسأل مرة صديقي يوسف شطا سؤالا عجز عن الإجابة عليه ، فقال له المدرس : روح موت ، وزجره بشدة ، فغاب صديقي ثلاثة أيام ، وفي اليوم الرابع وصلنا خبر موته ، وبكيت هذا الظلم ، وحزنت عليه بشدة ، واعتبرت أن المدرس قد قتله ، وفي الفسحة كتبت خطابا لرئيس الوزراء ، كان أحمد ماهر باشا ، لا أعرف ماذا كتبت ، آه لو أعرف ، ومضيت خارج المدرسة مع زميل اسمه ضرغام ، وكان سمينا ، اشترينا مظروفا وطابع بريد ، وحينما هممت بإلقاء الخطاب في الصندوق ، إذ بيد تمسك زراعي ، كان سعد أفندي عبد الملك مدرس الحساب ، سألني : ما هذا ؟ بكيت ، فأخذ الخطاب مني واصطحبني عائدا إلى المدرسة ، وحاول في الطريق أن يخفف حزني ، ثم مضى بي إلى مكتب الناظر توفيق أفندي عفيفي ، كنت على رأس طابور يضم كل تلاميذ الفصل ، عددنا ثمانية عشر ، بكيت أمامه ، ولم أستطع أن أعتذر عما فعلت ، فما الخطأ فيما فعلت ؟ !) ..
وهنا تتبلور البدايات لشاعر وكاتب ومترجم ، أراد التعبير عن ذاته ، ودفع الظلم ، وإقامة العدل عن طريق الكتابة والقلم ، كانت إرهاصة أولى ، وتعبيرا مبكرا عن كاتب معتبر محب للحق والجمال والحياة .
حصل د. مستجير على بكالوريوس الزراعة من جامعة القاهرة سنة 1954م ، وعقب تخرجه عمل مهندسا زراعيا في أكتوبر من العام نفسه ، ولمدة خمسة وخمسين يوما في ( عزبة الفؤادية ) ، فكانت الكتب التي اصطحبها معه لمدة شهرين هي زاده المعرفي والوجداني في عمله الجديد كمغترب بعيدا عن أسرته وناسه ، ولم يكن بلغ بعد العشرين من عمره .
ولما لم يجد في هذا العمل ما يرضي طموحه العلمي والمعرفي إضافة لملابسات أخرى عرفها من خلال وجوده في هذا المكان النائي ، أدرك أن هذا العمل الحكومي لا يمكن أن يتواءم معه إلا من يجيد لعبة ( البيضة والحجر ) ، فترك عمله ذلك ، واتجه للعمل في المركز القومي للبحوث ، وفي تلك الأثناء درس رسالة الماجستير في كل الزراعة حول ( تربية الدواجن ) ، وحصل عليها سنة 1958م ، ثم عين معيدا في كلية الزرعة التي تخرج فيها .
وآنذاك راسل عالم الوراثة البريطاني الشهير ( آلان روبرتسون ) ليساعده في مشوراه العلمي في معهد الوراثة في ( جامعة أدنبرة ) ، فابتعث إلى هناك، وحصل على دبلوم وراثة الحيوان بامتياز من تلك الجامعة سنة 1961م ، فكانت المرة الأولى التي يحصل فيها باحث مصري على هذا التقدير العلمي الكبير من هذا المعهد المميز، ثم أكمل مشوارالعلمي ، فحصل على الدكتوراة في ( وراثة العشائر ) تحت إشراف أستاذه ( آلان روبرتسون ) .
عاد د. مستجير من بعثته ، وتدرج في السلك الجامعي من معيد لمدرس لأستاذ ، حتى أصبح عميد كلية الزراعة في جامعة القاهرة لدورتين متتاليتين وبالتزكية والإجماع ، رغم أنه كان ضد تعيين العمداء ورؤوساء الجامعات ، وكان رأيه مع الترشيح وانتخابهم ، وبعد أن بلغ سن الستين عرض عليه منصب العميد في أكثر من جامعة خاصة ، وفي الكويت فرفض ، كما اعتذر عن منصب وكيل جامعة القاهرة ، واختار أن يتفرغ لمؤلفاته ، وللبحث العلمي ، ولترجماته ، ولحياته الأدبية والثقافية .
كان أسلوب د. مستجير في كل ما يكتبه ، حتى كتابته العلمية الجافة ، أسلوبا أدبيا راقيا ، رشيق العبارة ، سهلا ميسرا ، لا تعقيد فيه ولا زخارف ، بل يقصد هدفه مباشرة ، وكان متن مقالاته وكتبه متصلا دون فواصل ، وفي نهاية المقال أو الكتاب ، يضع المصطلحات العلمية الانجليزية وترجماتها إلى العربية مرتبة هجائيا لمن يريد أن يستزيد معرفيا .
كان د. مستجير يؤمن بأن الخيال الخصب لا ينفصل عن التفكير العلمي ، وأن عشق الأدب والأسلوب الأدبي لا يتنافى مع الأسلوب العلمي ، بل هما يكملان بعضهما البعض ، وكان يستفزه السؤال العقيم عن علاقة الأدب بالعلم ، وكان يؤكد دائما أن غالبية الابتكارات العلمية ، والمنجزات الحضارية بدأت بخيال خصب ، ولذلك فحاجة العالم إلى الخيال المحلق لا تقل عن حاجة الأديب أوالفنان .
بالمقابل كان يرى أن الأديب والفنان بحاجة إلى التفكير العلمي ، والرؤية العلمية كجزء من أدواته لإثراء تجربته ورؤيته ، ورأى أن تمازج الثقافتين والأسلوبين يثري التجربة الإنسانية ، وكتب عدة مقالات في مجلة ( الهلال ) حول الثقافة العلمية والأدبية ، التي كان أثارها من خمسينيات القرن العشرين الكاتب الانجليزي ( س . ب . سنو ) .
وعندما عاد د. مستجير من بعثته العلمية إلى ( أدنبرة ) ، وعين مدرسا في كلية الزراعة بجامعة القاهرة ، كان مؤمنا بأهمية ( التخطيط العلمي ) لسنوات ، وأهمية ( المتابعة ) لتنفيذ تلك الخطط تحت إشراف ( أستاذ كرسي أو سنيور ) كما هي العادة في الدول الأوربية المتقدمة التي تنفق بسخاء على البحث العلمي ، وكان يرى أن وظيفة العالم أن يجيب على أسئلة نظرية ، وأن يحل المشاكل التطبيقية المعقدة ، ولذلك كان ضد سياسة ( الجزر المنعزلة ) ، والبحث العلمي ( بالقطعة ) ، وأجواء ( الشللية ) و( العشوائية ) المسيطرة على حياتنا الجامعية والعامة معا .
كان د. مستجير كما رأيته في مكتبه وهو عميد كلية الزراعة في جامعة القاهرة ، ثم في بيته لاحقا ، إنسانا جم التواضع مع علمه الغزير ، بسيطا مع عمقه في الفكر والطرح ، وكان قادرا على الحوار لساعات طويلة في الأدب والعلم وفي الترجمة وفي مناحي الحياة كافة ، وكان قادرا على الغوص في التفاصيل بكل دقة ، ومع ذلك واسع الأفق ، يقبل كل سؤال ، ويجيب عن كل استفسار ، ولا يسخر من أحد ، ولا يخوض في السياسة بما لا طائل منه ، بل كان يشغل وقته بما يفيد من تأليف وترجمة ، وتربية أجيال من الطلبة على الوعي واليقظة العلمية والنزاهة ، وأنه لا نهاية في العلم ، فكلما وصلت لقمة ستجد نفسك في ملاحقة قمة أخرى ، وكان يسعد بكل متفوق ، ويعامل الجميع برحابة صدر وكرم أخلاق ، مثله في ذلك مثل كل أصحاب الرسالات .
مؤلفاته العلمية
تتنوع كتابات د. مستجير ما بين كتب علمية أكاديمية ألفها لطلبته في الكلية ، وكتب علمية عامة من قبيل الثقافة العلمية ، وكتب أدبية ، ودواوين شعر ، وترجمات أدبية وعلمية ، والبداية مع كتبه الجامعية ، وأبرزها : ( مقدمة في علم تربية الحيوان ) سنة 1966م ، و( دراسة في الانتخاب الوراثي في ماشية اللبن ) سنة 1969م ، و( التحسين الوراثي لحيوانات المزرعة ) سنة 1979م .
وفي باب الثقافة العلمية وضع كتابا في سبعة أجزاء صدرت عن ( دار المعارف ) ضمن سلسلة ( اقرأ ) ، تحت عنوان واحد هو ( في بحور العلم ) ، أما العناوين الفرعية فجاءت من الجزء الثالث هكذا : ( دفاع عن العلم ) و( قراءة في كتابنا الوراثي ) ، و( علم اسمه السعادة ) ،و( علم اسمه الضحك ) ، وأثبت في الكتابين السابقين أن السعادة مصدرها المخ ، والأخير هو ( الثورة البيولوجية ) . وقامت الهيئة المصرية العامة للكتاب بطباعة تلك المجموعة ضمن مشروعها ( مكتبة الأسرة ) ، وكانت تباع الأجزاء السبعة معا في حزمة واحدة ، بنحو جنيهين اثنين لكل كتاب .
ومن كتبه العلمية الشهيرة : ( القرصنة الوراثية ) ، و(مظاهر الصوبة ) و ( الثقوب السوداء ) .
نظريته في عروض الشعر
ويرجع الفضل إلى د. مستجير في ابتكار نظرية جديدة في تحليل ودراسة بحور الشعر العربي ، ضمها في كتابين ، الأول وصدر سنة 1980م بعنوان ( الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربي ) ، والثاني صدر سنة 1987م بعنوان ( مدخل رياضي إلى عروض الشعر العربي ) ، ومحاولته تلك تعتبر أول محاولة عربية في العصر الحديث لدراسة بحور الشعر العربي رياضيا ، ومحاولة تطويع الشعر وبحوره لبرامج الكمبيوتر ، حيث ذهب د. مستجير نفسه في وضع وتصميم برنامج كمبيوتر لتحليل قصائد الشعراء ، وبواسطته نعرف على وجه الدقة تفاعيل القصيدة وبحرها ، ومدى تطور الشاعر عبر تراكم إبداعه ومضي الزمان ، وهو ما شرحه لنا في حواره معنا بالتفصيل .
وكان د. مستجير معجبا بالشاعر صلاح عبد الصبور ، وكان التقاه وعرض عليه شعره وشجعه وأثنى عليه ، ومن فرط حبه للشعر قرأ د. مستجير تراث الشعر العربي القديم والحديث ، كما كان قارئا للشعر الانجليزي ، وكان معجبا بأمير الشعراء أحمد شوقي ، وكان يرى في صديقه الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة واحدا من أكبر شعراء مصر المعاصرين .
وأصدر د. مستجير دوانين ، كان وضع أشعارهما قبل سفره في بعثته لبريطانيا ، وأودعهما عند صديق له ، ثم لما عاد بحث عنه ، وجمعهما في كتابين هما : ( عزف ناي قديم ) سنة 1980م ، و( هل ترجع أسراب البط ) ، وصدر سنة 1989م ، ونشرتهما ( مكتبة غريب ) التي نشرت له بعض كتبه الأخرى .
مترجماته
جمع د. مستجير في مترجماته بين الكتب العلمية ، وعلوم البيئة ، وفي الأدب والفلسفة ، والعلوم الاجتماعية ، والوراثة والجينوم البشري ، وعلوم الحيوان ، وبلغت كتبه المترجمة أربعين كتابا ، وهو رقم كبير لعالم جدوله مشغول تماما ، إذ أنه كان أستاذا وعميدا لكلية الزراعة في جامعة القاهرة ، ومحاضرا في الندوات ، ومشاركا في مؤتمرات علمية محلية ودولية ، وكاتبا للمقالات العلمية والأدبية في صحف ومجلات مصرية وعربية ، وعضوا بأكثر من مؤسسة ومحفل علمي ، كعضويته في مجمع اللغة العربية ، والمجمع العلمي المصري ، وعضويته في أكاديمية البحث العلمي ، وفي مجلس تحرير أكثر من مطبوعة علمية .
ترجم د. مستجير في الفلسفة كتاب ( بحثا عن عالم أفضل ) لفيلسوف العلم ( كارل بوبر ) ، وهو عبارة عن حصيلة ثلاثين عاما من المقالات والمحاضرات لمؤلفه ، كما ترجم كتاب ( الفيزياء والفلسفة والمشاكل الفلسفية للعلوم الطبيعية ) ، للعالم ( هايسنبرج ) ، وكتاب ( صراع العلم والمجتمع ) ، لدار ( لنجتون ) ، وترجم كتاب ( عقل جديد لعالم جديد ) لمؤلفه ( روبرت أرنشتاين وبول إيرلش ) .
وفي علم الوراثة ترجم كتاب ( اللولب المزدوج ) لأحد مكتشفي ( dna ) ، وهو العالم ( واطسون ) ، ثم ترجم لزميل واطسون في اكتشاف (الدنا ) العالم 0 فرانسيس كريك) كتابه ( طبيعة الحياة ) ، وصدر عن سلسلة ( عالم المعرفة ) في الكويت ، وفي مجال الفيزياء ترجم كتاب ( قصة الكم المثيرة ) للعالم ( هوفمان ) ، ثم كتاب ( البذور الكونية ) للعالم ( فرد هويل ) .
وفي علوم البيئة ترجم الكتاب الأشهر للعالمة الأمريكية ( راشيل كارسون ) ، وهو الكتاب ذائع الصيت ( الربيع الصامت ) ، وهو أول كتاب يطلق صيحة تحذير ضد التلوث البيئي ، لا سيما التلوث الناتج عن الاستخدام الجائر للمبيدات الزراعية ، ونال الكتاب شهرة واسعة ، وترجم بعده كتاب ( البيئة وقضاياها ) لمؤلفه ( أوين دينيس ) ، وكتاب ( ثقب الأوزون ، تهديد الإنسان لطبقة الأوزون ) لمؤلفه ( جون جريين ) .
وفي مجال الأدب ترجم كتاب الكاتب الانجليزي ( جيروم . ك. جيروم ) المعنون باسم ( أفكار تافهة لرجل كسول ) ، وهو كتاب في غاية الروعة والتشويق ، وليس تافها على الإطلاق ، بل يحمل أفكارا في غاية الأهمية في أسلوب جذاب جدا ، والحق أن د. مستجير قد ترجم الكتاب ، وكأنه صاحبه ، فلا يشعر القاريء أنه يقرأ كتابا مترجما ، وقد صدر عن ( دار الهلال ) ضمن سلسلة ( كتاب الهلال ) ، كما ترجم د. مستجير لنفس المؤلف الانجليزي رواية بديعة بعنوان ( ثلاثة رجال في قارب ) ، وصدرت عن سلسلة ( روايات الهلال ) ، وهي رواية بديعة قلدها خيري شلبي وأديب الرحلات حسين قدري في كتابين على نفس المنوال حين خرجا في رحلة بحرية على حساب شركة الملاحة الحكومية في ستينيات القرن العشرين .
وحققت كتب د. مستجير أرقام مبيعات كبيرة ، وطبعت أكثر من مرة ، ونجح في جذب القراء إلى فهم الثقافة العلمية بأسلوب بسيط وشامل ، وبترجمات شيقة ، تبدو كما لو كانت من تأليفه ، مع هوامش شارحة ، وكان مجرد وضع اسمه على كتاب كفيل برواجه ، وكان مجرد الإعلان عن وجوده في ندوة كفيل بنجاحها ، وارتياد كثير من الناس لها ، كما في معرض الكتاب ، ودار الأوبرا ، واتحاد الكتاب ، وغيرها ، ونجح في الانطلاق من الدائرة العلمية المتخصصة الضيقة إلى دوائر أوسع ، بثقافته الموسوعية ، وقدرته على التكيف والتبسيط والشرح ، خاصة أنه جمع بين ثقافتين : العربية والغربية .
مقالاته
كتب د. مستجير مقالات كثيرة في العلم والأدب والوراثة والجينوم والبيئة وعلم الحيوان وغيرها في مجلات شهيرة مثل ( الهلال وسطور والكتب وجهات نظر ) في مصر ، ومجلة ( العربي ) في الكويت ، فضلا عن المجلات العلمية المتخصصة .
وأذكر أن رئيس تحرير ( المصور ) ورئيس مجلس إدارة مؤسسة دار الهلال ونقيب الصحفيين مكرم محمد أحمد ، في تسعينيات القرن الماضي ، طلب مني ، وكنت محررا في ( المصور ) ، وكان يعلم بعلاقتي الوطيدة د. مستجير ، طلب مني أن أطلب منه كتابة مقالين عن التهجين الوراثي في المحاصيل الزراعية ، وكان المثل الأشهر هو إنتاج نبات يجمع بين البطاطس والطماطم في شجرة واحدة ، تنتج الطماطم من أعلى ، والبطاطس من أسفل ، ونقلت رغبة ( مكرم ) للدكتور مستجير ، فكان تعليقه الساخر هو : ( رجل غريب ، لماذا مقالين ؟ لماذا لا تكون ثلاث مقالات أو أربعة ؟..) ، وبالفعل كتب مقالا ونشره ( المصور ) آنذاك ، ولم يستكمل الكتابة في المجلة .
ولكنه كان كاتبا دائما كل شهر في مجلة ( الهلال ) الثقافية ، وفي إحدى المرات عرض لكتاب ( ألفين وهايدي توفلر ) المعنون : ( الحرب ونقيض الحرب ) ، عن تقنيات الحرب الحديثة ،عبر ثلاث مقالات مستفيضة ، وقد أهداني الكتاب للقراءة ، وأذكر آنذاك أن صديقا لي كان يشارك في فيلم ( قشر البندق ) مع المخرج خيري بشارة ، وظهر الكتاب في الفيلم ، وهو كتاب قيم ، وأذكر أن د. مستجير قال لي على سبيل السخرية بطريقته المتسامحة مع نبرة الدهشة : ( تصور أني أشتري الكتب من الخارج بالدولار ، وأكتب عنها ويحاسبونني عن المقال في ( الهلال ) بخمسين جنيها للمقال ، في حين أني أكتب المقال الواحد بمئات الدولارات في مجلات عربية وأجنبية ؟!) . وكان أن قلت له : ( هذه هي طريقة حسابات التحرير في ( الهلال ) وحضرتك تتحصل على أعلى مكافأة في المؤسسة والمجلة ، وهي نفس المكافأة التي يحصل عليها مثلك د. مصطفى سويف ، ود. شكري عياد ، وبالفعل أخبرني د. سويف حين التقيته في عيادته في ( الزمالك ) في حوار مهم ، أنه يكتب في ( الهلال ) لتاريخها وسمعتها وحبا في دورها وليس من أجل مكافأة الخمسين جنيها الشهرية ) . وسكت د. مستجير متحسرا ولم يعقب ، وماذا يقول عن الثمن البخس الذي يحصل عليه كبار عقول مصر من مكافآت مقابل أفكارهم وثمار عقولهم ؟!..
نال د. مستجير جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الزراعية سنة 1974م ، ثم وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى ، وفاز بلقب صاحب أفضل ترجمة علمية سنة 1993م عن كتابه ( الهندسة الوراثية للجميع ) ، ونال جائزة ( مبارك ) في العلوم سنة 2001م ، وحصل على جائزة الدولة التقديرية سنة 2002م ، ونال عضوية الأكاديمية الملكية في السويد .
اعتز د. مستجير بعضويته في مجمع اللغة العربية منذ عام 1994م ، ومن عرفه عن قرب يعرف إخلاصه وحبه للغة العربية الفصحى ، واطلاعه الواسع على الشعر العربي في عصوره ، وكان بحكم سفره للدول الأوربية يطالع كل جديد في إصدارات الكتب الأجنبية ، ويتخير منها المهم ، والمتوافق مع فكره ، ويقوم بترجمة الكتاب للعربية ، وبذلك أضاف للغة العربية زخما جديدا ، خاصة أنه ترجم أربعين كتابا ، وكأنه ألفها لروعة أسلوبه ، وقدرته على تطويع اللغة العربية لترجمة أي مصطلح علمي مهما كان معقدا أو خاصا جدا ، وكان يقوم بهذا الدور بحب خالص ، ودون انتظار ثمرة أو عائد مادي ، ومع ذلك – وكما قال لي مرة – كان يغضب من معاملة المترجم في ثقافتنا العربية ، معاملة أقل من معاملة المبدع أو المؤلف ، وكان يتحسر على تلك المعاملة التي لا تليق بالمترجم الجاد لا أدبيا ولا ماديا ، ومع ذلك كان يقول إنه يكتب ويترجم لأنه يحب كل ما يقوم به ، وليس من أجل عائد مادي أو تكريم من أي نوع أو وجه .
أبحاثه وتحذيراته
ولعل أخطر وأهم ما توصل إليه د. مستجير في مجاله الزراعي هو بحثه الناجح عن زراعة القمح والأرز على المياة المالحة ، وفي الأراضي المالحة ، من خلال التهجين مع نبات الغاب ، وكذلك زراعته لنبات يجمع بين صفات البطاطس والطماطم ، ونجاحه في تحسين سلالات الجاموس المصري ، وتحسين سلالات الدجاج المصري .
وأخطر أقوال د. مستجير في جلساته الخاصة ، وما عبر عنه في بعض مقالاته ، هو قوله إن (الهندسة الوراثية ) خير للفقراء ، وسكان العالم الثالث في الجنوب قبل الدول الغربية الغنية والمتقدمة ، وإنها بوسعها أن تنقذ الفقراء من أزمات مثل الجوع وندرة المحاصيل والموارد الطبيعية .
وحارب د. مستجير ما أسماه ( بذور الشيطان ) ، وكان يقصد بها البذور التي نستوردها ولا يمكننا استنباتها مرة ثانية ، ومن ثم تعتمد دول الجنوب في غذائها على المصدر الغني المتقدم !
وحذر د. مستجير وحارب فكرة ( السوبر مان الأبيض ) ، وحذر من عنصرية الرجل الأبيض الغربي والمستعمر ، وقال إن فكرة تفوق الرجل الأبيض الغربي على سكان الجنوب الفقراء ، فكرة عنصرية ، كما أن التمييز بين الرجل الأبيض ، والأسود أو الملون بسبب اللون فقط عنصرية غربية استعمارية أيضا ، وشبه تلك الدعوات بدعوة ( هتلر ) النازية العنصرية ، حيث كان ينادي هتلر بتفوق الجنس الألماني على أوربا والعالم كله !
وحذر د. مستجير من التطرف الديني والغلو الفكري ، والأفكار الهدامة المعادية للعلم ، وكان يرى أنه لا مستقبل لمصر ، ولا للعرب بدون البحث العلمي ، وسيادة التفكير العلمي .
وحذر مرارا من خطورة استغلال منجزات البحث العلمي في الحروب لتدمير البشرية ، واستغلال العالم الغربي المتقدم للعالم النامي في الجنوب بعنصرية بغيضة لا تعرف الرحمة ، وكان يأخذ على بعض علماء الغرب المتقدم أنهم يتفانون في خدمة أهداف الاستعمار والاستغلال والعنصرية ، بتسخير ثمار أبحاثهم لأهداف عنصرية استعمارية ، دون وجود أي اعتبار أخلاقي أو قيمي بما في ذلك أخلاق العلم ، وكان يرى ذلك يفتح الباب لتدمير العالم باستخدام منجزات العلم !
وسعى د. مستجير لتكوين مدرسة مصرية وطنية في الوراثة الحيوانية والنباتية من زراعة القاهرة ، وأسس المعامل ، وأصبح له تلاميذ مخلصون في مجاله ، كما سعى لحفظ السلالات الحيوانية والنباتية المصرية من الإندثار ، أو السرقة ،أو من محاولة آخرين ادعاء تلك أو بعض السلالات لأنفسهم ، كما ادعت اليابان أن الملوخية نبات ياباني ، وسجلته باسمها ، رغم أنه نبات مصري !.. وادعاء دول أخرى احتكار القطن طويل التيلة باسمها مع أنه مصري أساسا ، والأخطر أننا نستورد تلك المنتجات بعد ذلك على أنها غير مصرية !..
تنوع أصدقاء د. مستجير بحسب تنوع وثراء شخصيته ، وكما شاهدت بعيني ، كان من زواره الدائمين في مجال تخصصه الزراعي كل من د. يوسف والي وزير الزراعة الأسبق ، ود. سعد نصار الذي تولى مركز البحوث الزراعية ، ثم أصبح وزيرا للزراعة ، ومن مجال الصحافة ، كان مرسي عطالله مؤسس ( الأهرام المسائي ) ، ورئيس مجلس إدارة الأهرام لاحقا ، والمحرر الرياضي بالأساس ، صديقا له ، حيث كان من خريجي كلية الزراعة ، أما الشاعر المفضل والصديق الأقرب فكان الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة ، وكان مستجير يراه أهم شاعر مصري معاصر ، كما كان معجبا بالشاعر صلاح عبد الصبور الذي التقاه وعرض عليه أشعاره وأثنى عليه ، وكان مأخوذا بنزار قباني بشدة ، وكان يرى أن فاروق جويدة يكرر نفسه ولم يتطور كشاعر ، كما كان معجبا بالأديب د. يوسف إدريس ونجيب محفوظ ، وكان معجبا بالرئيس عبد الناصر ، وله آراء سلبية في الرئيس السادات ، كما سمعت منه آراء سلبية في الشيخ الشعراوي وطريقته البسيطة في الدعوة !
أسريا ، تزوج د. مستجير من سيدة نمساوية الأصل ، كانت تعرف أصدقائه بالإسم ، وترحب بهم ، وتعد الشاي والقهوة والعصائر وتقدمها بنفسها مع بعض الحلويات ، ثم تنسحب كالنسمة في لمح البصر ، تاركة زوجها مع ضيوفه لحواراتهم العلمية والثقافية ، وأنجبت له ثلاثة أبناء هم على الترتيب : ( طارق ) ، وهو مهندس برمجيات ، و( سلمى ) حاصلة على الدكتوراة في اللغة الألمانية ، و( مروة ) ، وهي تخصصت في البيولوجيا الوراثية .
عاش د. مستجير في بيته ، وكان عبارة عن فيلا مكونة من دورين ، في شارع الحسين بالدقي في الجيزة ، ويحمل البيت رقم عشرين ، وكانت تتصدره حديقة جميلة يزرعها د. مستجير بنفسه لعشقه للزراعة ، وكان يطيب له أن يذهب إلى كليته ( زراعة القاهرة ) مشيا على قدميه ، ويعود ماشيا ، حتى وهو عميد للكلية ،
الرحيل
ظل د. مستجير يقظا ومتفاعلا في الحياة العامة ، الثقافية والجامعية ، حتى كان العدوان الإسرائيلي الوحشي على لبنان سنة 2006م ورؤيتة لمشاهد قتل النساء والأطفال ، فلم يتحمل وهو الشاعر المرهف الحس ، وفاجأته جلطة دماغية نقل على أثرها للمستشفى ، وكان يقضي إجازته السنوية مع أسرته في النمسا فتدهورت حالته الصحية ، ولقى وجه ربه عصر الأربعاء السادس عشر من أغسطس من عام 2006م ،عن 72 عاما ، وشيعت جنازته يوم الأحد 20 أغسطس من أمام كلية الزراعة في جامعة القاهرة حيث قضى جل عمره ، ورحل هو في أوج عطائه الثقافي والأدبي والعلمي ، رحمه الله تعالى .