لبنان بحاجة إليك فلا تتأخر بالمجيء
تاريخ النشر: 25th, December 2024 GMT
عيد الميلاد هذه السنة مختلف عن السنوات الماضية، أقّله بالنسبة إلى اللبنانيين، الذين أفقدتهم الحروب بكل أشكالها فرحة العيد ومعناه الروحي الحقيقي. فمنذ 2024 سنة ولد المسيح في مزود حقير. لم يكن في ذاك الاسطبل الفقير لا نار تبعد عنه برد الشتاء القارس، ولا ثوب يستر عريه، بل أقمطة، تمامًا كما على الصليب. أتاه المجوس حاملين ذهبًا ومرًّا ولبانًا، وهو لم يطلب سوى الرحمة للعالمين.
سجد له الرعاة وهم يسبحّون "المجد لله في العلى". يوسف صفيّه واقف أمام العظمة الألهية مدهوشًا ومعقود اللسان. أمّا مريم ومذ وضعته فلم تكّف عن تسبيح من نظر إلى تواضع أمته، وتحفظ في قلبها ووجدانها ما تراه بعينين وسع الفضاء. وحده هيرودس كان خائفًا ومرتعدًا من طفل صغير، فأمر أن يبيد جميع أطفال بيت لحم. ومذ ذاك التاريخ بدأت جلجلة فلسطين. في مثل هذا اليوم ولد المسيح فكان نورًا للأمم، وفي مثل هذا اليوم لم يعد ما بعده كما ما قبله. أصبح ملء التاريخ. معه بدأ التاريخ الجديد، تاريخ الخلاص لمن رأى وآمن، ولمن لم يرَ وآمن أيضًا، وله أعطيت الطوبى.
في مثل هذا اليوم تعمّ الفرحة ويسود السلام ويُمحّى البغض. في مثل هذا اليوم تُستعاد الذكرى، كل على طريقته، وإن احتلت المظاهر والبهرجات الخارجية مكان معاني العيد الحقيقية. ولكن القاسم المشترك بين الجميع هو الفرح والسرور والبهجة.
فمَن لم يختبر المعنى الخلاصي بحقيقته الايمانية لسر التجسد في حياته اليومية لن يستطيع أن يدرك أهمية هذا الحدث العظيم ببعض من التفسيرات، التي لم تستطع أن تتخطّى محدودية العقل البشري وحتى "الذكاء الاصطناعي". فالميلاد ببعده اللاهوتي والايماني هو أكثر من مجرد حدث زمني عابر مرّ عليه ردح من الزمن، وهو لم يُعطَ لغير الذين يعيشون العمل الخلاصي بعمقه الروحي والإنساني أن يفهموا تلك العلاقة المباشرة بين الله وكلمته والانسان. بعد الميلاد لم يعد الانسان، أي انسان، في حاجة إلى أي وساطة بينه وبين خالقه بعدما صالح يسوع بتجسدّه الخلاصي الأرض مع السماء. فهو القائل "من رآني فقد رأى الآب". بالميلاد أصبحت علاقة الانسان بربه علاقة محبة. ما حدث قبل 2024 سنة في قرية وادعة من أرض فلسطين المثقلة بالأحزان، والتي تعاني اليوم الأمرّين، بدّل المفهوم الذي كان سائدًا في العهد القديم عن علاقة الانسان بخالقه، وهو الذي كلمه بلسان أنبيائه من إبراهيم إلى موسى، وهو الذي ناصر خائفيه والذين يتقونه، وأقام معهم عهدًا جديدًا عبر نوح بعد الطوفان الأول.
فالميلاد الذي نعيشه اليوم هو غير الميلاد الحقيقي. فهو لا يشبهه بشيء لا من قريب ولا من بعيد. إنه الميلاد الذي شُوهّت معانيه. لقد أصبح ميلاد الزينة وعجقة الهدايا، ميلاد "بابا نويل". ميلاد اليوم لا يشبه صاحبه، الذي لم يولد في القصور الدافئة، بل في مغارة باردة. لقد شوهّوا لنا العيد. أفرغوه من معانيه الروحية. جرّدوه مما حمله إلينا طفل المغارة من علامات ملء الأزمنة. فبدلًا من أن نتعمّق في هذا السر الخلاصي، تأملًا وصلاة وصمتًا وخشوعًا كصمت مريم ويوسف، وخشوع الرعاة والمجوس، ننصرف إلى البهرجة والضجيج والصخب. نتعلق بالقشور ونهمل الجوهر. نصرف معظم وقتنا لتزيين شجرة اعتدنا أن نطلق عليها تسمية "شجرة الميلاد". هي جميلة وتدخل الفرح إلى القلوب، ولكنها تبقى مجرد تعبير عن فرح خارجي فيما الفرح الحقيقي هو ذاك النابع من نور المغارة وبما ترمز إليه. يحاول جميع الذين لم يتلقوا بشارة الخلاص بانفتاح، ومن بينهم حركات معادية للأديان السماوية، "وثننة" معاني عيد الميلاد، وتأطيره بكوادر تجارية بحتة، وقولبته بقوالب تتعارض مع المفاهيم الايمانية لعيد أصبح الحدّ الفاصل بين عهدين، قديم وجديد. فما بعد الميلاد لم يعد ما كان قبله. فالمفاهيم التي كانت سائدة تبدّلت. السلوك الايماني امتزج بأعمال الرحمة والأخوّة والتسامح. سقطت الشريعة وما فيها من فرائض بعدما حلّت مكانها محبة جامعة ومسكونية أوصى بها كلام الانجيل. "فإذا أحببتم من يحبونكم فأي فضل لكم". "أحبوا اعداءكم". "أحب قريبك كحبك لنفسك". "ما من حب أعظم من هذا وهو أن يبذل الانسان نفسه من أجل الذين يحبهم". هو ميلاد المحبة. "وهكذا يعرفونكم إذا كنتم تحبون بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم".
في هذا العيد المبارك لا يطلب اللبنانيون، جميع اللبنانيين، من صاحب العيد سوى أعجوبة واحدة، وهي أن يطرد "الهيروديسيين"، فينجو لبنان، كما نجا هو من "هيروديس"، ولا يكون مصيره كمصير يوحنا مقطوع الرأس.
في هذا العيد المجيد نطلب من طفل المزود ألا ينسى أطفال لبنان، والبائسين والمتعبين. وألا ينسى أن يزور هذا البلد الصغير لتحّل فيه السعادة والطمأنينة.
لبنان ينتظرك يا يسوع فلا تتأخر بالمجيء. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: فی مثل هذا الیوم
إقرأ أيضاً:
الشماس ريمون رفعت: المعمودية تعد في الإيمان المسيحي "ميلادًا ثانيًا"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال الشماس ريمون رفعت، إن أحد المولود أعمى هو الأحد الخامس من الصوم الكبير والذي يتميز بإقامة معموديات فردية أو جماعية، خاصة للأطفال الذين لم تتم معموديتهم بعد، استعدادًا لعيد القيامة المجيد، و يُطلق عليه "أحد التناصير" نسبة إلى كلمة "التناصير"، التي تعني المعمودية أو “التغطيس”.
وأوضح في تصريح خاص لـ “البوابة نيوز” أن الكنيسة اختارت لهذا اليوم فصلا من إنجيل معلمنا يوحنا البشير وهو الإصحاح التاسع بأكمله الذي يروي معجزة شفاء السيد المسيح لمولود أعمى، والسبب في اختيار هذا الفصل أنه يصف حالة المتعمد قبل نوال سر المعمودية وبعده.
وأضاف: “من يتقدم للمعمودية يعتبر مولودا أعمى بالخطية الأصلية ومن خلال المعمودية واغتساله بالماء يطهر من خطاياه وانفتحت عيون قلبه ونال بصير، والمعمودية في إشارتها للميلاد الثاني كما في تفيح عيني المولود أعمى استخدم السيد المسيح تراب الأرض بأن تفل على الأرض وصنع من التفل طينا وطلى بالطين عيني الأعمى، وقال له اذهب اغتسل في بركة سلوام فمضى واغتسل واتى بصيرا”.
ولفت إلى أن المعمودية تعد في الإيمان المسيحي "ميلادًا ثانيًا"، حيث يؤمن الأقباط أن الإنسان يولد بالخطيئة الأصلية، التي ورثها عن آدم، ولا يتمكن من الانضمام إلى الكنيسة إلا بعد المعمودية، التي تُطهره وتمنحه نعمة بنوة لله.
ونوه بأن تُجرى المعمودية للأطفال في أيامهم الأولى للذكر بعد 40 يوما وللأنثى بعد 80 يوماً.