أي دور لتركيا في إعادة ترميم الاقتصاد السوري بعد سقوط نظام الأسد؟
تاريخ النشر: 25th, December 2024 GMT
قالت صحيفة ديلي صباح التركية إن أنقرة تبرز كلاعب رئيسي في جهود إعادة إعمار الاقتصاد السوري، عقب سقوط نظام بشار الأسد.
وتذكر الصحيفة أنه وبالنظر إلى العلاقات الاقتصادية التاريخية بين البلدين والخبرة التركية في القطاعات الحيوية، فإن تركيا مؤهلة للمساهمة بشكل كبير في إعادة بناء سوريا التي تعاني من انهيار اقتصادي شامل.
وتحت حكم حزب البعث، تراجعت المؤشرات الاقتصادية السورية بشكل حاد، لتُظهر أرقام عام 2023 وضعًا مأساويًا.
فقد بلغت ميزانية سوريا نحو 5.88 مليارات دولار فقط، بمعدل 256 دولارًا للفرد سنويا، وهي أقل من ربع مستوى ميزانية 2011، وفقًا لتقرير صادر عن اليونيسيف.
ويُعزى هذا الانهيار -وفق ديلي صباح- إلى الصراعات الداخلية والعقوبات الاقتصادية الدولية، فضلاً عن تدمير البنية التحتية الأساسية للبلاد.
وفي عام 2023، استوردت تركيا منتجات بقيمة 363.5 مليون دولار من سوريا، في حين بلغت صادراتها إلى سوريا 2 مليار دولار، ما يُبرز اعتماد سوريا الكبير على تركيا لتلبية احتياجاتها من المنتجات المختلفة، بدءًا من المواد الغذائية وصولًا إلى مواد البناء والطاقة.
إعلانويُتوقع أن تلعب هذه العلاقات التجارية دورًا محوريًا في تحفيز الانتعاش الاقتصادي السوري في المستقبل، بحسب الصحيفة.
قطاع الإنشاءات.. فرصة للنمو المشتركوأشارت ديلي صباح إلى أن أسهم الشركات التركية في قطاعات البناء والصلب والإسمنت شهدت ارتفاعًا ملحوظًا فور سقوط نظام الأسد.
ويمكن أن تستفيد هذه الشركات من فرص هائلة لإعادة بناء البنية التحتية السورية التي تضررت بشدة بسبب الحرب، بما في ذلك الطرق، محطات الطاقة، وشبكات الاتصالات. ويُتوقع أن تكون هذه القطاعات من أبرز المحركات الاقتصادية التي تعيد سوريا إلى خريطة النمو الإقليمي.
وبحسب علي معموري، الباحث في جامعة ديكين الأسترالية، فإن البنية التحتية السورية تعرضت لأضرار هائلة تتطلب استثمارات ضخمة لإعادة تأهيلها.
وأضاف معموري: "ستكون إعادة بناء الطرق، محطات الكهرباء، وشبكات الاتصال ضرورة لإعادة تنشيط النشاط الاقتصادي وخلق فرص عمل".
فرص في قطاعي النفط والزراعةورغم أن سوريا تمتلك موارد طبيعية غنية، بما في ذلك احتياطيات النفط والغاز، فإن الحرب أدت إلى تراجع الإنتاج بشكل كبير.
ويرى خبراء أن استعادة هذه القطاعات تتطلب استثمارات ضخمة واستقرارًا سياسيًا لضمان عودة الإنتاج إلى مستويات مقبولة، بحسب الصحيفة.
أما الزراعة، فتُعد من القطاعات المحورية وفقا لديلي صباح، خاصة في المناطق الخصبة المحيطة بنهر الفرات.
ويمكن أن تسهم هذه المناطق في تعزيز الأمن الغذائي وخلق فرص عمل واسعة، مما يعزز من قدرة سوريا على تحقيق الاكتفاء الذاتي والتصدير.
العقوبات والتحديات الاقتصاديةورغم الفرص الكبيرة، تواجه سوريا تحديات كبرى بسبب استمرار العقوبات الدولية. حيث أشار تقرير ديلي صباح إلى أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لم يقدما دعمًا لسوريا بسبب الحرب والعقوبات.
مع ذلك، صرح المتحدث باسم صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، بأن الصندوق "مستعد لدعم جهود إعادة الإعمار عندما تسمح الظروف بذلك".
إعلانويرى الخبراء أن رفع العقوبات أو تقديم استثناءات إنسانية سيكون أمرًا مهما لجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتمويل عمليات إعادة الإعمار.
تحول في الديناميكيات العماليةوأشار أحمد أوكسوز، رئيس جمعية مصدري المنسوجات والمواد الخام في إسطنبول، إلى أن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم قد تُحدث تغييرًا في الديناميكيات العمالية بين البلدين.
وقال أوكسوز: "يمكن لتركيا أن تستفيد من إنشاء مرافق إنتاجية في سوريا تعتمد على العمالة السورية التي كانت تعمل في تركيا".
هذا النموذج يمكن أن يُسهم في تحسين العلاقات الاقتصادية بين البلدين وزيادة الصادرات التركية، في حين يوفر للسوريين فرص عمل داخل بلادهم.
وبحسب المحلل الاقتصادي فيكتور تريكاود، فإن إعادة الإعمار ستوفر فرصًا استثمارية ضخمة. ومع وجود دعم دولي واستقرار سياسي، يمكن أن تستفيد سوريا من تمويل كبير من بنوك التنمية متعددة الأطراف، مما يتيح للمستثمرين الأجانب تحقيق عوائد عالية من مشاريع البنية التحتية.
آمال في استقرار العملة والاقتصادومع سقوط نظام الأسد، بدأت العملة السورية في التعافي أمام الدولار، مما يعكس آمالًا بتحسن اقتصادي مستدام.
وفقًا لتصريحات نقلتها ديلي صباح عن تجار ومصرفيين، فإن الأسواق المحلية بدأت تشهد استقرارًا نسبيًا مع انخفاض أسعار السلع وتحسن الحركة التجارية.
ويأمل الاقتصاديون أن يسهم هذا الاستقرار في جذب الاستثمارات الأجنبية وعودة ملايين السوريين من الشتات، خاصة من الطبقة المتوسطة المتعلمة التي قد تكون مفتاحًا لتحقيق انتعاش اقتصادي طويل الأمد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات البنیة التحتیة السوریة التی إعادة بناء أن تستفید سقوط نظام دیلی صباح یمکن أن
إقرأ أيضاً:
تقرير: على أوروبا صياغة دور جديد في الاقتصاد العالمي
في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، تواجه أوروبا تحديات جديدة تتطلب إعادة صياغة دورها على الساحة الدولية. ومن خلال تعزيز تعاونها الاقتصادي، وتطوير سياساتها المالية والتجارية، تسعى القارة إلى ترسيخ مكانتها كفاعل رئيسي في النظام الاقتصادي العالمي.
وقال المحلل البريطاني كريون بتلر، مدير برنامج الاقتصاد والتمويل العالمي، في المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس)، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قام بإعادة تشكيل دور الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي بشكل جذري.
Only Europe can begin to fill the void left by the US’s withdrawal from its post-war global economic leadership role. The EU and UK should make this goal a shared priority. https://t.co/GWB6MQ1NgP
— Chatham House (@ChathamHouse) March 28, 2025وأظهر استعداده لفرض رسوم جمركية كبيرة على معظم التجارة الأمريكية دون التقيد بأي قواعد دولية، وبالاعتماد على أسس قانونية محلية مشكوك فيها. كما وضع التحالفات الأمنية الأساسية للولايات المتحدة موضع شك، وهدد السلامة الإقليمية لحلفاء مقربين، بينما سحب الولايات المتحدة من الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي والأمراض والفقر.
وأضاف بتلر أنه بدلاً من أن تكون الولايات المتحدة قوة لتحقيق الاستقرار الدولي وحل المشكلات، أصبحت الآن مصدراً رئيسياً لعدم اليقين الاقتصادي العالمي، إذ يبدو أن السياسة الأمريكية مدفوعة بمصالح وطنية ضيقة ونهج قائم على المعاملات، دون اعتبار للقيم والمبادئ والقواعد والتحالفات طويلة الأمد.
وحتى الآن، لا يبدو أن ترامب لتوقف عن نهجه في ظل التأثير السلبي لهذه السياسات على التوقعات الاقتصادية للولايات المتحدة، حيث قام مجلس الاحتياط الاتحادي الأمريكي بمراجعة توقعات النمو لعام 2025 وخفضها بمقدار 0.4 نقطة مئوية إلى 1.7%، في حين انخفض مؤشر "ستاندارد آند بورز 500" بنسبة 7% عن ذروته في فبراير (شباط) الماضي.
ويقول بتلر إن الولايات المتحدة قامت في بعض الأوقات، بتغيير القواعد الاقتصادية الدولية أو تجاهلها عندما كان ذلك ملائماً لها في فترات سابقة. لكن طبيعة ومدى التغيير الحالي يتجاوزان أي شيء شهدناه منذ إنشاء نظام بريتون وودز قبل 80 عاماً.
ويرى بتلر أنه يجب على الدول الأخرى أن تخطط على أساس أن التحول في النهج الأمريكي سيكون دائماً، وألا تقتصر استراتيجياتها على إدارة علاقاتها الفردية مع إدارة ترامب في الوقت الحالي.
وأضاف بتلر أنه يمكن لهذه الدول ببساطة، قبول النموذج القائم على "المصلحة الوطنية الضيقة" الذي ينتهجه ترامب، وتقليد السلوك الأمريكي. أو يمكنها السعي للحفاظ على نظام قائم على القواعد، من خلال إيجاد حلول بديلة للتعامل مع تصرفات الولايات المتحدة، غير المترابطة أو المعرقلة بشكل علني.
ويرى بتلر أن انهيار هذا النظام الاقتصادي يشكل تهديداً وجودياً للاتحاد الأوروبي. ولهذا، فإن التكتل لديه مصلحة قوية في الرد على سياسات ترامب من خلال قيادة جهد عالمي للحفاظ على نظام اقتصادي دولي قائم على القيم والمبادئ والقواعد.
وعلاوة على ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي هو الوحيد الذي يتمتع بالحجم الاقتصادي (18% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من حيث القيمة السوقية مقابل 26% للولايات المتحدة)، والعملات القابلة للتحويل بالكامل والقدرات الاقتصادية والعلمية والكفاءة التنظيمية ونظام الحوكمة القائم على القانون، ومجموعة التحالفات الاقتصادية الدولية اللازمة للقيام بمثل هذا الدور.
ويقول بتلر إنه حتى الآن، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات حاسمة في ثلاثة مجالات. أولاً، أعلنت المفوضية الأوروبية عن رد انتقامي قوي ضد الرسوم الجمركية الأمريكية على الصلب والألومنيوم، مع الإبقاء على عرض التفاوض.
وثانياً، تحركت المفوضية بسرعة لطرح مقترحات للتمويل الجماعي للاتحاد الأوروبي اللازم لدعم نظام دفاع أوروبي مستقل عن الولايات المتحدة. وثالثاً، تقوم ألمانيا، صاحبة الاقتصاد الرائد في الاتحاد الأوروبي، برفع قيود الاقتراض الدستورية التي تسمح لها بتمويل 500 مليار يورو من الإنفاق المحلي على البنية التحتية وإنفاق إضافي غير محدد بعد، ولكنه كبير، على الدفاع.
وتشير بعض التوقعات إلى أن هذا قد يرفع معدلات النمو الألماني الضعيفة الحالية، بما يصل إلى 0.5 نقطة مئوية في عام 2026. وكل هذه الخطوات الثلاث تتسق مع مبادرة الحفاظ على النظام الاقتصادي الدولي. لكنها مجرد بداية.
ويرى بتلر أنه ينبغي على الاتحاد الأوروبي الآن اتخاذ خطوات أخرى. أولاً، يجب أن يبدأ في صياغة رؤية لما يجب أن يكون عليه النظام الاقتصادي الدولي الجديد، والدور الذي سيلعبه الاتحاد الأوروبي فيه.
وثانيا، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يعطي الأولوية لتنفيذ التوصيات بشأن تعميق وتوسيع الأسواق المالية الأوروبية ومطابقة ذلك بتنشيط الجهود الرامية إلى تعزيز وضع عملة الاحتياطي العالمي لليورو. وثالثاً، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى بناء الثقة والتعاون مع الدول الأخرى لدعم نظام عالمي جديد.
ولكن الأهم بالنسبة للاتحاد الأوروبي هو علاقته مع المملكة المتحدة، سواء على أسس اقتصادية أو لأن المملكة المتحدة تشترك، أكثر من أي اقتصاد رئيسي آخر، في نفس المصلحة الأساسية في الحفاظ على نظام اقتصادي دولي قائم على القواعد ودور قيادي معزز لأوروبا محددة على نطاق واسع داخله.