مرة أخرى، عادت سوريا إلى واجهة الحدث الإقليمي والدولي، بعد أن تحوّلت لسنوات إلى ملفّ شبه منسيّ، يدعو للتشاؤم، لكن سقوط نظام الأسد خلال أيام معدودات بعد عملية «ردع العدوان»، وما رافقها من انكشاف سريع لهزالة البنية العسكرية للجيش، وارتباك النظام السياسي السوري، ومن ثمّ فرار رأس النظام إلى روسيا، أعاد تسليط الضوء على البلد الذي يعدّ من نواحٍ عديدة، مهمّاً في الفضاء الجيوسياسي لكلّ المنطقة، وأعاد طرح العديد من الضرورات والمخاوف، ليس فقط لدى صناع القرار في المنطقة، بل في الأساس لدى قطاعات واسعة من المجتمع السوري.
ليس هيّناً أن يسقط نظام سياسي/ أمني، تاركاً البلاد في حالة كارثية، فالكثير من ذوي المعتقلين في سجن صيدنايا سيء الصيت والفروع الأمنية، كانوا يأملون بخروج أبنائهم، ليكتشفوا فجأة أن مصيرهم لا يزال مجهولاً، ما يعني لهم أن النظام قام بتصفية القسم الأكبر من المعتقلين خلال السنوات الماضية، وعلى مراحل، ومن بينهم سياسيون وحقوقيون بارزون، أمثال عبد العزيز الخير، ورجاء الناصر، وخليل معتوق، وهم من قادة العمل السلمي والحقوقي على مدار عقود.
وعلى الرغم من الفرح العارم الذي شهدته ساحات الاحتفال بسقوط النظام، سادت أجواء قلق في أوساط اجتماعية كثيرة، وطُرحت أسئلة كثيرة، حول طبيعة النظام السياسي الجديد لسوريا، خصوصاً فيما يتعلق بالدستور، وتنظيم الحريات السياسية والاجتماعية والفردية، ومكانة النساء حقوقياً، في مجتمع سوري متنوّع ثقافياً ودينياً واجتماعياً، وهي أسئلة مشروعة وملحّة، فالسوريون الذين عانوا من استبداد، ربما هو الأطول في تاريخ المنطقة، لا يريدون استبدال نظام استبدادي بآخر.
وفي واجهة التحدّيات الراهنة، هناك ملفّ الأوضاع الخدمية والاقتصادية والمعيشية للسكان، فبحسب المنظمات الدولية، هناك نحو 90% من السكان تحتّ خطّ الفقر، كما غابت خلال السنوات الأخيرة الكثير من الخدمات، أو أصبحت شبه غائبة، بسبب نقص المحروقات وحوامل الطاقة، والذي أسهم شحّها في إعدام القطاع الصناعي السوري، كما أسهم تقطيع المدن بين النظام السابق والمعارضة في تضييق قطر دائرة الإنتاج، وإضعاف التكامل بين حلقاتها، وهروب معظم رؤوس الأموال من البلاد، وهجرة الكفاءات إلى بلدان اللجوء، وتدهور مستوى اليد العاملة الماهرة.
سوريا التي عاشت في خمسينات القرن الماضي، بعد رحيل الانتداب الفرنسي، سنوات من الديمقراطية، والعمل السياسي العلني، والتنافس البرلماني، تأمل اليوم أحزابها بعودة هذا المناخ الحرّ، ليسهم في تقوية النسيج الوطني المتنوّع، بحيث يكون التنافس السياسي على البرامج التي تقدّمها الأحزاب في المجالات كافة، وترك الحكم للناخب، في صناديق الاقتراع، لكن هذا الأمر، سيكون مرهوناً بكيفية صياغة النظام السياسي، وكتابة الدستور الجديد، وقانون عصري للأحزاب.
إن وصفة الدول والأنظمة السياسية الحديثة لا تحتاج إلى اختراع من جديد في تاريخ البشرية الحديث، فالمدخل الرئيسي هو تبني المواطنة المتساوية من دون أي تمييز على أساس قومي أو ديني أو طائفي أو جندري، وفصل السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، ومنع أي محاكمات خارج القضاء المدني المستقل والنزيه، وحرية الإعلام، لكن ما يثير مخاوف قسم كبير من السوريين أن تحدث عملية تجاهل لهذه الوصفة، تحت ذرائع ومبررات عديدة.
وفي مسائل السيادة الوطنية، فإن تحدّي إخراج الاحتلالات كافة من سوريا مسألة مهمة، وتمثل تحدياً كبيراً، لكن هذا التحدي، مرهون بإعادة بناء المؤسسة العسكرية على أسس وطنية جامعة، وتحت سقف الدستور، ورهن حدوث توافقات دولية وإقليمية، ورهن وعي السوريين بعدم الانجرار وراء سياسات المحاور، والدفع نحو علاقات جيدة مع المحيط، وخصوصاً المحيط العربي.
لقد كان واضحاً بالنسبة لقسم كبير من السوريين، وبالنسبة لدول الإقليم، أن النظام السوري زائل في نهاية المطاف، وأن إعادة تأهيله ليست ممكنة، على الرغم من المحاولات العديدة التي أبدتها دول عربية حريصة على سوريا، من أجل تطبيق القرار الأممي 2254، للحلّ السياسي، والتي اصطدمت بتعنّت النظام وتجاهله، ولئن كانت المرحلة الماضية قد طويت اليوم، فإن المطلوب دفع سوريا نحو الاستقرار السياسي والاقتصادي والمعيشي، كخطوة على طريق بناء نظام أمن واستقرار في عموم المنطقة.
إن إعادة الحيوية للمجتمع السوري، مرهونة، من بين أمور كثيرة، بعودة العمل السياسي والمدني والنقابي، وإنهاء ثنائية الخارج والداخل، فلم يعد هناك أي مبرر سياسي لبقاء قيادات المعارضة السياسية خارج البلاد، فعودتهم السريعة ضرورية، لإحداث نوع من التماسك المجتمعي والسياسي، خصوصاً القوى الوطنية الديمقراطية، وإحداث توازن في المشهد السياسي الوطني العام، وإطلاق منصاتهم الإعلامية، والمشاركة في الفعاليات العامة، وانتقاد أي خطوات مضادة للديمقراطية والمواطنية، ومواجهتها بالعمل السياسي المنظم.
إن استحضار أرقام الكارثة السورية اليوم سياسياً واقتصادياً وإنسانياً قد يدعو للتشاؤم، لكن لا مفرّ أمام السوريين من إمساك زمام مصيرهم بيدهم، والعمل على منع عودة الاقتتال الداخلي، والخروج سريعاً نحو الأمان والاستقرار والازدهار، ومواجهة التحدّيات التي يطرحها الواقع، والعمل على حلّها، وإعادة سوريا لتشارك محيطها الإقليمي في صناعة مستقبل أفضل لعموم المنطقة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات سقوط الأسد الحرب في سوريا
إقرأ أيضاً:
استقالة مجلس إدارة الاتحاد السوري لكرة القدم
تقدم رئيس وأعضاء الاتحاد السوري لكرة القدم باستقالاتهم رسميا إلى ديوان الاتحاد، يوم الثلاثاء، وفقا لما أعلن عبر الصفحة الرسمية على فيسبوك.
وقال الاتحاد إنه "بناء على أحكام النظام الأساسي للاتحاد السوري لكرة القدم، فقد تم تكليف الأمين العام الأستاذ مازن دقوري بتسيير وإدارة الأعمال اليومية للاتحاد، وذلك إلى حين اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة وفقا لما نص عليه النظام الأساسي للاتحاد".
وكان اتحاد الكرة المستقيل برئاسة صلاح رمضان قد انتخب قبل نحو عامين خلفا للاتحاد الذي كان يرأسه العميد حاتم الغايب.
ويأتي هذا الإعلان بعد أكثر من أسبوعين على سيطرة تحالف للفصائل المعارضة تقوده "هيئة تحرير الشام" التي يتزعمها أحمد الشرع المعروف سابقا باسم أبو محمد الجولاني، على السلطة في 8 ديسمبر.
وكانت السلطة الانتقالية أعلنت تعيين محمد الحامض لإدارة الاتحاد الرياضي، أعلى سلطة رياضية سورية، خلفا لفراس معلا.