هذا هو العدو الأكبر المتربص بسوريا الجديدة الآن
تاريخ النشر: 25th, December 2024 GMT
كانت "إسرائيل" في مقدمة الأطراف المستفيدة ظرفيًا من سقوط نظام الأسد، مستغلة الفراغ الحاصل في دمشق لفرض أمر واقع باحتلال مناطق إضافية، وقصف أسلحة ومقدرات إستراتيجية؛ لخدمة عدة أهداف تجعلها العدو الأكبر المتربص بأي نظام في دمشق، ليس فقط من الناحية النظرية – الإستراتيجية، ولكن كذلك من زاوية عملية حاليًا.
منذ اتفاقية "فض الاشتباك" في 1974، بقيت جبهة الجولان هادئة بشكل شبه دائم بين النظام السوري ودولة الاحتلال. ومع انطلاق الثورة السورية في 2011، وضع النظام الأحداث في إطار "مؤامرة كونية" عليه، واتهم المعارضين/ الثوار بالتبعية للولايات المتحدة و"إسرائيل"، بينما رأت المعارضة أن بقاء النظام مصلحة جوهرية للاحتلال، وأن ذلك ما حافظ له على كرسيه طوال سنوات الثورة.
مع بدء عملية "ردع العدوان"، قال وزير خارجية الاحتلال جدعون ساعر: إن "إسرائيل" تنظر بسلبية لكل من النظام والمعارضة، وإن حليفها الطبيعي الوحيد في سوريا هم الأقليات، في إشارة للدروز في الجنوب، والأكراد في الشمال.
قبل ذلك، وخلال المواجهات البرية مع حزب الله في شمال لبنان، أزالت قوات الاحتلال السلك الشائك في الجولان، وتوغلت في الأراضي السورية، ومع فرار الأسد، أعلن نتنياهو "انهيار اتفاق فض الاشتباك"، لتتوغل قوات الاحتلال في المنطقة العازلة التي أنشئت كمنطقة منزوعة السلاح بين الجزء المحتل من هضبة الجولان، وباقي الأراضي السورية.
إعلانوخلال أيام قليلة نفذت المقاتلات "الإسرائيلية" مئات الغارات الجوية، معلنة عن تدمير غالبية الأسلحة والمرافق الإستراتيجية السورية من طائرات ودبابات وسفن ومصانع ومعامل دفاعية في "أكبر عملية جوية في تاريخ إسرائيل".
بينما ذكر مصدر أمني وصول قوات الاحتلال إلى 25 كيلومترًا من العاصمة دمشق. وفي الـ 17 من الشهر الجاري، زار نتنياهو رفقة كل من وزير الدفاع كاتس، ورئيس الأركان هاليفي، ورئيس جهاز الشاباك بار، وقائد المنطقة الشمالية غوردين، مواقع جيش الاحتلال في قمة جبل الشيخ، حيث أكد كاتس على ضرورة "ترسيخ الوجود" في المنطقة؛ بهدف البقاء لفترة طويلة، مؤكدًا على أهمية السيطرة على المرتفعات.
بنتيجة التوغل والقصف المستمر، حقق الاحتلال عدة أهداف في آن معًا، حيث فرض أمرًا واقعًا جديدًا، بحيث يزيد من قدراته التجسسية والعسكرية المباشرة وغير المباشرة في سوريا (ولبنان بالتبعية)، ويقوّي أوراقه التفاوضية مع أي قيادة مستقبلية لسوريا، فضلًا عن تدميره مقدرات تسليحية مهمة ساهمت في إضعاف سوريا الدولة لمدة غير محددة مستقبلًا، وإخراجها من كونها تهديدًا له ولو نظريًا ونسبيًا، إضافة إلى ضغطه باتجاه سعي العهد الجديد في سوريا لشراء السلاح من أطراف غربية، آملًا في تأثير ذلك على توجهات الدولة مستقبلًا.
منطق الدولةعلى مدى سنوات الثورة السورية، ولا سيما بعد تدخل إيران والمليشيات المرتبطة بها، وفي مقدمتها حزب الله إلى جانب النظام، انتشرت مقولة لدى المعارضة السورية بأن إيران هي العدو الأول مرحليًا للسوريين؛ بفعل المواجهة العسكرية، والتأثير الأيديولوجي، والتغيير الديمغرافي، بينما تبقى "إسرائيل" عدوًا إستراتيجيًا لكن "مؤجلًا".
ورغم أن سقوط النظام أدى لخروج إيران من سوريا بشكل شبه كامل، ومع انكفاء حزب الله في لبنان، وتصريحات محايدة بخصوص الوضع الجديد في سوريا، ورغم حالة شبه الإجماع الإقليمي والدولي على "تقليم أظفار إيران" في المنطقة، فإن بعض التصريحات ما زالت تصر على استمرار الخطر الإيراني وأولويته بالنسبة لدمشق ونظامها المستقبلي.
إعلانلا تكتفي هذه النظرة بتجاهل الخطوات الخطيرة التي قام بها الاحتلال مؤخرًا والتي سبق الإشارة لها، ولكنها في الأساس تخلط بين منطق الثورة ومنطق الدولة. إذ من المتفهم أن تُعلن إيران عدوًا يُواجه في سنوات الثورة حين قاتلت المعارضة مع النظام، أما وقد سقط الأخير، وبدأ يتشكل نظام جديد، فينبغي للسياسة الخارجية أن تُبنى على مصالح البلاد الإستراتيجية وليس بالضرورة وبشكل كامل على استقطابات الثورة، ولا حتى بناء على من وقف مع الثورة/ المعارضة وضدها.
المخاطرلا شك أن التحول الكبير الذي حصل في دمشق بسقوط النظام وسيطرة المعارضة – وعلى رأسها هيئة تحرير الشام – شكل معضلة وهاجسًا في الآن معًا لعدد من الأطراف الخارجية، ولكننا لا نبالغ حين نقول إن "إسرائيل" هي العدو الأكبر والأكثر تربصًا بسوريا الجديدة.
يتمثل ذلك أولًا بجوهر مشروع الحركة الصهيونية منذ بداياتها الأولى كأداة لخدمة مصالح الدول الاستعمارية في المنطقة، وكتهديد لكافة دولها وشعوبها، كما في مبادئ السياسة الخارجية لـ "إسرائيل" بعد إعلان الدولة، والتي استلهم الكثير منها من تنظيرات ملهم نتنياهو زئيف جابوتنسكي صاحب نظرية "الجدار الحديدي"، والذي دعا لإقامة "كومنولث عبري" تكون "إسرائيل" فيه القوة الإقليمية العظمى والمسيطرة، وتقود دويلاتٍ عربية ضعيفة ومقسمة على أسس إثنية ودينية وطائفية ومذهبية.
كما حدد أرييل شارون أمام الكنيست في 1982 "المجال الحيوي لإسرائيل" على أنه "المنطقة التي تضم مصالحنا الإستراتيجية، وتضم مناطق العالم العربي المتاخمة لإسرائيل كافة، إضافة لإيران وتركيا وباكستان وشمال أفريقيا وحتى زيمبابوي وجنوب أفريقيا"، وهي الرؤية التي وُسِّعت لاحقًا.
وإذا كان ذلك قبل عقود شملت تطورات كبيرة على صعيد علاقة "إسرائيل" بالمنطقة، فإن خطاب نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول 2023 قسّم المنطقة إلى مناطق "نعمة" وأخرى "لعنة" تشمل سوريا بطبيعة الحال، فضلًا عن أنه يتحدث في الحرب الحالية عن سعيه لرسم خرائط المنطقة، وإعادة تشكيلها من جديد.
إعلانوإذا كان كل ما سبق نظريات وتصريحات، فإن الفعل أتى مصدّقًا له ومؤكدًا لصحته، بدءًا من استمرار احتلال الجولان، مرورًا بالتوغل الأخير إلى مشارف دمشق، وتدمير السلاح السوري، وصولًا للحديث عن ضرورة البقاء طويلًا في المنطقة العازلة؛ لتأمين التفوّق العسكري والأمني و"منع 7 أكتوبر/تشرين الأول جديدة"، وليس انتهاءً بالتصريحات التي تتحدث عن القيادة الجديدة، وتحديدًا أحمد الشرع، وهيئة تحرير الشام كإسلاميين متشددين، وكلاعب جديد غير معروف التوجهات والسياسات تجاه "إسرائيل" في المستقبل.
في المآلات، فإن الإجراءات "الإسرائيلية" الأخيرة إما أن تؤدي لاحتلال مستدام أو طويل الأمد بالحد الأدنى، أو تدفع نحو مسار الحديث السياسي والتفاوض من أجل الانسحاب (من موقف أقوى هذه المرة)، ومحاولة فرض تطبيع العلاقات ضمن حزمة التفاهمات المفترضة، أو تساهم في تقسيم سوريا من خلال دعم فكرة دويلات الأقليات، وبكل الأحوال إبقاء أي حكومة مستقبلية لسوريا تحت الضغط العسكري والأمني المباشر؛ بغية التأثير على سياساتها الإقليمية، وتحديدًا ما يتعلق بدولة الاحتلال نفسها.
يوضح ما سبق أن "إسرائيل" لن تترك سوريا وشأنها ولن تراهن على انشغالها بملفاتها الداخلية وأولوياتها الكثيرة، وأنها لن تقتنع بتصريحات الطمأنة بأن سوريا لا تقوى على مواجهات عسكرية، وأنها ستبقى تنظر لسوريا الدولة والشعب كتهديد إستراتيجي.
ويتطلب ذلك بالتالي الاهتمام بأولوية بناء عقيدة الدولة، الإستراتيجية والعسكرية والأمنية، التي هي أولى وآكد من أولويات الخدمات اليومية للمواطنين، على أهمية الأخيرة. فمن جهة، صحيح أن العهد الجديد ورث دولة متداعية وأن خبرته في إدارة الدول متواضعة، إلا أن مجرد وقف حالة الفساد السابقة والعمل بجد في المرحلة المقبلة سيكونان كفيلين بتحسن ملحوظ في الأوضاع الاقتصادية والحياتية في وقت قياسي.
إعلانومن جهة ثانية، فالدولة تبنى وفق رؤية إستراتيجية – عسكرية – أمنية، تبدأ بتعريف الذات والدور والمكانة، وتشمل العلاقات الخارجية ومنظومات التحالف والشراكة والتعاون والصداقة والخصومة والعداء، بما في ذلك مصادر التسليح والاتفاقات الأمنية والعسكرية، وليس على السياسات الاقتصادية التي تأتي تابعة لها.
ومن البديهي أن ذلك لا يعني المواجهة ولا افتعال الحروب بالضرورة، وإنما رسم سياسات العهد الجديد بما يبقي سوريا كما يريد شعبها، وفي إطار دورها ومكانتها، ووفق مصالحها الحيوية، وليس معادلات المرحلة السابقة بالضرورة، فضلًا عن أنه يبقيها قوية وقادرة على صد العدوان إن حصل، فكيف به وقد بدأ ويبدو أنه سيستمر ويتعمق.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی المنطقة فی سوریا
إقرأ أيضاً:
سوريا.. إيران تعود للواجهة و«سرايا القدس» توجه نداءً للحكومة
رفض مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني، بشكل قاطع الاتهامات “الواهية” التي وجهها ممثلا أمريكا وإسرائيل خلال جلسة مجلس الأمن بشأن سوريا في 9 أبريل 2025.
ونقلت وكالة “إرنا” للأنباء عن إيرواني قوله في رسالة وجّهها إلى رئيس مجلس الأمن: أن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تنتهج يوما سياسات لزعزعة الاستقرار في سوريا، بل دعمت باستمرار سيادتها الوطنية ووحدة أراضيها”.
وأضاف أن “ما يهدد استقرار سوريا هو السياسات التدخلية والاحتلالية التي تنتهجها الولايات المتحدة، والتي تتستر بذرائع مكافحة الإرهاب لتسليح الجماعات الإرهابية، ودعم الاحتلال الإسرائيلي”.
كما أدان السفير الإيراني “استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية”، ودعا “مجلس الأمن إلى اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة لوقف هذه الانتهاكات”.
وأكد أن “احتلال الجولان السوري من قبل الكيان الصهيوني يُعد خرقاً سافرا للقانون الدولي وللقرار 497 الصادر عن مجلس الأمن، الذي ينص بوضوح على بطلان أي إجراء من جانب “الاحتلال” يمس بالسيادة أو الإدارة في الجولان، ويعتبره غير ذي شرعية قانونية دولية”.
ورفض إيرواني “اتهامات الكيان الصهيوني بشأن قيام إيران بتزويد “حزب الله” في لبنان بالسلاح أو التمويل”، معتبرا أن “تلك الادعاءات ليست سوى ذريعة يستخدمها الاحتلال لتبرير خروقاته المتكررة للقرار 1701 ولمحاولة تقويض ترتيبات وقف إطلاق النار القائم مع لبنان”.
سرايا القدس توجه نداء للحكومة السورية
وجهت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، نداء عاجلا إلى الحكومة السورية “للإفراج عن اثنين من قيادييها المحتجزين لديها منذ خمسة أيام”.
وحددت السرايا اسمي القياديين المحتجزين وهما “القائد خالد خالد مسؤول الساحة السورية، والقائد ياسر الزفري مسؤول اللجنة التنظيمية”، مشيرة إلى أن “الاعتقال تم دون إبداء أسباب واضحة'”.
واستذكرت المنظمة في بيانها “التاريخ النضالي السوري لدعم القضية الفلسطينية”، قائلة: “لطالما كانت سوريا حاضنة للمخلصين والأحرار الذين دافعوا عن الأمة ضد المحتلين والطغاة”.
وأعربت سرايا القدس “عن أملها في أن تثبت الحكومة السورية “أهلية النخوة العربية” بالإفراج عن القياديين، مؤكدة دورهما في العمل الإنساني لدعم الشعب الفلسطيني خلال الأزمات التي مرت بها سوريا.
وجاء البيان: “في وقت تواصل فيه سرايا القدس القتال ضد القوات الإسرائيلية في قطاع غزة منذ أكثر من عام ونصف، بندقيتها لم تتوجه إلا لصدور العدو الصهيوني، وشهدائنا من الساحة السورية سقطوا على حدود فلسطين المحتلة”.
الخارجية السورية تدعو الدبلوماسيين المنشقين عن النظام السابق إلى “لمّ الشمل”
أصدرت وزارة الخارجية والمغتربين بيانا “دعت فيه الدبلوماسيين المنشقين عن النظام السابق إلى تعبئة نموذج أُعد خصيصا لجمع وتحديث بياناتهم”.
وجاء في بيان الخارجية السورية: “إيمانا منا بالدور الوطني الكبير الذي قمتم به بانشقاقكم عن النظام البائد، ووقوفكم إلى جانب شعبكم وقضيته العادلة، وانطلاقاً من حرصنا على حفظ هذا التاريخ المشرف وتوثيقه، وإدراكاً منا لأهمية تفعيل دوركم في مرحلة بناء سوريا الجديدة، لذا نعمل حالياً على جمع وتحديث بيانات الزملاء الدبلوماسيين المنشقين عن وزارة الخارجية والمغتربين” في عهد النظام السابق.
وتابع: “نرجو منكم التكرم بتعبئة النموذج التالي، الذي أُعد خصيصاً لهذا الغرض، علماً أن التسجيل ينتهي بتاريخ 2025/5/31، وأن جميع البيانات ستُعامل بسرية تامة، ولن تُستخدم إلا في إطار تنظيم العمل الدبلوماسي المستقبلي، والتواصل معكم بما يخدم المصلحة الوطنية”.
وأكدت أن “مساهمة المنشقين في هذا الجهد خطوة مهمة نحو لمّ الشمل، وتنسيق الجهود في هذه المرحلة الدقيقة من مسيرتنا الوطنية”.
آخر تحديث: 22 أبريل 2025 - 15:19