نادراً أن تجتمع صدفة مع من تلتقي معه في تقاطعات عدة منها العمل والأسرة، وذكريات المدينة نفسها، و حتى في أسماء من تعرف من المقربين، وما ألفت من الأماكن، والأحداث، وتجد نفسك في نسخة من نفسك، في ساعة تتوهّج بكل هذه المتشابهات، وتصبح تلك الساعة، تماماً من الساعات التي عبّر عنها شوقي في قصيدته المشهورة، والتي تكرّر ذكرها بين الناس.
ففي أمسية بلا سابق ترتيب، طلب مني صديق وزميل قديم مرافقته في تلبية حضور الأمسية التي أُقيمت له في البحر.
وصلت مع الصديق المشترك صاحب الاسم النادر مبروك بركة، الى مكان الحفل، والذي أقامه السيد محمود زهران على شرفه، وقام ضيفنا بمهمة التعريف بيني وصاحب الدعوة الذي ألقاه للمرة الأولى
وكانت المفاجأة للجميع أن ننبش وعاء الذكريات المشتركة في تلك الساعة، و نجد تلك المساحات الواسعة المشتركة بين الشخصيتين، والتي اجتمعت صدفة في هذا المكان، وكان أهمها زمالة العمل في نفس الشركة وقرابة الأهل في نفس الأسرة،
واستمر التواصل مع الأستاذ محمود زهران عاماً كاملاً اقتربت منه إليه في كثير من المواقف، وأهمها حضوري مناسبة عامة أقامها تكريماً لابنته التي حصلت على أول تصريح قانوني لمكتب محاماة للسيدات على مستوى المملكة.
وكان يراجع معي الكثير ممّا أكتب في صحيفة البلاد، والأهم أنه كان يتصل ليضع أمامي نقاطاً تستحق النقاش في صناعة الرأي، وكان أهمها اقتراحه المقدم لموقع ايجار الذي صممته وزارة الاسكان لتنظيم العملية الحقوقية بين المؤجر و مالك العقار، والذي استجابت له الوزارة بعد مراجعته و بعد اتصاله المباشر بالموقع كما أخبرني.
كان السيد محمود زهران، نموذجاً للانسان الواعي، المهتم، الحريص في كل مبادراته، وقد أكرمه الله في تنشئة أبنائه وهذا هو التوفيق الذي يرجوه كل أب،
فلقد تخرج من أبنائه: الطبيب، والمهندس، والمحامية.
و غادرنا السيد محمود زهران وكأنه حقق في حياته المكانة التي يرجوها الأب والموظف والمواطن والصديق، والذي أذكر أن في لقائي الأول ضمّ هذا اللقاء المفعم بالمودة والتواصل الانساني، الكابتن جزاع غانم الذي حلّق بنا في فضاء الطيران، بينما طاف بنا المضيف عبر محطات متتابعة من الذكريات، حيث كان من الطبيعي أن يأخذنا الحوار، إلى عالم الخطوط السعودية التي تجمع منسوبيها ومتقاعديها في حالة فريدة من الترابط الوجداني الجميل.
رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.
sal1h@
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: محمود زهران
إقرأ أيضاً:
استشهاد الشهيد القائد السيد حسين: إرثٌ من التضحية والعزة
شاهر أحمد عمير
في ذكرى استشهاد الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)، نقف أمام محطة مفصلية في تاريخ الأُمَّــة الإسلامية، محطة تجسد التضحيات الكبرى التي يقدمها عظماء الأُمَّــة في سبيل عزتها وكرامتها. هذه الفاجعة التي وُصِفَت بأنها الثانية بعد كربلاء الإمام الحسين سلام الله عليه، أعادت للأذهان مأساة الأُمَّــة الإسلامية وفقدان عظيم من عظمائها الذين حملوا على عاتقهم همومها وقضاياها، وواجهوا الطغاة والمستكبرين بشجاعة وإيمان.
لقد كان الشهيد القائد قرين القرآن، سليل وحفيد بيت النبوة، رمزاً للثبات على الحق والتمسك بالمبادئ القرآنية، في زمن تكالبت فيه قوى الظلم والاستبداد على الأُمَّــة. في وقت كان لا يوجد للإسلام سوى اسمه، كان صوته يصدح بكلمة الحق في وجه المستكبرين، داعياً إلى العودة الصادقة لله تعالى، وإلى جعل القرآن الكريم منهج حياة للأُمَّـة الإسلامية. لم تكن دعوته مُجَـرّد كلمات، بل كانت مشروعاً قرآنياً متكاملاً يهدف إلى إعادة بناء الأُمَّــة على أسس قوية من الإيمان والوعي بمخاطر التحديات التي تواجهها.
إن استشهاد السيد حسين لم يكن مُجَـرّد فقدان لقائد عظيم، بل كان بداية لانطلاقة مشروع قرآني استنهض الوعي الإسلامي وأعاد للأُمَّـة ثقتها بنفسها في مواجهة قوى الاستكبار. لقد أثمرت تضحيات الشهيد القائد السيد حسين (سلام الله عليه)، وجعلتنا نعيش أعزاء وكرماء لا نخاف إلا من الله سبحانه وتعالى. وما وقوفنا إلى جانب إخواننا في غزة ولبنان إلا ثمرة من ثمار تضحيته، إذ أعاد للأُمَّـة روحها الثورية وعزيمتها الصلبة في مواجهة الظلم والاحتلال.
لقد جسد الشهيد القائد ثقافة القرآن الكريم ببصائره وهداه، وقدم مشروعاً متكاملاً لبناء أُمَّـة القرآن والإسلام، مشروعاً رسم خارطة طريق الأُمَّــة الإسلامية لتتحرّر من الضلال والتبعية الأمريكية والصهيونية. كان الشهيد القائد علماً من أعلام اليمن والأمة الإسلامية، وقامةً أثرت في مسار الأحداث تأثيراً عميقاً. جاهد وضحى بحياته ليؤسس قاعدة متينة لبناء أُمَّـة إسلامية قوية ومستقلة. حمل قلباً مليئاً بالثقة بنصر الله لهذه المسيرة القرآنية، التي استمرت بقيادة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي (حفظه الله)، ليحقّق إنجازاتٍ عظيمةً على مسار العزة والكرامة.
دماء الشهيد القائد لم تذهب هدراً، بل أحيت أُمَّـة وألهمت أجيالاً. أصبحت تضحياتُه نبراساً يضيء الطريق أمام الأحرار، وأكّـدت أن قضايا الحق والعدل لا تموت، وأن من يسير على نهج الأنبياء والصالحين يكون دائماً في موقع التأثير والتغيير.
في ذكرى هذه الفاجعة العظيمة، نستحضرُ بكل فخر واعتزاز مواقف الشهيد القائد وتضحياته الجليلة، ونتعهد بالسير على دربه، مستلهمين من روحه معاني الصمود والإيمان حتى يتحقّق النصر الكامل للأُمَّـة الإسلامية.
رحم الله الشهيد القائد وأسكنه فسيح جناته، وجعل من دمه الطاهر بداية لنهضة أُمَّـة لا تنحني إلا لله.