سؤال يلحّ على جميع المهتمّين بما يحدث في قطاع غزّة من الطرفين؛ المقاوم وحلفائه وأنصاره، والمشروع الاستعماري وأدواته وأنصاره.
في غزّة يطرح المقاومون الصمود والتمسّك بالأرض وفرض وقف إطلاق النار وإعادة الإعمار وإطلاق سراح الأسرى كشروط لنهاية الحرب، وتتفرّع عن هذه النهاية خطط ومشاريع من قبيل لجنة مختصة لإدارة شؤون القطاع بإشراف حكومة رام الله (لجنة الإسناد المجتمعي)، وكذلك لجان عربية أو دولية تشرف على عملية إعادة الإعمار.
أما العدو، فيطرح أهدافه بتصفية جميع قوى المقاومة سواء كانت منظّمات أو دولاً، وتحرير الأسرى في قطاع غزّة بالقوة، والاحتفاظ بقوات من “جيش” العدو في مناطق محدّدة من قطاع غزّة مثل محوري فيلادلفيا ونتساريم، وخلق منطقة عازلة في جنوب لبنان. تتفرّع عن هذه الأهداف مشاريع مثل عودة الاحتلال الكامل للقطاع، وإعادة حركة الاستيطان فيه، وتتصدّر هذا النشاط حركة “حباد” الصهيونية الأرثوذكسية التي أعلنت عن قيام أول مستوطنة “بيت حباد” في مبنى بلدية بيت حانون في شمال قطاع غزّة.
بين الموقعين يستمر مشهد المجزرة وسط صمت عالمي مدوٍ، صامدون يقدّمون التضحيات، وقتلة لا يتردّدون في قتل المدنيين وتدمير البنى التحتية، مطاردة كلّ من يقف إلى جانب محور المقاومة في كلّ مكان في العالم. معظم الأنظمة العربية متواطئة سواء بالعمل على الأرض أو بالصمت والتظاهر بأن القضية إنسانية بحتة تقع ضمن اختصاصات الأمم المتحدة ومنظّماتها غير الحكومية. المطلوب استعمارياً تحقيق هدفين، القضاء على المقاومة بجميع أشكالها، وبثّ اليأس والاستسلام في نفوس جماهيرها، لتتحوّل هذه الجماهير إلى أقلية مسالمة تندمج في الكيانات الناتجة عن المشروع الاستعماري، وتصبح ما يمكن أن نسمّيه “أقلية مهملة” .
هذا السيناريو الذي قد يبدو للبعض وكأنه يحمل الكثير من المبالغة، كرّره المستعمرون أكثر من مرة عبر تاريخهم، خاصة في المرات التي احتلوا فيها أراضي الآخرين تحت شعارات ووعود دينية كما حدث في أمريكا وأستراليا ونيوزلندا. لقد اعتبر المستوطنون الأوائل أن أميركا هي “أرض الميعاد” المسيحية، وأنهم حجّاج أرسلهم الرب لإقامة مملكته، والقضاء على المتوّحشين الوثنيين. الشعارات نفسها أطلقتها حركة “حباد” الصهيونية التي اعتبرت العرب كفّاراً، لا بدّ من قتلهم لإقامة “دولة إسرائيل” من النيل إلى الفرات.
عبّرت هذه المشاريع عن نفسها سياسياً في الخرائط التي يرفعها غلاة الصهاينة من وزراء وقادة حركة الاستيطان، وتجد دعماً لدى الدوائر الاستعمارية كما حدث في تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب حول صغر مساحة الكيان الصهيوني وضرورة توسيعها.
تمرّ عملية التدجين بثلاث مراحل: الهزيمة العسكرية من خلال ارتكاب مجازر بحقّ الشعوب بحيث تتحوّل المطالبة بالبقاء على قيد الحياة مطلباً للشعوب المقهورة، في المرحلة الثانية يقوم العدو بفرض التسويات بشروطه من خلال بثّ روح الهزيمة واليأس من المستقبل.
وقد تحتاج هذه المرحلة إلى المزيد من المجازر غير المبرّرة، واحتلال المزيد من الأراضي كما يحدث اليوم في غزّة وسوريا ولبنان، وعند الوصول إلى المرحلة الثالثة يكون مصير الأقلية المهملة بعد تدجينها بالكامل، الحصول على ميزات اجتماعية واقتصادية على اعتبارات إثنية أو دينية أو ثقافية، فيعيش أفرادها في محميات خاصة، ويسمح لهم بممارسة طقوسهم وثقافاتهم بهدف تفتيت الهوية الوطنية، وتحويل الدول إلى ائتلاف من الهويات والثقافات الفرعية.
هذا ما فعله الاستعمار الأبيض مع أصحاب البلاد الأصليين، بل إن هذا المستعمر قد يلبس قناع الإنسانية ويتظاهر بالدفاع عن حقوق الأقليات المهملة، ويمجّد تاريخهم وينتج أفلاماً ودراسات عن تاريخهم.
إذا قبلنا بإمكانية حدوث هذا السيناريو، فإنه يلقي على عاتقنا مسؤوليات جساماً، تنبع من حقائق التاريخ والجغرافيا. الشعب الفلسطيني، الذي تشكّل قضيته مركزاً للصراع مع المشاريع الاستعمارية، يختلف عن سكان البلاد الأصليين الذين أبادهم المستعمر الأبيض في أكثر من مكان من العالم، فالشعب الفلسطيني يمتلك امتداداً عربياً في الجغرافيا، وامتداداً إسلامياً في التاريخ، هذان البعدان تجسّدا خلال معركة طوفان الأقصى، من خلال انخراط جبهات الإسناد العربية في اليمن وسوريا والعراق، وجبهة الإسناد الإسلامية التي مثّلتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدعمها المستمر للمقاومة الفلسطينية.
أدرك المستعمرون بعد الهزيمة المذلّة في شمال فلسطين، أن مخطّطاتهم مهما كان شكلها لن تجد طريقها إلى التنفيذ إلا بقطع التواصل بين أطراف محور المقاومة كخطوة أولى، ثم الانتقال إلى تدمير قوى محور المقاومة بشكل منفرد.
وفي هذا السياق وافق العدو على وقف إطلاق النار في لبنان، ويتجه إلى القبول ببعض التنازلات مقابل وقف إطلاق النار في غزّة بناء على المبادرة المصرية، في الوقت نفسه كان التحالف الاستعماري يعمل بمشاركة تركية على إسقاط الجبهة السورية لقطع خطوط إمداد المقاومة، وتفتيت جبهاتها، وكذلك فصل الحرب في سوريا عمّا يحدث في غزة وما حدث في لبنان.
لقد فتحت الحرب على غزّة أبواب منازلنا لقنوات الربيع الاستعماري، التي بادرت منذ اللحظة الأولى لانطلاق الحرب على سوريا إلى تبديل سياساتها، وشنّ هجوم إعلامي مركّز على الدولة السورية، والتركيز على فكرة “تحرير” المدن السورية، وتحميل الدولة السورية المسؤولية عمّا يحدث برفضها التعاون مع تركيا لمناقشة مستقبل سوريا، الفكرة التي طرحها الرئيس التركي أردوغان، ولقيت رواجاً لدى الكثيرين بمن فيهم بعض المثقّفين المناصرين لمحور المقاومة، ناسين أو متناسين أن الهدف الأصلي للحرب التي انطلقت عام 2011م كان مصادرة سيادة الدولة السورية ووضعها بيد آخرين سواء كانت التنظيمات الإرهابية أو داعميها في الغرب وتركيا، وهو ما تحقّق يوم 8 ديسمبر.
الهدف من الحرب على سوريا اليوم، هو توسيع مناطق سيطرة الجماعات الإرهابية وصولاً إلى الحدود اللبنانية، لقطع التواصل بين أطراف محور المقاومة، وعزل المقاومة في لبنان تمهيداً للاستفراد بها عسكرياً وسياسياً، وإلحاق قطاع غزّة بالنظام العربي المطبّع بواجهة فلسطينية مرتبطة بحكومة رام الله المنخرطة في التنسيق الأمني مع العدو.
وصل العدو الصهيوني إلى الحدود السورية اللبنانية والأردنية، واندفع الغرب والولايات المتحدة للتواصل مع حكومة الأمر الواقع في دمشق.
وواجب كلّ المقاومين وجمهورهم التصدّي للمشروع الاستعماري الجديد، عسكرياً واقتصادياً وثقافياً وإعلامياً. هذا ما عبّرت عنه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والمقاومة اللبنانية واليمنية، وما على كل القوى السياسية في الوطن العربي المبادرة إليه، فهذه هي المعركة الأخيرة التي تحمل في طيّاتها إمكانية النصر أو الهزيمة وترسم ملامح مستقبل المنطقة.
كاتب سياسي أردني
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
مسيرات شعبية في عدة محافظات تؤكد التمسك بخيار المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني
#سواليف
أكد الأردنيون في عدد من المسيرات الشعبية التي انطلقت بعد صلاة الجمعة في عدة محافظات بدعوة من الحركة الإسلامية والملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن تحت عنوان ” الأمة في خطلا.. نكون أو لا نكون” على واجب دعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته في مواجهة العدوان الصهيوني بشراكة أمريكية، لما يمثله من خطروجودي يستهدف الأردن والامة جميعاً وليس غزة وفلسطين فقط، كما نددوا بالحملات المشبوهة التي تحرض على المقاومة وتخدم اهداف العدو الصهيوني الذي يواصل حرب الإبادة في غزة وجرائم الحرب في الضفة الغربية.
الحسيني … المصري : المقاومة هي خيار الشعوب وسلوكها ولا احد يستطيع سلبها هذا الحق
وانطلقت مسيرةٌ شعبيةٌ حاشدةٌ ظهر يوم الجمعة من أمام المسجد الحسيني بدعوة من الحركة الإسلامية والملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن تحت شعار ” الأمّة في خطر.. نكون أو لا نكون”، أكد فيها الدكتور رأفت المصري عضو المكتب التنفيذي لجماعة الاخوان المسلمين، أن المقاومة هي خيار الشعوب وسلوكها ولا احد يستطيع سلبها هذا الحق، وأن الشعب الأردني لا يتضامن مجرد تضامن مع قضية غزة بل هي قضيته وأن هذه الجموع أتت تعلن تأييدها لموقف المقاومة .
مقالات ذات صلةوتساءل المصري ” هل كان 30 عاما من مسار التسوية افضل وماذا حقق لنا هل زادة المستوطنات في الضفة وهل فقدنا مزيدا من وصايتنا في الاردن على المقدسات في القدس، وماذا تملك السلطة الفلسطينية الا أن تكون اداة في قمع المقاومة؟ في وقت نسمع صرخات الثكالى ونرى اشلاء الاطفال والدماء تتدفق في شوارع غزة كأنها اروحنا في مشهد يندر ان ترى البشرية على تاريخا مثيلا له”.
وأكد المصري أن الرواية الصهيوني انكشف زيفها وبان عوارها وبدأت شعوب العالم الحرة ببركات دماء الابرياء تقبض يدها على هذا الكيان اللقيط، مشدداً على أن الدماء البريئة والصامدون على ارض غزة أقامت الحجة على الأمة التي عليها واجب نصرة فلسطين في مواجهة ما تتعرض له من جرائم حرب وإبادة.
إربد …الخوالدة : نقف اليوم في زمن يختبر فيه إيماننا وواجب نصرة والمجاهدين بفلسطين في هذه المواجهة والتمايز بين الحق والباطل
الخوالدة : المقاومة تمثل الخيار الوحيد لهذه الأمة في مواجهة المشروع الصهيوني العدواني واستعادة الحقوق
وفي إربد انطلقت مسيرة حاشدة من امام مسجد الجامعة وسط المدينة بدعوة من الحركة الإسلامية والملتقى الوطني لدعم المقاومة تحت عنوان “الأمة في خطر.. نكون أو لا نكون” أكد فيها الناطق الإعلامي باسم جماعة الإخوان المسلمين ” نقف اليوم في زمن يختبر فيه إيماننا وثباتنا على الحق وواجب نصرة المظلوم والمجاهدين على أرض فلسطين الذين لا يدفعون عن غزة وفلسطين فقط بل عن كل الأمة وكرامتها وعزتها ومستقبلها فالمقاومة التي تدفع ثمناً باهظاً من دماءها تقف اليوم في مواجهة الاستكبار العالمي والعدو الصهيوني وشريكته الولايات المتحدة، لذا فالمقاومة التي هزت ركان الكيان في 7 أكتوبر هي الحصن الأول للدفاع عن الأمة وستبقى راية الجهاد مرفوعة على أرض فلسطين في مواجهة المخططات الصهيونية”.
وأكد الخوالدة ان المقاومة تمثل الخيار الوحيد لهذه الأمة في مواجهة المشروع الصهيوني العدواني واستعادة الحقوق، متسائلاً ماذا حقق مسار التسويات سوى نهج العمالة والتفريط بأرض فلسطين وضياع حقوق الشعب الفلسطيني، ما يجري على أرض فلسطين صورة من صور المواجهة والتمايز بين الحق والباطل وكل من العزة والكرامة مقابل الذلة والخيانة، وأن الشعب الأردني لن يكون سوى في خندق المقامة والكرامة والدفع عن الأرض والمقدسات، دفاعاً عن فلسطين والأردن والأمة جمعاء، كما أكد على استمرار الشعب الأردني في واجب نصرة دعم صود الشعب الفلسطيني ومقاومته بكافة أشكال الدعم والإسناد، وعلى أن دعم المقاومة يمثل مصلحة وطنية عليا وليس جريمة يحاسب عليها الأحرار الذين هم اولى بالتكريم لأنهم يدافعون عن الأردن كما يدافعون عن فلسطين.
واستنكر الخوالدة ما وصفه بالأصوات المنهزمة والموجهة التي تدعو الشعب الفلسطيني للاستسلام وتحرض على المقاومة التي أجبرت الاحتلال وأمريكا على التفاوض معها، مضيفاً ” من يساوم البندقية مقابل رغيف الخبز يقدم معادلة لا تصلح للأحرار الذين لا يسقطون بندقيتهم سوى بعد إسقاط الاحتلال عن أرضهم.
الكرك… استنكار للحملات التي تحرض على المقاومة وتأكيد على واجب الدعم والنصرة
وفي الكرك أقامت الحركة الإسلامية والفعاليات الشعبية وقفة جماهيرية بعد صلاة الجمعة قدمها المحامي زاهر الضلاعين وأكد فيها القيادي في الحركة الإسلامية أبو أنس القرالة على واجب دعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته في مواجهة المشروع الصهيوني الذي يواصل جرائم الحرب في فلسطين ويستهدف الأردن والأمة بأجمعها، مطالبا مختلف القوى المجتمعية بما في ذلك الجامعات بالتحرك للتنديد بالعدوان الصهيوني مواجهة مخططات التهجير ودعم صمود الشعب الفلسطيني بمختلف الوسائل المتاحة مادياً ومعنوياً وإعلامياً.
فيما أكد النائب أحمد القطاونة أن ما يجري في غزة هو مواجهة مع النظام الصهيوأمريكي ومن تبعهم من العملاء من أبناء الأمة التي تدافع غزة عن كرامتها، مؤكداً أن العدو الصهيوني يمارس عدوانه في سوريا ولبنان والضفة وليس فقط ضد حماس في غزة، لتكون الهيمنة للصهاينة في المنطقة ، مما يتطلب حراكاً عربياً رسمياً فاعلاً لمواجهة هذا المشروع، كما استنكر الحملات الممولة للتحريض ضد المقاومة خدمة لأهداف الاحتلال ، بما في ذلك السلطة الفلسطينية التي تدين المقاومة بدلاً من إدانة الاحتلال
ومن جهته ندد الناشط السياسي الدكتور علي الضلاعين بمن وصفهم بالمتخاذلين من النظام العربي الرسمي تجاه ما يجري في فلسطين من حرب إبادة وجرائم حرب، مؤكداً أن هزيمة المقاومة في فلسطين يشكل تهديداً وجودياً للأردن أمام الخطر الصهيوني.
العقبة… مطالبات بكسر الحصار ووقف حرب التجويع في غزة
وفي العقبة نظمت الحركة الإسلامية والفعاليات الشعبية مسيرة انطلقت عقب صلاة الجمعة من أمام مسجد الحسين بن علي وسط مدينة العقبة وجالت شوارع المدينة تنديدا بالعدوان الصهيوني على قطاع غزة
وطالب المشاركون بالمسيرة والتي جاءت تحت شعار ( الأمة في خطر) بكسر الحصار عن غزة وإدخال الغذاء والدواء للقطاع المحاصر، كما أكدوا في هتافاتهم دعم المقاومة الفلسطينية مطالبين بتقديم قادة الكيان الصهيوني للمحاكم الدولية على المجازر التي ارتكبت بحق الأهل في قطاع غزة.