تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

 

إرث ثقيل تركه نظام الأسد ولا يزال يعرقل أية جهود دولية للتعامل مع الدولة السورية في أعقاب انهيار نظام بشار الأسد، وتولي الحكومة الانتقالية مقاليد السلطة، ولم يترك أحمد الشرع، قائد هيئة تحرير الشام التي تسيطر على مقاليد السلطة في سوريا بعد رحيل بشار، مناسبة أو لقاء مع الوفود الأجنبية إلا وطالب برفع العقوبات عن سوريا.

"هذه العقوبات كانت مفروضة على الجلاد الذي رحل الآن"، بهذه الكلمات ردد الشرع مرارًا وتكرارًا مطالباته برفع العقوبات الدولية عن سوريا، مشددا على أن رفع العقوبات ضروري لتسهيل عودة اللاجئين السوريين الذين فروا بسبب الحرب، ولتمكين إعادة بناء البلاد.

على صعيد متصل، دعا مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا غير بيدرسون لإنهاء العقوبات المفروضة على سوريا، وذلك خلال وجوده في دمشق مؤخرا في أول زيارة يقوم بها للبلد بعد إسقاط نظام بشار الأسد.

وبعد لقائه بالشرع أكد بيدرسون ضرورة أن تبدأ مؤسسات الدولة بالعمل بشكل كامل مع ضمان الأمن لها، كما أعرب عن أمله في أن تنتهي العقوبات على سوريا سريعا، وأن تنطلق فيها عملية التعافي قريبا.

ماذا نعرف عن العقوبات الدولية على سوريا؟

تمتد العقوبات الدولية المفروضة على سوريا لعقود من الزمن حيث بدأت في 1979، وتنقسم إلى عقوبات أمريكية وبريطانية وأوروبية، كما سعت العديد من الدول لفرض عقوبات على النظام السوري السابق ورموزه وفي مقدمتهم بشار الأسد.

تشمل العقوبات الدولية على سوريا مجموعة واسعة من التدابير الاقتصادية والسياسية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول غربية أخرى منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011، فيما تمتد عقوبات أمريكية أخرى إلى عقود من الزمان حيث فرضتها الإدارة الأمريكية في 1979،  وتهدف هذه العقوبات إلى الضغط على الحكومة السورية لوقف العنف والانتهاكات ضد المدنيين، وتحقيق انتقال سياسي في البلاد.

تشمل العقوبات المفروضة:تجميد الأصول: تجميد أصول الحكومة السورية والمسؤولين السوريين في الخارج.حظر التعاملات المالية: منع التعامل مع البنك المركزي السوري والمؤسسات المالية السورية.قيود على الاستثمار: حظر الاستثمار في قطاعات النفط والغاز والطاقة.منع الصادرات: منع تصدير التكنولوجيا والمعدات التي قد تُستخدم في العمل العسكري.منع استيراد النفط السوري.حظر بيع المعدات النفطية.قوائم العقوبات الدولية على سوريا

اتسعت دائرة العقوبات الدولية على سوريا بشكل كبير على مدار العقد الأخير وفي أعقاب الثورة السورية في 2014، حيث شملت العقوبات إدراج مئات الشخصيات والكيانات السورية على قوائم العقوبات وتجميد أصول هذه الشخصيات ومنع سفرها، كما تضمنت منع الطائرات السورية من التحليق في أجواء الدول الغربية أو الهبوط في مطاراتها. وحظر تصدير الطائرات أو قطع الغيار إلى سوريا.

كذلك شملت العقوبات قيودا على تصدير التكنولوجيا والبرمجيات التي قد تُستخدم في الرقابة على الإنترنت.

تسلسل زمني.. العقوبات الدولية على سوريا 1979.. أمريكا تقود مسيرة العقوبات 

بدأت العقوبات الدولية على سوريا قبل 45 عامًا، وبالتحديد في ديسمبر 1979، حيث صنفت الولايات المتحدة الأمريكية سوريا كدولة راعية للإرهاب، مما أدى إلى فرض عقوبات أولية شملت حظر صادرات ومبيعات الأسلحة، وفرض ضوابط على صادرات المواد مزدوجة الاستخدام، إضافة إلى قيود مالية أخرى تم تشديدها بموجب قانون" محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية".

مايو 2004.. قيود أمريكية جديدة على سوريا

في 2004 طُبقت أمريكا قيود إضافية على الواردات والصادرات مع تنفيذ القانون الأميركي "قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية". 

2005.. أول عقوبات الأمم المتحدة ضد سوريا بعد اغتيال رفيق الحريري

في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق، رفيق الحريري و22 شخصا من مرافقيه وسط العاصمة اللبنانية بيروت، في 14 فبراير 2005، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار "رقم 1636" عام 2005 ، وذلك بعدما أثبت تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة وجود أدلة تشير إلى تورط مسؤولين سوريين ولبنانيين في الجريمة.

تضمن القرار عقوبتين رئيسيتين: حظر السفر الدولي وتجميد الأصول والموارد المالية للأشخاص المشتبه في تورطهم في الجريمة أو من حاولوا عرقلة التحقيق فيها، ورغم مرور قرابة عقدين على صدوره، ما يزال القرار 1636 ساري المفعول حتى اليوم، إذ لم يصدر أي قرار لاحق من مجلس الأمن يلغيه أو يعدله.

وتكمن أهمية العقوبات الأممية في أن هذا القرار فريد عن باقي العقوبات المفروضة على سوريا، كونه الوحيد الصادر بإجماع دولي عبر مجلس الأمن، بينما تعد العقوبات الأخرى عقوبات أحادية فرضتها دول أو تكتلات معينة.

2011.. عودة العقوبات الأمريكية

ومع اندلاع الثورة السورية في 2011، بدأت الولايات المتحدة موجة جديدة من العقوبات على سوريا، وشاركتها في هذه العقوبات العديد من الدول الغربية، بعد اتهامات لنظام بشار الأسد بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. 

وعمدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على معاقبة نظام الأسد، عبر مجموعة من العقوبات والقوانين كان أبرزها ثلاثة قوانين"قانون قيصر، وقانونا كبتاغون 1 و2.

قيصر وكبتاغون.. قوانين أمريكية لمعاقبة الأسد

في مقدمة القوانين الأمريكية ضد نظام الأسد، جاء قانون قيصر في أعقاب تسريب مصور عسكري سوري سابق لـ 55 ألف صورة توثق عمليات تعذيب وانتهاكات في مراكز الاعتقال السورية بين عامي 2011 و2013.

دخل القانون حيز التنفيذ عام 2020، مستهدفاً كل من يساعد نظام الأسد في الحصول على سلع أو خدمات تدعم أنشطته العسكرية والاقتصادية، بما في ذلك إعادة الإعمار.

وحدد قانون قيصر شروطاً صارمة لرفع العقوبات، تشمل وقف الغارات الجوية ضد المدنيين، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وتسهيل عودة اللاجئين، والبدء بعملية مصالحة وطنية تتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254.

أما قانون كبتاغون 1، الذي أُقر في سبتمبر 2020، وجاء استجابة لتحول سوريا إلى "دولة مخدرات"، حيث تشير التقديرات إلى أن 80 في المئة، من إنتاج الكبتاغون العالمي يصدر من سوريا. واعتبر القانون هذه التجارة تهديدا أمنياً عابراً للحدود، مستهدفاً شخصيات من آل الأسد متورطين في عمليات التصنيع والتهريب.

وتبع ذلك إقرار قانون كبتاغون 2، الذي وسع صلاحيات واشنطن في محاسبة نظام الأسد و"حزب الله" وشبكاتهما.

ويستهدف القانون كل من يشارك في تصنيع المخدرات أو تهريبها أو الاستفادة من عائداتها، مع التركيز بشكل خاص على ماهر الأسد والفرقة الرابعة التي كان يقودها.

وألزم قانون كبتاغون 2 الإدارة الأميركية بفرض عقوبات أولية وثانوية على أي شخص أو كيان له علاقة بهذه التجارة خلال مدة لا تتجاوز ستة أشهر.

2011.. أوروبا تواصل معاقبة الأسد

وبعد العقوبات الأمريكية، تبعتها أخرى أوروبية، حيث بدأ الاتحاد الأوروبي حملة عقوباته على النظام السوري في مايو 2011، في أعقاب قمعه العنيف للاحتجاجات الشعبية، وصممت هذه العقوبات للضغط على النظام وشبكات تمويله، مع محاولة تجنب التأثير المباشر على الشعب السوري، بحسب بيانات للمؤسسة الأوروبية، حيث تتركز العقوبات الأوروبية في مسارين رئيسيين: الأول يستهدف شخصيات وكيانات محددة مرتبطة مباشرة بالقمع أو بتمويل النظام، حيث تم إدراج 289 شخصية و70 كيانا على قائمة العقوبات.

أما المسار الثاني فيستهدف قطاعات اقتصادية محددة تشكل مصادر تمويل رئيسية للنظام، وخاصة قطاعات التسليح والنفط والتكنولوجيا التي يمكن استخدامها في القمع الداخلي.

تجميد الأصول وحظر السفر الأبرز

تشمل الإجراءات التقييدية الأوروبية تجميد الأصول وحظر السفر للشخصيات المدرجة، وحظر تصدير السلع والتكنولوجيا التي قد تستخدم في القمع، وحظر استيراد النفط السوري، كما تمنع هذه العقوبات الشركات الأوروبية من الدخول في تعاملات تجارية أو استثمارية مع الكيانات المدرجة على قائمة العقوبات، مع وجود استثناءات محددة للمساعدات الإنسانية والطبية.

2011.. عقوبات بريطانية لردع انتهاكات الأسد

بدأت العقوبات البريطانية على سوريا أيضا في عام 2011 كجزء من منظومة عقوبات الاتحاد الأوروبي، ردا على قمع النظام السوري للمدنيين، وحتى بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أصدرت المملكة المتحدة لوائح العقوبات الخاصة بها، والتي دخلت حيز التنفيذ في 31 ديسمبر 2020، محافظة على جوهر العقوبات السابقة لكن تحت إطار قانوني بريطاني مستقل.

وكانت تهدف هذه اللوائح إلى دفع النظام السوري للامتناع عن قمع المدنيين والمشاركة في مفاوضات بحسن نية للوصول إلى حل سياسي سلمي، وتشمل خمسة مجالات رئيسية بقطاعات المال والتجارة والطيران، كما تتضمن العقوبات المالية تجميد الأصول وحظر إتاحة الأموال أو الموارد الاقتصادية للأشخاص والكيانات المدرجة في قائمة العقوبات. 

ايضا تشمل قيوداً على الخدمات المصرفية والاستثمارية، مثل منع المؤسسات المالية البريطانية من فتح حسابات مصرفية أو إقامة علاقات مع مؤسسات مالية سورية.

وتحظر العقوبات التجارية تصدير واستيراد مجموعة واسعة من السلع، بما في ذلك المعدات العسكرية والتكنولوجيا، والنفط والمنتجات البترولية، والسلع المتعلقة بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية، ومعدات المراقبة والاعتراض.

وتفرض اللوائح قيوداً على النقل الجوي، خاصة فيما يتعلق بالخطوط الجوية العربية السورية وأي طائرات مملوكة أو مستأجرة من قبل أشخاص مرتبطين بسوريا، ويمنع الأشخاص المدرجون في قائمة العقوبات من دخول المملكة المتحدة أو البقاء فيها.

وكان يهدف نظام العقوبات، وفقا للسلطات البريطانية، إلى تشجيع النظام السوري على: الامتناع عن الأفعال والسياسات أو الأنشطة التي تقمع السكان المدنيين في سوريا. إضافة إلى المشاركة في المفاوضات بحسن نية للتوصل إلى تسوية سياسية تفاوضية لإيجاد حل سلمي للنزاع في سوريا.

2011.. عقوبات أسترالية

فرضت أستراليا منذ عام 2011 نظام عقوبات مستقل على سوريا، معبرة عن قلقها العميق من استخدام النظام السوري للعنف ضد شعبه، ويشمل نظام العقوبات الأسترالي قيوداً صارمة على التصدير والاستيراد، خاصة: الأسلحة والمعدات العسكرية ومعدات وتكنولوجيا محطات الكهرباء والصناعات النفطية وتقنيات مراقبة الإنترنت والاتصالات والمواد الكيميائية والمعدات المرتبطة بها، والذهب والمعادن الثمينة والماس.

كما يفرض نظام العقوبات الأسترالي قيوداً على الأنشطة التجارية، خاصة في قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات والقطاع المالي.

ويحظر على المؤسسات المالية السورية فتح مكاتب في أستراليا أو شراء أسهم في البنوك الأسترالية، كما يمنع المؤسسات المالية الأسترالية من إقامة علاقات مصرفية مع نظيراتها السورية.

ويتضمن النظام أيضاً تجميد أصول وحظر سفر للأشخاص والكيانات المدرجة على قائمة العقوبات، إضافة إلى حماية الممتلكات الثقافية السورية التي تم نقلها بشكل غير قانوني بعد 15 مارس 2011.

مؤسسات دولية: رفع العقوبات الاقتصادية شرط أساسي لإعادة إعمار سوريا.. "المجلس الأوروبي": يسهم في تخفيف المعاناة عن الشعب السوري.. و"هيومن رايتس": 90 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر

وبحسب تحليل نشره المجلس الأوروبي للشؤون الدولية، تكمن أهمية رفع العقوبات عن سوريا في عدة جوانب رئيسية؛ فعلى المستوى الإنساني، من شأن تخفيف العقوبات الاقتصادية أن يساهم في تخفيف المعاناة عن الشعب السوري، خاصة في ظل ارتفاع معدلات التضخم ونقص السلع الأساسية والأدوية.

وأكد المجلس أن العقوبات الاقتصادية الشاملة، رغم أهدافها السياسية، قد ألقت بظلالها الثقيلة على حياة المواطنين العاديين، مشددا على أن رفع العقوبات تدريجيا يمثل رسالة إيجابية للمجتمع الدولي بأن الغرب يستخدم العقوبات كأداة للتغيير وليس للعقاب فقط، واوضح أنه عندما تتحقق الأهداف المرجوة، يجب أن يكون هناك استعداد لتخفيف هذه الإجراءات، مما يعزز مصداقية السياسة الغربية ويشجع دولاً أخرى على الامتثال للمعايير الدولية.

وشدد المجلس الأوروبي على أن رفع العقوبات بشكل مدروس ومتدرج سيتيح للدول الغربية فرصة المشاركة في إعادة إعمار سوريا والتأثير في مسارها المستقبلي، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الدول الغربية يجب أن تنتهز الفرصة لتكون شريك في رسم مستقبل سوريا "بدلا من ترك الساحة مفتوحة لدول مثل روسيا والصين وتركيا"، 

وقال التحليل "يمكن للغرب أن يلعب دورا إيجابيا في دعم الاستقرار والتنمية في سوريا، مع الحفاظ على نفوذه السياسي والاقتصادي".

واعتبر  أن إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي من خلال رفع العقوبات عن البنك المركزي والمؤسسات المالية سيسهل تدفق المساعدات الإنسانية وتمويل مشاريع إعادة الإعمار، مما سيساعد في تحفيز الاقتصاد السوري وخلق فرص عمل واستقرار البلاد ومنع موجات جديدة من الهجرة، وهو ما يصب في مصلحة جميع الأطراف المعنية.

رفع العقوبات يسهل طريق المساعدات الإنسانية لسوريا

 

 كانت منظمة هيومن رايتس ووتش، قد أصدرت تقرير العام الماضي لتسليط الضوء على تأثير العقوبات الغربية على سوريا، خاصة في أعقاب زلزال فبراير 2023، حيث يوضح أن العقوبات، رغم تضمنها استثناءات إنسانية، ما زالت تعيق قدرة المنظمات الإغاثية على الاستجابة للاحتياجات الإنسانية الهائلة في سوريا.

تقرير "هيومن رايتس" رصد العديد من الأرقام المهمة والتي كان في مقدمتها أن 90 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، و14.6 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية، في حين تواجه المنظمات الإغاثية تحديات بيروقراطية معقدة وعقبات مالية بسبب العقوبات.

ويبين التقرير أن المشكلات الاقتصادية في سوريا تعود بشكل رئيسي إلى الدمار الناجم عن الحرب وفساد النظام، لكن العقوبات فاقمت الوضع من خلال تقييد الواردات الأساسية وإعاقة التحويلات المالية والمعاملات المصرفية.

وأكدت "هيومن رايتس" أن "الأثر المخيف" للعقوبات إلى امتناع المؤسسات المالية والشركات الخاصة عن التعامل مع سوريا حتى في القطاعات غير المشمولة بالعقوبات، مما أثر سلباً على العمليات الإنسانية.

وأوصت المنظمة الدولية بضرورة العمل على إلغاء العقوبات بهدف تحسين حياة المدنيين وتسهيل عمل المنظمات الإغاثية والإنسانية وتوسيع نطاقها، ودعم إعادة الإعمار.

مصير العقوبات الدولية بعد سقوط بشار الأسد

وبعد سقوط نظام بشار الأسد دارت العديد من انقاشات الجادة في الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة حول رفع العقوبات، إلا أن هذه المشاورات اشترطت ضمان حقوق الأقليات، وتحول سوريا لدولة مدنية، مقابل تخفيف العقوبات وليس إلغاؤها بالكامل.

في حين أكد الاتحاد الأوروبي، على لسان مسؤولين أنه لن يرفع العقوبات عن سوريا قبل أن يضمن حكامها الجدد عدم اضطهاد الأقليات وحماية حقوق المرأة ضمن حكومة موحدة تتنصل من التطرف الديني.

كما تشترط أوروبا أن تنهي الإدارة السورية الجديدة نفوذ إيران وروسيا في البلاد، وتشكيل حكومة شاملة في سوريا واحترام سلامة أراضي البلاد.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الأسد سوريا نظام الأسد العقوبات الدولية على سوريا بشار الأسد أحمد الشرع هيئة تحرير الشام رفع العقوبات عن سوريا العقوبات الدولیة على سوریا المفروضة على سوریا الاتحاد الأوروبی المؤسسات المالیة الولایات المتحدة نظام بشار الأسد رفع العقوبات عن قائمة العقوبات النظام السوری الدول الغربیة هذه العقوبات تجمید الأصول هیومن رایتس نظام الأسد مجلس الأمن السوریة فی العدید من عن سوریا فی سوریا فی أعقاب خاصة فی

إقرأ أيضاً:

دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا

في لحظةٍ باتت فيها عيون آلاف الناجين من جرائم نظام الأسد ترنو إلى بارقة أملٍ في عهدٍ جديد، تُفاجئنا بعض المنصّات الإعلامية باستضافة شخصياتٍ عُرفت بولائها للنظام وتبريرها للانتهاكات التي أدمت قلوب الضحايا على مدار سنواتٍ طويلة. هذا المشهد يشكل استفزازًا لمشاعر المكلومين، ويحمل في طيّاته تهديدًا حقيقيًا للسلم الأهلي؛ إذ قد يدفع ببعض الضحايا نحو الانتقام في ظل غياب إجراءاتٍ عادلة تمنحهم الإنصاف المنشود.

ولعلّ القضية المحورية التي نستحضرها هنا هي ضرورة معالجة ظاهرة استضافة هؤلاء الداعمين والمبررين لجرائم النظام في البرامج الحوارية أو المنصّات الثقافية، خاصةً بعد انهيار سلطة نظام الأسد الاستبدادية وبدء مرحلةٍ جديدة يُفترض أن تُمهِّد الطريق للعدالة الانتقالية.

إنَّ التهاون مع تبرير الجرائم والعنف الذي طال شرائح واسعة من المجتمع، لا يؤدّي سوى إلى تعميق الانقسامات وإبطاء مسار العدالة المنشودة. لقد بات مطلوبًا أكثر من أي وقتٍ مضى توخّي الحذر في اختيار الضيوف، وتحمّل مسؤولية مهنية وأخلاقية تضمن احترام كرامة الضحايا، وترسم معالم مستقبلٍ أكثر عدلًا وتوازنًا.

على مدى سنواتٍ طوال، شهدت سوريا انتهاكاتٍ جسيمة لحقوق الإنسان على يد نظام الأسد، بما في ذلك الإخفاء القسري والتعذيب والقتل خارج نطاق القانون، وبحسب قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان كان نظام الأسد وحلفاؤه مسؤولين عما يقارب 90% من تلك الانتهاكات الموثّقة.

إعلان

وفي ضوء هذا الواقع الأليم، تبرز أهمية العدالة الانتقالية التي تُعرَف بمجموعة من الآليات والتدابير الرامية إلى تحقيق المحاسبة، والكشف عن الحقيقة، وجبر الضرر والإصلاح المؤسسي، بما يضمن عدم تكرار هذه الفظائع.

ولأنّ الإعلام يشكّل أحد الأعمدة الرئيسة في مرحلتَي النزاع وما بعد النزاع، فإنّ دوره لا يقتصر على التغطية الإخبارية؛ بل يتعدّى ذلك إلى كونه أداةً محوريةً إما في تهدئة الرأي العام ورأب الصدع الاجتماعي، أو في إعادة إنتاج سردياتٍ تبرِّر الجرائم وتُهيّئ المناخ لبروز أحقادٍ جديدة.

من هنا، يصبح التعامل المسؤول من قبل المنصّات الإعلامية ركيزةً أساسيةً لإنصاف الضحايا، وتعزيز المسار الانتقالي نحو دولةٍ تحترم حقوق الإنسان وتوفّر ضماناتٍ حقيقيةً لعدم العودة إلى دائرة الانتهاكات.

تكمن الإشكالية المركزية في أنّ العملية الانتقالية لا ينبغي أن تقتصر على ملاحقة الجناة المباشرين الذين ارتكبوا أبشع الانتهاكات بحقّ المدنيين، بل يجب أن تمتدّ لتشمل أولئك الذين دعموا وشرعنوا هذه الانتهاكات، سواء كان ذلك دعمًا ماديًّا أو سياسيًّا أو إعلاميًّا.

إنّ تبرير الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد ليس مجرّد "رأيٍ مخالف"، يمكن التعامل معه باستخفاف؛ فهو انخراطٌ فعليٌ في إعادة إنتاج السرديات التي تجرّد الضحايا من إنسانيتهم وتضفي شرعيةً وهميةً على مظالمهم.

من هذا المنطلق، يصبح السكوت عن هؤلاء أو دعوتهم للظهور الإعلامي دون محاسبةٍ واضحة إمعانًا في التغاضي عن الآلام التي عانى منها الملايين، ويرسل رسالةً خاطئة إلى المجتمع تفيد بأنّ مجرد تغيير قمة الهرم السلطوي كافٍ للوصول إلى العدالة، بينما تبقى الشبكات الداعمة في منأى عن المساءلة.

على الصعيد النفسي والاجتماعي، إنّ استضافة الشخصيات المبرِّرة للجرائم تشكّل استفزازًا مباشرًا لمشاعر ملايين الضحايا وذويهم، ما قد يولّد موجةً جديدة من الغضب وعدم الثقة في أي عملية انتقالية، ويفتح الباب أمام احتمالاتٍ خطيرة من العنف الانتقامي.

إعلان

فحينما يرى الناجي أنّ من برّر قتله أو تعذيبه في السابق ما زال يُمنح منصّةً للترويج لخطابه، فإنّ ذلك يُضعف ثقته في صدقية مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام على السواء، ويقوّض فرص إرساء بيئةٍ مُهيّأةٍ للمصالحة.

ذلك أنّ انتقال المجتمعات من حقبة الاستبداد إلى مرحلة العدالة لا ينحصر في معاقبة المتورطين المباشرين فقط، بل يستلزم تفكيك المنظومات الثقافية والفكرية التي سمحت بتمرير الانتهاكات وتبريرها أمام الرأي العام.

أما فيما يتصل بالسلم الأهلي، فإنّ غضّ الطرف عن هذه الشريحة، وتبرير وجودها في الفضاء العام دون أي اعتذارٍ فعلي أو إسهامٍ حقيقي في جبر الضرر، يرسّخ لدى الضحايا شعورًا بالظلم ويغذّي مشاعر الانتقام التي قد تهدّد بنسف التعايش المجتمعي برمّته.

فالعدالة الانتقالية، كما تستلزم كشفًا للحقيقة واعترافًا علنيًّا بالمسؤولية، تنشد أيضًا إعادة ترميم النسيج الاجتماعي عبر خطواتٍ ملموسة تمنح الناجين الإحساس بأنّ كرامتهم قد استُعيدت وأنّ المجتمع بأسره يقف في صفّ الحقيقة، لا في صفّ النافذين والمبرّرين الذين كانوا جزءًا لا يتجزأ من منظومة القمع.

وفي هذا الإطار، فإنّ تطبيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب، بأبعاده القانونية والأخلاقية والاجتماعية، هو صمّام الأمان الذي يضمن احتواء شعور الضحايا بالمرارة والإحباط، ويمهّد الطريق أمام مرحلةٍ سياسية ومجتمعية تحترم حقوق الإنسان في العمق، بدل أن تكتفي بتغيير أسماء القادة أو رموزهم.

الحجج والدلائل الداعمة 1- الركائز القانونية حدود حرية التعبير وجرائم التبرير: إنَّ الأصل في القانون الدولي لحقوق الإنسان أنَّ لكلِّ إنسان حقًّا في حرية الرأي والتعبير، وفق ما تنصّ عليه المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

بيد أنّ هذه المادة نفسها تقرُّ بإمكان فرض قيودٍ محدّدة على هذا الحق، شريطة أن تكون تلك القيود ضروريةً ومتناسبة وتحمي المصالح العامة، لا سيّما في حالات التحريض على العنف أو تبرير الجرائم الدولية.

إعلان

وبالتالي، فإنّ تبرير الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب لا يمكن اعتباره يندرج ضمن الحريات المحميّة؛ بل هو انتهاكٌ يزيد من إيلام الضحايا ويهدّد السلم المجتمعي.

سوابق دولية في تجريم التمجيد أو الإنكار: شهدت بعض التجارب الأوروبية قوانين صارمة تجرّم إنكار الجرائم المرتبطة بالأنظمة الشمولية، وهذه الخطوات التشريعية تستند إلى قناعة مفادها أنّ عدم التصدي لإنكار أو تمجيد الجرائم الجسيمة يخلق بيئةً خصبة لإعادة إنتاج العنف والقمع. وعليه، قد تكون هذه النماذج القانونية مصدر إلهامٍ لحالةٍ سورية انتقالية، بهدف صوغ نصوصٍ تشريعية تُجرّم تمجيد أو تبرير الأعمال الوحشية التي ارتكبها نظام الأسد. 2- الركائز الأخلاقية والاجتماعية احترام كرامة الضحايا وحفظ السلم المجتمعي: تعدّ حماية كرامة الضحايا مبدأً أخلاقيًّا وإنسانيًّا لا يقبل التنازل، فضلًا عن كونها أداةً حاسمةً في استعادة الثقة داخل المجتمع. إذ يشعر الناجون أنَّ معاناتهم يتم الاعتراف بها وتقديرها، ما يساهم في تهدئة الغضب الداخلي لديهم ويمنع أي ميولٍ انتقامية. فعدم اتخاذ أي إجراءات قانونية أو أخلاقية ضدّ من يبرّرون الجرائم يعني، ضمنيًّا، إباحة الاعتداء على إنسانية الضحايا مجدّدًا. أهمية جبر الضرر المعنوي مبكّرًا: قد يستغرق تأسيس محاكم العدالة الانتقالية أو لجان الحقيقة والتحقيق وقتًا طويلًا، بيد أنّ الضحايا لا يستطيعون الانتظار لسنوات وهم يشاهدون مجرمي الأمس وداعميهم يتجوّلون في الفضاء العام دون أدنى شعورٍ بالمسؤولية.

ولهذا، تصبح خطوات الاعتذار العلني والتعويض المادي والمعنوي، ورد الحقوق إلى أصحابها، إجراءاتٍ أساسيةً تُنفَّذ بشكلٍ مبكّر، بحيث تشكّل اعترافًا صريحًا بوقوع الجريمة وتحمّلًا للجزء الأكبر من أعبائها الأخلاقية.

إنّ هذه الخطوات هي ركيزة السلم الأهلي، وتُعبّد الطريق نحو مستقبلٍ أكثر استقرارًا، عبر بعث رسالةٍ واضحة بأنَّ زمن الإفلات من العقاب وتمجيد الانتهاكات قد ولّى.

إعلان الرد على الاعتراضات "عدم العلم"

يدّعي بعض الموالين لنظام الأسد أنّهم لم يكونوا على درايةٍ كاملةٍ بحجم الممارسات القمعية، أو أنّهم صدّقوا الدعاية الرسمية التي تنكر وقوع انتهاكاتٍ ممنهجة. غير أنّ هذا الادعاء بالجهل لا يعفي من المسؤولية الأخلاقية أو القانونية، خصوصًا بعد توافُر وثائق وشهادات وأدلة واسعة توثّق تلك الجرائم.

في إطار العدالة الانتقالية، يترتّب على الأفراد الذين دعموا النظام أو برّروا جرائمه واجب مراجعة الذات وتثقيفها، بدل الاستمرار في إنكار الحقائق. فمن غير المقبول أنّ تبرُز حجّة "عدم المعرفة" بعد سقوط نظام الأسد، في وقتٍ باتت المعلومات الموثوقة متاحةً للجميع. إنّ الاعتراف بالتقصير والجهل في السابق، إن أُرفق بتحمُّل العواقب والمسؤوليات الآن، قد يُشكّل خطوةً إيجابية على طريق استعادة ثقة المجتمع.

خطاب الانتقام

يمثّل الخوف من الانتقام أحد الهواجس المتكررة لدى الداعمين السابقين للنظام، كما قد يكون دافعًا للضحايا أنفسهم إذا ما استمر تجاهل مطالبهم. إلا أنّ التجربة التاريخية تُبيّن أنّ غياب المساءلة يؤدي في النهاية إلى تفاقم نزعة الثأر ويُغذّي دوراتٍ جديدةً من العنف.

على النقيض، فإنّ مساءلة المبرِّرين والجناة المباشرين، وما يصاحب ذلك من إجراءاتٍ تصالحية كالمصارحة والاعتذار والتعويض، يمكن أن تقطع الطريق على نزعة الانتقام، وتعزّز مناخ الثقة بين مختلف فئات المجتمع.

بهذا المعنى، يصبح التزام العدالة الانتقالية – بأبعادها القانونية والأخلاقية – الضامن الأهمّ لاستقرار مجتمعي يضع حدًّا لدوائر العنف، وينتقل بالشعب من مرحلة الصراع إلى طور التعافي وبناء الدولة على أسسٍ عادلةٍ وشاملة.

التوصيات والمقترحات العملية 1- للحكومة المستقبلية تشريعات واضحة وصارمة: من الضروري سنّ قوانين تُجرّم صراحةً إنكار أو تبرير جرائم نظام الأسد، بحيث توفّر تلك النصوص غطاءً قانونيًّا لمحاسبة كل من ينخرط في تبرير أعمالٍ ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب. قد يستفيد واضعو التشريعات من التجارب المقارنة، لتأطير النصوص بما يراعي الخصوصية السورية. إدراج جرائم النظام في المناهج والبرامج الإعلامية: لا يكفي سنُّ القوانين دون توفير الوعي المجتمعي. لذا، ينبغي تضمين الجرائم والفظائع التي ارتكبها النظام في مناهج التعليم المدرسية والجامعية، وذلك لضمان ألا تتكرّر مآسي الماضي. كما يجدر بالبرامج الإعلامية الرسمية التركيز على توثيق تلك الانتهاكات، مع تسليط الضوء على شهادات الضحايا وذويهم حتى يكون الرأي العام على درايةٍ حقيقية بما حصل. توفير آليات تنفيذية: لضمان ألا تبقى هذه التوصيات في حيّز النظريات، يجب إنشاء هيئة أو لجنة حكومية تُعنى بمراقبة تنفيذ القوانين المتعلقة بتجريم التبرير، وتتولّى تنسيق الجهود مع الجهاز القضائي لملاحقة المخالفين. فضلًا عن ذلك، يمكن لهذه الهيئة العمل على تطوير سياساتٍ تربوية وثقافية تساهم في نشر ثقافة حقوق الإنسان والمساءلة. إعلان 2- للإعلام

وضع معايير أخلاقية ومهنية: تُعتبَر وسائل الإعلام مرآة المجتمع وصانعة الرأي العام؛ وعليه، لا يجوز لها منح منبرٍ لمروجين لخطابٍ يشرعن العنف أو يهوّن من خطورة الجرائم الموثّقة.

يجب وضع ميثاق شرف إعلامي يرفض استضافة أي شخصيةٍ تبرّر الجرائم الدولية مثل التي ارتكبها نظام الأسد، ويُلزم المؤسسات بالتحقق المسبق من محتوى الضيف وأرشيفه وتصريحاته السابقة.

إنتاج محتوى توعوي وتثقيفي: الإعلام قادرٌ على إحداث فرقٍ ملموس في عملية بناء الذاكرة الجماعية. فمن واجب المؤسّسات الإعلامية توظيف تقارير توثيقية وأفلامٍ وثائقية وبرامج حوارية تشرح جذور الانتهاكات بحق الشعب السوري، وتبيّن آثارها المدمّرة على النسيج الاجتماعي. مثل هذا المحتوى يُسهم في ترسيخ ثقافة المحاسبة والتعاطف مع الضحايا.

عدم تحوّل حرية التعبير إلى بابٍ للإفلات من المحاسبة: ينبغي للمؤسسات الإعلامية إدراك الخط الفاصل بين حرية الرأي، وبين الدعاية المضللة التي تبرر الجريمة. إنّ الالتزام بالموضوعية في المعالجة الصحفية يقتضي إظهار الحقائق من مصادر موثوقة والتصدي لنشر الأكاذيب، أو أي تضليلٍ يستبيح معاناة الضحايا.

3- للداعمين أو المبررين إعادة الممتلكات المنهوبة: إذا كانت هناك أملاكٌ أو مواردُ استولى عليها الداعمون أثناء حقبة نظام الأسد، فيجب أن تُعاد هذه الممتلكات إلى أصحابها الشرعيين فورًا، بما يشكّل بدايةً للاعتراف بأضرارٍ مادية واضحة. الاعتذار والتعويض: من الضروري توجيه اعتذارٍ علني ومكتوب ومصوّر، يقرّ صراحةً بالمسؤولية الأخلاقية عن دعم نظامٍ مارس الجرائم بحق مواطنيه، على أن يتضمّن خطةً لتعويض الضحايا ماليًّا ومعنويًّا. ويُعدّ هذا التعويض جزءًا من جبر الضرر المبكّر الذي يعزز الشعور بالإنصاف قبل انتظار المسارات القضائية المطوّلة. عدم تكرار الفعل والابتعاد عن المناصب العامة: إنّ تحمُّل المسؤولية لا يتوقف عند الاعتراف العلني، بل يستلزم الالتزام العملي بعدم شغل أي مناصب قيادية في المستقبل، فلا يمكن لشخصٍ برّر القتل أو التصفية أن يتولى شأنًا عامًا دون المرور بمحاسبةٍ حقيقية. الامتناع عن الظهور الإعلامي: قبل القيام بهذه الخطوات البنّاءة من الاعتذار وإعادة الممتلكات وتعويض الضحايا، يجب الامتناع تمامًا عن الظهور الإعلامي، إذ لا يعقل أن يُمنح المبرّرون منصةً جديدةً لتعزيز سردياتهم المؤذية من دون أي إشارةٍ إلى الندم أو تحمّل مسؤولياتهم الأدبية والقانونية. إعلان الخاتمة

في ضوء ما سبق، يتبيّن أنَّ إقصاء الخطاب الذي يبرِّر جرائم نظام الأسد ليس مجرّد مطلبٍ عاطفيٍّ يحاكي آلام الضحايا، بل هو عنصرٌ جوهري في أي عملية عدالة انتقالية تهدف إلى ضمان عدم تكرار المآسي الماضية وبناء مستقبلٍ أكثر استقرارًا.

فكلّما سُمح للأصوات المبرِّرة بالظهور وتوظيف المنصات الإعلامية لتبرئة الجلاد أو الاستخفاف بجرائمه، زاد خطر إحياء مناخ القمع، وتعميق مشاعر الانتقام لدى من عانوا وذاقوا ويلات النظام.

ولهذا، فإنّني أدعو القرّاء وشرائح الرأي العام إلى تكثيف الضغط على المؤسسات الحكومية والإعلامية المستقلة العربية والأجنبية كي تتبنّى هذه الإجراءات والتوصيات على نحوٍ جاد؛ فإصدار تشريعاتٍ رادعة واستحداث ضوابطٍ مهنيةٍ صارمة في المشهد الإعلامي، تدابير لا بدّ منها لإرساء ثقافة المساءلة، واسترداد ثقة الجمهور بدور وقدرة الإعلام في مناصرة حقوقهم والدفاع عنها.

إنّ تفعيل هذه الخطوات يضمن بناء أرضيةٍ حقوقية لدور الإعلام المحوري في تحقيق العدالة والمحاسبة، حيث تُمحى ثقافة إفلات المجرمين والداعمين من العقاب، وتُزرع بديلًا منها ثقافة الانفتاح على الحقيقة والمصالحة عبر خطواتٍ عملية، ويصبح مبدأ العدالة حجر الزاوية في إدارة الشأن العام، وينمو وعيٌ مجتمعي راسخٌ بقيم حقوق الإنسان.

وفي مثل هذه الأجواء فقط يمكن للسوريين أن يخطوا بثباتٍ نحو طيّ صفحة الاستبداد وتأمين مستقبلٍ أفضل للأجيال القادمة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
  • قلق داخل المحكمة الجنائية الدولية من العقوبات الأمريكية المرتقبة
  • الإدارة السورية الجديدة تستهدف حسابات مصرفية مرتبطة بنظام الأسد
  • وزير الخارجية السوري: إدارة ترامب على تواصل مع القيادة السورية الجديدة
  • شعبة المخابرات الجوية.. من كابوس للسوريين إلى دليل إدانة لنظام الأسد
  • وزير الخارجية السوري: نستلهم سوريا الجديدة من رؤية السعودية 2030
  • وزير الخارجية السوري: نخطط لتفكيك النظام الاشتراكي في بلادنا
  • وزير الخارجية السوري يطالب من دافوس برفع كامل العقوبات عن بلاده
  • الشيباني: رفع العقوبات الدولية هو “مفتاح استقرار” سوريا
  • وزير الخارجية السوري من دافوس: رفع العقوبات الدولية هو مفتاح استقرار سوريا