ماغديبورغ: بين الصدمة والتساؤلات
تاريخ النشر: 24th, December 2024 GMT
#ماغديبورغ: بين الصدمة والتساؤلات
دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري
في مساء يوم الجمعة، 20 ديسمبر/كانون الأول 2024، شهدت مدينة «ماغديبورغ» الألمانية حادثة مأساوية أودت بحياة خمسة أشخاص، من بينهم طفل، وأدت إلى إصابة 200 شخص، 41 منهم بحالة خطيرة. استهدف الهجوم سوق عيد الميلاد المزدحم، الذي يُعد من أبرز معالم الاحتفالات بالعيد في ألمانيا، حيث اقتحمت سيارة السوق، مُخلِّفة حالة من الفوضى والرعب.
هذه الحادثة لم تكن فقط صدمة للمجتمع الألماني، بل أثارت نقاشات سياسية واجتماعية واسعة حول قضايا التطرف والكراهية.
مقالات ذات صلة جميد بطعم الاملشن 2024/12/24تفاصيل الهجوم ودوافع الجاني
بحسب ما ورد في التقارير الرسمية، كان منفذ الهجوم طبيبا سعودي الجنسية يبلغ من العمر 50 عاما، يُدعى «طالب عبد المحسن». دخل إلى ألمانيا لأول مرة في عام 2006، وكان يعيش في مدينة «برنبورغ» منذ سنوات، حيث حصل على إقامة دائمة، وفي يوليو 2016، تم الاعتراف به كلاجئ من قبل الحكومة الألمانية، وهو ما تم تأكيده عبر تصريحات «تمارا زيشانغ»، وزيرة الداخلية في ولاية «سكسونيا-أنهالت»، التي أفادت أن الجاني كان يعمل في مستشفى «سالوس» في برنبورغ كطبيب متخصص في الطب النفسي والعلاج النفسي، حيث كان قد تم تعيينه في قسم للمرضى المدمنين. ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن الجاني كان قد أصبح في الآونة الأخيرة غير قادر على العمل.
ومن المعروف عن الجاني أنه كان معروفا بأفكاره المعادية للإسلام. في السابق، كان ينشط في المجتمع السعودي المغترب في ألمانيا ويُعتبر شخصية بارزة في هذا المجتمع، حيث كان يقدم استشارات للمهاجرين، خصوصا النساء، حول كيفية الهجرة إلى أوروبا. كما أدار موقعا إلكترونيا يخصصه لشرح طرق الهروب من السلطات السعودية، وتقديم استشارات حول النظام اللجوء الألماني. كما كان يُعرف على منصات الإنترنت بمواقفه الصريحة ضد الإسلام، حيث كان يُسمّي نفسه «مسلما سابقا» ويتبنى مواقف متطرّفة ضد المسلمين.
وبناء على تعريفه الذاتي بأنه «مسلم سابق»، لا يمكن اعتبار الجاني مسلما حاليا، وبالتالي لا يجوز تحميل الإسلام أو المسلمين مسؤولية الجريمة التي ارتكبها، لأن هذا يتعارض مع تصريحه الواضح بأنه ليس مسلما. ورغم أنه يحمل الجنسية السعودية، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنه مسلم، حيث أن الهوية الدينية لا تحددها الجنسية.
إعلان السلطات عن دوافع الهجوم
رغم أن التحقيقات لم تُنتهِ بعد، فإن الادعاء العام الألماني أشار إلى بعض الدوافع المحتملة التي قد تكون وراء الهجوم. وفقا لتصريحات «هورست نوبنس»، المدعي العام المسؤول، فإن «الاستياء من التعامل مع اللاجئين السعوديين» قد يكون السبب المحتمل للهجوم. وذكر أن الجاني كان يُعد من الناشطين الإسلاموفوبيين المعروفين في ألمانيا، وأنه كان مرتبطا بمجموعات متطرّفة تُناهض الإسلام.
ورغم أنه لا يوجد دليل على تورّطه في أعمال إرهابية منظمة، فإن الشرطة الألمانية قد أكّدت على ضرورة عدم استبعاد أي تفاصيل خلال التحقيقات الجارية.
تفاصيل الهجوم وتطورات التحقيقات
فيما يتعلّق بكيفية تنفيذ الهجوم، كان الجاني قد استأجر السيارة التي استخدمها في الهجوم قبل وقوعه بوقت قصير. تشير التقارير إلى أنه كان يقود السيارة بسرعة عالية لمسافة تصل إلى 400 متر، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص، من بينهم طفل، وإصابة 200 آخرين، منهم 41 بحالة خطيرة. وبعد أن ارتكب الجريمة، تم توقيفه من قبل الشرطة المحلية، التي أكّدت عدم وجود أي مشتبه بهم آخرين في الحادث.
وأظهرت بعض التقارير الإعلامية أن الجاني ربما كان تحت تأثير المواد المخدرة خلال تنفيذ الهجوم، حيث أظهرت نتائج اختبار المخدرات الأولية أنه كان إيجابيا. هذا يشير إلى أن الحوافز النفسية قد لعبت دورا كبيرا في تصرّفاته، حيث كان يعاني من اضطرابات نفسية حادة.
استغلال الحادثة سياسيا وإعلاميا
رغم أن التحقيقات تشير إلى أن الجاني كان معاديا للإسلام، إلا أن بعض الأطراف السياسية والإعلامية سعت إلى استغلال الحادثة لتوجيه اتهامات جماعية ضد المسلمين. في هذا السياق، حاول البعض ربط الحادثة بأيديولوجيات متطرّفة وتقديمها كدليل على تهديد «الإسلام» في ألمانيا، وهو ما تم رفضه من قبل العديد من الشخصيات العامة. كما أشارت صحيفة «فرانكفورتر ألغيماين» إلى أن مثل هذه التصريحات قد تؤدي إلى زيادة الانقسامات في المجتمع الألماني وإلى تصاعد خطاب الكراهية ضد المسلمين.
وقد أكدت وزيرة الداخلية الألمانية، «نانسي فيزر»، في تصريحاتها بعد الحادثة، أنه يجب تجنب تحميل المسؤولية لأفراد أو مجموعات عرقية ودينية بأكملها. وقالت: «من المهم أن نترك التحقيقات تكشف عن الحقيقة وعدم اتهام أي طرف بلا دليل».
كما أكدت أن «الحكومة الألمانية ستعمل على تعزيز الإجراءات الأمنية لمواجهة أي تهديدات قد تنجم عن التطرّف والعنف».
انعكاسات الحادثة على المجتمع الألماني
إن حادثة ماغديبورغ تُظهر حجم التحديات التي تواجهها ألمانيا في معالجة قضايا التطرّف، سواء الديني أو الإيديولوجي، بينما تُعد الحادثة صادمة بشكل كبير، إلا أنها تمثل أيضا فرصة لتحليل كيفية مواجهة خطاب الكراهية الذي يزداد تأثيره في أوروبا. ففي وقت يزداد فيه الجدل حول قضايا اللجوء والهجرة، وخاصّة في سياق حملة التحريض على المسلمين في بعض الأوساط السياسية والإعلامية، يجب على ألمانيا أن تتعامل مع هذه القضية بحذر وتوازن.
وقد أكّدت العديد من المنظمات الحقوقية والإسلامية في ألمانيا على أهمية الوقوف ضد نشر الكراهية في الإعلام والسياسة، وأكّدت على ضرورة دعم المجتمع المسلم في ألمانيا والتأكيد على التعايش السلمي بين جميع الأديان والجماعات العرقية.
الخلاصة
حادثة ماغديبورغ تظل حدثا مؤلما للجميع. إنّ التطرف والكراهية لا يرتبطان بأي دين أو ثقافة معينة، بل هما نتاج لفشل في فهم الآخر وتقبل الاختلاف، لذا، يجب أن يكون الرد على هذه الحادثة متمثلا في تعزيز قيم التسامح والوحدة الوطنية، والنأي عن أي خطاب يعزّز الانقسامات ويزيد من مشاعر العداء بين شرائح وأطياف وأعراق المجتمع المختلفة.
Ahmad.omari11@yahoo.de
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: فی ألمانیا أنه کان حیث کان إلى أن
إقرأ أيضاً:
ألمانيا.. تؤكد تجاهل السعودية التحذيرات وتوجه 5اتهامات بالقتل لمنفذ اعتداء الدهس في ماغديبورغ
وجه الادعاء الألماني خمسة اتهامات بالقتل لمنفذ اعتداء الدهس على سوق عيد الميلاد في مدينة ماغديبورغ مؤخرا، والذي أسفر عن مقتل 5 أشخاص وإصابة 200 آخرين، فيما كشفت “شبيغل” أن المملكة أخطرت السلطات الألمانية 3 مرات بشأن التهديد الذي يشكله الإرهابي المشتبه به.
وقالت الشرطة الألمانية، اليوم الأحد، إن المشتبه به سيقبع في السجن على ذمة التحقيق، بعد أن مثل أمام قاضي تحقيقات مساء أمس السبت.
واندفع المشتبه به بسيارة وسط حشد في السوق الاحتفالي المزدحم يوم الجمعة. وبحسب السلطات، فإن من بين القتلى طفل يبلغ من العمر 9 سنوات.
ويقول المحققون إن المشتبه به تصرف بمفرده، حيث لا توجد حاليا أي مؤشرات على وجود مرتكب ثانٍ للجريمة، بحسب معلوماتهم.
بدورها، قالت صحيفة “شبيغل” إن السلطات الألمانية تجاهلت تحذيرات السعودية من منفذ الهجوم الإرهابي في ماغديبورغ مؤخرا، لأنها اعتبرتها “ذات دوافع سياسية”.
وفي وقت سابق، ذكرت “شبيغل” أن المملكة أخطرت السلطات الألمانية 3 مرات بشأن التهديد الذي يشكله الإرهابي المشتبه به.
وقالت: “في عام 2023، طلبت المملكة العربية السعودية من ألمانيا، عبر هيئة الشرطة الدولية الإنتربول، اعتقال طالب أ. للاشتباه في قيامه بأنشطة إرهابية. لكن السلطات الألمانية رفضت هذا الطلب لأنه قد يكون له دوافع سياسية. وفي نهاية المطاف، اعتبر الرجل مضطهدا في المملكة. وتمتع باللجوء في ألمانيا”.
واندفع المشتبه به المدعو طالب، بسيارة وسط حشد في السوق الاحتفالي المزدحم يوم الجمعة. وبحسب السلطات أسفر الحادث عن مقتل 5 أشخاص بينهم طفل يبلغ من العمر 9 سنوات، وإصابة 200 آخرين.
ويدعى المتهم طالب، وهو طبيب يبلغ من العمر 50 عاما منحدر من السعودية، ومعروف بأنه ناشط ناقد للإسلام. وقد وجه اتهامات بصياغات مربكة على وسائل التواصل الاجتماعي وفي مقابلات للسلطات الألمانية بأنها لا تبذل ما يكفي من الجهد لمكافحة الإسلاموية.
وبعد أن كان مدافعا عن النساء السعوديات الهاربات من بلادهن، نصحهن لاحقا بعدم طلب اللجوء في ألمانيا، وكتب على موقعه على الإنترنت باللغتين الإنجليزية والعربية: “نصيحتي: لا تطلبن اللجوء في ألمانيا”.
ولا يزال الدافع وراء الجريمة غير واضح، لكن المدعين قالوا إن المشتبه به ربما كان مستاء من معاملة اللاجئين السعوديين في ألمانيا.