البُوصلة الإيمانية فيها طريقان لا ثالث لهما
تاريخ النشر: 24th, December 2024 GMT
بشرى المؤيد
قال تعالى: “يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إلى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ”.
كلّ منا سمع خطاب السيد القائد/ عبدالملك الحوثي -سلام الله عليه- وبكل ما تعني الكلمات من صفات إنه خطاب لا يعلى عليه، خطاب تاريخي، مرحلي، عالمي؛ وضع كُـلّ نقطة على حرفها ووضح المسائل التي تهم شعوب الأُمَّــة وتهم العالم أكمل، هو خطاب مهم جِـدًّا حازم ومفصلي، ومن لم يستوعب خطاب السيد لن يستوعب المراحل القادمة فمن كان مع الله وَرسوله لن يخذل أبداً، بل سيكون في عز وَمكانة عظيمة عند الله وَرسوله فلنعيد سماع خطابه مرات ومرات وَنستوعب كُـلّ كلمة وحرف وَنقطة.
إن معادن الناس لا تعرف إلا بالمواقف الكبيرة حين تأتي ويوضع الإنسان في امتحان عظيم، حينها يخرج معدن الإنسان الأصيل الذي تربى ونما على مبادئه الأصيلة؛ فالإنسان من خلال تصرفاته وَأفعاله وَأقواله يوضع في الخانة المناسبة له.
فالمواقف العظيمة هي التي تفرز الناس وَيحشرون في زاوية خانقة لا يستطيعون الفرار إلا لهذه الزاوية أَو تلك الزاوية، لا يوجد زاوية وسطية/رمادية يحتمي بها أَو يخبئ نواياه فيها، ويقول سأتجنب تلك الزاوية حتى لا أكون من هذا أَو ذاك فالأحداث تزداد انحصاراً وَضيقاً وتزداد فرزاً وَتنقيه؛ فلا يكون لك إلا خياران إما أبيض أَو أسود كما كنا نقول منذ سنين ماضية، إما أن تتجه للبوصلة التي أرادك الله فيها، أَو تتجه للبوصلة التي أراد الشيطان وضعك وَإيقاعك فيها، وهنا يأتي التوفيق في أية بوصلة ستضع نفسك.
القرار سهل في من يعرفون اتّجاه بوصلتهم منذ بداية انطلاقهم، وهذا توفيق من الله سبحانه لهم، وَصعب في من كان متذبذباً ولا يعرف أين اتّجاهه الصحيح؛ لأَنَّه كان يخدع وَيضحك على نفسه وَالآخرين بأنه سيكون “ما بين وبين” ذكرت “كعكي” في مسلسل الأطفال نعمان حين كان يغني ويقول “ما بين وبين، أنا بين اثنين، بين الوحشين” فمن لا يستطيع تحديد اتّجاه بوصلته سيقع فعلاً بين الوحوش من هم لا يرحمون ولا إنسانية لديهم.
فتحديد الاتّجاه فيه فوز، نجاح، اطمئنان، سكينة، رضا وَقبول من عند الله، نعمة من نعم الله أن تستطيع تحديد “بوصلتك الإيمانية” فحينها لن تحتار في اتّجاهك، لن ترتاب في مواقفك، لن تشك في نتائجك، لن تتذبذب في مواقفك، لن يتزعزع ثباتك؛ لأَنَّ بوصلتك الإيمانية الصحيحة ستوصلك إلى الطريق الآمن، الطريق الواضح معالمه، الطريق العادل الذي يريده الله لك، الطريق الذي يحبه لك الله وَرسوله.
في الدنيا ستعيش في رغد الحياة الهانئة وَالمستقيمة، في رغد العيش الآمن، في رغد العيش النظيف وَالمال الحلال، في رغد الازدهار وَالتطور وَالتوسع.
أما إذَا كان الطريق الآخر سيكون حياة قاتمة سوداء، في سخط الحياة لك وَالأرض ستضيق بك، لن يبارك الله لك في مالك الذي اكتسبته بطرق غير مشروعة وحرام، وسيضيق قلبك حتى لو كنت في اتساع مالي وَمعنوي.
فالحياة لها ميزانان، معياران، مقياسان؛ وهما ميزان الخير والشر، الظلام وَالنور، السعاه والشقاء، في الدنيا ما زلنا في فسحة يستطيع الناس مراجعة أنفسهم وَأعمالهم، أما في الآخرة فإما جنة أَو نار خالدين، دائمين، مُستمرّين، مواصلين فيها إلى أبد الآبدين.
فلماذا يكون الناس في ذل ومهانة وهم يستطيعون أن يكونوا في عز وَكبرياء وَاستقامة؟
قد يظن الكثير أن الاختبارات الإلهية لا تأتي إلا لأشخاص أَو أفراد من الناس، أن الاختبارات الإلهية تأتي للأفراد، والفئات والجماعات، وَالشعوب وَالطوائف، وَالمجتمعات، وَالدول فحينها يعرفون أنه يجب أن يتخذون قرارات صائبة ليتجنبوا مقت وغضب الله عليهم وَإنزال العقوبة عليهم قال تعالى: “ما كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ” وقال تعالى: “أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ”.
فجعل الله للناس عقولاً يفكرون بها وهذا ما يميزهم عن سائر مخلوقات الله، وجعل لهم حواس يستشعرون الخير من الشر وَجعل لهم الحرية في اختيار طريقهم وحياتهم التي يشاءونها حتى لو عانوا فيها وتعبوا؛ فالنتيجة في الأخير ستكون مدهشة لهم، وسيشكرون الله ليل نهار على اختيارهم لطريق حياتهم الصحيحة؛ فهم لم يخلقوا عبثاً في هذه الحياة وإنما لعمل دؤوب يكرمهم في الدنيا وَالآخرة قال تعالى: “أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا” فالفائزون وَالناجحون من يستغلون حياتهم في أعمال ترضي الله وَتغنيهم من واسع فضله الكريم.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: فی رغد
إقرأ أيضاً:
حكم تخصيص برنامج لتفسير الرؤى والأحلام
قالت دار الإفتاء المصرية إن تأويل الرؤى وتفسير المنامات ليس بمهنة ولا حرفة، بل هو من ميراث النبوة؛ يأخذ منه مَن شاء الله تعالى ما شاء أن يعطيه؛ فيَعرِف بعضًا ويَجهَل بعضًا، ويصيب مرة ويخطئ مرات.
تفسير الرؤى والأحلام
وأوضحت الإفتاء أنه ليس هناك في الأزهر الشريف على مر عصوره تخصص في تفسير الرؤى، بل ولا في غير الأزهر من المعاهد العلمية الدينية المعتمدة على مستوى العالم الإسلامي.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ» رواه الشيخان عن أسماء رضي الله تعالى عنها.
وقد روى البخاري ومسلم في "صحيحيهما": أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان يحدث أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، إني أرى الليلة في المنام ظُلّة تنطف السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون منها بأيديهم، فالمستكثر والمستقل، وأرى سَبَبًا واصلًا من السماء إلى الأرض، فأراك أخذتَ به فعلوتَ، ثم أخذ به رجل من بعدك فَعَلَا، ثم أخذ به رجل آخر فَعَلَا، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع به، ثم وُصِل له فَعَلَا. قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله -بأبي أنت- والله لَتَدَعني فلأَعبُرنها، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اعبُرها». قال أبو بكر: أما الظلّة فظلّة الإسلام، وأما الذي يَنطِف من السمن والعسل فالقرآن: حلاوته ولِينه، وأما ما يتكفف الناس من ذلك فالمستكثر من القرآن والمستقلّ، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحقّ الذي أنت عليه، تأخذ به فيعليك الله به، ثم يأخذ به رجل مِن بعدك فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به ثم يُوصَل له فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله -بأبي أنت- أصبتُ أم أخطأتُ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا». قال: فوالله يا رسول الله لتُحَدِّثَنِّي ما الذي أخطأتُ؟ قال: «لَا تُقسِم».
وأضافت الإفتاء أن السلف الصالح كانوا يعقدون مجالس للتحديث ومجالس للفتيا ومجالس للقضاء ومجالس للذكر وأخرى للتعليم، ولكن أبدًا ما وجدناهم يعقدون مجالس لتأويل الرؤى وتفسير المنامات، بل كان هذا يأتي عَرَضًا.
وتابعت الإفتاء قائلة: ولم يصل إلينا أن المسلمين الأوائل كانوا يتوقفون في أعمالهم وحركة حياتهم على الرؤيا وتفسيرها، ولا يضعون لها هذا الحجم الذي نراه الآن ونشاهده حولنا في الفضائيات وبعض وسائل الإعلام، بل كان جُلُّه يكون تثبيتًا وتبشيرًا وتحفيزًا لصاحبها ولمن حوله؛ قال تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: 27].
وقال سبحانه: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ﴾ [الأنفال: 43].