استقلال شعب لبناء دولة فاشلة
تاريخ النشر: 24th, December 2024 GMT
لا شك أننا نهني الشعب الليبي بالذكرى الثالثة السبعين للاستقلال، الرقم الأخير يجب أن يكتب بالبنط العريض، الدولة الليبية لها أرض وشعب ولكن لم تتكون منظومة المؤسسات بها خلال الثلاثة أجيال الماضية، وهو ما يثير السؤال الهام لماذا لم تستكمل الدولة ركائزها المتوجة بنظام مؤسساتي متقدم؟ رغم أن كتابة الدستور الليبي كان قبل الاستقلال نفسه، وتحت إشراف الأمم المتحدة، ومن مبعوث هولندي مخضرم هو أدريان بلت.
عودة إلى التاريخ كان ارتباط أجزاء ليبيا الثلاث ضعيفا في الفترة العثمانية والإيطالية وكان التعامل بين أجزاء الوطن عن طريق الغازي أكثر من الداخل، حتى أن مجاهدو الغرب والشرق الليبي منفصلين تماما، ولا يعلم أحدهم عن الآخر، وحتى قرار الحكومة الايطالية (القانون الاساسي وهو إعطاء جنسية لليبين) نفذ في زمنين مختلفين في الاقليمين، بل أن الجهاد نفسه لم يتبلور على أسس وطنية بل أنه دفاع عن الشرف والدين وهذا لم يساعد على تكوين تاريخ نضالي مشترك كما في تونس أو الجزائر مثلا، ولا شك أن ترابط الجنوب من الغرب الليبي إقتصاديا وإحتماعيا أكثر بكثير من التعامل مع قبائل برقة التي لها أرتباطات إقتصادية وإجتماعية مع مصر.
بعد الحرب العالمية الثانية، وسيطرة الإنجليز على الشمال الليبي، والفرنسيين على الجنوب وفشل أي اتفاق بين الفرقاء لتقسيم الأراضي الليبية بينهم، تم إسناد الأمر للأمم المتحدة التي قامت باستفتاء، وكانت النتيجة مطالبة الليبيين بالحرية والاستقلال، وهو تتويج لجهود الاحزاب في ذلك الوقت، عينت الأمم المتحدة مبعوتا لها هو أدريان بلت، لبناء مؤسسات ليبيا، بدأ هذا الرجل بزيارات للأقاليم الثلاثة لأكثر من 180 اجتماع، كان هناك أحزاب كثيرة في الغرب الليبي تطالب بنظام الجمهورية وقيام دولة واحدة، إلا أن أدريان كوسيط، إختار سبعة أشخاص من كل إقليم لإنشاء اللجنة التحضيرية، وهو ما يعرف بلجنة الواحد والعشرين وكان الهدف هو تمثيل آراء الأقاليم ومناقشة أفكارهم وإحتياجاتهم وليس التمثيل السكاني، حيث أن عدد السكان في ذلك الوقت بطرابلس الغرب 900 الف وهناك 13,000 يهودي ويوناني وإيطالي، أما برقة فيوجد بها 300 ألف نسمة وفزان 50 ألف نسمة.
حيث أن النظام القبلي في الشرق الليبي كان قويا أخذ نسق التساوي في اللجنة التحضيرية قاعدة لتشكيل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور والتي عرفت بلجنة الـ60 أي 20 عضو لكل إقليم بعيدا عن التمثيل السكاني السابق، وكان هذا في 25 نوفمبر 1950 نتج عن هذا الإجراء تشكيل لجنة فرعية لكتابة الدستور التي أقرت شكل دولة وعلمها وبأنها ملكية وراثية مع مبايعة محمد إدريس السنوسي ملكا على ليبيا، دون أي إتفاق من الاقاليم.
أقر الدستور النظام الفيدرالي الذي يمثل قوة الأقاليم بل وتنافرها على حساب الدولة المركزية، وبه تعطلت مؤسسات الدولة بسبب تصرف الأقاليم خارج سياسات الحكومة المركزية، وخاصة في مجال النفط مما جعل الشركات الغربية تضغط على الملك والحكومة للتحول إلى نظام اتحادي مركزي، بعد انقلاب سبتمبر 1969 توقف العمل السياسي وتم حكم البلاد بأحكام عرفية لاكثر من أربعة عقود بلا دستور.
أوجدت ثورة السابع عشر من فبراير سنة 2011 أمال جديدة للبحث عن نظام ديمقراطي حديث يلبي طموحات الشعب الليبي إلا أن الاختلال المعرفي الذي حدث مع كتابة دستور 1951 خيم بظلاله على جميع الجهود الخيرة، فمثلا، في سنة 2013 تم قفل الطريق الساحلي عند الوادي الأحمر من ميليشيات قبلية في الشرق الليبي، وفرضت على المجلس الانتقالي تبني المحاصصة 20 عضو لكل إقليم من أجل كتابة الدستور دون الاعتراف بقيم المواطنة أو التواجد السكاني، بل رفض حتى التوافق على كتابة الدستور، مما جعل الامازيغ والطوارق يقاطعون لجنة الصياغة، بعد ذلك تكون ثلاث حكومات في الشرق الليبي جهوية لم يعترف بها العالم، وأغلقت حقول النفط باسم برقة، وتكبدت ليبيا خسائر تتجاوز 180 ملياردولار، نتج عنه تخفيظ سعر الدينار الليبي من 1.3 للدولار إلى أكثر من 7 دينار للدولار في الاشهر الماضية. صدر دستور 2017 ولكنه مبني على المحاصصة وعدم الاعتراف بالمكونات واستبدال المواطنة بالمحاصصة الجغرافية، الأسوأ من ذلك قانون الانتخابات الذي أوجد فيتو للاقاليم في الانتخابات ومحاصصة صارخة غير مقبولة، أي صوت واحد في الجنوب يساوي عشرين صوت في الغرب الليبي، وتسعة أصوات في الغرب لصوت واحد في الشرق.
من الواضح أن دستور 1951 قد تجاوزه الزمن في نواحي كثيرة، منها الملكية الوراثية وصلاحيات الملك، وضعف منظومة الانتخابات النيابية في ذلك الدستور، ومن ناحية تغيير المكونات، لم يعد هناك يهود وإيطاليين، ولقد حان الوقت لرد حقوق المكونات ليبيا الحالية بعدالة ومساواة.
كل ذلك يؤكد أن المشكلة الليبية المستعصية سياسيا لا تحل إلا بتغيير ثقافي عميق لمفهوم الدولة ونظامها ومؤسساتها وتبني قيم الديموقراطية وعلى راسها قيم المواطنة والحكم الرشيد، وهو يفتقده الكثير من قطاعات الشعب الليبي وساساتها الحاليين.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: کتابة الدستور الشرق اللیبی فی الشرق
إقرأ أيضاً:
المشير حفتر في ذكرى الاستقلال: يجب إنقاذ ليبيا من أزماتها المتفاقمة ببناء دولة دستورية حديثة
ليبيا – ألقى القائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية، المشير خليفة حفتر، كلمة مطولة بمناسبة الذكرى الـ73 لاستقلال ليبيا، أكد خلالها أهمية التمسك بروح الوحدة الوطنية لإعادة بناء الدولة، مشددًا على أن الاستقلال الحقيقي يتمثل في سيادة الشعب وحريته، وحذر من تداعيات الأزمات السياسية على أمن واستقرار البلاد.
استحضار كفاح الأجداداستهل المشير حفتر كلمته بتوجيه تهنئة للشعب الليبي بمناسبة ذكرى استقلال البلاد، قائلًا:
“باسمي وباسم جميع منتسبي القوات المسلحة العربية الليبية، أتقدم بالتهنئة الحارة للشعب الليبي بمناسبة الذكرى الـ73 لاستقلال ليبيا، الذي جاء تتويجًا لكفاح آبائنا وأجدادنا المجاهدين ضد الاستعمار. نحيي ذكرى أولئك الوطنيين الذين حرصوا على وحدة الدولة الليبية الناشئة وأرسوا دعائمها بتضحياتهم.”
ودعا حفتر إلى الاقتداء بهؤلاء الوطنيين لتجاوز الخلافات الحالية، قائلاً:
“ما أحوجنا اليوم إلى أن نستلهم من وطنيتهم كيف نواجه التحديات بوحدة الكلمة والصف من أجل مصلحة الوطن التي تعلو على كل المصالح الأخرى.”
انتقادات للواقع الحاليانتقد المشير حفتر الوضع الراهن، معتبرًا أن العديد من العوامل ساهمت في عرقلة تحقيق أهداف الاستقلال. وقال:
“الاستقلال الذي نحتفل بذكراه اليوم يفقد معناه إذا تفككت وحدة البلاد وأصبحت عرضة للتدخلات الخارجية، وإذا غاب القانون وانتشر الفساد وعمّت الفوضى.”
وأضاف:
“علينا أن نتساءل: كيف نحتفل باستقلال ليبيا وهي تعاني تصدعات في مؤسساتها؟ كيف نحتفل وقد تحولت البلاد إلى ساحة للصراعات على السلطة، وفقد المواطن حقه في العيش الكريم ضمن دولة تضمن حقوقه وتوحد صفوفه؟”
انتصارات الكرامة وأهمية الأمنأكد حفتر أن أهم الإنجازات التي تحققت كانت انتصار “ثورة الكرامة” على الإرهاب، مشيرًا إلى أن هذا الانتصار حافظ على حاضر ومستقبل ليبيا. وقال:
“لولا انتصارنا على الإرهاب لما بقي لنا شيء من الحاضر أو المستقبل. تحية لشهدائنا وجرحانا وكل من ساهم في تحقيق هذا النصر.”
وشدد على أن الأمن والاستقرار هما حجر الأساس لبناء الدولة، مشيرًا إلى أهمية وجود جيش قوي وشرطة حديثة تواكب تطورات العصر.
دعوة لبناء الدولة الدستورية الحديثةودعا حفتر إلى تكاتف الجهود المحلية والدولية لبناء دولة دستورية حديثة. وقال:
“يجب العمل على مشروع جاد يضمن بناء الدولة الحديثة، وينقذ البلاد من أزماتها المتفاقمة. قواتكم المسلحة ستكون في مقدمة الداعمين والمدافعين عن هذا المشروع بكل قوة.”
وأضاف أن جميع المبادرات السابقة فشلت في تحقيق أهدافها، مما يعرض المكتسبات الوطنية للخطر.
الجاهزية العسكريةطمأن حفتر الشعب الليبي بأن القيادة العامة للقوات المسلحة تراقب المتغيرات في المنطقة، قائلاً:
“نحن على درجة عالية من اليقظة والجاهزية لحماية مكتسباتنا، وسنمضي قدمًا في البناء والإعمار رغم التحديات. لن ندخر جهدًا لتحقيق طموحات الشعب الليبي وجعلها واقعًا ملموسًا.”
ختام الكلمةاختتم حفتر كلمته بالدعاء للوطن، قائلاً:
“نسأل الله أن يوفقنا لتحقيق طموحات الشعب الليبي عاجلاً غير آجل. وما توفيقي إلا بالله.”
وفيما يلي النص الكامل للكلمة :
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله:
أتقدم باسمي وباسم جميع المنتسبين للقوات المسلحة العربية الليبية بالتهنئة الحارة للشعب الليبي بمناسبة الذكرى الـ73 لإعلان استقلال ليبيا دولة حرة مستقلة ذات سيادة، تتويجًا لكفاح أبنائنا وأجدادنا المجاهدين ضد الاستعمار. ونحيي في هذه المناسبة كل من ساهم في تحقيق ذلك الإنجاز التاريخي العظيم في ظروف عالمية معقدة وصراع دولي ساخن على النفوذ عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية. ونحيي الوطنيين الذين حرصوا بعد استقلال ليبيا على تماسك الدولة الليبية الناشئة ووحدة ترابها بروحهم الوطنية الصادقة، والحكمة، وبعد النظر، والترفع عن المصالح الشخصية الضيقة. وما أحوجنا اليوم أن نقتدي بوطنيتهم ونتعلم من سلوكهم ومنهجهم كيف نتجاوز الخلافات فيما بيننا ونواجه التحديات والأزمات السياسية وغيرها، بوحدة الكلمة والصف من أجل مصلحة الوطن التي تعلو على كل المصالح الأخرى.
لقد ضحى آباؤنا وأجدادنا المجاهدون بأرواحهم ودمائهم من أجل الحرية والكرامة، ومن أجل أن تنشأ الدولة الليبية المستقلة ويعيش تحت كنفها ورعايتها كل الليبيين، أسيادًا فوق أرضهم، في أمن وسلام، إخوة في السراء والضراء، يصنعون حاضرهم ومستقبلهم بالتوكل على الله واعتمادهم على أنفسهم، وتسخير ثروات بلادهم من أجل الانتقال من حالة الجهل والتخلف والفقر إلى النهضة والتقدم والعيش الكريم.
لكن وبكل أسف، أتت الرياح بما لا تشتهي السفن؛ حيث اجتمعت عوامل عدة لا تخفى على أحد -ولا مجال لذكرها في هذا المقام- حالت دون بلوغ تلك الأهداف النبيلة السامية. حتى قادتنا تطورات الأحداث وتعقيداتها عبر عقود منذ إعلان الاستقلال إلى ما هو عليه الحال الذي نشهده اليوم. نحمد الله الذي وفقنا أن ننتصر انتصارًا ساحقًا على أهم تلك العوامل وأخطرها إطلاقًا بانتصار “ثورة الكرامة” على الإرهاب. ولولا انتصارنا على الإرهاب لما بقي لنا شيء من الحاضر أو المستقبل. تحية لشهدائنا وجرحى الكرامة، ولكل من أسهم في انتصارها على الإرهاب.
الشعب الليبي الكريم، إن الاستقلال الذي نحتفل بذكرى إعلانه اليوم يفقد قيمته ومعناه ويصبح مجرد ذكرى في سجلات التاريخ إذا تفككت وحدة البلاد، وانتهكت سيادة الوطن، وارتهن مصير الوطن بما يصدر من قرارات خارج حدوده، وانتزع من الشعب حقه في تقرير مصيره بنفسه، وعمّت الفوضى، وغُيّب القانون، وانتشر الفساد في مؤسسات الدولة دون رادع، وضعفت المؤسسات في أداء واجباتها كاملة لخدمة المواطن، واقتحم الفقر بيوت المواطنين، وأصبح المواطن يعيش غريبًا في وطنه. إن المعنى الحقيقي للاستقلال لا ينحصر في قرار تصدره الأمم المتحدة، بل يعني السيادة والحرية والكرامة. الاستقلال أن يمتلك الشعب قراره في تقرير مصيره وإدارة شؤونه، وأن يكون الشعب سيدًا في وطنه.
علينا ومن حقنا أن نتساءل: كيف لنا أن نحتفل باستقلال ليبيا وقد تصدعت فيها أركان الدولة وأساساتها، وتحولت إلى حقل فسيح للتجارب الفاشلة والصراع من أجل السلطة؟ هل حقًا قامت الدولة التي حلمنا بها ودفعنا أثمانًا باهظة من أجل بنائها؟ الدولة التي تجمع تحت مظلتها كل الليبيين بلا تمييز بمختلف شرائحهم وتوجهاتهم ومناطقهم، تحمي حقوقهم وتضمن لهم العدالة والمساواة وفرص العمل الشريف، الدولة التي تهزم الفقر والجهل والتخلف، تحتكر السلاح، ترد المظالم، تجبر الضرر، وتضمن ديمومة الأمن والاستقرار في ربوع الوطن؟
إن جميع المساعي والمبادرات التي استهلكت منا جهدًا مضنيًا ووقتًا ثمينًا لبناء تلك الدولة، نرى الواقع يشهد على فشلها، وهو ما يعرض للخطر كل المكاسب والإنجازات التي تحققت عبر سنين التضحية والكفاح في شرق البلاد ووسطها وجنوبها على وجه الخصوص من أمن واستقرار وبناء وعمار. وعليه أصبح الظرف أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى لتتكاتف الجهود المحلية والدولية على حد سواء قبل فوات الأوان، والعمل على مشروع جاد يتجنب تكرار التجارب الفاشلة، ويضمن بناء الدولة الدستورية الحديثة التي تواكب متطلبات العصر وتطوره، وتنقذ البلاد من أزماتها السياسية المتفاقمة وخطورة تداعياتها على سلامة الوطن. وستكون قواتكم المسلحة في مقدمة الداعمين له والمدافعين عنه بكل ما لديها من قوة.
ختامًا: نطمئنكم أن القيادة العامة تراقب المتغيرات الخطيرة التي تجتاح المنطقة، وإننا على درجة عالية من اليقظة والجاهزية لحماية مكتسباتنا ومقدراتنا، والحفاظ على ما تحقق من أمن واستقرار. نحن سائرون بعون الله في طريق البناء والإعمار رغم كل التحديات والعوائق. ولا غاية لنا إلا أن نرى طموحات وآمال المواطن الليبي صارت أمرًا واقعًا، وأن دماء شهدائنا وجرحانا لم تذهب سدى.
ندعو الله أن يوفقنا عاجلًا غير آجل لبلوغ ذلك، وما توفيقي إلا بالله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
متابعات المرصد – خاص