في إجراء هو الثالث من نوعه ضد فصائل سورية معارضة، فرضت وزارة الخزانة الأميركية الخميس عقوبات على جماعتين عسكريتين وقادة ومسؤولين فيها لتورطهما في "انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في منطقة عفرين"، الواقعة في أقصى الريف الشمالي الغربي لسوريا.

والجماعتان هما "فرقة السلطان سليمان شاه" و"فرقة الحمزة"، بينما القادة هم قائد الأولى محمد حسين الجاسم الملقب بــ"أبو عمشة" وأخيه وليد، وقائد التشكيل العسكري الثاني سيف بولاد الملقب بـ"أبو بكر".

ومنذ سنوات ينضوي هؤلاء القادة والفرق التي يقودونها ضمن تشكيل "الجيش الوطني السوري"، والتابع بدوره لـ"وزارة الدفاع" ضمن "الحكومة السورية المؤقتة"، ولهما انتشار عسكري في عموم مناطق الريف الشمالي لريف مدينة حلب، وعلى الخصوص منطقة عفرين.

وتخضع منطقة عفرين في سوريا إلى حد كبير لسيطرة خليط من الجماعات المسلحة، "ويستخدم الكثير منها العنف للسيطرة على حركة البضائع والأشخاص في أراضيهم"، وفق بيان الخزانة الأميركية.

وقد "فاقمت هذه الجماعات المسلحة من المعاناة التي سببتها سنوات من الحرب الأهلية في شمال سوريا، وأعاقت تعافي المنطقة من خلال الانخراط في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد الفئات الضعيفة من السكان".

وقال وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، بريان إي نيلسون: "يُظهر إجراء اليوم التزامنا المستمر بتعزيز المساءلة لمرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك في سوريا".

وأضاف أن "الولايات المتحدة ملتزمة بدعم قدرة الشعب السوري على العيش دون خوف من الاستغلال من قبل الجماعات المسلحة، ودون خوف من القمع العنيف".

في المقابل وفي تعليق لها بعد الإعلان عن العقوبات نشرت "وزارة الدفاع" التي يتبع لها تحالف "الجيش الوطني" بيانا قالت فيه إن "تقرير الخزانة أساء لفصيلي الحمزة والسلطان سليمان شاه".

واعتبرت أنه "ظالم ومخالف لمبدأي الحق والعدل التي نادت بها كل دساتير العالم والقوانين الدولية الخاصة والعامة"، وأن "جميع التشكيلات بما فيها الفصيلين المذكورين قد أخذت على عاتقها التصدي لكل التجاوزات والمخالفات، سواء التي ترتكب من قبل الأشخاص أو الكيانات التابعة لها".

من هم "العمشات"؟

القيادي في "الجيش السوري الوطني" محمد الجاسم أو الملقب بـ"أبو عمشة" من مواليد 1987، وينحدر من قرية جوصة في ريف مدينة حماة السورية. 

برز اسمه مع إطلاق الجيش التركي عملية "غصن الزيتون"، في مطلع عام 2018 والتي سيطر بموجبها على منطقة عفرين بريف حلب بالكامل، من يد قوات "وحدات حماية الشعب" الكردية.   في العامين الماضيين أثار "أبو عمشة" ردود فعل غاضبة داخل أوساط المعارضين السوريين، بعد اتهامات وجهت له بانتهاكات ضد عدة عائلات في مدينة عفرين، وأخرى تتعلق بسيطرة فصيله على أملاك المدنيين من أراض ومنازل، وهو ما نفاه فصيله في بيانات نشرها سابقا عبر موقع التواصل "X" (تويتر سابقا).

وجاء في بيان الخزانة الأميركية أن "لواء السلطان سليمان شاه" (معروف محليا باسم العمشات) يعمل في منطقة عفرين شمال سوريا، "حيث يمارس سيطرة كبيرة على السكان المدنيين". 

و"يعرض اللواء سكان هذه المنطقة للاختطاف والابتزاز، واستهدف سكان عفرين الأكراد، وكثير منهم يتعرضون للمضايقات والاختطاف وانتهاكات أخرى إلى أن يضطروا إلى هجر منازلهم، أو دفع فدية كبيرة مقابل إعادة ممتلكاتهم أو أفراد عائلاتهم".

و"تحت قيادة أبو عمشة، تم توجيه أعضاء اللواء لتهجير السكان الأكراد قسرا والاستيلاء على ممتلكاتهم، وتوفير منازل مهجورة للسوريين من خارج المنطقة الذين غالباً ما يرتبطون بالمقاتلين في اللواء"، حسب الخزانة الأميركية.

وأضافت أن "أبو عمشة كان قد أمر اللواء باختطاف السكان المحليين، وطالب بفدية مقابل الإفراج عنهم ومصادرة ممتلكاتهم كجزء من جهد منظم لتعظيم إيرادات اللواء، ومن المحتمل أن يدر عشرات الملايين من الدولارات سنويا".

وينفي رئيس المكتب القانوني في "فرقة السلطان سليمان شاه"، أكرم جنيد الاتهامات المذكورة، ويقول إن "تقرير العقوبات الخاص بالخزانة جائر وخاطئ، ولا يستند إلى تقارير صحيحة".

واعتبر جنيد في حديثه لموقع "الحرة" أن "أميركا تعتمد على عملاء في المحرر السوري غير صادقين وغير نزيهين ويقودوها إلى تحقيق أهداف سلبية تنعكس على الولايات المتحدة في الشرق الأوسط"، مضيفا: "واشنطن يجب أن تعتمد على أشخاص صادقين".

وإلى جانب "أبو عمشة" استهدفت العقوبات الأميركية أخيه وليد الجاسم الذي يشغل أيضا دورا قياديا في "فرقة سليمان شاه"، بما في ذلك العمل كرئيس لها، عندما غادر محمد الجاسم من سوريا للقتال في ليبيا. 

وفي مناسبات متعددة، يشير تقرير الخزانة إلى أن "المجلس الإسلامي السوري" وجه تهما لوليد تتعلق بالاعتداء الجنسي على النساء، كما أنه "نسق عمليات الخطف والسرقة والفدية".

وأدرجت واشنطن شركة "السفير أوتو" لتجارة السيارات على قوائم العقوبات أيضا، وقالت إنها "مملوكة لأبو عمشة، ويقع مقرها الرئيسي في إسطنبول، وتدير مواقع متعددة في جنوب تركيا".

ونشر "أبو عمشة" تغريدة عبر موقع "X"، قال فيها إنه لا يعير أي اهتمام للعقوبات "لعدة أسباب"، أولها حسب ما قال: "أننا لا نملك دولارا واحد خارج مالية القوة المشتركة، ولا نملك أي شركة كانت سواء سيارات أو غيرها".

وأضاف: "نعلم أيضا أن الهدف من العقوبات سياسي بحت"، حسب تعبيره.

وأشار إلى ذلك محامي الفرقة العسكرية، جنيد بقوله إن "القوة المشتركة التي تنضوي فيها فرقة السلطان سليمان شاه لا تمتلك أي ميزانية في أي بنك في الخارج، ولا تمتلك أيضا شركة سيارات".

لكن منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" كانت نشرت تقريرا في يونيو 2020، كشفت فيه عن "عدة استثمارات تتبع لأبو عمشة في سوريا وتركيا منها مكتب لتجارة السيارات ومطعم في مدينة الريحانية بولاية هاتاي التركية".

بالإضافة إلى "شركة عقارات في ولاية كلّس، ومكاتب تحويل أموال بين سوريا وتركيا في ولايتي كلّس وإسطنبول ومدينة الريحانية"، فيما قالت إن "حجم الدخل السنوي الذي يحققه أبو عمشة يصل إلى أكثر من 30 مليون دولار أميركي سنويا".

من هم "الحمزات"؟

في غضون ذلك أشار تقرير الخزانة الأميركية إلى أن "فرقة الحمزة" أو كما تعرف محليا بـ"الحمزات" "متورطة متورطة في عمليات اختطاف وسرقة ممتلكات وتعذيب".

و"تدير الفرقة أيضا مراكز احتجاز يأوي فيها أولئك الذين اختطفتهم لفترات طويلة، وأثناء سجنهم غالبا ما يتعرضون للاعتداء الجنسي".

وأوضحت الخزانة أن "سيف بولاد أبو بكر هو قائد الفرقة ووجهها العام، وظهر في العديد من مقاطع الفيديو الدعائية".

وبينما كان قائدا، اتُهمت فرقته "بقمع وحشي للسكان المحليين، بما في ذلك اختطاف نساء كرديات وإساءة معاملة السجناء بشدة، مما أدى في بعض الأحيان إلى وفاتهم".

وجاء في بيان "وزارة الدفاع" التي يتبع لها القيادي المعاقب وفرقته أنها "تحرص كل الحرص على التزام التشكيلات العسكرية في الجيش الوطني السوري بمبادئ القانون الدولي الإنساني ومبادئ العدالة وحقوق الإنسان، والتصدي لكل التجاوزات والمخالفات الفردية فور حدوثها".

وقالت إنها "تتطلع من وزارة الخزانة الأميركية أن تراجع تقريرها والتراجع عن التصنيف الظالم وغير العادل".

وكان اسم "أبو بكر" قد ارتبط بحادثة اغتيال الناشط الإعلامي، محمد عبد اللطيف (أبو غنوم) وزوجته الحامل في مدينة الباب بريف حلب الشمالي، شهر أكتوبر عام 2022.

وأثارت الحادثة توترا أمنيا كبيرا وحالة غضب واسعة ترجمتها احتجاجات طالبت بإلقاء القبض على المتورطين باغتيال الناشط بشكل مباشر.

واعترف أنور محمد سلمان في 10 من الشهر نفسه، وهو أحد المسؤولين عن اغتيال الناشط الإعلامي، قائلا: "هيك بدو المعلم"، وأن عملية الاغتيال جرت بأوامر من قياديين في "فرقة الحمزة".

ولا تزال المطالب مستمرة حتى الآن بالكشف عن نتائج التحقيق ومعرفة "المعلم" ومن الذي أعطى الأوامر باغتيال الناشط، ومن وضع هدفا آخر للاغتيال بعد "أبو غنوم"، وفق تسريبات كشف عنها أحد منفذي عملية الاغتيال.  

ما التداعيات المتوقعة؟

وتنص عقوبات الخزانة الأميركية على حظر جميع الممتلكات والمصالح في ممتلكات الأشخاص المعاقبين والكيانات الموجودة في الولايات المتحدة أو في حوزة أو سيطرة أشخاص أميركيين وإبلاغ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بها. 

وبالإضافة إلى ذلك، يتم أيضا حظر أي كيانات مملوكة، بشكل مباشر أو غير مباشر، بنسبة 50 في المئة أو أكثر من قبل شخص أو أكثر من الأشخاص المحظورين.

وتحظر لوائح مكتب مراقبة الأصول الأجنبية عموما جميع المعاملات التي يقوم بها الأشخاص الأميركيون أو داخل الولايات المتحدة (بما في ذلك المعاملات التي تمر عبر الولايات المتحدة)، والتي تنطوي على أي ممتلكات أو مصالح في ممتلكات الأشخاص المحظورين أو المحددين.

و"تنبع قوة ونزاهة عقوبات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية ليس فقط من قدرة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية على تعيين الأشخاص وإضافتهم إلى قائمة الرعايا المعينين خصيصا والأشخاص المحظورين، ولكن أيضا من استعداده لإزالة الأشخاص من قائمة الأشخاص المحظورين بما يتوافق مع القانون".

وأضافت الخزانة أن "الهدف النهائي للعقوبات ليس المعاقبة، ولكن إحداث تغيير إيجابي في السلوك".

ويعتقد العقيد الركن المنشق عن النظام السوري، إسماعيل أيوب أن العقوبات الأميركية بالمفهوم الاقتصادي لن تؤثر على القادة المعاقبين، لكنها ستكون عكس ذلك "بالمفهوم العسكري والسياسي".

ويقول لموقع "الحرة": "أعتقد أن أميركا ستدرجهما على اللوائح السوداء، وبالتالي قد يتم وصمهما بالفصائل الخارجة عن القانون وما إلى ذلك من تسميات ضمن السياسة الأميركية".

"هم يعتدون على كل المكونات وعلى كل من يقول لا، ومن يعترض على الأعمال التي يقومون بها في الشمال السوري وليس بشكل مخصص ضد الكرد"، بحسب العقيد المنشق.

"لم تأت من فراغ"

ولم تأت العقوبات الحديثة على الفرقتين وقادتها "من فراغ"، حسب الباحث السوري في مركز "جسور للدراسات"، وائل علوان.

ويوضح علوان أن "هناك انتهاكات بحق المدنيين ارتكبت وترتكب حتى اليوم".

وفي نفس الوقت "لا يمكن التعامل مع قضية الانتهاكات بهذا التعميم، باتهام فصيل كاملا أو قائده، حيث بالتأكيد الاتهامات والعقوبات لها تأثير على الفصيل وعلى الجهات المرتبط معه كمؤسسات المعارضة الرسمية"، وفق حديث الباحث لموقع "الحرة".

ويشير إلى أن "هناك فرصة لدى الجيش الوطني أن يعالج موضوع الانتهاكات بجدية وحزم، وأن يفعّل مؤسسات القضاء، فيقدم المتورطين إلى المحاسبة بعد تحقيقات متكاملة تنظر في الأدلة والادعاءات بشكل موضوع".

وما سبق "ليس بسبب العقوبات الأميركية فحسب، بل بسبب الحاجة الماسة إلى أمان واستقرار مناطق المعارضة".

من جانبه يرى المحامي السوري المقيم في ريف حلب، فهد الموسى أن "العقوبات بحق فرقة الحمزة و فصيل سليمان شاه هي رسالة لكل الفصائل والمليشيات وقوى الأمر الواقع المتواجدة في سوريا، لمراجعة حساباتها ووقف الانتهاكات بحق أبناء الشعب السوري".

ومع ذلك، يوضح الموسى لموقع "الحرة" أنه "لا يتوقع من أي جهة قامت بانتهاكات متراكمة أو ارتكبت جرائم بحق أبناء الشعب السوري أن تقوم بتعديل سلوكها، لأنها تعتبر نفسها أنها في مأمن حاليا من المحاسبة والمساءلة، وأن الزمن كفيل للتهرب من أي عدالة تطالها".

وفي يوليو 2021 كانت وزارة الحزانة وضعت أفرادا وكيانات على قائمة العقوبات، من بينهم جماعة "أحرار الشرقية" واثنين من قادتها، لمسؤوليتهم عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات خطف وتعذيب.

وجاء في بيان لها أن "الجماعة متورطة في قتل السياسية الكردية، هفرين خلف، في أكتوبر 2019، كما أن عناصرها مسؤولون عن نهب ممتلكات خاصة تابعة لمدنيين، ومنعوا نازحين سوريين من العودة إلى ديارهم".

واستنكرت "وزارة الدفاع" التي تتبع لها "أحرار الشرقية" حينها الإجراء، وقالت إن "فرض العقوبات اتُخذ دون دراسة موضوعية"، وأنه قرار سياسي وكيدي".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الخزانة الأمیرکیة الولایات المتحدة وزارة الدفاع الجیش الوطنی بما فی ذلک فی سوریا إلى أن

إقرأ أيضاً:

بعد شهر من الحرية.. ماذا يريد السوريون أن يسألوا الأسد؟

في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بدأ السوريون فصلا جديدا من حياتهم بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد الذي زجّ سوريا في حرب مدمرة، قتل وهجر خلالها الشعب السوري ودمر مقدرات البلاد طوال 14 عاما.

وللمرة الأولى منذ سنوات، عاش السوريون شهرا من الأمل بمستقبل يليق بتطلعاتهم، دون أن يغيب عنهم ثقل ذكريات الخسارات التي تركت أثرها العميق على حياتهم.

لم يعرف معظم السوريين النوم لـ3 ليال سبقت صباح سقوط النظام، مع شعورهم أن اللحظة التي انتظروها ودفعوا ثمنها غاليا باتت قريبة في ظل تقدم فصائل المعارضة نحو العاصمة دمشق وتخلي جنود جيش النظام السوري عن حمايته.

تصف وفاء الديري (29 عاما)، مستشارة ضريبية لجأت إلى ألمانيا عام 2015، فرحة صباح سقوط النظام بـ"تحقق المستحيل"، فقد اضطرت مع عائلتها للهجرة 3 مرات لبلدان مختلفة مع تصاعد عنف النظام تجاه المتظاهرين منذ عام 2011، ما جعلها تفقد الأمان والاستقرار لتعلق بالإحباط والخوف من المجهول، كما تقول.

ورغم أن الشهر الأول من سقوط النظام كان فرصة لوفاء لتفكر في المساهمة ببناء بلد اعتقدت أنه صار بعيد المنال، فإنها تصف المشاعر التي انتابتها الشهر الماضي بـ"الفرح الممزوج بالحرقة"، قائلة إنه لا يمكن تعويض عشرات السنوات التي خسرها السوريون من عمرهم تحت حكم الأسد (الأب والابن).

إعلان

فلا يزال الشعب السوري حتى اللحظة يكتشف المقابر الجماعية لآلاف المجهولين الذين قضوا تحت التعذيب، فيما تبحث آلاف العائلات عن مصير أحبائها الذين قد يكون بعضهم قضى بسجون كتب على جدرانها "الأسد للأبد".

وتتمنى وفاء بعد سقوط "أبد الأسد" لو تسأل الرئيس المخلوع كيف استطاع فعل كل ما فعله؟ وتقول "كيف تمكنت من العيش وأنت ترى شعبك يعاني كل هذه المآسي؟ كيف واجهت نفسك في لحظات الصمت بعيدا عن صخب السلطة؟".

السوريون تجمعوا في بلدان لجوئهم الأوروبية صباح 8 ديسمبر فرحا بسقوط الأسد (الفرنسية) تغيير حياة أجيال

ويتفق أحمد الأشقر (38 عاما)، ناشط سوري اضطر لمغادرة سوريا نحو لبنان ثم البرتغال، مع وفاء الديري بأن آثار خسارات الشعب السوري طوال السنوات الماضية نتيجة حكم الأسد لن تمحى بمجرد سقوطه، مشددا على ضرورة العمل لبناء الدولة التي حلم بها الشعب السوري وضحى لأجلها.

ويضيف أن الحرب غيّرت مسار حياته، شارحا "جميع خطواتنا للتقدم بالحياة -حتى البسيطة منها- كانت محفوفة بالصعوبات لأن النظام المخلوع أمسك بتفاصيل حياتنا. لقد غيّر الأسد نمط حياة أجيال كاملة لا سيما أن الكثيرين عاشوا لسنوات في المخيمات دون أن يحظوا بفرص لائقة. وهذا الأثر قد يستمر لسنوات مقبلة حتى نحصل على مسار حياة طبيعي".

ويتساءل الأشقر إذا ما كان الأسد الهارب استطاع أن يشعر بكم الآلام التي سببها للشعب السوري بعد فراره إلى موسكو، متابعا أنه حين سمع بخبر محاولة تسميم الرئيس تمنى لو يسأله "إذا ما شعر باختناق الأطفال بهجماته بالسلاح الكيماوي أو باختناق المعتقلين تحت التعذيب بسجونه الكثيرة".

الفلسطينيون خسروا أيضا

لكن يوسف شرقاوي (26 عاما)، كاتب فلسطيني سوري، يرى أنه لا يمكن توجيه أسئلة للرئيس المخلوع لأنه وفق وصفه "مريض مجرم"، متمنيا فقط أن ينال عقابه عبر المحاكمة.

فقد اضطر الشرقاوي وعائلته لمغادرة مخيم اليرموك في دمشق مع حصار النظام السوري له عام 2012، حيث عانى سكانه الفلسطينيون مع السوريين كل المآسي التي ذاقوها من جوع وقصف ودمار.

يقول شرقاوي -الذي بقي في دمشق- إن سنوات حكم الأسد الماضية اضطرته لدفن "أشلاء أصدقائه في مقابر جماعية بمخيم اليرموك"، مضيفا أن "الخوف كان سيد المرحلة" لا سيما أن الرئيس الهارب أدخل البلاد في دوامة العطالة وفقدان الجدوى والأمل، وفق تعبيره.

ويرى أن سقوط نظام الأسد نقل الشعب السوري من القهر والهدر الإنساني إلى الإنجاز وحرية التعبير ومعرفة الحقوق والواجبات، قائلا إن الأيام الماضية كان فرصة للسوريين ليكتشفوا أنفسهم.

إعلان

أما محمد أبو شكر (31 عاما)، مصور فلسطيني سوري لجأ إلى ألمانيا، يؤكد أن سقوط نظام الأسد سيغير حياته، لأنه أتاح له فرصة لم الشمل مع عائلته بعد 14 عاما من الفراق.

كما صار لأبو شكر بلدا يمكن أن يستقر فيها ويبني مستقبلا جديدا يحقق ما ضحى السوريون لأجله، بحسب ما يقول.

ويسخر أبو شكر قائلا "أتمنى لو أسأل الأسد إذا كان يشرب المرطبات بمنفاه في موسكو؟"، بإشارة إلى رفض الأسد لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحجة أنه ليس هناك ما يناقشه الاثنان، إذ يعتقد البعض أن ذلك الموقف كان سببا أساسيا في سقوطه.

دون خوف وبانتظار العدالة

كذلك تريد خديجة أمين (36 عاما)، صحفية سورية، أن تسخر من الرئيس المخلوع بعد أن عاشت ريعان شبابها بالخوف في سوريا نتيجة سياسة الاستبداد التي اعتمدها النظام طوال سنوات.

وتتمنى لو تسأله كيف يشعر وهو يشاهد على الشاشات تدمير تماثيله وتمزيق صوره ثم وضعها في القمامة، وتشدد "أود لو أعرف كيف يشعر وهو يرى احتفالاتنا بسقوطه".

وتؤكد أن حياتها بعد 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي ليست كما قبلها، شارحة أن "الطمأنينة تعلو ملامحها" لأنها استعادت وطنها ويمكن أن تعود إليه حين تريد بعد 5 سنوات من الغربة دون أن تضطر لتخفي آراءها خشية القتل والمهانة.

من جانبها، تؤكد مزنة الزهوري (31 عاما)، ناشطة سورية لجأت إلى لبنان، أن الشعب السوري يشعر بأنه استعاد كرامته بعد 14 عاما من التهجير والتعذيب، وتطالب بمحاكمة عادلة لمن ارتكب الجرائم بحق السوريين.

وتقول إن سنوات الحرب غيّرت حياتها بما لا يمكن تعويضه، لا سيما أنها فقدت أفرادا من عائلتها بجرائم النظام في حمص وسط سوريا، مشددة على أنها ستبقى بانتظار العدالة.

ورغم أن التحديات المقبلة ستكون كبيرة لبناء الدولة، فإن المستقبل يحمل للسوريين وعدا بحياة أفضل، وفق ما يقول الباحث السوري سوار العلي (29 عاما).

إعلان

ويضيف أنه يشعر بالمسؤولية للعودة إلى وطنه بعد سنوات من الهجرة في بلاد مختلفة للمساهمة ببناء سوريا الجديدة بالخبرات التي اكتسبها بغربته، مشددا على أن سقوط النظام فرصة "لحب سوريا وكل السوريين".

لكن سؤالا واحدا يدور بذهنه ويود لو يسأله للرئيس المخلوع، إذ يقول العلي مستحضرا قصيدة الكاتب السوري سامر رضوان: "ما السر في أن تستريح على الحرائق، أن تطل على الجماجم كل صبح بابتسام، أن تقشّر قهرنا ليصير في عينيك أحلى؟ كيف تحرق دمع أمي كي تدفئ جملة صنعتها، وهما بأنك خالد؟".

مقالات مشابهة

  • كيف ستؤثر العقوبات الأميركية على حميدتي وحلفائه بالسودان؟
  • العقوبات الدولية تضع النظام الصحي السوري في حالة احتضار
  • وزير الاقتصاد السوري للجزيرة نت: الأثر محدود للرفع الجزئي لعقوبات أميركا
  • فرنسا وألمانيا: لا شيك على بياض للنظام السوري الجديد والحكم بالأفعال
  • مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية الثامنة التي يسيّرها مركز الملك سلمان للإغاثة لمساعدة الشعب السوري الشقيق
  • حراك أوروبي لرفع سريع للعقوبات التي تعيق تعافي سوريا
  • الإدارة السورية الجديدة ترحب "بالإعفاءات الأميركية"
  • بعد شهر من الحرية.. ماذا يريد السوريون أن يسألوا الأسد؟
  • فرنسا: الاتحاد الأوروبي يتجه لرفع بعض العقوبات المُوقعة على سوريا
  • الذهب ينخفض ​​مع ارتفاع عوائد السندات الأميركية وصعود الدولار