لجريدة عمان:
2025-02-24@01:18:54 GMT

سحر التكنولوجيا وفتنتها

تاريخ النشر: 24th, December 2024 GMT

ليست التكنولوجيا بمفهوم حديث أو معاصر، وإنما هي مفهوم صاحب وجود العلم على مر التاريخ. والحقيقة أن مصطلح «التكنولوجيا» technology مستمد في الأصل من الكلمة اليونانية «تخني» techne التي كانت تُستخدَم للدلالة على الصنعة (أو الحرفة) والفن معًا؛ ولذلك كان الفنان يُسمى أيضًا «تخنِتس» technites، أي صاحب الصنعة أو الحرفة.

ومع ذلك، فإن اليونان لم يستخدموا كلمة «الصنعة» (أو الحرفة) بالمعنى السطحي الذي نستخدم به الكلمة الآن؛ لأن كلمة «تخني» لم تكن تعني مجرد «التكنيك» الذي يتخذ شكل الإجراء العملي، وإنما كانت تعني أسلوبًا في الرؤية والمعرفة يسعى إلى إظهار معنى وحقيقة شيء ما (كما علَّمنا الفيلسوف الكبير هيدجر). غير أن معنى التكنولوجيا قد تطور واختلف بعد ذلك بدءًا من العصر الحديث، بحيث لم يتبق منه سوى مفهوم الصنعة والتطبيق المقترن بالعلم وتطوره.

ولا شك في أن تطور التكنولوجيا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتطور العلم ذاته؛ ولهذا السبب ذاته فإنه يعد مقياسًا لتقدم الدول. ومن هنا يمكن أن نفهم سعي الدول النامية -كما في عالمنا العربي على سبيل المثال- إلى التركيز في مجال المعرفة والتعليم على تطوير التكنولوجيا وتنمية ما يُعرَف الآن بالذكاء الاصطناعي الذي هو غاية ما بلغته التكنولوجيا في عصرنا، وأصبح بمثابة فتنة لا يمكن مقاومة سحرها: ولهذا نجد أن موضوع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي أصبح هو الموضوع الرائج الآن في سائر المنتديات والمؤتمرات التي تتناول تطوير التعليم واستراتيجيات التنمية وتحقيق جودة الحياة. ولا شك أيضًا في أن هذه الحالة من الفتنة بالتكنولوجيا لها ما يبررها؛ إذ يكفي أن نتأمل كيف غيرت التكنولوجيا أسلوب حياة البشر وجعلته أكثر راحة وسهولة وقدرة على تصنيع أدوات لم يكن بمقدورنا حتى أن نتخيلها: ويكفي أن نتأمل في هذا الصدد أبسط الآلات التي أنتجتها التكنولوجيا منذ عقود بعيدة، أتخيل الآن آلة تصوير المستندات التي كان شيوعها فيما مضى كشفًا عظيمًا استفاد منه الباحثون، إذ كنا في باكورة شبابنا- قبل شيوع هذه الآلة- نعكف على اقتباس النصوص من المراجع بالنقل من خلال الكتابة، بينما الآن يمكن لأي باحث أن ينقل هذا النصوص بنقرة على جهاز الحاسوب. وأنا أتأمل الآن أيضًا أجهزة الحاسوب والهاتف المحمول التي تتطور برامجها يوميًّا بشكل مذهل حتى إنها تضع المعرفة وأحداث العالم بين يديك بنقرات على أزرارها وشاشاتها. فما بالنا بالذكاء الاصطناعي وبرامجه التي أصبحت تُستخدَم في مجالات التأليف والترجمة والإبداع أيضًا (وهذا موضوع جدالي يمكن تناوله نقديًّا في مقال آخر).

كل هذا صحيح -دون شك- ولكن سحر التكنولوجيا لا ينبغي أن يفتننا بحيث نغفل عن رؤية أكثر عمقًا وشمولًا لدور التكنولوجيا في التطور وعملية التنمية بمفهومها الواسع. فمن الأخطاء الكبرى التي تقع فيها كثير من الدول الساعية للتنمية -في عالمنا العربي بوجه خاص- تصور أن التنمية ينبغي أن تنصب على التكنولوجيا، لا العلوم النظرية؛ فهي بذلك تغفل عن أن التكنولوجيا باعتبارها تطبيقات للعلم تكون غير ممكنة من دون تطور في العلم ذاته؛ وبالتالي في نظريات العلم، فأول العلم نظري بالضرورة، وبعد ذلك تأتي تطبيقات هذه النظريات بعد أن تصبح «مُبرهَنات» theorem (بلغة المنطق وفلسفة العلوم). والواقع أن هذه هي أعلى صور أو آخر مراحل تطبيقات العلم بعد أن تتحول نظريات العلم ونتائجه العملية أو التطبيقية إلى أسلوب إنتاج أو تقنية من خلال التكنولوجيا. ولهذا فإن الدول الساعية إلى التنمية ينبغي أن تهتم في المقام الأول بتطوير العلم ونظرياته ذاتها، ومواكبة المعرفة بنتائجها العملية، قبل العكوف على التكنولوجيا؛ لأنها لن تفعل عندئذ شيئًا سوى استيراد التكنولوجيا وتطبيقاتها.

كما أن سحر التكنولوجيا لا ينبغي أن يفتننا بحيث نغفل عن أن تطويرها وتنمية الذكاء الاصطناعي نفسه، لا ينبغي أن تكون بديلًا عن تنمية العقل والذكاء البشري التي يجب أن تكون لها الأولوية في استراتيجيات التنمية وتطوير التعليم. حقًّا إن التكنولوجيا -كما سبق أن قلنا- قد أسهمت بقوة في تطوير أساليب الرفاهة في حياتنا وطرائق عيشنا بكل يسر وسهولة، مثلما ساهمت بقوة في تيسير طرائق التعلم وتحصيل المعرفة، ولكن التجارب الواقعية تشهد أن التكنولوجيا لم تكن ناجعة في كل مجال؛ خاصة في مجالات الإبداع البشري لا في مجال الفن فحسب، وإنما أيضًا في مجال التأليف والترجمة، فضلًا عن مجال تنمية ملكة التنظير في العلوم جميعًا. بل إن التكنولوجيا وبرامج الذكاء الاصطناعي أصبحت تستدعي مفاهيم تتعلق بعمليات الإبداع في عمومه، مثل: «الفردية» و«الشخصية» و«الهُوية». وذلك موضوع جدالي شائك من جوانب عديدة؛ ولذلك فإنه يستحق أكثر من مقال مستقل بذاته.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ینبغی أن فی مجال

إقرأ أيضاً:

استثمارات جديدة لتعزيز قطاع التكنولوجيا والاتصالات في السوق المصري

يشهد السوق المصري توسعات استراتيجية في قطاع التكنولوجيا والاتصالات، مع خطط استثمارية طموحة تهدف إلى تلبية الطلب المتزايد على الأجهزة الحديثة والخدمات التقنية.

وفى هذا الإطار  تم الإعلان عن ضخ استثمارات بقيمة 15 مليون دولار خلال عام 2025، بهدف تعزيز النشاط في هذا القطاع الحيوي وتحقيق نمو في المبيعات بنسبة تتراوح بين 30% و40% مقارنة بالعام الماضي، الذي بلغت فيه المبيعات أكثر من 2 مليار جنيه.  

ساهمت هذه الاستثمارات في دعم العديد من العلامات التجارية الرائدة، مما أدى إلى تحقيق نمو كبير في المبيعات لبعض الشركات بنسبة تصل إلى 70% خلال العامين الماضيين.

 كما شهد السوق زيادة في استيراد الأجهزة بمختلف الطرازات لتلبية احتياجات المستهلكين، مع التركيز على تقديم أحدث التقنيات المبتكرة التي تناسب جميع الفئات.  

يشمل التوسع أيضًا تحسين خدمات ما بعد البيع من خلال تعاون مع شركات صيانة ودعم فني لتوفير تغطية شاملة في جميع أنحاء الجمهورية. بالإضافة إلى ذلك، تخطط الجهات المعنية لزيادة نقاط التوزيع بنسبة 50%، بهدف الوصول إلى قاعدة عملاء أوسع.  

من جهته صرح احمد فتحى رئيس Jit أن  هذه الجهود تانى بدعم حكومى  بالتنسيق مع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لضمان الالتزام بالمعايير التنظيمية، مما يعكس التزام القطاع بتقديم منتجات وخدمات عالية الجودة تسهم في تطوير السوق المحلي وتعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل مستدامة.

مقالات مشابهة

  • أحمد موسى من طابا: كان نفسى أزورها بعد رفع علم مصر عليها قبل 36 سنة
  • بحضور 25 ألف من قادة التكنولوجيا بالعالم.. قطر تحتضن قمة «الويب 2025»
  • مصر وماليزيا تبحثان التعاون في التكنولوجيا الصحية
  • استثمارات جديدة لتعزيز قطاع التكنولوجيا والاتصالات في السوق المصري
  • حملة مشاعل العلم والمعرفة
  • ينبغي على الدول العربية أن توقف ترامب ونتنياهو عن مسارهما
  • فزعة مندوب توصيل لرفع العلم السعودي تثير الإعجاب.. فيديو
  • «معلومات الوزراء»: مصر ضمن أعلى 5 دول استثمارا في التكنولوجيا
  • محمد هنيدي يحاول مواكبة التكنولوجيا في مسلسل شهادة معاملة أطفال
  • التعليم العالي: صندوق رعاية المبتكرين يدعم المشروعات التي تحقق التنمية المستدامة