مخططات التقسيم ومخاطر استنساخ أحداث سوريا في دول المنطقة
تاريخ النشر: 24th, December 2024 GMT
إيهاب شوقي
لا شك أن ما حدث في سورية وتطوراته المستمرة سيظل لفترة طويلة محل اهتمام كل وسائل الإعلام العالمية والإقليمية، كما سيتوقف مستقبل المنطقة والصراع الدولي على مآل هذه التطورات، خاصة وأن سورية تمثل عقدة للصراعين الإقليمي والدولي، وأن طريقة سقوط النظام تمثل نموذجاً يمكن تصديره وتكراره لدول أخرى بالمنطقة، وخاصة الدول المجاورة للكيان الصهيوني مثل الأردن ومصر، وكذلك ممالك الخليج التي تتربص بها تنظيمات تنتمي لذات مدرسة جبهة النصرة والفصائل التي أسقطت النظام في سورية، وبعد ما بدا وتكشف من أن أمريكا والكيان وتركيا أعدت صيغة لتسويقها بإدخال تحديثات على خطابها لنيل الشرعية الدولية.
ولا شك أن إعلان نتنياهو نواياه وإرفاقها بخرائط لشرق أوسط جديد وتزامن ما حدث في سورية وتوظيف الكيان له، وملامح تحركاته في سورية عبر اقتناص مزيد من الأراضي والتواصل مع قطاعات من الأكراد والدروز، يقود إلى قناعة بأن “إسرائيل” تنوي مواصلة تحركاتها باتجاه هذا المشروع الذي لا يتوقف عند حدود سورية، بل يتسع ليشمل الحلم التاريخي الصهيوني من النيل إلى الفرات، وهو مشروع صهيوني قائم وتبلورت عدة استراتيجيات له، وكان أهم خططه الاستراتيجية خطة ينون التي نشرت في مقال في فبراير 1982 في المجلة العبرية كيفونيم (الاتجاهات) بعنوان “استراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات”، والتي كتبها عوديد ينون، المشهور كمستشار سابق لأرييل شارون، والمسؤول الكبير السابق في وزارة الخارجية الإسرائيلية، وتم الاستشهاد بالخطة كمثال مبكر لوصف المشاريع السياسية في الشرق الأوسط بمنطق الانقسامات الطائفية.
ولا شك أن تطبيق خطة الجنرالات في شمال غزة، وهي خطة للجنرال غيورا آيلاند، تشي بتهديد كبير لمصر، لأن هذا الجنرال هو صاحب خطة تهجير سكان غزة إلى مصر، والتي اقترحها وكان يعد لتنفيذها في العام 2005.
كما أن إشارة سموتريتش بأن العام 2025 هو عام ضم الضفة، لا بد أن يقرع جرس إنذار كبير وعاجل في الأردن، لأن خطط ضمها تتضمن تهجير أهلها إلى الأردن.
كما أن قوام مشروع الشرق الأوسط الجديد يقوم على أن تكون اليد الطولى للكيان، وهو ما لا يسمح بوجود نفوذ لممالك الخليج ويجب إعادتها لعصور مظلمة بحيث لا تشكل ندًّا للكيان.
وقبل الخوض في شواهد واحتمالات تكرار نفس السيناريو في دول أخرى، ينبغي إلقاء الضوء على بعض الملاحظات التي تحمل دلالات لافتة على طبيعة النظام الدولي والشرعية الانتقائية والازدواجية الفاضحة وحجم التنسيق والتواطؤ مع الكيان، وكذلك استغلال وتوظيف الكيان للأحداث بشكل سريع وخاطف، ثم الإشارة إلى علاقة خطة ينون ومخططات التقسيم بالدول الأخرى التي يمكن تكرار النموذج فيها، وذلك على النحو الآتي:
1- هناك استخفاف كبير بالمجتمع الدولي والشعوب عند الاعتراف بشرعية تنظيمات مارست الإرهاب وبشخص مصنف كإرهابي دولي مثل “أبي محمد الجولاني”، وهذا الاستخفاف يجعل من هذه البساطة التي تنال بها هذه التنظيمات الشرعية الدولية والرضا الإقليمي والدولي مؤشراً مرعباً للدول والجيوش التي اطمأنت لفترة طويلة على عرشها وشرعيتها الدولية باعتبارها تكافح الإرهاب، لأنه ببساطة يمكن اعتبار هذا الإرهاب ثورة وأنها دول تقمع الثورات وتنتقل في لحظة من خانة مكافحة الإرهاب لخانة الأنظمة المارقة عن الشرعية الدولية!
2- بينت الأحداث أن هناك خلايا نائمة لكثير من الفصائل والتنظيمات التي يتصور الكثيرون أنها ملفوظة شعبياً ولا تحظى ببيئة حاضنة، كما تؤثر الأزمات الاقتصادية وصعوبة معيشة المواطنين على طبيعة التفافها حول الأنظمة، مما يجعل المقاومة الشعبية لهذه التنظيمات مقاومة ضعيفة وبالتالي قد تجد أنظمة مثل الأردن ومصر مخاطر كبيرة وتجد جيوشها معزولة في مواجهة هجمات من هذا النوع دون رديف شعبي، خاصة أن هناك تجارب سابقة وخلايا نائمة، ولا يمكن استثناء ممالك الخليج رغم ثرائها من هذه السيناريوهات لأن التقارير الاقتصادية الدولية تفيد بمؤشرات لافتة حول انخفاض مستوى معيشة المواطنين وارتفاع نسب البطالة، ويضاف إليها وجود قطاعات شعبية تتقارب إيديولوجيا مع هذه التنظيمات وتتربص بعروش الخليج، وتحمل ثارات كبيرة خاصة مع دولة الإمارات التي تتبعت هذه التنظيمات وساعدت على قمعها في عديد من الدول.
3- الأطماع التركية لا تقتصر على أطماع التوغل البري في سورية والعراق واستعادة نفوذ المجلس الملي وأمجاد الإمبراطورية العثمانية، بل تمتد جيو استراتيجيا لشرق المتوسط ومشروعات الغاز، وثقافياً لقيادة العالم الإسلامي عبر رعاية تنظيمات إخوانية وفصائل وحركات وأحزاب توالي تركيا، لها وجودها في الأردن ومصر ودول الخليج، وهو تمدد ثقافي تسعى تركيا عبره لخلق نفوذ ممتد في الإقليم يحمي مصالحها التوسعية المتسقة مع الأحلام الإمبراطورية التي لا تفارق الطغمة الحاكمة في تركيا، وهو ما يشكل خطراً على هذه الأنظمة، والتي يُؤخذ عليها أن معظم الخطابات الشعبية هاجمت الأنظمة الرسمية بسبب تخليها عن غزة، فيما لم توجه انتقادات لتركيا وأردوغان رغم عدم تقديم تركيا أي مساندة إلا بعض الشعارات والخطابات الديماغوجية الخالية من أي فعل على الأرض.
4- رعاية غرف العمليات الأمريكية والصهيونية لما حدث في سورية، وهو ما رصده السيد الخامنئي بالتعاون مع الدولة الجارة التركية، وهو ما يقود لوجود مصالح مشتركة، وهذه المصالح لا تقتصر على سورية، لأنها تقتسم النفوذ والكعكة، وهو ما يغري الأطراف الثلاثة لتوسيع هذا التنسيق والسعي لمزيد من المكتسبات الإقليمية في لحظة تاريخية مفصلية تشكل فرصة لهذه الأطراف مع الضعف الملحوظ للنظام الرسمي العربي واستسلامه للنتائج دون تدخل فاعل في مواجهة الهجمة المزدوجة على القضية الفلسطينية وعلى منطق الدولة القومية التي قوامها المؤسسات والجيوش الوطنية.
5- الاستغلال الصهيوني بمزيد من التوغل وكسب الأراضي وانتهاك الاتفاقيات الدولية، لا بد وأن يشكل مؤشر خطر من الدرجة الأولى للدول التي ركنت إلى هذه الاتفاقيات مثل الأردن ومصر، وخاصة مع التلويح المستمر بضم الضفة الغربية وتهجير سكان غزة والتموضع الدائم للجيش الصهيوني في محور نتساريم وممر فيلادلفيا والسيطرة على المعابر، واستعداد إدارة يمثلها ترامب الذي لا يعبأ بالاتفاقيات الدولية لاستلام الحكم، وهو ما يشكل خطراً لتوغل صهيوني داخل خطوط فض الاشتباك برعاية أمريكية وترويج دعائي تركي لفصائل مماثلة لجبهة النصرة.
كما لا تشكل الاتفاقات “الإبراهيمية” حماية للأطراف التي وقعتها، لأن وجود نظام حكم تابع بشكل مباشر لأمريكا والكيان ويدين بالشرعية والولاء لهما أفضل أمريكياً من جهد الابتزاز لأنظمة الخليج وأقصر طريقاً في جني الثمار.
6- وبالعودة إلى مخطط الشرق الأوسط الكبير وخطة ينون، نرى أن فيها تفصيلات تشير نصاً إلى دول أخرى، والخطورة هنا تتمثل في أن مقال ينون قد تم تبنيه من قبل أعضاء معهد الاستراتيجيات الصهيونية في الإدارة الأمريكية، حتى تم تناوله بشكل مفترض كوسيلة لتعزيز المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وكذلك تحقيق الحلم اليهودي بدولة “من جدول مصر إلى نهر الفرات”، وتشمل غالبية الشرق الأوسط، كما هو مكتوب في الكتاب المقدس العبري، حيث كانت مجلة «كيفونيم» مُكرّسة لدراسة اليهودية والصهيونية، وقد ظهرت بين عامي 1978 و 1987، ونشرها قسم الإعلام في المنظمة الصهيونية العالمية في القدس.
وتتناول الخطة تفاصيل، نرى ظلالها في سياسات نتنياهو حالياً، ومما ورد فيها حول الأردن والعراق ومصر ولبنان، يمكن الاستشهاد بما يلي بشكل موجز:
أولاً: الأردن، اقترحت ورقة ينون أن السياسة الإسرائيلية، في كل من الحرب والسلام، يجب أن تهدف إلى هدف واحد هو “تصفية الأردن” كما تحكمها المملكة الهاشمية، إلى جانب زيادة الهجرة الفلسطينية من الضفة الغربية إلى شرق الأردن لوضع حد لمشكلة وجود تجمعات كثيفة للفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية التي احتلتها “إسرائيل” في حرب الأيام الستة عام 1967، مما يتيح لهم الانتقال إلى أراضي تلك المملكة السابقة.
ثانياً: لبنان، حيث دعت الخطة إلى خطة قديمة ضد وحدة أراضيها تعود إلى عام 1943، والتي بموجبها كان من المقرر أن يتم تجميع البلاد على أسس عرقية قومية، وتم تنفيذ جزء منها خلال السبعينيات، وخاصة بعد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، وارتبطت بشخصية هنري كيسنجر، حيث تردد وقتها أنه يخطط لتقسيم لبنان إلى دولتين.
ثالثاً: العراق، حيث اعتبر ينون العراق بثروته النفطية التهديد الأكبر لإسرائيل، وكان يعتقد أن الحرب الإيرانية العراقية ستقسم العراق الذي يجب أن يكون حله هدفًا إسرائيليًا استراتيجيا، وتوقع ظهور ثلاثة مراكز عرقية: الشيعة الذين يحكمون من البصرة، والسنة في بغداد، والأكراد وعاصمتهم في الموصل، حيث كل منطقة تسير على غرار التقسيمات الإدارية للدولة العثمانية السابقة.
رابعاً: مصر، حيث اعتقد ينون أن اتفاقيات كامب ديفيد 1978، التي وقعها مناحم بيجن وأنور السادات، كانت خطأ، وكان أحد أهداف “إسرائيل” في الثمانينيات، تقطيع أوصال مصر، الدولة التي وصفها بأنها “جثة”، وتهدف الخطة لتشكيل دولة قبطية مسيحية على الحدود الشمالية لمصر، وإعادة الغزو الإسرائيلي السريع لسيناء.
ربما بدأت الأنظمة تستشعر خطورة هذه التطورات بسرعة عقدها لاجتماع العقبة ولكنه اجتماع يخلو من الفاعلية بسبب عدم امتلاك أدوات ضغط فاعلة وسبب ابتعاد هذه الأنظمة وتخليها عن المقاومة وهو ما عراها أمام أمريكا والصهاينة وأدخلها تحت قاعدة “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، ولكن على الأنظمة أن تفطن إلى أن كلفة المقاومة رغم كل التضحيات أقل من كلفة التماهي والاستسلام، بدليل أن الحركات والقوى التي تقاوم مثل حزب الله تحافظ على الردع مع الكيان وتخرج دوماً بأقل الخسائر في ما يمس السيادة، رغم التضحيات والشهداء والخسائر المادية، وهو ما يفرض استفاقة وصياغة سياسات واستراتيجيات جديدة للأنظمة تتسق مع هذه الهجمة التاريخية الاستعمارية الكبرى.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: هذه التنظیمات الشرق الأوسط الأردن ومصر فی سوریة وهو ما
إقرأ أيضاً:
أحداث سوريا: هل هي ثورة أم ماذا ؟؟؟
لواء دكتور/ شوقي صلاح
الخبير الأمني والقانوني
عضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة
مقدمة: في نهاية نوفمبر الماضي تحرك التنظيم المسلح “هيئة تحرير الشام- النصرة سابقا” والمصنف تنظيمًا إرهابيًا على المستويين الدولي والوطني – كان متمركزًا في بمحافظة إدلب بشمال غرب سوريا- تجاه حلب واستطاع السيطرة عليها دون مقاومة تذكر من الجيش السوري، ثم انتقل بسرعة لحماة ثم حمص حيث واجه مقاومة واهية من الجيش، وفي الثامن من ديسمبر استطاع التنظيم دخول دمشق والسيطرة عليها.. ودخل عناصر التنظيم بقيادة أبو محمد الجولاني الجامع الأموي ليعلن نجاح التنظيم إسقاط النظام، وغادر وقتها بشار الأسد سوريا متوجها لموسكو كلاجئ وقد سبقته أسرته أيضًا.. فهل نحن أمام ثورة حيث احتفل الشعب السوري في الميادين بسقوط نظام الأسد وأسقطوا تماثيل بشار وحافظ الأسد مهللين بسقوط حكام طغاة.. أم نحن أمام انقلاب أيدته الجماهير ؟؟؟
للإجابة على هذا التساؤل وأسئلة أخرى، استدعينا اللواء د. شوقي صلاح الخبير الأمني والقانوني، وعضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة، لنتحاور معه بشأن الملف السوري، وسألناه بالآتي أجاب:
– د. شوقي، لتكن البداية بالسؤال الآتي: هل ما حدث في سوريا ثورة كما هو متداول في الكثير من المنصات الإعلامية، أم ماذا ؟؟؟
– الثورة يقصد بها: حركة سياسية يقوم من خلالها الشعب بإقصاء السلطة الحاكمة في دولة ما، من خلال احتجاجات واسعة النطاق، أما الانقلاب فيقصد به قيام قوة مسلحة -غالبا من المؤسسة العسكرية- بإزاحة السلطة الحاكمة والاستيلاء على الحكم، وبالتالي فما حدث في سوريا لا ينطبق عليه مفهوم الثورة.. حيث لا يمكن لتنظيم مسلح ومصنف على المستويين الدولي والوطني بكونه تنظيمًا إرهابيًا يقوم بالاستيلاء على السلطة.. ثم نقر بأن ما قام به هو ثورة ! وتنظيم “هيئة تحرير الشام” مازال حتى تاريخ كتابة هذه السطور يعتبر تنظيمًا إرهابيًا، ومع هذا فقد استولى على مقاليد السلطة بحكم الواقع، والثابت أن الجيش السوري انسحب من المشهد ولم يواجه هذا التنظيم لأسباب أهمها: أن معظم قوات الجيش من طائفة “السنة” بينما القادة ومنهم رئيس الدولة من طائفة “الشيعة العلوية” وقد كان حكم بشار لسوريا حكمًا استبداديًا، ناهيك عن الفساد الذي استشرى في مفاصل الجيش، بجانب استعانة النظام بميليشيات إيرانية لحمايته.. فانقلب الجيش على النظام من خلال الانسحاب من المواجهة، فكان الأمر أشبه بانقلاب سلم فيه الانقلابيون الحكم لتنظيم إرهابي مسلح.. ومن يدعي خلاف هذا بدعوى أنها معارضة مسلحة، فلنوجه له السؤال الآتي: هل تقبل دولة غربية أن يكون على أرضها معارضة مسلحة ؟؟؟
اللواء/ شوقي، هل كان هناك دور لقوى خارجية حركت “هيئة تحرير الشام” ودعمتها للسيطرة على الحكم في سوريا ؟؟؟
– بالتأكيد كان الأمر مخططًا ولا أدل على هذا من قيام الجيش الأمريكي بقصف قوات الحشد الشعبي القادمة من العراق لدعم الجيش السوري في مواجهة ميليشيات الجولاني، خاصة بعد سيطرتها على حلب وتقدمها لحماة، وبعد دخول “هيئة تحرير الشام” دمشق قامت على الفور إذاعة (CNN) بإجراء حوار مع أبو محمد الجولاني المصنف إرهابيًا دوليًا والذي سبق للمخابرات الأمريكية الإعلان عن مكافأة 10 مليون دولار لمن يرشد عنه – تم مؤخرا إلغاء هذه المكافأة من قبل المخابرات الأمريكية- وبدأ الحديث حول اتجاه واشنطن لرفع التنظيم المشار إليه وقائده وعناصره من قائمة التنظيمات الإرهابية، في توظيف واضح الدلالة لهذا التنظيم، لينفذ مهامًا تخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية.. وأعلن بايدن أنه أخطر الكونجرس بإعطاء أوامره بضرب تمركزات القوات الإيرانية في سوريا.
– وعلى جانب آخر تبدو تركيا بما لديها من صلات وثيقة بهذه التنظيمات تنسق علنا مع التنظيم للقيام بمهام تصب في صالح المواجهة مع الأكراد من ناحية، ومن ناحية أخرى ترتب لترحيل اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا وقوامهم: 4 مليون لاجئ للعودة لسوريا، وغالبًا سيصاحب هذه العودة إعادة للهندسة السكانية لمنطقة شمال سوريا ليسكنها طائفة سنية، تعوق بها خطوط الاتصال بين أكراد سوريا وأقرانهم في تركيا، ناهيك عن ظهور قوي لعناصر من تنظيم الإخوان في المشهد بجانب الجولاني، وظهر هذا جليا في تشكيل حكومته المؤقتة التي يرأسها المهندس محمد البشير، حيث ميوله الإخوانية باتت واضحة.
د. شوقي، إذا كان ما يحدث في سوريا الآن وفقا لما ذهبت مؤامرة على المنطقة العربية.. فلتوضح لنا أهداف هذه المؤامرة.
– خطورة التنظيمات التكفيرية الأعظم في الفكر الذي تحمله.. فبعض أتباع الجولاني وبعد دخولهم المسجد الأموي في دمشق صرحوا بأنهم في سبيلهم لتحرير المسجد الأقصى والمسجد الحرام والمسجد النبوي.. وهو ما يشير إلى أنها مؤامرة لإدخال المنطقة في دوامة عنف مسلح.. هذا ويذهب الكثير من الخبراء إلى أن أخطر ما يهدد إسرائيل هو تطور ديمقراطي لنظم حكم دول الجوار، هم يريدون دائما إثارة الفتن وتفتيت الدول من الداخل، لذا يناسبهم أكثر الحكام الطغاة.. فما بالك بمتطرفين دينيا يتولون مقاليد حكم دولة محورية كسوريا.
– هذا ولعل دعم “هيئة تحرير الشام” من أهم أهدافه ترويض التنظيمات الإرهابية بطريقة غير مباشرة وكف أذاهم عن الغرب.. فدعم هذا التنظيم بمثابة رسالة من الغرب لكافة التنظيمات الإرهابية التي تنتمي لتيار الإسلام السياسي مفادها: “أنكم مع الغرب رابحين، فبدعمنا يمكن لكم حكم دولة بقيمة الدولة السورية.. لذا عليكم أن تقدموا تنازلات جوهرية مقابل هذا العطاء السخي”.
– وعطفًا على ما سبق؛ فقد صرح الجولاني أنه لا يريد الدخول في أي حروب، ولنا هنا أن نسأله: هل ستعيد الجولان من المحتل الإسرائيلي من خلال جهاد دبلوماسي.. ؟؟؟!
– اللواء د. شوقي صلاح، ذهب جانب من المحللين الاستراتيجيين إلى أن هناك دور روسي متواطئ مع الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث تُسَلم روسيا سوريا سوريا في مقابل أوكرانيا.. فهل تتفق مع هذا الرأي ؟؟؟
– بداية: أختلف مع هذا الرأي، فلا شك أن ما حدث في سوريا -حتى الآن- يعد هزيمة لروسيا على المستويين الاستخباراتي والعسكري، حيث تم الإعداد للمؤامرة في غياب معلوماتي واضح من قبل أجهزة الاستخبارات الروسية والسورية، كما حدث خطأ أكبر في تقدير الموقف واتخاذ القرار في التوقيت المناسب، وكلفهم هذا خسارة محتملة لقاعدتين عسكريتين في غاية الأهمية الاستراتيجية؛ الأولى القاعدة البحرية في طرطوس، والثانية القاعدة الجوية في حميميم، وهي خسارة يصعب تعويضها. وبهذا نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في قطع أغلب أذرع إيران بالمنطقة، كما أنها قطعت قدم روسيا من أهم قواعدها العسكرية في الشرق الأوسط، ومؤكد أن يكون لهذا انعكاساته السلبية على الوضع الدولي لروسيا.
اللواء/ شوقي، هل كان لروسيا القدرة على منع وصول تنظيم الجولاني للسيطرة على مقاليد الأمور في دمشق ؟؟؟
– أرى أنه كان حريٌ بالقيادة الروسية فور سيطرة تنظيم تحرير الشام على حلب، أن تصدر الأوامر بتحرك القوات الروسية -خاصة الجوية- لمنع تقدم التنظيم، حيث أن عناصر التنظيم لا يتجاوز عددهم: 35 ألفًا، ومن اليسير على القوات الروسية التصدي لهم، ومع هذا وفي ضوء انهيار شعبية بشار الأسد فقد كان الأمر يتطلب إقناعه أو إرغامه بترك السلطة، وإسناد مقاليد الحكم لقادة من الطائفة السنية بالجيش السوري، ولعل إعلان هذا كان سيعيد الروح القتالية بمنتهى القوة لقوات الجيش، خاصة مع إخراج المشهد بشكل يبدو فيه بشار الأسد وكأنه هو من تنازل عن الحكم للمصلحة العليا للدولة السورية، حيث يناشد الأسد السوريين من خلال خطاب يحثهم فيه على التوحد من أجل الحفاظ على الوطن السوري، الذي يضم طوائف مختلفة يجمعهم وطن.. ولما لا، فقد صرح الجولاني بعد دخوله دمشق، في جانب من خطابه التصالحي، بقوله: لن نتصادم مع الجيش السوري بل سنتعاون من أجل سوريا.
د. شوقي، هل هناك وجهًا للشبه بين ما يحدث في سوريا الآن.. وما كان مخططًا حدوثه في سيناء عقب أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١، خاصة ما حدث من موجات إرهابية بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ؟؟؟
– من الأهمية مراجعة أحداث الماضي القريب في مصر، في محاولة منا لربط الأحداث بعضها ببعض؛ فبعد أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١ تنامى نشاط داعش في سيناء، وبعد ٣٠ يونيو 2013 أي بعد ثورة مصر التصحيحية التي قادها الشعب، فقد كانت سيناء مستهدفة بصفة خاصة، فالإرهابيون كانوا يخرجون من الرقة وإدلب إلى سيناء مباشرة.. هذا وأعلن تنظيم أنصار بيت المقدس الإرهابي الذي كان ينشط في سيناء مبايعته لأبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش الإرهابي، وغير اسم التنظيم ليصبح “ولاية سيناء” في محاولة لفصل سيناء عن الإقليم المصري، وكان هدفهم أن يتحقق السيناريو الذي نراه في سوريا الآن، ولكن بشكل آخر.. فإسرائيل ستضطر أمام الإرهاب المتاخم لحدودها أن تحاربه، ونظرا لانتماء بعض أعضاء تنظيم “ولاية سيناء” لتنظيمات في غزة.. فستقوم إسرائيل بحجة محاربة الإرهاب بطرد سكان غزة لسيناء، ثم تقوم بعمل حزام آمن لها داخل سيناء، وتحتل قطاع غزة وتضمه لإسرائيل.. ثم وفي توقيت لاحق، قد يتم الاعتراف بولاية سيناء من قبل الغرب، حيث يخرج أحد الإرهابيين – سيكون مصريًا بالطبع- ليقدم خطابًا تصالحيًا، وسترتب له منصة CNN لقاء تلفزيونيا يقدم من خلاله خطابًا تصالحيًا، يزعم فيه أنه يريد العيش في سلام وتجنب الحروب.. مستندًا على سماحة الدين الإسلامي..!!! وجاءت ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ فأنهت كل هذه الترتيبات، ويحضرني في هذا السياق كلمة الدكتور: محمد البلتاجي – عضو مكتب الإرشاد في تنظيم الإخوان- بأن: “ما يحدث في سيناء الآن سيتوقف في الثانية التي يعود فيها الرئيس محمد مرسي لمباشرة سلطاته” وفي هذا اعتراف صريح بأنهم وراء الإرهاب في سيناء.
د. صلاح، ما ارتكبته إسرائيل من اعتداءات على الدولة السورية مؤخرا، وما ترتب عليه من تدمير لأغلب قدرات الجيش السوري.. هل يمكن مواجهة هذه الاعتداءات على المستوى القانوني ؟؟؟
– بالطبع الإجابة: نعم، فالمواجهة القانونية لغزو إسرائيل لسوريا ممكنة من خلال المحكمة الجنائية الدولية، فما ارتكبته إسرائيل في سوريا من تدمير واسع النطاق لأسلحة الجيش السوري، بجانب غزو الأراضي السورية، فإن هذه الاعتداءات تمثل من ناحية جريمة عدوان وفقا للمادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة، كما أنها تمثل من ناحية أخرى جرائم ضد الإنسانية لتهجير بعض سكان القرى السورية في المناطق المتاخمة لجبل الشيخ.
– هذا ولا يجب أن نستهين بقيمة اتخاذ إجراءات قانونية لاتهام نتنياهو ووزير دفاعه ورئيس أركانه بارتكاب تلك الجرائم، فعندما صدر قرار الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية بتأييد ما انتهت إليه المذكرة التي قدمها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، والتي بموجبها أصبح نتنياهو ووزير دفاعه متهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.. يومها تصدرت الصحافة الإسرائيلية عناوين تلخص الشعور العام للمجتمع الإسرائيلي من قرار القبض على المتهم نتنياهو ووزير دفاعه مفادها: “إنه يوم أسود في تاريخ إسرائيل“.
– وجدير بالذكر أنه: نظرًا لأن مصر ليست عضوًا في نظام المحكمة الجنائية الدولية، وأن الدول العربية الأعضاء في هذه المحكمة هم على سبيل الحصر: جيبوتي والأردن واليمن، لذا أرشح الأخيرة للقيام بتقديم طلب للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية معززًا بالأدلة على ارتكاب دولة إسرائيل للجرائم المشار إليها، وذلك بهدف فتح تحقيق في هذه الاعتداءات، يعقبه توجيه الاتهام لكل من: رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه ورئيس أركانه، ومن شأن اتخاذ هذه الإجراءات صدور قرار آخر للقبض على القادة المشار إليهم وغيرهم. ولا يجب أن ننتظر دولة جنوب أفريقيا لتقوم بهذه المهمة، فكل الشكر لهذه الدولة العادلة على ما قدمته بشأن التصدي لجرائم إسرائيل ضد المدنيين في غزة.
Tags: التنظيمات التكفيريةاللواء د. شوقي صلاحالنصرةالولايات المتحدة الأمريكيةثورةروسياسوريامحافظة إدلبهيئة تحرير الشام