نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرًا، سلّطت فيه الضوء على اللغة المشفرة التي كان السوريون يستخدمونها، على مدى عقود، خوفًا من أجهزة نظام بشار الأسد المخلوع، التي كانت تزرع الرعب في المجتمع.

وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنّ: "السوريين توارثوا الخوف من النظام وأجهزته الأمنية جيلا بعد جيل، في المقاهي وسيارات الأجرة والأسواق، ولم يكن بإمكان معظمهم التحدث بحرية خوفًا من أن تتنصت عليهم مخابرات الأسد".



وأضافت أنّ: "النظام السابق عمل على زرع الخوف في المجتمع، إذ امتدّت جذوره إلى كل جانب من جوانب الحياة المدنية للحفاظ على قبضته، وأي شخص كان يُحتمل أن يكون مخبرًا".

يقول أيمن رفاعي (26 سنة)، وهو من سكان دمشق: "وصل الخوف في البلاد إلى درجة أنك تشعر أنه لا يمكنك أن تثق بأفراد عائلتك".

وحسب الصحيفة، فإنّ: "حالة الخوف جعلت السوريين يبتكرون طرقًا للتكيف مع هذا المناخ من المراقبة؛ حيث طوروا لغة مشفرة سمحت لهم بمناقشة كل المواضيع، بدءًا من التجارة اليومية إلى المخاوف الشخصية، وصولا للانتقادات المبطّنة للنظام، وكانت هذه الشيفرة تُستخدم بين العائلة والأصدقاء الموثوق بهم".

"خطه جميل"
تقول مؤلفة كتاب "الوطن الذي كان وطننا: مذكرات عن سوريا"، علياء مالك، إنه: "كان لا بد من وجود لغة مشفرة بين السوريين لأنه لم يكن هناك حرية تعبير حقيقية. لم يكن بوسعك أن تعرف من الذي يستمع إليك، بغض النظر عن مكانك". ووصفت النظام المخلوع، بالقول: "حتى في غيابه، كان حاضرًا".

وقالت ميسون (49 سنة)، والتي طلبت عدم ذكر اسمها كاملا خشية من انتقام أنصار الأسد: "لم نكن نتحدث إطلاقًا عن النظام. إذا أردنا التذمر من شيء ما، كنّا نستخدم أصابعنا ونشير للسقف الذي يعني الحكومة".

وأضافت ميسون التي عاشت في لبنان وفرنسا بعد أن هاجرت من سوريا، أنه عندما كان السوريون يشكّون في أن شخصا قريبا يعمل كمُخبر، يقولون: "هذا الشخص خطه جميل"، مشيرة  أنها لم تشعر أبدًا بالأمان حتى خارج البلاد.

وأوضحت أنها كلما قابلت مجموعة كبيرة من السوريين، كانت تتساءل إن كان أحدهم "خطه جميل". هربت ميسون مع عائلتها من دمشق نحو بيروت سنة 2012، وهناك بدأت ابنتها البالغة من العمر 7 سنوات تسمع من الجيران قصصا عن فظائع الأسد، رغم أن والدها ووالدتها قد بذلا جهدًا كبيرًا حتى لا تسمعها.

بعد مرور سنة، قرروا العودة إلى سوريا متشبثين ببصيص الأمل في مستقبل أفضل، لكن سرت شائعات بأن الحراس عند نقاط التفتيش كانوا يسألون الأطفال عن القائد السياسي المفضّل، كحيلة لقياس ميول الوالدين.

قبل مغادرتهم إلى سوريا، جذبت ميسون ابنتها الصغرى جانبًا وقالت لها: "لا تصدقي ما قاله جيراننا عن الأسد. هو رجل جيد".


البقدونس والنعناع
تابعت الصحيفة، أنه عندما أطاح الثوار بالأسد هذا الشهر، بعد هجوم مفاجئ، شعر السوريون أنهم أصبحوا قادرين على التحدث بحرية.

وأوضح رفاعي: "نحن نقول للناس لماذا تخفضون أصواتكم؟"، مضيفًا أنه لم يصدق أنه يمكنه استخدام اسمه الكامل أثناء حديثه مع الصحفي، وتابع: "ليس هناك ما يدعو للخوف".

وقال ثابت برو، (60 سنة)، وهو عالم حاسوب نشأ في دمشق ويعيش في دبي: "الآن يمكنني استخدام اسمي الحقيقي". على مدار سنوات، كان يستخدم أسماء مستعارة للتعبير عن آرائه على الانترنت.

وأضاف برو أنه أثناء إقامته في سوريا، لم يكن يقول كلمة "دولار" في الأماكن العامة، مضيفًا: "كان الناس يشيرون إليه بالأخضر. وبمجرد أن اكتشفت السلطات تلك الشيفرة، قاموا بتغييرها إلى أسماء أخرى تشير إلى اللون الأخضر، مثل البقدونس أو النعناع".

ولم يكن الاتجار بالعملات الأجنبية قانونيا في معظم فترة حكم الأسد، حيث يُعاقَب عليه بالسجن لسنوات، وذلك بهدف السيطرة على سعر صرف الليرة.

كذلك، كان الخوف من الاعتقال قد سيطر على أذهان السوريين منذ بداية حكم حافظ الأسد، والد بشار. منذ ذلك الحين، كانوا يشيرون إلى الذهاب إلى السجن على أنه "الذهاب إلى بيت خالتك"، مثلما روى العديد من السوريين.


حفل استقبال وفنجان قهوة
حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قد تعرّض أكثر من 110,000 معتقل "للاختفاء القسري" على يد النظام منذ سنة 2011، وتوفّي أكثر من 15,000 بسبب التعذيب.

اعتُقل عبد الوارث لحام (45 سنة) لمدة يومين في كانون الثاني/ يناير 2012؛ حيث تم اعتقاله أثناء مشاركته في مظاهرة مناهضة للحكومة خلال الانتفاضة الشعبية ضد الأسد.

قال لحام إنه تعرّض للضرب لساعات باستخدام السياط والقضبان المعدنية، مضيفًا: "لقد فوجئت بمدى قدرة الجسم البشري على التحمل".

يتذكر لحام تجربة الاعتقال، قائلا إنه كان يُطلق على الضرب الذي يتعرض له السجين في بداية اعتقاله "حفل استقبال". بعد ذلك، يلقى الحراس محاضرة على السجناء عن "المعنى الحقيقي للحرية".

وذكرت الصحيفة أنّ: اللغة المشفرة لم تقتصر على المدنيين، فقد استخدم نظام الأسد معجما خاصا به. قالت علياء إنه عند استدعاء شخص ما للاستجواب، كانت الشرطة السرية أو المخابرات تدعوه إلى "كوب من الشاي"، بينما أوضح لحام أن ذلك يُطلق عليه : "فنجان قهوة، إذا كان الأمر أكثر شدة".


ومن عبارات التهديد التي كان أتباع النظام السابق يستخدمونها: "هل تعرف مع من تتحدث؟"، في إشارة إلى أن الشخص قريب من آل الأسد، وقال لحام: "لقد عانينا من هذه العبارة. أنّها تنهي أي محادثة".

وختمت الصحيفة أنه رغم سقوط نظام الأسد وعودة آلاف السوريين إلى وطنهم، فإن عقودًا من الخوف لا تزال آثارها راسخة في نفوسهم. إذ عبّر برو عن ذلك بالقول: "لا تزال الكوابيس تراودني بأن هذا الأمر برمته مجرد حلم، وأنهم سيأتون في النهاية ليعتقلوني".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية بشار الأسد سوريا نظام الأسد سوريا بشار الأسد نظام الأسد المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لم یکن

إقرأ أيضاً:

مخاوف إسرائيلية من القيادة الجديدة في سوريا

نقل موقع "والا" الإسرائيلي عن مصادر أمنية أن هناك قلقا داخل المؤسسة الأمنية بشأن القيادة الجديدة في سوريا التي لم تتبنَّ موقفا واضحا تجاه إسرائيل.

وأوضحت المصادر أن إسرائيل ستبحث مع الولايات المتحدة قرار سحب مكافأة الـ10 ملايين دولار المخصصة لملاحقة أحمد الشرع الذي صار قائدا عاما للإدارة السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد.

وفي غضون ذلك، ذكر موقع صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن إسرائيل وجهت رسالة إلى القيادة الجديدة في دمشق أنها "لن تسمح بتحرك الجهاديين" جنوب سوريا.

وأوضحت إسرائيل أنه في حال تبين وجود "جهة مسؤولة" في سوريا، فإنها ستفكر في تسليم المنطقة العازلة منزوعة السلاح بهضبة الجولان التي سيطرت عليها عقب سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وفقا للموقع الإسرائيلي.

وكانت إسرائيل أعلنت انهيار اتفاقية فض الاشتباك مع سوريا لعام 1974، واحتلت جبل الشيخ السوري، ثم توغلت في ريف درعا وبعض القرى الحدودية مع سوريا، في خطوة نددت بها الأمم المتحدة ودول عربية.

وقد سيطرت فصائل سورية على العاصمة دمشق مع انسحاب قوات النظام المخلوع، وفر بشار الأسد رفقة عائلته إلى روسيا التي منحته "اللجوء الإنساني" لينتهي 61 عاما من حكم حزب البعث، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.

إعلان

وعقب سقوط نظام البعث، تزايدت هجمات إسرائيل على سوريا متسببة في تدمير البنية التحتية العسكرية والمنشآت المتبقية من جيش النظام السوري وتوسيع الاحتلال لمرتفعات الجولان.

مقالات مشابهة

  • واشنطن بوست: السوريون ابتكروا لغة مشفرة لتفادي مخابرات الأسد
  • التسوية مع طلال مخلوف القائد بالحرس الجمهوري في عهد الأسد تثير جدلا بين السوريين
  • تقرير: «الأسد» احتجز الصحفي الأمريكي كرهينة «خوفا على نفسه»!
  • هكذا ابتكر السوريون "لغة مشفرة" لتجنب مخابرات الأسد
  • تركيا تعلن أعداد السوريين العائدين منذ سقوط نظام الأسد
  • بعد سقوط نظام الأسد.. سوريون يحدوهم الأمل بغدٍ أفضل
  • سوريا تبدأ مرحلة جديدة بعد سقوط نظام البعث
  • مخاوف إسرائيلية من القيادة الجديدة في سوريا
  • نعتوه بـ النعناع والأخضر.. كيف أخفى السوريون تعاملاتهم بالدولار في عهد الأسد؟