على مدى عقود.. كيف طوّر السوريون لغة مشفّرة خوفا من نظام الأسد؟
تاريخ النشر: 24th, December 2024 GMT
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرًا، سلّطت فيه الضوء على اللغة المشفرة التي كان السوريون يستخدمونها، على مدى عقود، خوفًا من أجهزة نظام بشار الأسد المخلوع، التي كانت تزرع الرعب في المجتمع.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنّ: "السوريين توارثوا الخوف من النظام وأجهزته الأمنية جيلا بعد جيل، في المقاهي وسيارات الأجرة والأسواق، ولم يكن بإمكان معظمهم التحدث بحرية خوفًا من أن تتنصت عليهم مخابرات الأسد".
وأضافت أنّ: "النظام السابق عمل على زرع الخوف في المجتمع، إذ امتدّت جذوره إلى كل جانب من جوانب الحياة المدنية للحفاظ على قبضته، وأي شخص كان يُحتمل أن يكون مخبرًا".
يقول أيمن رفاعي (26 سنة)، وهو من سكان دمشق: "وصل الخوف في البلاد إلى درجة أنك تشعر أنه لا يمكنك أن تثق بأفراد عائلتك".
وحسب الصحيفة، فإنّ: "حالة الخوف جعلت السوريين يبتكرون طرقًا للتكيف مع هذا المناخ من المراقبة؛ حيث طوروا لغة مشفرة سمحت لهم بمناقشة كل المواضيع، بدءًا من التجارة اليومية إلى المخاوف الشخصية، وصولا للانتقادات المبطّنة للنظام، وكانت هذه الشيفرة تُستخدم بين العائلة والأصدقاء الموثوق بهم".
"خطه جميل"
تقول مؤلفة كتاب "الوطن الذي كان وطننا: مذكرات عن سوريا"، علياء مالك، إنه: "كان لا بد من وجود لغة مشفرة بين السوريين لأنه لم يكن هناك حرية تعبير حقيقية. لم يكن بوسعك أن تعرف من الذي يستمع إليك، بغض النظر عن مكانك". ووصفت النظام المخلوع، بالقول: "حتى في غيابه، كان حاضرًا".
وقالت ميسون (49 سنة)، والتي طلبت عدم ذكر اسمها كاملا خشية من انتقام أنصار الأسد: "لم نكن نتحدث إطلاقًا عن النظام. إذا أردنا التذمر من شيء ما، كنّا نستخدم أصابعنا ونشير للسقف الذي يعني الحكومة".
وأضافت ميسون التي عاشت في لبنان وفرنسا بعد أن هاجرت من سوريا، أنه عندما كان السوريون يشكّون في أن شخصا قريبا يعمل كمُخبر، يقولون: "هذا الشخص خطه جميل"، مشيرة أنها لم تشعر أبدًا بالأمان حتى خارج البلاد.
وأوضحت أنها كلما قابلت مجموعة كبيرة من السوريين، كانت تتساءل إن كان أحدهم "خطه جميل". هربت ميسون مع عائلتها من دمشق نحو بيروت سنة 2012، وهناك بدأت ابنتها البالغة من العمر 7 سنوات تسمع من الجيران قصصا عن فظائع الأسد، رغم أن والدها ووالدتها قد بذلا جهدًا كبيرًا حتى لا تسمعها.
بعد مرور سنة، قرروا العودة إلى سوريا متشبثين ببصيص الأمل في مستقبل أفضل، لكن سرت شائعات بأن الحراس عند نقاط التفتيش كانوا يسألون الأطفال عن القائد السياسي المفضّل، كحيلة لقياس ميول الوالدين.
قبل مغادرتهم إلى سوريا، جذبت ميسون ابنتها الصغرى جانبًا وقالت لها: "لا تصدقي ما قاله جيراننا عن الأسد. هو رجل جيد".
البقدونس والنعناع
تابعت الصحيفة، أنه عندما أطاح الثوار بالأسد هذا الشهر، بعد هجوم مفاجئ، شعر السوريون أنهم أصبحوا قادرين على التحدث بحرية.
وأوضح رفاعي: "نحن نقول للناس لماذا تخفضون أصواتكم؟"، مضيفًا أنه لم يصدق أنه يمكنه استخدام اسمه الكامل أثناء حديثه مع الصحفي، وتابع: "ليس هناك ما يدعو للخوف".
وقال ثابت برو، (60 سنة)، وهو عالم حاسوب نشأ في دمشق ويعيش في دبي: "الآن يمكنني استخدام اسمي الحقيقي". على مدار سنوات، كان يستخدم أسماء مستعارة للتعبير عن آرائه على الانترنت.
وأضاف برو أنه أثناء إقامته في سوريا، لم يكن يقول كلمة "دولار" في الأماكن العامة، مضيفًا: "كان الناس يشيرون إليه بالأخضر. وبمجرد أن اكتشفت السلطات تلك الشيفرة، قاموا بتغييرها إلى أسماء أخرى تشير إلى اللون الأخضر، مثل البقدونس أو النعناع".
ولم يكن الاتجار بالعملات الأجنبية قانونيا في معظم فترة حكم الأسد، حيث يُعاقَب عليه بالسجن لسنوات، وذلك بهدف السيطرة على سعر صرف الليرة.
كذلك، كان الخوف من الاعتقال قد سيطر على أذهان السوريين منذ بداية حكم حافظ الأسد، والد بشار. منذ ذلك الحين، كانوا يشيرون إلى الذهاب إلى السجن على أنه "الذهاب إلى بيت خالتك"، مثلما روى العديد من السوريين.
حفل استقبال وفنجان قهوة
حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قد تعرّض أكثر من 110,000 معتقل "للاختفاء القسري" على يد النظام منذ سنة 2011، وتوفّي أكثر من 15,000 بسبب التعذيب.
اعتُقل عبد الوارث لحام (45 سنة) لمدة يومين في كانون الثاني/ يناير 2012؛ حيث تم اعتقاله أثناء مشاركته في مظاهرة مناهضة للحكومة خلال الانتفاضة الشعبية ضد الأسد.
قال لحام إنه تعرّض للضرب لساعات باستخدام السياط والقضبان المعدنية، مضيفًا: "لقد فوجئت بمدى قدرة الجسم البشري على التحمل".
يتذكر لحام تجربة الاعتقال، قائلا إنه كان يُطلق على الضرب الذي يتعرض له السجين في بداية اعتقاله "حفل استقبال". بعد ذلك، يلقى الحراس محاضرة على السجناء عن "المعنى الحقيقي للحرية".
وذكرت الصحيفة أنّ: اللغة المشفرة لم تقتصر على المدنيين، فقد استخدم نظام الأسد معجما خاصا به. قالت علياء إنه عند استدعاء شخص ما للاستجواب، كانت الشرطة السرية أو المخابرات تدعوه إلى "كوب من الشاي"، بينما أوضح لحام أن ذلك يُطلق عليه : "فنجان قهوة، إذا كان الأمر أكثر شدة".
ومن عبارات التهديد التي كان أتباع النظام السابق يستخدمونها: "هل تعرف مع من تتحدث؟"، في إشارة إلى أن الشخص قريب من آل الأسد، وقال لحام: "لقد عانينا من هذه العبارة. أنّها تنهي أي محادثة".
وختمت الصحيفة أنه رغم سقوط نظام الأسد وعودة آلاف السوريين إلى وطنهم، فإن عقودًا من الخوف لا تزال آثارها راسخة في نفوسهم. إذ عبّر برو عن ذلك بالقول: "لا تزال الكوابيس تراودني بأن هذا الأمر برمته مجرد حلم، وأنهم سيأتون في النهاية ليعتقلوني".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية بشار الأسد سوريا نظام الأسد سوريا بشار الأسد نظام الأسد المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لم یکن
إقرأ أيضاً:
تأمين العمانيين العاملين لحسابهم الخاص.. بين شمولية التغطية والتزام بسداد الاشتراكات
في عالم متغير يواكب المستجدات، تتسارع التحولات الاقتصادية والاجتماعية، ويظل الاستقرار المعيشي وتأمين المستقبل هاجسًا يشغل بال الجميع، خاصة رواد الأعمال والعاملين لحسابهم الخاص، الذين يشكلون عصب الاقتصاد الوطني ومصدرًا للإبداع والاستدامة. لكن يشغل العمانيين العاملين لحسابهم الخاص تحقيق التوازن بين الطموح والاستقرار من جهة، والحرية المهنية والحماية الاجتماعية من جهة أخرى. ويأتي دور منظومة الحماية الاجتماعية ليس فقط كإطار قانوني، بل كجسر يربط الحاضر بالمستقبل، ويؤسس لثقافة تأمينية قائمة على المسؤولية المشتركة.
ومع دخول نظام التأمين الإلزامي للعمانيين العاملين لحسابهم الخاص ومن في حكمهم حيز التنفيذ في يناير 2024، لم يعد الحديث عن الحماية الاجتماعية مجرد إجراء إداري، بل تحول إلى رؤية متكاملة تضع صاحب العمل ومن في حكمه تحت مظلة الحماية الاجتماعية، تراعي تقلبات سوق العمل، وتحفظ حقوق الأجيال، وتوفر مظلة أمان تضمن استمرار العطاء دون مخاوف.
وقالت رضية بنت محمد المحروقية، المديرة العامة للاشتراكات في صندوق الحماية الاجتماعية لـ"عمان": "من منطلق التزام الدولة بتوفير الحماية الاجتماعية لكافة فئات المجتمع، جاءت المنظومة الجديدة بمفهوم متكامل يشمل كل مواطن عامل، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص أو لحسابهم الخاص، وبدوره يعد التأمين على العمانيين العاملين لحسابهم الخاص ومن في حكمهم ليس مجرد التزام قانوني، بل هو استثمار في استقرارهم ومستقبلهم.
وبالتالي فقد صُمم هذا النظام بعناية ليكون شاملا ومستدامًا، حيث يغطي المخاطر الأساسية مثل كبار السن والعجز والوفاة، ويضمن حقوق المشمولين فيه عبر آليات مرنة تتناسب مع طبيعة أعمالهم، دون أن يُشكّل عبئًا عليهم. فالتوازن هنا مهم، إذ إن الحماية الاجتماعية لا تعني فرض التزامات ثقيلة، بل تقديم حلول عملية تساعد الأفراد على تأمين مستقبلهم بشكل سلس ومتزن".
الدخل عند التقاعد
وحول أهمية هذا النظام للعاملين لحسابهم الخاص من الناحية الاقتصادية، قالت: "في إطار القطاع الخاص، لاسيما المشاريع الفردية والمهن الحرة، يمثل فرع التأمين عنصرًا حيويًا في الاقتصاد الوطني. وعليه، فإن دعم هذه الفئة يعزز ريادة الأعمال ويشجع المزيد من العمانيين على خوض غمار العمل الحر بثقة. لذلك؛ فإن نظام الحماية الاجتماعية يوفر لهم الأمان عبر تعزيز الدخل عند التقاعد أو في حالات العجز، مما يعزز قدرتهم على الاستمرار والإنتاجية دون قلق من المستقبل. وعلاوة على ذلك، يتيح لهم هذا النظام فرصة بناء سجل تأميني موثوق يمكنهم الاستفادة منه في خططهم المالية المستقبلية، مما يسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي على المستوى الشخصي والوطني".
خيارات مرنة
وأوضحت: "ندرك في صندوق الحماية الاجتماعية أن دخل العاملين لحسابهم الخاص قد يكون متذبذبًا تبعًا لظروف السوق، ولهذا تم توفير خيارات مرنة لسداد الاشتراكات، فالنظام يسمح بسداد الاشتراكات شهريًا أو مقدمًا لفترات تصل إلى سنة، وفقًا لقدرة المؤمّن عليهم. وكما أن الحد الأدنى للاشتراك تم تحديده ليكون في متناول الجميع، حيث يبدأ من (5,500) ريال عماني شهريًا.
كما يجوز له اختيار مبلغ الاشتراك بالزيادة حسب الاشتراك المناسب لمستوى دخله لغرض الاستفادة من المعاش.
والأهم من ذلك، أن النظام يتيح إمكانية ضم مدد الخدمة السابقة شريطة أن يكون لديه سجل تجاري أو ترخيص أو مهنة سارية المفعول خلال تلك المدة الراغب بضمها، مما يمنح المشتركين فرصة لتعزيز حقوقهم التأمينية بأثر رجعي، وهو ما يعزز فكرة الاستثمار في المستقبل بشكل مدروس.
كما أن الصندوق لم يغفل تقديم تسهيلات مستمرة وفق الأزمات التي قد تؤثر على قطاع ريادة الأعمال، وهو ماضٍ بالتنسيق مع جهات الاختصاص لإيجاد حلول مستدامة وذات أثر مستقبلي خاصة فيما يتعلق بالاستمرارية في سداد الاشتراكات دون توقف".
وبلغ إجمالي المؤمن عليهم النشطين في نظام العاملين لحسابهم الخاص (120,738) مستفيدًا حتى نهاية مارس المنصرم، بينهم (79,006) مستفيدين، و(41,732) مستفيدة.
آليات التسجيل
وتابعت المحروقية حديثها حول الإجراءات التي تضمن تسجيل جميع العاملين لحسابهم الخاص: "لضمان تغطية جميع المستهدفين، تم اعتماد نظام التسجيل التلقائي عبر الربط مع وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، حيث يتم تسجيل أصحاب التراخيص والسجلات التجارية مباشرة عند حصولهم على الترخيص، كما يمكن التسجيل يدويًا عبر البوابة الإلكترونية للصندوق لمن لم يشملهم الربط التلقائي مثل كل من يعمل لحسابه الخاص في المهن الحرفية كصيد الأسماك والزراعة الممنوحة من وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، وقيادة مركبات الخدمات العامة والأجرة لتراخيص صادرة من وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات. وينتهي تسجيل المؤمن عليه بشكل تلقائي عند توقف المؤمّن عليه عن مزاولة نشاطه أو مهنته، وفقاً لما يتم تقييده لدى الجهة المختصة. ويُستثنى من التسجيل الإلزامي المتقاعدون أو النشطون الذين على رأس عملهم في وحدات الجهاز الإداري للدولة والعاملون في القطاع".
إجراءات تحفيزية
وحول كيفية تحفيز المؤمّن عليهم على الالتزام بدفع الاشتراكات، أوضحت رضية المحروقية: "إننا لا نريد أن يشعر الأفراد أن الاشتراك في النظام هو مجرد التزام مالي، بل هو حماية لهم ولمستقبلهم. لذا، نركز على أهمية هذا النظام كاستثمار شخصي طويل الأمد. وعلى سبيل المثال: من خلال الاشتراك في النظام، يضمن المشمولون معاشًا تقاعديًا مستقبليًا، وحماية لأسرهم في حالة العجز أو الوفاة، وهي أمور لا يمكن الاستغناء عنها. كما أن هناك إجراءات تحفيزية مثل ربط تجديد التراخيص التجارية بسداد الاشتراكات، لضمان استمرار الحماية. لكننا نعتمد بالأساس على رفع المعرفة وتعزيز ثقافة التأمين الاجتماعي كجزء من التخطيط المالي، من حيث قدرته على زيادة الاشتراكات والوفاء بسدادها للحصول على مزايا تقاعدية أفضل".
تعزيز العدالة
وأضافت: "عندما يحصل كل فرد على حماية اجتماعية تتناسب مع طبيعة عمله، فإن ذلك يعزز العدالة الاجتماعية ويحقق الاستقرار الاقتصادي للمجتمع ككل. فمنظومة الحماية ليست فقط للمستفيدين المباشرين، بل هي جزء من رؤية وطنية أوسع تهدف إلى تحقيق الحماية الاجتماعية والعيش الكريم لجميع المواطنين، وضمان تكافؤ الفرص بين العاملين في مختلف القطاعات.
وبالتالي فإن وجود نظام تأمين شامل ومستدام للعاملين لحسابهم الخاص يسهم في إيجاد بيئة عمل أكثر استقرارًا، ويحفّز الأفراد على الابتكار والنمو دون القلق بشأن مستقبلهم المالي. وبشكل عام، فإننا دائمًا نوضح في رسالتنا للعاملين لحسابهم الخاص ومن في حكمهم بأن الاشتراك في هذا النظام ليس مجرد التزام، بل هو استثمار في الأمان والاستقرار. وندعو الجميع إلى الاستفادة من هذا البرنامج وضمان مستقبلهم ومستقبل أسرهم، فالتأمين الاجتماعي هو شراكة بين الصندوق وصاحب العمل من أجل غدٍ أكثر استقرارًا وأمانًا للجميع".