د. محمد بشاري يكتب: مدونة الأسرة المغربية.. اجتهاد شرعي في ظل التحولات المجتمعية
تاريخ النشر: 24th, December 2024 GMT
تشكل مراجعة مدونة الأسرة المغربية، التي أُشرف عليها تحت قيادة الملك محمد السادس، خطوة مفصلية في تحقيق التوازن بين الثوابت الشرعية ومتطلبات العصر.
هذه المراجعة تأتي في سياق وطني ودولي يشهد تغيرات اجتماعية واقتصادية عميقة، حيث تتطلب التشريعات الأسرية مراجعات مستمرة تُراعي خصوصيات المجتمع وتستجيب لتحولاته.
ارتكزت المراجعة على مقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ الحقوق وتحقيق العدل، وتمحورت حول قضايا حيوية مثل الحقوق المالية داخل الأسرة. ومن بين المفاهيم البارزة التي لعبت دورًا في معالجة القضايا، كان مفهوم الكد والسعاية، الذي يمثل أساسًا فقهيًا في المذهب المالكي. لم يُطرح هذا المفهوم كمطلب مستقل، ولكنه استُخدم كأداة تحليلية لمعالجة قضايا متعددة، خصوصًا تلك المتعلقة بالحقوق المالية للزوجين.
من بين أهم القرارات التي اعتمدها المجلس العلمي الأعلى، جاء إيقاف بيت الزوجية عن الدخول في التركة كخطوة جوهرية لحماية حقوق الأسرة، وخصوصًا الزوجة والأبناء، من التشرد أو الضياع بعد وفاة أحد الزوجين. هذا القرار يعكس تقديرًا عمليًا للدور الذي تلعبه الزوجة في بناء الأسرة واستقرارها. كما أقر المجلس الاعتراف بالعمل المنزلي كمساهمة في تنمية الأموال المشتركة، ليُعطي قيمة قانونية للجهد غير المادي الذي تبذله الزوجة، وهو تطور يعزز العدالة بين الزوجين ويكرس الشراكة الحقيقية في الحياة الزوجية.
قرار آخر هام تمثل في جعل الديون المشتركة بين الزوجين مقدمة على غيرها، حيث يعكس هذا القرار الفهم الاجتهادي لمسؤولية الطرفين في تحمل الأعباء المالية بشكل متساوٍ ومنصف. هذه القرارات، التي استندت إلى مبادئ الكد والسعاية، تُبرز كيف يمكن للفقه الإسلامي أن يواكب التحولات الاجتماعية دون التفريط بثوابته.
على الجانب الآخر، تمسك المجلس العلمي الأعلى بثوابت الشريعة في بعض القضايا الحساسة. رفض المجلس مقترحات مثل استعمال الخبرة الجينية لإثبات النسب، وإلغاء العمل بقاعدة التعصيب في الإرث، والتوارث بين المسلم وغير المسلم. هذه المواقف لم تكن مجرد آراء محلية، بل جاءت متسقة مع ما أقرته المجامع الفقهية الكبرى، ومنها مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الذي يولي أهمية كبيرة للنصوص القطعية باعتبارها مرجعية لا تقبل الاجتهاد.
اللافت أن القضايا المتعلقة بحقوق المرأة والأسرة التي يتناولها المغرب اليوم ليست محلية فقط، بل تعكس قضايا متشابهة تواجهها معظم الدول الإسلامية. ما يُقدم عليه المغرب تحت مظلة مؤسسة إمارة المؤمنين قد يصبح نموذجًا يُستفاد منه في العالم الإسلامي، حيث يمكن لهذا النهج الاجتهادي أن يُلهم دولًا أخرى في تحديث تشريعاتها الأسرية بما يراعي التوازن بين الثوابت الدينية ومتطلبات العصر.
ختامًا، تبرز مراجعة مدونة الأسرة المغربية كمثال على قدرة الشريعة الإسلامية على تقديم حلول مبتكرة لقضايا معقدة، دون المساس بثوابتها. ولكن يبقى السؤال مفتوحًا: كيف يمكن للاستمرار في الاجتهاد الشرعي أن يُلبي احتياجات المجتمعات الإسلامية المتغيرة مع الحفاظ على المرجعيات الشرعية؟ هذه المراجعة تُذكرنا بأهمية الاجتهاد في تحقيق العدل والإنصاف في ظل إطار الشرع الحنيف.
وفي هذا السياق، يُسعدنا التذكير بأننا أصدرنا العام الماضي كتابًا بعنوان “حق الكد والسعاية: مقاربات تأصيلية لحقوق المرأة في الإسلام” عن دار نهضة مصر. يقدم هذا الكتاب قراءة معمقة لهذا المفهوم الفقهي، ويُبرز دوره في تعزيز العدالة الاجتماعية، مما يجعله مرجعًا هامًا لفهم الإصلاحات التي يشهدها المغرب اليوم.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الشريعة الإسلامية الملك محمد السادس المزيد
إقرأ أيضاً:
وزير الحرس الوطني: رؤية 2030 أحدثت الكثير من التحولات الكبرى
رفع صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن بندر بن عبدالعزيز وزير الحرس الوطني، باسمه ونيابةً عن منسوبي وزارة الحرس الوطني كافة, التهنئة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله- بمناسبة صدور التقرير السنوي لرؤية المملكة 2030 لعام 2024، وما تحقق من نجاحات وإنجازات متتالية لمستهدفاتها الطموحة خلال الأعوام التسعة الماضية.
وأكد سموه أن ما تحقق لرؤية المملكة 2030، هو مبعث فخر واعتزاز لنا جميعًا، مشيرًا إلى أنها منذ انطلاقتها بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين، قائد مسيرة التنمية المظفرة -رعاه الله-، وبدعم ومتابعة مباشرة من عرابها سمو ولي العهد -حفظه الله- تسير بخطى حثيثة نحو تحقيق الأهداف، التي رسمت لها من أجل مستقبل مشرق لوطننا الغالي، عبر البرامج والمشروعات والمبادرات الوطنية، واستثمار المقومات والمقدرات كافة، في سبيل رفعة بلادنا وتقدمها والإسهام في تحقيق مرتكزاتها الرئيسة المتمثلة في بناء مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح.
أخبار متعلقة وزير الداخلية: رؤية المملكة 2030 حققت نجاحات متتالية في كل القطاعاترئيس مجلس الشورى: منجزات رؤية 2030 تؤكد ريادة المملكة .article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } رؤية المملكة 2030 - اليومرؤية المملكة 2030ونوه سمو وزير الحرس الوطني بما تضمنه التقرير من أرقام وإحصائيات، تجسد ما تحقق من نمو وازدهار ونتائج سابقت الزمن ومنجزات وطنية كبيرة في شتى المجالات.
وبين أن رؤية المملكة 2030 بعد مضي تسعة أعوام، أحدثت الكثير من التحولات والنقلات الكبرى على مختلف الأصعدة، وأثبتت قوة منطلقاتها وسداد منهجها، عبر ما نعيشه اليوم من نماء ونهضة شاملة وازدهار ورخاء، بفضل الله -عزّ وجلّ- ثم بالقيادة الرشيدة لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله-، مؤكدًا أن وزارة الحرس الوطني تمضي وفق رؤية المملكة 2030 للوصول إلى المستهدفات الوطنية في قطاعاتها وإدارتها كافة.
واختتم سمو وزير الحرس الوطني تصريحه، داعيًا الله العلي القدير، أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، وأن يديم على وطننا الغالي نعمة الأمن والأمان، وأن يزيده عزة ورفعة وازدهارًا.