عُمان والصين.. نحو مزيد من الشراكات
تاريخ النشر: 24th, December 2024 GMT
محمد بن علي العريمي
mahaluraimi@gmail.com
تتمتع سلطنة عُمان بموقع جغرافي استراتيجي يُتيح لها الاستفادة من علاقاتها مع الصين؛ حيث تُعد عُمان الأسهل جغرافيًا بين الدول العربية في الوصول إلى الصين عبر المسار البحري، وهذا الموقع الجغرافي الفريد يُتيح لعُمان فرصًا كبيرة لتعزيز علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الصين، خاصةً في ظل تنامي دور الصين كقوة اقتصادية عالمية وزيادة حجم التبادل التجاري بين الدولتين.
وفي هذا السياق، يُمكن لعُمان الاستفادة من موقعها لتعزيز شراكتها مع الصين في مختلف المجالات، مما يؤدي إلى تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة وتنمية مستدامة. وتمتلك عُمان شبكة موانئ قوية مثل ميناء صلالة، ميناء الدقم، وميناء صحار، التي تتمتع بموقع استراتيجي على المحيط الهندي. ميناء صلالة وحده استقبل أكثر من 4.3 مليون حاوية نمطية في عام 2022، وهو ما يجعله من أبرز الموانئ الإقليمية. كما يُعتبر ميناء صحار من بين الموانئ المتطورة؛ حيث يحتوي على مرافق حديثة ويعد مركزًا رئيسيًا لاستيراد وتصدير البضائع. وفقًا لتقارير اقتصادية، بلغ إجمالي استثمارات تطوير الموانئ العُمانية حوالي 20 مليار دولار خلال العقد الماضي. هذه الموانئ قادرة على استقطاب البضائع الصينية العابرة إلى إفريقيا وأوروبا، مما يعزز موقع السلطنة كمركز لوجستي عالمي.
إضافةً إلى ذلك، يُمكن لعُمان الاستفادة من التكنولوجيا والخبرة الصينية في تطوير موانئها. على سبيل المثال، يُمكن التعاون مع شركات صينية رائدة مثل "تشاينا هاربور" و"تشاينا كوسكو" لتوسيع المرافق اللوجستية وزيادة الطاقة الاستيعابية؛ مما يدعم حركة التجارة المتزايدة. ومن خلال هذا التعاون، يُمكن للموانئ العُمانية أن تصبح جزءًا لا يتجزأ من مبادرة "الحزام والطريق" التي تهدف إلى تعزيز الربط التجاري بين آسيا وإفريقيا وأوروبا.
التجارة البحرية بين عُمان والصين تشهد تطورًا ملحوظًا. في عام 2021، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 21.2 مليار دولار أمريكي؛ مما يجعل الصين الشريك التجاري الأكبر لعُمان. وعلى الرغم من أنَّ غالبية هذا التبادل تتركز في قطاع الطاقة، فإنَّ هناك فرصًا واعدة لتوسيع نطاق التعاون ليشمل الصناعات التحويلية والمنتجات الزراعية والسمكية. وتشير التوقعات إلى أنَّ تعزيز الاتفاقيات التجارية وتسهيلات النقل قد يؤدي إلى زيادة التبادل التجاري بنسبة 10% سنويًا خلال السنوات الخمس المقبلة.
ويمكن لعُمان استقطاب الاستثمارات الصينية في قطاعات مختلفة مثل البنية الأساسية، والصناعات الثقيلة، والطاقة المتجددة، والسياحة، والزراعة. وعلى سبيل المثال، تُعد منطقة الدقم الاقتصادية وجهة استثمارية مثالية.
عُمان تُعد شريكًا مثاليًا للصين في مجال الطاقة؛ حيث إنَّ الصين واحدة من أكبر مستوردي الطاقة في العالم. وفي عام 2021، صدّرت السلطنة حوالي 80% من إنتاجها النفطي إلى الأسواق الآسيوية، مع حصة كبيرة موجهة إلى الصين. وهذا التعاون يعكس تكاملاً طبيعيًا بين احتياجات الصين وموارد عُمان. إضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز التعاون في مجالات الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وفقًا لتقارير منظمة الطاقة الدولية، تُعتبر الصين من أكبر المستثمرين في تقنيات الطاقة النظيفة، مما يوفر فرصة لعُمان للاستفادة من الخبرة الصينية في هذا المجال لتطوير مشاريع مستدامة داخل السلطنة.
وفي مجال السياحة، تُعد الصين سوقًا واعدة لعُمان، وفي عام 2019، زار السلطنة أكثر من 50 ألف سائح صيني، ومع استئناف حركة السفر العالمية، من المتوقع أن يرتفع هذا العدد بشكل كبير. وتُعد المواقع التاريخية في عُمان عوامل جذب رئيسية للسياح الصينيين، إضافة إلى الصحاري والشواطئ الجميلة التي توفر تجربة فريدة. وهنا يتعين تعزيز الجهود الترويجية وتنظيم حملات إعلامية على المنصات الصينية الشهيرة مثل "وي تشات" و"ويبو"، بما يساعد على زيادة أعداد السياح الصينيين.
كما إنَّ التبادل الثقافي بين عُمان والصين يُعد ركيزة أساسية لتعزيز العلاقات الثنائية. يمكن تنظيم مهرجانات ثقافية ومعارض فنية وبرامج تعليمية لتقريب الثقافات بين الشعبين. على سبيل المثال، يمكن إنشاء برامج لتدريس اللغة العربية للصينيين، واللغة الصينية للعُمانيين لتعزيز التواصل. علاوة على ذلك، يمكن إقامة فعاليات رياضية مشتركة تُبرز الترابط الحضاري بين البلدين.
ومن ناحية تطوير الصناعات المحلية، فإنَّ الصين سوق رئيسية للرخام العُماني؛ حيث بلغت صادرات الرخام العُماني إلى الصين حوالي 20 مليون دولار في عام 2020. وتعزيز هذه الصناعة وتوسيع قاعدة العملاء في الصين يمكن أن يزيد من إيرادات السلطنة بشكل كبير. إضافة إلى ذلك، فإنَّ المنتجات الزراعية مثل التمور والأسماك لديها إمكانيات كبيرة للدخول إلى السوق الصينية بفضل الطلب المتزايد في هذا القطاع. تُشير بيانات وزارة الزراعة والثروة السمكية العُمانية إلى أن صادرات الأسماك العُمانية إلى الصين زادت بنسبة 15% في السنوات الثلاث الأخيرة.
ويمكن القول إن أمام سلطنة عُمان والصين فرص استراتيجية يمكن استغلالها لتحقيق فوائد اقتصادية وتجارية واجتماعية كبيرة. ومن خلال التعاون المشترك واستقطاب الاستثمارات الصينية، تستطيع عُمان تعزيز مكانتها كمركز لوجستي وتجاري في المنطقة. ومشروع "الحزام والطريق" يُعد بوابة ذهبية للسلطنة لتنويع اقتصادها وتحقيق التنمية المستدامة؛ بما يخدم الأهداف الوطنية على المدى البعيد. التعاون الوثيق بين البلدين ليس فقط فرصة اقتصادية؛ بل إنه جسر ثقافي يُسهم في بناء علاقات مستدامة تعود بالنفع على الشعبين.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
عبداللطيف يبحث مع سفير الصين بالقاهرة تعزيز التعاون في مجال تطوير التعليم قبل الجامعى
استقبل محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، لياو لي تشيانغ سفير جمهورية الصين الشعبية في القاهرة، والوفد المرافق له؛ لمناقشة عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك لتطوير التعليم قبل الجامعي في مصر.
وفي مستهل اللقاء، أعرب الوزير محمد عبد اللطيف عن تقديره العميق للعلاقات المثمرة التي تجمع البلدين لتطوير التعليم، مؤكدًا أن هذا التعاون يعد نموذجًا يحتذى به ويعزز تبادل الخبرات لتحسين جودة العملية التعليمية في ضوء أحدث التقنيات والابتكارات في مجال التعليم لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
وثمّن وزير التربية والتعليم دعم الجانب الصيني المستمر، والتزامه بتعزيز هذه العلاقات الثنائية في مختلف المجالات وخاصة في مجال التعليم، مؤكدًا تطلع الوزارة إلى مواصلة التعاون في مجال مدارس التكنولوجيا التطبيقية، وتطوير تكنولوجيا التعليم، والتوسع في مجالات جديدة تسهم في تطوير المنظومة التعليمية بما يعود بالنفع على الجانبين.
واستعرض الوزير، خلال اللقاء، تجربة الوزارة خلال الـ 6 شهور الماضية لمواجهة التحديات التى تواجه المنظومة التعليمية ومن بينها ارتفاع الكثافات الطلابية، والعجز في أعداد المعلمين، والحلول التي اتخذتها الوزارة في هذا الشأن، مؤكدًا على الاهتمام بالاطلاع على تجربة دولة الصين فى التعامل مع الكثافات الطلابية، والتعرف على آلية التعامل مع سد العجز في أعداد المعلمين.
ومن جانبه، نقل السفير الصينى تحيات وزير التعليم الصينى إلى السيد محمد عبد اللطيف، معربًا عن سعادته بهذا اللقاء المثمر، واهتمام وزارة التربية والتعليم المصرية بتعزيز التعاون بين مصر والصين في مجال التعليم قبل الجامعي، مؤكدًا على الشراكة الوطيدة بين البلدين والتزام بلاده بدعم الجهود المشتركة للنهوض بالعملية التعليمية في مصر، وتقديم كافة الإمكانيات اللازمة لتحقيق الأهداف المشتركة، مشيدًا بجهود الوزير محمد عبد اللطيف في تطوير العملية التعليمية وما شهده قطاع التعليم قبل الجامعي في مصر من تغيرات إيجابية.
وثمّن السيد لياو لي تشيانغ الدور الحضاري للبلدين، فضلا عن الطفرة الواضحة في العلاقات الثنائية في ظل الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين والتي انعكست على تعزيز التعاون في مختلف المجالات.
كما أوضح السفير الصيني أن مصر هي الدولة الوحيدة في القارة الافريقية التي تضم ورشتين لوبان والتي تعد نموذجًا للتعاون الصيني الأفريقي مما ساهم في تعزيز العلاقات بين البلدين والتعاون العملي بينهما، كما تقوم الشركات الصينية الموجودة بمصر كل عام بتوظيف عدد من خريجي التعليم الفني الذين درسوا اللغة الصينية بمصر، مشيرًا إلى أن اللغة الصينية قد لاقت شعبية كبيرة بين المعلمين والطلاب، وهناك سعي لزيادة عدد المدارس في هذا المجال في إطار مذكرة التفاهم التي تستمر لمدة 6 سنوات وتنتهي عام 2025.
وشهد اللقاء سبل تعزيز التعاون بين الجانبين في استخدام التكنولوجيا في التعليم لعلاج التحديات التي تواجه العملية التعليمية، والتوسع في تدريس اللغة الصينية في المدارس المصرية، حيث يبلغ عدد المدارس التي تدرس اللغة الصينية كلغة أجنبية ثانية 21 مدرسة، وكذلك مواصلة الاهتمام بالمدرسة الصينية النموذجية بالسادس من أكتوبر، ومدرسة الحرية النموذجية في مدينة منوف، فضلًا عن التعاون في مجال تطوير مناهج اللغة الصينية.
وناقش اللقاء أيضا التعاون مع الجانب الصيني في مجال تطوير التعليم الفني وخاصة مدارس التكنولوجيا التطبيقية ذات اختصاص السياحة والفنادق بالمناطق الجاذبة للسياحة، وكذلك تطوير ورشة لوبان في المدرسة الفنية المتقدمة لتكنولوجيا الصيانة، وزيادة عدد المنح الدراسية لطلاب التعليم الفني المتفوقين من خريجي مدارس ورشة لوبان لاستكمال دراستهم في جمهورية الصين الشعبية والاستفادة من الشركات الصينية العاملة في مجال التكنولوجيا في مصر.
وقد حضر اللقاء من جانب الوفد الصيني، لو تشون شينغ المستشار الوزاري للشؤون التعليمية، والدكتور بان شياو هان السكرتير الثاني للشؤون التعليمية، والدكتورة رحاب محمود رئيس قسم اللغة الصينية بجامعة القاهرة، وقو يي جي مساعد ومترجم السفير،
ومن وزارة التربية والتعليم، حضر الدكتور أكرم حسن مساعد الوزير لشؤون تطوير المناهج، والسيدة شيرين حمدي مستشار الوزير للعلاقات الدولية والاتفاقيات والمشرف على مكتب الوزير، والدكتورة هالة عبد السلام رئيس الإدارة المركزية للتعليم العام، والدكتور عمرو بصيلة رئيس الإدارة المركزية لتطوير التعليم الفني ومدير وحدة تشغيل مدارس التكنولوجيا التطبيقية، ومحمد عطية رئيس الإدارة المركزية للتعليم بمصروفات، والدكتورة رشا الجيوشى منسق الوزارة للشؤون الأكاديمية للمدارس الدولية، والدكتورة أميرة عواد منسق الوزارة لمنظمات الأمم المتحدة.