تدمير ممنهج لحضارة عريقة.. اليمن التاريخي إلى أين؟
تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT
لعل أفضل نموذج في الحفاظ على إرثه وحضارته هو الإنسان المصري، ولا يمكن أن نستشهد بما نُهب من الآثار المصرية؛ لأن ذلك أصبح قليلا أمام ما اكتشف وتم حفظه، والقياس على الكثير الشائع، فالذي هرب من بلادنا إلى شمال الجزيرة العربية وأوروبا وأمريكا لا يعد ما اكتشفته السلطات شيئا أمامه، فهذا الأخير يعد بأصابع اليد من شمال اليمن إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، وأكثر الآثار المعروضة لا يزيد عمرها عن مائة وعشرين عاما، بينما اليمن الضارب في العمق البشري لم نقرأ عنه إلا في كتب المرويات، ولم نلمس مؤشرات ذلك إلا في المزادات العالمية.
وللإنسان اليمني إسهام في طمس الهوية التاريخية لشعبه فقد تجلى ذلك بصور عدة أهمها: العبث والتهريب، وهاتان الصورتان كانتا نتيجة غياب الوعي لدي الإنسان اليمني؛ ذلك أن الوعي الوطني يمثل الوقود الحقيقي للحفاظ على الشعوب، وهو يستمد من ماضيها وحاضرها.
فإذا انعدم طرف كان البناء إلى زوال، ولنا بالتجربة الأردوجانية مثال، حين ذهب يغرس الوعي الوطني في قلوب الأتراك الجدد عن طريق نبش تاريخهم، والعزف على وتر حساس في نفوسهم، مما بوساطته يضمن سلامة شعبه ووحدة أراضيه أمام الأطماع الخارجية.
وهو ما يفتقد إليه الإنسان اليمني الذي عاش حياته مشغولا بطلب العيش فانعدمت فرصة تكون الوعي لديه، فضلا عن أن طبيعته مجبولة على النكران لأرضه، فهو لا يبحث في سبُل بنائها ولا تطورها، إنما في أول عارض يعترضه يتركها ويغادر معمرا بلادا أخرى، بدليل سيل العرم الذي لم يفكر الغالب منهم آنذاك بإعادة بنائه واستغلاله ثانيةً إنما هاجروا إلى شبه الجزيرة وبلاد الشام، وظل ذلك متوارثا حتى يومنا هذا.
وبالعودة إلى الوعي الوطني الذي يقوم على مجموعة أسس منها الوعي التاريخي، ففرصة تكونه لدي المواطن اليمني تكاد تكون منعدمة، فإضافة إلى ماسبق نجد أن ماديات التاريخ اليمني تنعدم باستمرار، وهذا الانعدام إما عن طريق التلف وإما عن طريق التهريب كما سلف، فأما الأولى فيتدخل في تحققها المواطن نفسه والسلطات نفسها.
وهذا يتجلى في صورتين: الصورة الأولى ما تخص المواطن العادي فقد ذهب يعبث بالمواقع الأثرية مدمرا إياها بحجة البحث عن الكنوز، وقد حدث أن منهم من ذهب ينقب عن المومياوات ويحتفظ بها في بيته، مع أن فكرة وجود مومياوات في اليمن بحد ذاته يمثل تاريخا جديدا في الجزيرة العربية كلها، وذلك التصرف جريمة كبرى تستوجب المساءلة القانونية والعقاب في حال وجود دولة مسؤولة.
وأما الصورة الثانية فهي ما تخص الحكومة نفسها التي لم تهتم بالتراث المادي اهتماما صادقا بدليل تدميرها لقصر غمدان الذي يزيد عن ألف وأربعمائة عام فحولت جزءا منه سجنا حربيا، والجزء الآخر تركته لعوامل التعرية وغيرها، ووضعت سياجا خفيفا على معبد بلقيس لا يضمن لنا سلامته، ولم تقف موقفا حازما أمام الكتابات والرسومات التي يكتبها الزوار على جدرانه، إذ كأنك في مدرسة ابتدائية عندما تزور ملحقاته، ولو لم تنقب عنه بعثة فلبس الأمريكية ربما لم نعرف في التاريخ اليمني معبدا يسمى معبد برّان، بدليل أنه اكتشف في بداية النصف الثاني من القرن العشرين وأضيف إلى قائمة اليونسكو للتراث العالمي بعد أكثر من سبعين عاما من اكتشافه.
وبالعودة لم تبدِ الحكومة أسفا أمام ضربات الطيران التي استهدفت قلعة القاهرة التي يرجح أن عهدها يعود إلى الصليحيين فهدمت ملحقاتها، واستهدفت معابد في الجوف تعود لمملكة معين فدمرتها، وتركت المومياوات الموجودة في متحف جامعة صنعاء تتلف ببطء، فعندما تراها تحزن لواقعها، حتى إن هناك منها ما هو تالف تماما قد تجزأ وتقسم ووضع في كيس أسود يشبه كيس النُّفايات تذكرك بالتمباك الشعبي، ولم تدعم أبحاث التنقيب وجماعاته، وهلم جرا.
وأما الطريقة الثانية التي ساهمت في انعدام ماديات التاريخ اليمني وهي التهريب فقد قضت على أكثر من نصف ذلك الموروث؛ إذ تطفح المزادات العالمية كل عام بمقتنيات يمنية تصل قيمة القطعة الواحدة أحيانا إلى ستمائة ألف دولار حسب ما أعلنت بعض المواقع مثل موقع مزاد سبوذثي البريطاني، مما يغري تجار الآثار والجهلاء من الناس.
والخلاصة أنك تجدها مترامية أطرافها في كثير من دول العالم، وهذا سببه التجاهل من قبل الجهات المعنية التي لم تشدد في أمن المطارات حتى تضمن عدم تهريبها، إن لم يكن بعض الدبلوماسيين متورطين بالفعل في تيك الجريمة القومية.
أضف إلى ذلك عدم الحزم مع فرق التنقيب الأوروبية والأمريكية والعربية التي ساعدت بعضها على تهريب عشرات النقوش ومئات القطع الأثرية من مطلع النصف الأول من القرن الثامن عشر وحتى القرن العشرين، فعلى سبيل المثال لا الحصر استطاع الملازم ( نيبور ) أن يخرج نقوشا عديدة من اليمن إلى الدنمارك بشهادة كثير من المؤرخين، وكثير من المستشرقين فعلوا فعله دون اتخاذ موقف من ذلك، وفي القرن العشرين عثر على المئات من الصفائح الذهبية والبرنزوية والمنحوتات والتماثيل التي كتب عليها بخط المسند من قبل فرق التنقيب واختفت كما اختفى كثير من النقوش.
فلو كان يعي الإنسان اليمني قيمة موروثه ومعناه الحقيقي مستشعرا قدره وأهميته لما كان جزءا في القضاء على هويته وطمسها تماما، ولوفر على الأجيال القادمة مستقبلا يصعب بناؤه دون ماض يعايشه ويكون سببا لنهضته.
فالأمم اليوم تحاول أن تقدم شيئا لأجيالها، فتتشبث بماضيها تشبثا يضمن لها موقعها في الوجود، لكن ذلك انعدم عند الأمة اليمنية فضيعت ماضيها الذي انعكس على حاضرها وسينعكس على مستقبلها.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن تراث حضارة آثار
إقرأ أيضاً:
تحليل عبري: هل تحارب إسرائيل الحوثيين أم دولة اليمن.. وما الصعوبات التي تواجه السعودية والإمارات؟ (ترجمة خاصة)
قالت صحيفة عبرية إنه مع تراجع الصراعات مع حماس وحزب الله تدريجيا، تتجه إسرائيل الآن إلى التعامل مع الهجمات المستمرة من الحوثيين في اليمن.
وذكرت صحيفة "جيرزواليم بوست" في تحليل لها ترجمه للعربية "الموقع بوست" إنه مع تدهور حزب الله بشكل كبير، وإضعاف حماس إلى حد كبير، وقطع رأس سوريا، يتصارع القادة الإسرائيليون الآن مع الحوثيين، الذين يواصلون إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار على إسرائيل.
وأورد التحليل الإسرائيلي عدة مسارات لردع الحوثيين في اليمن.
وقال "قد تكون إحدى الطرق هي تكثيف الهجمات على أصولهم، كما فعلت إسرائيل بالفعل في عدة مناسبات، وقد يكون المسار الآخر هو ضرب إيران، الراعية لهذا الكيان الإرهابي الشيعي المتعصب. والمسار الثالث هو بناء تحالف عالمي - بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة - لمواجهتهم، لأن الحوثيين الذين يستهدفون الشحن في البحر الأحمر منذ السابع من أكتوبر لا يشكل تهديدًا لإسرائيل فحسب، بل للعالم أيضًا.
وأضاف "لا توجد رصاصة فضية واحدة يمكنها أن تنهي تهديد الحوثيين، الذين أظهروا قدرة عالية على تحمل الألم وأثبتوا قدرتهم على الصمود منذ ظهورهم على الساحة كلاعب رئيسي في منتصف العقد الماضي ومنذ استيلائهم على جزء كبير من اليمن".
وأكد التحليل أن ردع الحوثيين يتطلب نهجًا متعدد الجوانب.
وأوضح وزير الخارجية جدعون ساعر يوم الثلاثاء أن أحد الجوانب هو جعل المزيد من الدول في العالم تعترف بالحوثيين كمنظمة إرهابية دولية.
دولة، وليس قطاعاً غير حكومي
وحسب التحليل فإن خطوة ساعر مثيرة للاهتمام، بالنظر إلى وجود مدرسة فكرية أخرى فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الحوثيين، وهي مدرسة يدعو إليها رئيس مجلس الأمن القومي السابق جيورا إيلاند: التعامل معهم كدولة، وليس كجهة فاعلة غير حكومية.
وقال إيلاند في مقابلة على كان بيت إن إسرائيل يجب أن تقول إنها في حالة حرب مع دولة اليمن، وليس "مجرد" منظمة إرهابية. ووفقاً لإيلاند، على الرغم من أن الحوثيين لا يسيطرون على كل اليمن، إلا أنهم يسيطرون على جزء كبير منه، بما في ذلك العاصمة صنعاء والميناء الرئيسي للبلاد، لاعتباره دولة اليمن.
"ولكن لماذا تهم الدلالات هنا؟ لأن شن الحرب ضد منظمة إرهابية أو جهات فاعلة غير حكومية يعني أن الدولة محدودة في أهدافها. ولكن شن الحرب ضد دولة من شأنه أن يسمح لإسرائيل باستدعاء قوانين الحرب التقليدية، الأمر الذي قد يضفي الشرعية على الإجراءات العسكرية الأوسع نطاقا مثل الحصار أو الضربات على البنية الأساسية للدولة، بدلا من تدابير مكافحة الإرهاب المحدودة"، وفق التحليل.
وتابع "ومن شأن هذا الإطار أن يؤثر على الاستراتيجية العسكرية للبلاد من خلال التحول من عمليات مكافحة الإرهاب إلى حرب أوسع نطاقا على مستوى الدولة، بما في ذلك مهاجمة سلاسل الإمداد في اليمن".
ويرى التحليل أن هذه الإجراءات تهدف إلى تدهور قدرات اليمن على مستوى الدولة بدلاً من التركيز فقط على قيادة الحوثيين - وهو ما لم تفعله إسرائيل بعد - أو أنظمة الأسلحة الخاصة بها. ومع ذلك، هناك خطر متضمن: تصعيد الصراع وجذب لاعبين آخرين - مثل إيران. وهذا ما يجعل اختيار صياغة القرار مهمًا.
وأشار إلى أن هناك أيضًا آثار إقليمية عميقة. إن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية من شأنه أن يناسب مصالح دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي تنظر إلى الحوثيين باعتبارهم تهديدًا مباشرًا والتي قاتلتهم بنفسها.
إعلان الحرب على اليمن يعقد الأمور
أكد أن إعلان الحرب على اليمن من شأنه أن يعقد الأمور، حيث من المرجح أن تجد الإمارات العربية المتحدة والسعوديون صعوبة أكبر في دعم حرب صريحة ضد دولة عربية مجاورة.
وقال إن الحرب ضد منظمة إرهابية تغذيها أيديولوجية شيعية متطرفة ومدعومة من إيران شيء واحد، ولكن محاربة دولة عربية ذات سيادة سيكون شيئًا مختلفًا تمامًا.
وطبقا للتحليل فإن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية يتماشى مع الرواية الإسرائيلية الأوسع لمكافحة وكلاء إيران، ومن المرجح أن يتردد صداها لدى الجماهير الدولية الأكثر انسجاما مع التهديد العالمي الذي يشكله الإرهاب. ومع ذلك، فإن تصنيفهم كدولة يخاطر بتنفير الحلفاء الذين يترددون في الانجرار إلى حرب مع اليمن.
بالإضافة إلى ذلك حسب التحليل فإن القول بأن هذه حرب ضد منظمة إرهابية من الممكن أن يعزز موقف الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في حربها ضد الحوثيين، في حين أن القول بأنها حرب ضد اليمن من الممكن أن يضفي الشرعية عن غير قصد على سيطرة الحوثيين على أجزاء أكبر من اليمن.
وأكد أن ترقية الحوثيين من جماعة إرهابية إلى دولة اليمن من الممكن أن يمنحهم المزيد من السلطة في مفاوضات السلام والمنتديات الدولية. كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع دول أخرى، وتغيير طبيعة التعامل الدولي مع اليمن.
يضيف "قد يؤدي هذا الاعتراف إلى تقويض سلطة الحكومة المعترف بها دوليا في العاصمة المؤقتة عدن ومنح الحوثيين المزيد من النفوذ في مفاوضات السلام لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن بشكل دائم".
ولفت إلى أن هناك إيجابيات وسلبيات في تأطير معركة إسرائيل على أنها ضد الحوثيين على وجه التحديد أو ضد دولة الأمر الواقع في اليمن.
وتشير توجيهات ساعر للدبلوماسيين الإسرائيليين في أوروبا بالضغط على الدول المضيفة لتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية إلى أن القدس اتخذت قرارها.
وخلص التحليل إلى القول إن هذا القرار هو أكثر من مجرد مسألة دلالية؛ فهو حساب استراتيجي له آثار عسكرية ودبلوماسية وإقليمية كبيرة.