الحياة لمن عاشها بعقل.. خمسٌ تؤدي إلى خمسٍ
تاريخ النشر: 24th, December 2024 GMT
سلطان بن ناصر القاسمي
الحياة ليست مجرد أيام تمضي ولا أحداث تتكرر؛ بل هي كتاب مفتوح يخط فيه كل إنسان قصته الخاصة، وفي "كتاب الحياة"- إن جاز التعبير- تأتي الخيارات مثل مفترقات الطرق، بعضها يضيء الدرب ويقود إلى النماء والسعادة، وبعضها ينحدر إلى ما يطفئ البصيرة ويثقل القلب بالندم.
وبين هذه الطرق، تظهر لنا تلك الخمس التي تؤدي إلى خمس أخرى، كأنَّها معادلات الحياة الدقيقة التي يجب أن نتعامل معها بحكمة ووعي.
إنَّ فهم هذه الخمس ليس مجرد ترف فكري؛ بل هو البوصلة التي تساعدنا على الإبحار في أمواج الحياة المتلاطمة. ولأن الحياة لا تُعاد، فإن استيعاب ما قد تقودنا إليه هذه الخيارات يُعد واحدًا من أعظم أشكال الحكمة التي يُمكن أن يتحلى بها الإنسان. ومن هنا، تصبح هذه الخمس علامات مضيئة، تُرشدنا إلى كيفية العيش بعقل وإدراك، بعيدًا عن التشتت والغفلة. فالحياة تُمنح لنا مرة واحدة، وما نفعله بها هو ما يُحدد قيمتنا ومعناها. فلننطلق في رحلة تأمل هذه الخمس وتأثيراتها، لنفهم كيف يمكن أن نصنع من حياتنا لوحة متقنة مليئة بالألوان البراقة.
أولًا: العين تؤدي إلى التأثير.. إن العين هي نافذة الروح وأداة الإدراك الأولى، وما تراه يمكن أن يبني أو يهدم. فعندما تُستخدم العين بحكمة لتأمل الجمال ونعم الله، فإنها تؤدي إلى شكر النعمة وتعميق الإيمان؛ حيث يصبح الإنسان أكثر تقديرًا لما يمتلكه. كما أن النظر إلى خلق الله بتأمل يعمق الفهم، إذ يقول الله تعالى: "أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ" (الغاشية: 17). وعلى النقيض، إذا تُركت العين بلا رقابة، فإنها قد تنجرف نحو المحرمات، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة مثل الزنا أو الحسد. بالإضافة إلى ذلك، العين قد تتسبب في الفرح المفرط الذي يُضر بالآخرين عندما تظهر النعم أمام من يفتقر إليها. لذا، فإن غض البصر عن المحرمات ورؤية الخير بعين الرضا هو السبيل الأمثل لجعل العين وسيلة لبناء حياة مليئة بالطهارة والسكينة. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "غض البصر يحفظ القلب".
ثانيًا: الطمع يؤدي إلى الندم؛ حيث إنَّ الطمع هو آفة النفس التي تدفع الإنسان للسعي المستمر وراء المزيد دون أن يشعر بالرضا. ومن يسيطر عليه الطمع يجد نفسه عالقًا في سباق لا ينتهي مع الرغبات، مما يؤدي إلى التعب والخذلان. بالإضافة إلى ذلك، الطمع لا يقتصر على الجوانب المادية فحسب؛ بل قد يمتد ليشمل العلاقات والطموحات غير المبررة، مما يُفسد سلام النفس ويؤثر سلبًا على الروابط الاجتماعية. فالطمع يُزيل البركة من الرزق ويزرع الخصومات، ويُشوه العلاقات بين الناس. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كان لابن آدم واديان من ذهب لأحب أن يكون لهما ثالث" (رواه مسلم). لذا، فإن الرضا بما قسمه الله والتحلي بالقناعة هو السلاح الأقوى ضد الطمع، وهو مفتاح للسلام الداخلي والرضا. وكما يقول المثل: "القناعة كنز لا يفنى".
ثالثًا: القناعة تؤدي إلى الرضا.. إن القناعة هي الجوهرة التي تمنح الإنسان السعادة الحقيقية. فعندما يرضى الإنسان بما لديه، يعيش حياة هادئة مليئة بالطمأنينة؛ حيث يشعر بأنه يمتلك كل ما يحتاجه بغض النظر عن كميته. كذلك القناعة تجعل الإنسان يركز على ما يملك بدلًا من أن يحزن على ما ينقصه. والأهم من ذلك، أنها تزيد من حب الناس لمن يتحلى بها؛ حيث يصبح شخصية محبوبة بعيدة عن التنافس والحسد. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس"؛ فالقناعة هي مفتاح للسكينة وسبب لنشر المودة بين الناس، وهي قيمة أساسية لتحقيق الرضا النفسي والتوازن. كما أن الرضا هو جنة الدنيا التي يعيش فيها الإنسان بحالة من السلام الداخلي.
رابعًا: كثرة السفر تؤدي إلى المعرفة؛ فالسفر ليس فقط انتقالًا من مكان إلى آخر؛ بل هو مدرسة متنقلة تعلم الإنسان دروسًا لا تُقدر بثمن. فعندما يسافر الإنسان، يتعرض لثقافات مختلفة وتجارب متنوعة توسع أفقه وتزيد من إدراكه للعالم من حوله. كذلك السفر يعزز من مرونة التفكير؛ حيث يواجه الإنسان طرقًا جديدة للتفكير والحياة. كما أنه يُضيف لرصيد الإنسان خبرات حياتية تُعمق من فهمه لذاته وللآخرين. علاوة على ذلك، السفر يُسهم في تنمية الذكاء الاجتماعي من خلال التفاعل مع الآخرين وتعلم لغاتهم وثقافاتهم. يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ" (العنكبوت: 20). ويقول المثل: "في السفر سبع فوائد"، ومن أبرزها المعرفة التي تُنير العقول وتُثري الأرواح، وتمنح الإنسان مرونة نفسية تجعله أكثر تقبلًا للتغيرات.
خامسًا: الجدل يؤدي إلى الخصام، وهو أخطر النتائج التي يمكن أن تترتب على حوارات غير مدروسة. فعندما يتحول النقاش إلى جدل عقيم، فإنه يُفسد العلاقات ويزرع مشاعر الكراهية والغضب بين الأطراف. والخصام الناتج عن الجدل قد يتطور إلى فجور وعداوة، وهو ما ينهى عنه الإسلام بشدة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا" (رواه أبو داود). إضافة إلى ذلك، الجدل المستمر يستهلك طاقة الإنسان العقلية والنفسية، ويُفقده التركيز على الأمور الأكثر أهمية. لذلك، فإن السعي للحوار البناء وتجنب الجدال العقيم هو المفتاح للحفاظ على العلاقات الاجتماعية وتحقيق السلام الداخلي. كما أمرنا الله تعالى: "وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (النحل: 125).
وفي الختام.. تتجلى الحكمة في كيفية إدارة هذه المسارات الخمس؛ إذ إننا عندما نختار أن نعيش بعقل، نكتشف أن الحياة تصبح أكثر وضوحًا وتوازنًا؛ حيث ندرك أهمية توجيه حواسنا ورغباتنا نحو ما يُرضي الله ويُحقق الخير لنا وللآخرين. فلنحرص على أن نعيش حياتنا بوعي وإدراك، ونستثمر كل لحظة في بناء أنفسنا ومجتمعاتنا، لنحقق التوازن بين أفعالنا ونتائجها، ونزرع في طريقنا ما يُثمر خيرًا وسلامًا.
الحياة لمن عاشها بعقلٍ ليست مجرد رحلة؛ بل هي لوحة فنية تُرسم بالحكمة، وتُلوَّن بالإيمان، وتُكلَّل بالنجاح والسكينة، لتبقى أثرًا خالدًا في قلوب من عاشوا معنا ومن سيأتون بعدنا.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
عميلان سابقان يكشفان تفاصيل جديدة عن تفجيرات البيجر التي هزت حزب الله
ديسمبر 23, 2024آخر تحديث: ديسمبر 23, 2024
المستقلة/-“تحت عنوان كيف خدع الموساد الإسرائيلي حزب الله لشراء أجهزة استدعاء متفجرة”، نشرت شبكة “سي بي إس نيوز” الأمريكية، مساء الأحد، تقريرا سلطت فيه الضوء على عملية استخبارية معقدة نفذها الموساد الإسرائيلي.
التقرير، الذي استند إلى شهادات عميلين سابقين، كشف عن تفاصيل جديدة حول استخدام أجهزة البيجر كأداة لاستهداف حزب الله، وهي عملية هزت لبنان وسوريا بعد أن استهدفت عناصر الحزب خلال سبتمبر/أيلول الماضي.
وفي التفاصيل التي كشف عنها العميلان خلال ظهور مقنع وبصوت معدل ضمن برنامج “60 دقيقة” على الشبكة الأمريكية، أوضح أحدهما أن العملية بدأت قبل عشر سنوات باستخدام أجهزة “ووكي توكي” تحتوي على متفجرات مخفية، والتي لم يدرك “حزب الله” أنه كان يشتريها من إسرائيل، عدوته.
وعلى الرغم من مرور السنوات، ظلت هذه الأجهزة خامدة حتى تم تفجيرها بشكل متزامن في سبتمبر/أيلول الماضي، بعد يوم واحد من تفجير أجهزة الإرسال المفخخة “البيجر”.
أما المرحلة الثانية من الخطة، وفقًا لما كشفه العميل الثاني، فقد بدأت في عام 2022، عندما حصل جهاز الموساد الإسرائيلي على معلومات تفيد بأن حزب الله يعتزم شراء أجهزة البيجر من شركة مقرها تايوان.
وأوضح العميل أنه “لتنفيذ الخطة بدقة، كان من الضروري تعديل أجهزة البيجر لتصبح أكبر من حيث الحجم ولتتمكن من استيعاب كمية المتفجرات المخفية بداخلها”.
وأضاف أن “الموساد أجرى اختبارات دقيقة على دمى لمحاكاة تأثير الانفجار، لضمان تحديد كمية المتفجرات التي تستهدف المقاتل فقط، دون إلحاق أي أذى بالأشخاص القريبين”.
هذا وأشار التقرير أيضًا إلى أن “الموساد أجرى اختبارات متعددة على نغمات الرنين، بهدف اختيار نغمة تبدو عاجلة بما يكفي لدفع الشخص المستهدف إلى إخراج جهاز البيجر من جيبه على الفور”.
وذكر العميل الثاني، الذي أُطلق عليه اسم غابرييل، أن إقناع حزب الله بالانتقال إلى أجهزة البيجر الأكبر حجمًا استغرق حوالي أسبوعين.
وأضاف أن العملية تضمنت استخدام إعلانات مزيفة نُشرت على يوتيوب، تروّج لهذه الأجهزة باعتبارها مقاومة للغبار والماء، وتتميز بعمر بطارية طويل.
وتحدث غابرييل عن استخدام شركات وهمية، من بينها شركة مقرها المجر، كجزء من الخطة لخداع شركة غولد أبولو التايوانية ودفعها للتعاون مع الموساد دون علمها بحقيقة الأمر.
وأشار العميل إلى أن حزب الله لم يكن على علم بأن الشركة الوهمية التي تعامل معها كانت تعمل بالتنسيق مع إسرائيل”.
وأسفرت تفجيرات أجهزة البيجر وأجهزة اللاسلكي التي نفذتها إسرائيل في سبتمبر الماضي عن مقتل وإصابة الآلاف من عناصر حزب الله والمدنيين والعاملين في مؤسسات مختلفة في لبنان وسوريا.
وكان موقع “أكسيوس” قد ذكر بعد أيام من تنفيذ الضربة، أن الموساد قام بتفجير أجهزة الاستدعاء التي يحملها أعضاء حزب الله في لبنان وسوريا خوفًا من اكتشاف الحزب الأمر، بعد أن كشف الذكاء الاصطناعي أن اثنين من ضباط الحزب لديهم شكوك حول الأجهزة.
وفي خطاب ألقاه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، تعليقًا على الضربات التي وقعت قبل أيام من اغتياله، وصف نصر الله الهجوم بأنه “عدوان كبير وغير مسبوق”. وأضاف: “العدو قد تجاوز في هذه العملية كل الضوابط والخطوط الحمراء والقوانين، ولم يكترث لأي شيء من الناحيتين الأخلاقية والقانونية”.
وأوضح أن “التفجيرات وقعت في أماكن مدنية مثل المستشفيات، الصيدليات، الأسواق، المنازل، السيارات، والطرقات العامة، حيث يتواجد العديد من المدنيين، النساء، والأطفال”.