ما دمنا في شهر كانون الأول/ ديسمبر فالفرصة قائمة للتذكير ببدء المأساة الفلسطينية في العام 1917، حينما دخل الجنرال البريطاني إدموند ألنبي القدس في 11 كانون الأول/ ديسمبر 1917، وذلك بعد 39 يوما على وعد بلفور الذي كشف سعي بريطانيا إلى إقامة وطن قوميّ لليهود في فلسطين، إذ لا يمكن، والحالة هذه، فصل الانتداب البريطاني على فلسطين، والسياسات الانتدابية الخاصّة التي انتهجتها بريطانيا في فلسطين والمختلفة عن سياسات الانتدابين البريطاني والفرنسي في العراق وشرقي الأردن وسوريا ولبنان، عن المشروع الصهيوني، الذي استكمل نفسه، وأعلن عن دولته على أنقاض الفلسطينيين المشرّدين، على أساس تلك السياسات البريطانية، كما لا يمكن القفز عن المعاناة الفلسطينية الهائلة في ظلّ الانتداب البريطاني الذي انتهج سياسات غاية في الوحشية في قمع الفلسطينيين والتمكين للصهاينة، لا سيما وأنّ سياسات القمع هذه، كما في الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939)، أفضت إلى إنهاك الفلسطينيين، وتسهيل مهمة العصابات الصهيونية في حرب العام 1948.



في السنوات الأخيرة، وفي إطار خطابات تجاوز القضية الفلسطينية، ووضعها في مقارنات تهدف إلى التحقير من معاناة أهلها، لجعل جانب المعاناة وحده المعيار في تقييم القضايا من حيث الثقل والأولوية، لم تَكن تُؤخذ هذه السنوات الطويلة الممتدة من الاستعمار والمعاناة بوصفها معاناة كمّية، إذ كان يوضع البطش الصهيوني وما ينجم عنه من معاناة يمكن قياسها كمّيّا (مثلا: أعداد الشهداء والجرحى والمشرّدين وأوضاع المعتقلين في السجون) في مقارنة مع البطش الذي تقترفه أنظمة سياسية عربية، كالنظام الأسدي في سوريا،أكثر من قرن من الزمان من الاستعمار المتصل ببعضه هو في حدّ ذاته معاناة كيفية، علاوة على كونه معاناة كمّية تتحوّل إلى إضافة كيفية للكيف الموجود أصلا، فطوال هذا القرن والعقد تقريبا، الذي ولدت فيه أجيال وماتت والمعاناة قائمة، لم تنقطع الاعتقالات ولا القتل ولا هدم البيوت ولا الحصار في الأرزاق ولا تقييد الحركة، علاوة على أوجه من المعاناة الكمّية التي لا يقدر على تصوّرها من لم يعانها مباشرة كمصادرة الأراضي وتحويل البلاد إلى سجن كبير وشلّ حركة الناس وتقطيع البلاد عن بعضها والخلوص بذلك للقول إنّ القضية الفلسطينية لا تستحق تلك الأهمية بالنظر إلى الحساب الكمّي للمعاناة، وذلك لأنّ الكمّ المتراكم والمتفاحش من البطش بالضرورة يتحوّل إلى كيف، فالقضية ليست حسابا كمّيّا يُصادر الانفعال بالمعاناة والتي هي نسبيّة، ولكنه كمّ يتحوّل إلى كيف بحيث يجعل المعاناة متمايزة بالضرورة.

لكن وبقطع النظر عن دقّة التصوّر للمعاناة الكمّية الناجمة عن الاستعمار الصهيوني، طالما لا يأخذها في الإطار الزمني الممتد وبالقياس إلى عدد الفلسطينيين، كتشريد 51 في المئة من الفلسطينيين الذين سكنوا عموم فلسطين حتى عام 1948، و82 في المئة من سكان الأراضي التي احتلت عام 1948، وهو تشريد مدفوع بأنماط متوحشة من المجازر، فإنّ احتساب العقود الطويلة المتلاحقة واجب حين إرادة النظر إلى المعاناة من الجهة الكمية أو المادية القابلة للقياس. فأكثر من قرن من الزمان من الاستعمار المتصل ببعضه هو في حدّ ذاته معاناة كيفية، علاوة على كونه معاناة كمّية تتحوّل إلى إضافة كيفية للكيف الموجود أصلا، فطوال هذا القرن والعقد تقريبا، الذي ولدت فيه أجيال وماتت والمعاناة قائمة، لم تنقطع الاعتقالات ولا القتل ولا هدم البيوت ولا الحصار في الأرزاق ولا تقييد الحركة، علاوة على أوجه من المعاناة الكمّية التي لا يقدر على تصوّرها من لم يعانها مباشرة كمصادرة الأراضي وتحويل البلاد إلى سجن كبير وشلّ حركة الناس وتقطيع البلاد عن بعضها.. الخ.

ذلك كلّه بقطع النظر عن كون المعاناة نسبية، من حيث إنّه لا يمكن لأحد تقدير انفعال غيره بما يصيبه وأثر مصابه على حياته، حتى لو اتفقنا على كون الكمّ بالضرورة يتحوّل إلى كيف، وبقطع النظر عن كون مصادرة معاناة الآخرين أمرا معيبا أخلاقيّا ومبدئيّا مهما كانت دوافعه، وبقطع النظر عن المضامين الجوهرية الأخرى التي تمنح القضية الفلسطينية أهمّيتها الخاصّة، وبقطع النظر عن القصور الأخلاقي الذي كان ينتظر إبادة الفلسطينيين لاستكشاف أهمّية قضيتهم، ولكن الذي أردت قوله هنا، جرى بالفعل توظيف المعاناة الكمّية لتحقير القضية الفلسطينية، وإذا كان البعض قد تورّط في ذلك في غمرة المأساة الذاتية والانفعال الغريزي بذلك، فقد تحوّلت هذه الخطابات إلى ظاهرة ثقافية وإعلامية، تصبّ في طاحونة التطبيع العربي التحالفي مع "إسرائيل"، يتورّط فيها مثقفون وإعلاميون لا يمكن عدّهم من الذباب الإلكتروني الذي أهمّ وظائفه تسويغ التخلّي عن القضية الفلسطينية وشيطنة أهلها، ومن ثمّ لا يختلف هؤلاء في النتيجة عن ذلك الذباب!كيف أنّه جرى بالفعل توظيف المعاناة الكمّية لتحقير القضية الفلسطينية، وإذا كان البعض قد تورّط في ذلك في غمرة المأساة الذاتية والانفعال الغريزي بذلك، فقد تحوّلت هذه الخطابات إلى ظاهرة ثقافية وإعلامية، تصبّ في طاحونة التطبيع العربي التحالفي مع "إسرائيل"، يتورّط فيها مثقفون وإعلاميون لا يمكن عدّهم من الذباب الإلكتروني الذي أهمّ وظائفه تسويغ التخلّي عن القضية الفلسطينية وشيطنة أهلها، ومن ثمّ لا يختلف هؤلاء في النتيجة عن ذلك الذباب!

والحاصل أنّ كمّ تلك الخطابات تحوّل بدوره إلى كيفية في التعامل مع القضية الفلسطينية، باتت تجد لها مساغا في التداول العام وفي الطرح السياسي، وهذا الكيف يتبلور في صيغ متعددة، منها الحساب الكمّي المضلّل للمعاناة الذي جرت الإشارة إلى بعضه، أو تحويل القضية الفلسطينية إلى فاعل ضارّ بالأمن العربي لا من جهة الاستعمار الصهيوني بل من جهة الاستغلال الإيراني لها، فتصير الأولوية هي مكافحة الاستغلال الإيراني لا تحرير فلسطين ولا إسناد أهلها، بل يتولّد موقف نفسي يمكن ملاحظته في أوساط معينة من فلسطين وأهلها، سببه "استغلال" إيران للقضية الفلسطينية أو التذكير المستمرّ بالقمع الذي مارسته أنظمة عربية بحقّ شعوبها متغطية بفلسطين، وفي الإطار نفسه جعل قضية التحرر من الاستبداد متعارضة مع قضية التحرر من الاستعمار الأجنبيّ وتهميش الثانية لصالح الأولى، ودون أن يطرح هؤلاء الأسئلة الصحيحة عن السبب الذي يفسح المجال لإيران لـ"استغلال القضية الفلسطينية" في حين أنّ الدول العربية أولى بذلك، على الأقل إن لم يكن إدراكا منها لخطر المشروع الصهيوني عليها، فلقطع الطريق على إيران، ومن ثمّ وبعدما صارت فلسطين عند البعض على هامش هموم عربية أخرى؛ فلن يكون مستغربا ضيق ذلك البعض من مخاوفنا من التمدّد الإسرائيلي، وعدم تبلور طرف معادٍ له حتّى اللحظة بعد مُصاب قوى المقاومة واختلال التوازن الإقليمي لصالح "إسرائيل".

x.com/sariorabi

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينية الصهيوني المعاناة إسرائيل التحرر إسرائيل احتلال فلسطين معاناة صهيوني مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة من الاستعمار علاوة على إلى کیف لا یمکن

إقرأ أيضاً:

النائب تيسير مطر لـ «الأسبوع»: مصر رفضت التهجير وموقفها من القضية الفلسطينية واضح

أكد النائب تيسير مطر، رئيس حزب إرادة جيل، ووكيل لجنة الصناعة بمجلس الشيوخ، وأمين عام تحالف الأحزاب المصرية المكون من 42 حزبًا سياسيًا، على مواقف مصر الثابتة في دعم القضية الفلسطينية منذ بداية الحرب على غزة في 7 أكتوبر الماضي، مشددًا على رفض التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم.

تهنئة بمناسبة عيد الفطر ودعم مصر للقضية الفلسطينية

في مستهل حديثه، وجه النائب تيسير مطر، في تصريحات خاصة لـ «الأسبوع» التهنئة للشعب المصري بكافة طوائفه بمناسبة عيد الفطر المبارك، مؤكدًا على دعمه الكامل للرئيس عبد الفتاح السيسي، وللشرطة المصرية، والقوات المسلحة، باعتبارهم رموزًا للأمن والأمان في البلاد، قائلا: «نقول للرئيس: وراك 100 مليون راجل، وراك رجال ونساء، شباب وشيوخ، كل أفراد الشعب المصري».

وأرسل النائب، تهنئة خاصة للشعب الفلسطيني بمناسبة عيد الفطر، مؤكدًا على وقوف مصر بجانب الفلسطينيين في محنتهم، ودعم كل العرب الشرفاء لقضيتهم العادلة، متمنيًا أن تنتهي المحنة قريبًا وتعود فلسطين لأهلها.

وأضاف أن موقف مصر كان واضحًا منذ اللحظة الأولى، حيث رفضت التهجير القسري وقالها الرئيس السيسي صراحة في جميع المناسبات والمحافل الدولية، مشيرًا إلى أن التهجير يعني ضياع القضية الفلسطينية بالكامل.

وأكد أن مصر لم تكتفِ بالمواقف السياسية، بل عملت على إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر معبر رفح، مشددًا على أن القيادة السياسية المصرية واضحة جدًا في حفاظها على القضية الفلسطينية.

دعم مصر للقضية الفلسطينية رفض العدوان الإسرائيلي وسياسات التهجير القسري

وفي تعليقه على العدوان الإسرائيلي المتجدد على غزة، أكد النائب تيسير مطر أن إسرائيل تمارس الإجرام منذ عام 1948، وتخالف كل الأعراف والمواثيق الدولية، مضيفًا: «إسرائيل بلد همجية، تمارس البلطجة بجميع أشكالها ضد الأطفال والنساء والعُزَّل، والمجتمع الدولي فشل في محاسبتها أو وضع حد لها».

كما أشار إلى اللعب بالمواقف السياسية والكلمات من قبل المجتمع الدولي، معتبرًا أن إسرائيل تسعى لفرض الأمر الواقع، وتحاول كسر إرادة الشعب الفلسطيني عبر ممارساتها القمعية.

وحول إعلان إسرائيل عن تشكيل «هيئة التهجير الطوعي»، وصف هذه الخطوة بأنها خدعة جديدة لتحقيق أهدافها في إفراغ غزة من سكانها، مؤكدًا أن هذا الإجراء غير قانوني ومخالف لكل الأعراف الدولية، مضيفًا: «إسرائيل تلعب بالنار، وإذا مرت أفعالها اليوم، فلن تمر غدًا، وستكون عواقبها وخيمة».

الاحتجاجات في غزة ضد حماس ومستقبلها السياسي

وحول الاحتجاجات الشعبية في غزة ضد حركة حماس، أكد مطر أن من حق الفلسطينيين الاحتجاج، لأنهم يريدون العيش بأمان في أرضهم، منتقدًا سياسات حماس التي لم تحقق أي مكاسب للقضية الفلسطينية منذ بدء الحرب.

وأضاف: «ماذا كسبنا منذ 7 أكتوبر؟ لا شيء سوى الضحايا والدمار»، مشيرا إلى أن تشكيل إسرائيل لجنة التهجير يأتي كخطوة لتعزيز مخططها في إجبار الفلسطينيين على مغادرة أراضيهم، وأن استمرار النزاع دون حل سياسي سيؤدي إلى معاناة أكبر للشعب الفلسطيني.

كما أكد أن مصر لم تسعَ لمصلحتها على حساب القضية الفلسطينية، بل حافظت عليها منذ عقود، داعيًا الفلسطينيين إلى التكاتف والوحدة، والعمل على إيجاد حلول سياسية عبر المفاوضات، والاستجابة للقيادة المصرية التي لا تبحث عن مصلحة خاصة بل تسعى لحل القضية بشكل عادل.

موقف مصر من المفاوضات وإمكانية نجاحها

وفيما يتعلق بـ المقترح المصري الجديد لإعادة مفاوضات غزة إلى مسارها، أكد النائب أن مصر تقوم بدورها على أكمل وجه، حيث يسعى الرئيس السيسي ووزارة الخارجية لإيجاد حلول واقعية للنزاع.

وأشار إلى أن المشكلة تكمن في الأطراف الأخرى، التي لا تأتي إلى طاولة المفاوضات بنوايا صادقة، بل تسعى للمماطلة وتحقيق مصالحها الخاصة على حساب أرواح الأبرياء، مضيفًا: «لو أخلصت الأطراف الأخرى النوايا، القضية الفلسطينية ستُحل، لكن مصر واضحة وصريحة في مواقفها، وتتحرك علنًا لدعم الفلسطينيين».

دمار هائل في قطاع غزة موقف مصر من سياسات الولايات المتحدة

وفي حديثه عن مستقبل العلاقات المصرية - الأمريكية في ظل إدارة دونالد ترامب، انتقد النائب سياسات ترامب الأحادية، مؤكدًا أن مصر تحافظ على علاقات متوازنة مع جميع الدول، متمنيًا أن يتراجع ترامب عن سياساته غير المستقرة تجاه المنطقة والعالم.

وحذّر من أن اللعب بمقدرات الدول قد يرتد عليه في المستقبل، مؤكدًا أن العالم ليس مجلس إدارة واحدًا تترأسه الولايات المتحدة، بل لكل دولة سيادتها وحقها في اختيار قيادتها.

رسالة للشعب المصري

واختتم النائب حديثه بتوجيه رسالة للشعب المصري، داعيًا الجميع إلى الالتفاف حول القيادة السياسية في هذه المرحلة الحساسة، وعدم الانسياق وراء دعوات التخريب أو الفوضى، قائلاً: «مصر بلد الجدعان، والمصري وقت الأزمات يتحول إلى وحش للدفاع عن بلده، ولهذا نقول للرئيس السيسي: وراك 100 مليون مصري، يد واحدة خلفك».

اقرأ أيضاًالصحة الفلسطينية: استشهاد 24 مواطنا فى غارات إسرائيلية على قطاع غزة

يوم الأرض.. روان أبو العينين تستعرض نضال الفلسطينيين عبر التاريخ | فيديو

«مصطفى بكري» يوجه رسالة نارية إلى العالم: أين ضمائركم من جرائم نتنياهو ضد أطفال فلسطين الذين يُحرقون بالقنابل؟

مقالات مشابهة

  • منها عربية.. الدول «الأكثر معاناةً» للعام 2025
  • وقفات في عدة مدن مصرية رفضًا للتهجير ودعماً القضية الفلسطينية
  • مساجد مصر تتزين بعلم فلسطين.. عيد الفطر يشهد تلاحما مع القضية الفلسطينية
  • محافظات مصر تحتشد عقب صلاة عيد الفطر لدعم القضية الفلسطينية
  • الألاف يحتشدون عقب صلاة عيد الفطر لدعم القضية الفلسطينية
  • رئيس الوزراء العراقي يؤكد موقف بلاده الثابت تجاه القضية الفلسطينية
  • السيسي يؤكد ثبات الموقف المصري من القضية الفلسطينية
  • عباس يشكر السيسي على موقفه من القضية الفلسطينية
  • النائب تيسير مطر لـ «الأسبوع»: مصر رفضت التهجير وموقفها من القضية الفلسطينية واضح
  • أبو كلل: القضية الفلسطينية ليست شيعية فقط،.. و لا للقرارات الارتجالية في قضايا الحرب