الجزيرة:
2024-12-25@02:26:33 GMT

فرص وتحديات ومخاطر أمام الثورة السورية

تاريخ النشر: 24th, December 2024 GMT

فرص وتحديات ومخاطر أمام الثورة السورية

تتميز الثورة السورية بأنها أوَّل ثورة مكتملة الأركان منذ "الربيع العربي"، وأنها ثورة قادرة على إحداث تغييرات جذرية في بنية النظام، بما يوفر فرصًا حقيقية لحالة صعود نهضوي كبير.

غير أنّ هذه الثورة تواجه تحديات ومخاطر كبيرة، بعضها داخلي، ويزيد من حِدّتها موقع سوريا الإستراتيجي وثرواتها، وكونها دولة مواجهة، وتقاطع المصالح الإقليمية والدولية تجاهها.

عناصر قوة وفرص

تتمثل أبرز عناصر قوة نظام الحكم الجديد في دمشق بامتلاكه "للثلاثي الذهبي"، في قيادة الدولة وبناء نظام جديد، وهي: العدالة الانتقالية، وعناصر القوة الخشنة، وعناصر القوة الناعمة. كما أن هناك فرصًا تدفع باتجاه نجاح الثورة:

أولًا: العدالة الانتقالية

حيث يمكن من خلالها إنشاء محاكم ثورية ونظام قضائي مَعنِي بتفكيك "الدولة العميقة" السابقة، ومعاقبة أو تحييد رموزها، والحيلولة دون تمكّنهم من تعطيل الثورة، أو إفراغها من محتواها، أو تشويهها، أو حرف بوصلتها، أو العودة للبروز تحت روافع ومسميات جديدة.

ويجب أن تكون ثمة معادلة حكيمة وحازمة، تسمح بأجواء من التسامح وطي صفحة الماضي، وتجاوز العصبيات الطائفية والعرقية؛ ولكنها في الوقت نفسه تقتلع "أكابر مجرميها" ورموز فسادها، وكوادر منظومة نفوذها الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والإدارية.

إعلان ثانيًا: القوة الخشنة

القوة الخشنة تتمثل في فرص إنشاء جيشٍ وطني مستوعبٍ لجميع المخلصين لسوريا الجديدة، وقائمٍ على حماية الوطن، وحماية عقيدة الأمة وتراثها وقيمها، ومُتشرّبٍ لمعاني الانتماء للأمة والدفاع عن قضاياها. وإنشاء أجهزة أمنية تحمي حرية الإنسان وكرامته وحقوقه، وتُحصّن البلد من الأعداء والخصوم، كما تحمي القيم والأخلاق، وتواجه أشكال الفساد والانحراف الاجتماعي.

ثالثًا: القوة الناعمة

تتمثل في فرص الإمساك بالمفاصل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، بحيث تصبُّ في خدمة الدولة الجديدة، ويحكمها دستورٌ يصون النظام الجديد، ويجعل اللعبة السياسية ضمن شروط وبيئات تُفسح مجالات الإبداع والتطوير والتداول القيادي، ولكنها في الوقت نفسه تحمي الدولة الجديدة من المُتسلِّقين والعناصر الانتهازية، والمال السياسي والتدخل الخارجي وأعداء الثورة.

رابعًا: الإرادة الشعبية

يأتي النظام الجديد تعبيرًا عن إرادة شعبية عارمة، بينما لا يكاد النظام السابق يجد من يأسف عليه؛ وهي فرصة مهمة لإحداث تغييرات جذرية وعاجلة، وحسم عدد من القضايا وعلاجها في فترة قصيرة.

خامسًا: الثروة البشرية

الشعب السوري زاخر بالطاقات والكفاءات المتميزة، وقد استفاد في أثناء معاناته في مواطن اللجوء في بناء مئات الآلاف من القدرات والخبرات في شتى مجالات الحياة؛ حيث إن عودتها واستيعابها، وتوفير بيئات الحرية والإبداع المناسبة، سيوفر قفزات نوعية في مشروع النهوض والارتقاء.

سادسًا: المغتربون

توجد فرص كبيرة في الاستفادة ممن يرغب في البقاء من المغتربين، خصوصًا من تحولهم إلى سفراء ولوبيات ضغط لبلدهم، ومن تحويلاتهم المالية، إذا ما وجدت أنظمة بنكية ومالية شفافة وفعالة، وبيئات استثمار مشجعة.

سابعًا: تملك سوريا ثروات طبيعية، وموقعًا إستراتيجيًا، ومواقع سياحية وأثرية، وموانئ بحرية، تُمكنها من الوقوف على رجليها بسرعة كبيرة إذا ما أحسن التعامل معها.

إعلان

ثامنًا: لدى القيادة فرصة قوية في اجتثاث الفساد من جذوره، خصوصًا أنه مرتبط بالنظام السابق وأدواته؛ وبالتالي لا يصعب بناء منظومة مؤسساتية وإدارية جديدة نظيفة وفعالة.

تاسعًا: لعل الخبرات التي اكتسبها الثوار في إدارة منطقة إدلب لعدة سنوات كانت "عيِّنة اختبارية" ستدفعهم خطوات للأمام في الانتقال لإدارة الدولة، مقارنة بالثورات التي تنتقل من الثورة إلى الدولة مباشرة، والتي لا يُتاح لعناصرها اكتساب حدٍّ معقول من الشروط الضرورية لإدارة الدولة.

تحديات ومخاطر

تواجه الثورة السورية تحديات ومخاطر كبيرة، يمكن أن تعصف بها إن لم تملك الرؤية الواضحة، والقدرة على المبادرة، والمسارعة لملء الفراغ، والتعامل بالجدية والحزم والحكمة اللازمة معها.

أولًا: إعادة بناء مؤسسات الدولة المتهالكة والمدَمَّرة التي نخرها الفساد، وتردِّي الخدمات والبنى التحتية، بحيث يحتاج قيامها بالحدّ المعقول من أدوارها زمنًا وجهدًا كبيرين؛ في الوقت الذي سيضغط الناس وبأعداد هائلة لتلبية احتياجاتهم.

بل وسيلجأ أعداء الثورة والانتهازيون تحت هذا الغطاء إلى رفع سقف المطالبات وتحريض المواطنين، وسيضخِّمون الأخطاء؛ وما سكتوا عنه ستين عامًا تحت حكم البعث سيلجؤون للتشنيع على الثورة بسببه إن لم يتحقق في أيام.

ثانيًا: عودة السّلم الأهلي، ورجوع ملايين المهجرين واللاجئين إلى بيوتهم، واستعادة حقوقهم، وإعمار منازلهم، وهو ملف كبير ومسؤولية ضخمة. ثالثًا: حلّ الرواسب الطائفية والعرقية التي غرسها النظام السابق (ومن قبله الاستعمار الفرنسي) في البيئة الاجتماعية والسياسية السورية؛ والتي أضرَّت كثيرًا بالنسيج الوطني، وكرَّست عناصر الشك وعدم الثقة داخل الشعب الواحد.

وسيسعى بعض المنتفعين من الاستقطاب الطائفي والعرقي الداخلي إلى ركوب موجات التحريض العلوي والدرزي والسني والكردي، كما ستسعى قوى خارجية إقليمية ودولية، وفي مقدمتها الكيان الصهيوني لإذكاء أجواء الفتنة والانشقاق الداخلي، وتفجير الأزمات، بل وحتى افتعال أحداث قتل وتفجيرات واغتيالات، للدفع باتجاه تمزيق البلد من جديد؛ وصناعة "رموز طائفية" في مواجهة رموز الدولة، وتهيئة أجواء الانفصال أو فرض حكم ذاتي بشروط تُضعف الدولة والهوية الوطنية.

إعلان رابعًا: الهوية والبوصلة: يبرز هذا التحدّي كأحد أبرز التحديات في صياغة سوريا المستقبل؛ فصحيح أن الشعب السوري في أغلبيته الساحقة شعب عربي مسلم (ومن لم تجمعه العروبة يجمعه الإسلام، ومن لم يجمعه الإسلام تجمعه العروبة، وكلاهما يجمعهما الوطن الواحد والتاريخ والحضارة واللغة الواحدة).

وصحيح أن الثورة قادتها فصائل إسلامية، غير أن عشرات السنوات من الحكم العلماني الدكتاتوري الطائفي، واللجوء السوري بالملايين في المهجر، قد فتح المجال لرؤية سوريا المستقبل في قوالب مختلفة إسلامية أم علمانية أم في المزج بينهما بدرجة أو بأُخرى، وفي تعريف سوريا لنفسها في بيئتها العربية والإسلامية والدولية، ودورها تجاه قضايا أمتها، وفي درجة انكفائها المحلي القُطري أو انفتاحها الإقليمي؛ خصوصًا أن التحديات المحيطة بها لن تتركها حتى لو أرادت هي نفسها أن تنكفئ على ذاتها.

وستسعى القوى الإقليمية والدولية إلى استخدام كافة وسائل النفوذ التي لديها لتوجيه بوصلة الحكم بما يتوافق مع معاييرها.

وكما لاحظنا فإن هذه القضية كانت من أولى القضايا التي تمت محاولة تحريك الشارع لأجلها، ونزلت أولى المظاهرات بعد أيام من انتصار الثورة تنادي بشعارات علمانية الدولة، وهو مدخل مثالي للقوى المضادة للثورة يجد صدى ودعمًا إقليميًا ودوليًا.

وقد يظن البعض أن إبقاء حالة الغموض فيه مصلحة، غير أن ذلك سيكون أكبر مدخل لإفراغ الثورة من محتواها، وحرف بوصلتها والقفز عليها؛ وسيكون حسم الهوية والبوصلة في إطار حضاري تشاركي استيعابي متسامح، أحسن ألف مرة في حشد وتحفيز الغالبية الساحقة من الشعب، وترسيخ بنية الدولة الجديدة، وتحصين الثورة، وقطع ألسن المرجفين والمشككين.

ولعل الأولى بالنظام الجديد أن يحسم مبكرًا الهوية العربية الإسلامية للدولة، وانسجامها مع دينها وتراثها وحضارتها، وقضايا أمتها وعلى رأسها قضية فلسطين.

إعلان خامسًا: الابتزاز السياسي الإقليمي والدولي: ستعاني القيادة الجديدة من هذا الابتزاز السياسي للحصول على "الشرعية" والاعتراف، والتعامل الطبيعي مع الدولة السورية، وسيسعى عدد من القوى لفرض شروط على شكل الحكم وطبيعته بما في ذلك الدستور، وإدخال وكلاء لها أو متوافقين معها في الحكومة ومفاصل الدولة؛ وهو ما يحتاج الكثير من الحكمة والحزم من القيادة. سادسًا: التدخل الخارجي الناعم: مع الاتجاه نحو النظام الديمقراطي والتعددية السياسية وفتح مجال للحريات، هناك أنظمة تخشى من "عدوى" الحرية ومن وتيارات "الإسلام السياسي" على شعوبها وأنظمتها، وستقوم باستخدام المال السياسي، وأشكال الدعم السياسي والتلميع الإعلامي لرموز وقوى معينة وتضخيمها، لركوب الثورة أو القيام بثورة مضادة، وإعادة إخضاع الشعب للمنظومات الفاسدة والمستبدة إياها التي ثار عليها الشعب سابقًا، كما حدث مع عدد من بلدان "الربيع العربي"، وهو ما يصبُّ في المصالح الغربية والإسرائيلية في المنطقة. سابعًا: التحدي الصهيوني: والتدخل الإسرائيلي المباشر وغير المباشر عسكريًا وأمنيًا، وبالأدوات الخشنة والناعمة المختلفة كأحد أبرز المخاطر التي تواجه القيادة الجديدة، حيث سيسعى الصهاينة لإضعاف النظام وقصقصة أجنحته، ووضع معايير "إسرائيلية" وأسقف أمنية تسعى لإبعاد أي مخاطر محتملة على الكيان، ومنعه من امتلاك عناصر النهوض والقوة؛ لأن نهضة أي دولة، خصوصًا في البيئة المحيطة بالكيان، هي في معايير الكيان خطر إستراتيجي، حتى لو تجنبت هذه الدولة أي مواجهات مع الكيان. ثامنًا: الحفترة: ثمة مخاوف من أن تقوم أنظمة إقليمية ودولية بدعم ظهور "حفتر جديد" في سوريا، وتوفير الدعم اللوجيستي والمالي والعسكري له، بحيث يكون عنصر انقسام وتفجير في الساحة السورية؛ ومن المفترض أن تتعامل الثورة بقوة وحسم وسرعة مع هكذا ظواهر، وتعبئ الوعي الشعبي ضدها، ولا تسمح لها بالنمو تحت أي ذرائع. تاسعًا: التواجد الأميركي والروسي على الأرض السورية يمثل تحديًا كبيرًا، والعمل على إزالته وإنهاء مسببات وجوده، يجب أن يكون في الأجندة الرئيسية للنظام الجديد. عاشرًا: فلول النظام: ربما أصبحت بقايا النظام، ومجموعاتُ المستفيدين منه والآسفون على ذهابه في وضع ضعيف مهزوز، وهاربين من غضب الجماهير ومن ضحايا النظام؛ ولكنهم مع الوقت سيحاولون لملمة صفوفهم وإعادة تقديم أنفسهم في شكل أحزاب ورموز وهيئات وشبكات مصالح، تحاول اختراق النظام الجديد والقفز عليه.. إذ لا ينبغي أن يغيب عن ذهننا وجود مئات الآلاف من العسكر والأمن وكوادر حزب البعث والمستنفعين من النظام السابق ممن أصبحوا "أيتامًا" بعد سقوط النظام، وممن سيسعون لإعادة تموضعهم، أو ممن سيبحثون عن رعاة جدد. إعلان

وأخيرًا، فالشعب السوري قدم تضحيات هائلة، ومن حقه أن يقطف ثمار تضحياته، وثمة تجربة جديدة تستحق التشجيع. وصحيح أن المخاطر كبيرة، لكن الفرص المتاحة غير مسبوقة. والسوريون في كل الأحوال لا يملكون ترف الخيارات السهلة؛ وإن أجواء الدعم والثقة بالله (مع الحذر الواجب) يجب أن تحكم المسيرة، وليس أجواء الإحباط والتثبيط.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات النظام الجدید النظام السابق خصوص ا

إقرأ أيضاً:

سوريا الجديدة: ثلاثة نماذج حكم منها شبيه اتفاق الطائف

بعد انهيار النظام السوري او اسقاطه، تبدو سوريا الجديدة واقفة امام ثلاثة خيارات دونها الكثير من العقبات والمطبات وربما الحروب والازمات، ان لم يتم التوافق الداخلي والخارجي على واحد منها.

والى ان يرسو الوضع على اي من هذه الخيارات، فان قوى المعارضة المسلحة واكبرها واقواها "هيئة تحرير الشام" لا بد من انها ستمر في مرحلة "الثورة تأكل ابناءها" سلما او حربا، لتؤول السلطة في النهاية الى فريق معين او مجموعة افرقاء متحدين، وهذه المرحلة بدأت لمصلحة "الهيئة" ولكن لم تظهر معالمها واضحة بعد.

ومن ستؤول اليه السلطة سيكون امام اعتماد احد هذه الخيارات لبناء النظام الجديد الذي سيحكم به البلاد السورية:
اولا، الخيار السوري العربي: يتمثل بانشاء نظام بدستور جديد يقوم على مبدا مشاركة كل اطياف الشعب السوري الطائفية والمذهبية والاثنية والسياسية في السلطة مع مراعاة التوازن ايا كان حجم كل طيف، وهذا لا يتم الا على طريقة  السلطة  التي ارستها وثيقة الوفاق الوطني المعوفة بـ" اتفاق الطائف" المعمول بها في لبنان ، اي "طائف سوري"، نظرا للتنوع الطائفي والسياسي السوري الشبيه الى حد كبير بالتنوع اللبناني وهذا "الطائف اللبناني" منشأه لبناني وعربي ودولي ويتمسك به العرب قاطبة كصيغة انقذت لبنان، وها هي مواقفهم الدائمة تشدد على التمسك به واستكمال تطبيقه، وبالتالي ان اعتمد في سوريا فمن المرجح انه سيلقى الدعم العربي نفسه الذي يلقاه "الطائف اللبناني".

وطبعا فإن استنساخ الطائف اللبناني في سوريا سيؤدي الى تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية سواء بقي من الطائفة العلوية او غيرها الى الحدود التي تجعله رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن والقائد الاعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء الذي تناط به السلطة التنفيذية ويكون برئاسة شخصية سنية ان يقي من الطائفة السنية كما كان في النظام السابق الذي حكم باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، والامر نفسه ينطبق على مجلس النواب او مجلس الشعب ورئاسته التي يتفق على الهوية الطائفية لها بين السوريين.

ثانيا، اعتماد النموذج العراقي،  وهذا النموذج ربما يكون مفيدا سوريا كنظام حكم شراكة وطنية باعتبار ان المكونات الشعبية السورية شبيهة ايضا بمكونات الشعب العراقي في حال اريد اعتماد النظام الفدرالي في سوريا كالنظام المعتمد في العراق لوجود بعض المجموعات الاثنية والعرقية من كردية وغيرها. وهذا النموذج ربما يلقي تأييدا عربيا كـ "الطائف" لانه شبيه  أيضا بـ"الطائف اللبناني"، مع فارق ان رئاسة الجمهورية العراقية اخذت من الطائفة السنية (كما كانت ايام النظام السابق الذي كان يحكم باسم حزب البعث العربي الاشتراكي) واعطيت للاكراد، فيما اعطيت رئاسة السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) للاكثرية الشيعية التي كانت تشكو من التهميش ايام حكم صدام حسين، وفي المقابل اسندت رئاسة مجلس النواب الى الطائفة السنية.

ثالثا، النموذج التركي الحالي: هذا النموذج ستدفع تركيا التي دعمت قوى المعارضة المسلحة لاسقاط النظام الى اعتماده بحيث يشكل امتدادا، بل رأس جسر لامتداد نفوذها الى المنطقة العربية، نظرا لوجود ملحوظ لتنظيم "الاخوان المسلمين" في معظم الدول العربية المشرقية والمغربية، والذي كان اصيب بنكسة جراء اطاحة النظام الذي اقامه الرئيس محمد مرسي اثر انتصار الثورة المصرية على حكم الرئيس حسني مبارك في اطار ما سمي "ثورات الربيع العربي" التي تفجرت في العقد الثاني من القرن الحالي في عدد من الدول العربية (في العراق وسوريا ومصر وليبيا وتونس والسودان وغيره ).

ولكن الدفع التركي في هذا الاتجاه، قد لا يكون موفقا لان الدول العربية ولا سيما منها الخليجية التي لا تستسيغ ان ينشأ في سوريا حكم إخواني، كما انها لا تستسيغ تفرد تركيا بأمور سوريا، وان حصل هذا الامر قد تكون نتيجته احجام هذه الدول عن تقديم اي دعم او مساهمة في ورشة اعادة الاعمار، فضلا عن اي حكم اخواني في سوريا سترى فيه هذه الدول ما يهدد امنها القومي وانظمتها الحاكمة.
ولذلك هناك قراءة للمستجد السوري تقول ان تركيا اذا تصرفت على اساس ان لها الحق بباع طويل في سوريا كونها كانت الداعم الاساسي لزحف قوى المعارضة المسلحة  وتمكينها من اسقاط النظام، فان ذلك سيؤدي الى انقسام في صفوف هذه المعارضة بين من زحفوا الى دمشق من الشمال والآخرين الذين زحفوا من الجنوب. وفي حال حصول مثل هذا الانقسام فان سوريا ستدخل في حرب داخلية جديدة تستنسخ النموذج الليبي او غيره من النماذج المماثلة وستتطاير شطاياه الى كل دول الجوار السوري.

مثل هذا النظام الاخواني اذا ساد، فقد لا يعمر طويلا ، وتتوقع المصادر المتابعة اي يكون مصيره كمصير نظام محمد مرسي في مصر، حيث لم يدم سوى بضعة اشهر، والجميع يعرف كيف تم اسقاطه وبدعم من عرب وغير عرب.

لكن في حال حصول تفاهم عربي ـ تركي على نظام مشاركة تجمع كل المكونات السورية فيه (طائف سوري) من شأنه أن يجنب سوريا هذا الانقسام ويضعها على طريق التعافي ويعيدها الى موقعها الفاعل في قلب الوطن العربي،  والسؤال المطروح هنا هو: ما مدى امكانية حصول مثل هذا التوافق العربي ـ التركي؟ وماذا عن الاكراد الذين يحظون بالدعم الاميركي وتقع في مناطقهم معظم الثروات الطبيعية السورية؟بل ماذا عن الموقف الاميركي الذي اعلن رفضه ان يسود في سوريا حكم ذا طابع ديني؟ وماذا عن الاحتلال الاسرائيلي لجبل الشيخ ومساحات واسعة من الجنوب السوري تخطى المنطقة العازلة القائمة منذ حرب تشرين عام 1973 ليصل الى منطقة قطنة على مرمي حجر من دمشق؟ وماذا عن مستقبل العلاقة بين سوريا الجديدة ودول الجوار وعلى رأسها لبنان؟

والواقع ان القلق من الوضع السوري الجديد لا يقتصر على لبنان فقط وانما على الاردن والعراق ومن خلفهما بعض دول الخليج. وفي ما يخص لبنان تحديدا تكتسب زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لتركيا واجتماعاته مع القيادة التركية اهمية كبيرة في ظل التأكيدات والضمانات التركية للمسؤولين اللبنانيين بان قوى العارضة السورية المسلحة لن تدخل الى لبنان على خلفية ما كان سائدا ايام النظام السابق، علما ان تركيا اعطت ايران ايضا ضمانا مماثلا في شأن لبنان، الى جانب ضمانات بعدم تعرض السلطة السورية الجديدة للاقليات السورية وللمقامات الدينية وبالحفاظ على وحدة التراب السوري.
الى الآن تعلن السلطة الجديدة في سوريا انها ستقيم حكم الشراكة الذي يحفظ وحدة البلاد السورية الشعبية والترابية، وانها حريصة على مكونات الشعب السوري، وعلى العلاقة مع كل الدول العربية والصديقة لسوريا, والجميع يأمل ان تفعل ذلك حتى لا ينطبق عليها قول الشاعر:
"لا يخدعنك هتاف القوم بالوطن... فالقوم في السر غير القوم في العلن".
 

مقالات مشابهة

  • هذا هو العدو الأكبر المتربص بسوريا الجديدة الآن
  • الإدارة السورية الجديدة تبدأ تحركا أمنيا ضد فلول النظام المخلوع
  • حكومة سوريا الجديدة تحدد مهلة لتسليم أسلحة النظام السابق
  • ‏عربي21 ترصد تطلعات شباب دمشق في ظلال سوريا الجديدة (شاهد)
  • سوريا الجديدة ليست صيدًا سهلًا
  • قائد الإدارة السورية الجديدة يلتقي وفدا سعوديا في دمشق
  • مخاوف إسرائيلية من القيادة الجديدة في سوريا
  • سوريا الجديدة: ثلاثة نماذج حكم منها شبيه اتفاق الطائف
  • من هي أبرز الشخصيات التي تدير المشهد في سوريا الجديدة؟.. وزراء ومحافظون