موقع 24:
2025-03-30@10:25:43 GMT

هل تلتزم حكومة الشرع حقوق المرأة والأقليات؟

تاريخ النشر: 24th, December 2024 GMT

هل تلتزم حكومة الشرع حقوق المرأة والأقليات؟

تتعهد الحكومة السورية الجديدة بقيادة الإسلاميين بالاعتدال، لكن المسؤولين فيها لا يلتزمون بقضايا مثل حقوق المرأة أو الانتخابات الحرة.

سيتعين على الانتخابات الانتظار

وتقول صحيفة "وول ستريت جورنال" إن زعيم المتمردين الإسلاميين المنتصر أحمد الشرع، المعروف باسم "الجولاني" يمضي أيامه في التشاور مع المستشارين ومقابلة سيل من الزوار ـ الدبلوماسيين الأمريكيين وقادة تركيا والأردن وقطر والطوائف الدينية السورية.

ويريد الجميع أن يعرفوا نفس الشيء: كيف يخطط الشرع لحكم البلاد التي مزقتها الحرب والتي يبلغ تعداد سكانها 23 مليون نسمة؟

ويسعى الشرع الذي قاد الحملة التي أطاحت بنظام بشار الأسد، إلى الحصول على إجابة على هذا السؤال. وحتى الآن، تخلى الرجل الذي صنفته الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب الذي لفت انتباه العالم، عن زي القتال واستبدلها ببدلة رسمية.

وقاتل الشرع مع "القاعدة" في العراق ضد الولايات المتحدة، وفي السنوات الأخيرة سعى إلى إعادة صياغة نفسه كشخصية أكثر اعتدالاً، وروج لنوع براغماتي من السياسة الإسلامية. وهو الآن ينصح بالصبر.

طموحات كبيرة

وأبلغ إلى الصحافيين بعد انتصاره السريع أن "الناس لديهم طموحات كبيرة، ولكن اليوم يجب أن نفكر بشكل واقعي... سوريا لديها العديد من المشاكل، ولن يتم حلها بعصا سحرية".
وتسيطر جماعة الشرع المتمردة، التي كانت تدير لسنوات مساحة صغيرة من شمال غرب سوريا، الآن على دمشق العالمية وتحكم ملايين السوريين بما في ذلك العلويين والمسيحيين والأكراد. وفي حلب، أول مدينة تم الاستيلاء عليها في الهجوم الأخير، تركت المجموعة الكنائس دون مساس ووعدت بالحكم الشامل.
ويواجه الشرع وزعماء هيئة تحرير الشام، بالإضافة إلى مجموعات المقاومة المتحالفة، قرارات تفتح الباب لإعادة البناء السلمي بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية أو جولات جديدة من القتال الطائفي الذي تغذيه تدخلات القوى الخارجية.
والتحدي المباشر الذي يواجه الشرع هو الحفاظ على النظام والخدمات الحكومية.

وكانت مجموعته، هيئة تحرير الشام، تدير مدينة واحدة في جيب يسيطر عليه المتمردون ويسكنه خمسة ملايين شخص. لكن حكم البلاد بأكملها مهمة شاقة.

وينتشر الآن نحو 25 ألف مقاتل في أكبر المدن السورية، كما تعاني السلطات المدنية من ضغوط شديدة. 

Syria’s rebel leaders have control of the country. Now what? - The Wall Street Journal https://t.co/e98xPAb64L

— James Marion Gray (@GrayJMarion) December 24, 2024

وفي إحاطة مع الصحافيين، وصف عضو مكتب الشؤون السياسية في هيئة تحرير الشام محمد خالد قائمة المهام التي يتعين على المجموعة القيام بها: دمج الجماعات المتمردة في جيش وطني، وإعادة اللاجئين السوريين، وكتابة دستور، وتعيين موظفي الوزارات الحكومية.

وقال خالد إنه والشرع يتصوران فترة انتقالية مدتها سنة لوضع الإطار للحكومة الجديدة. وقالا إن القضايا الاجتماعية الساخنة مثل قواعد اللباس الخاصة بالنساء، ومعاملة المثليين ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسياً واستهلاك الكحول ستتم مناقشتها، وسيتعين على الانتخابات الانتظار.

نفوذ روسيا

على نطاق أوسع، سيشكل مسار سوريا نفوذ روسيا، التي لديها قواعد عسكرية في البلاد تعمل كموطئ قدم لها في الشرق الأوسط، وإيران، التي أرسلت قوات ميليشيا لدعم نظام الأسد واستخدمت سوريا منذ فترة طويلة كساحة لممارسة القوة الإقليمية.
ولا تزال الميليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة تسيطر على حوالي ثلث الأراضي السورية في الشمال الشرقي، لكنها تتعرض لضغوط متزايدة من تركيا، التي تتحالف إلى حد كبير مع الحكومة الجديدة التي يقودها الإسلاميون في دمشق.
وفي الجنوب، أرسلت إسرائيل قوات إلى منطقة عازلة بالقرب من مرتفعات الجولان واستولت على أرض مرتفعة تشرف على دمشق. وسعى الشرع إلى تجنب الاحتكاك مع إسرائيل، حتى بعد الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة.
وقالت باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي التي التقت بالشرع يوم الجمعة، إنها سمعت "بعض التصريحات العملية والمعتدلة للغاية حول قضايا مختلفة من حقوق المرأة إلى حماية الحقوق المتساوية لجميع المجتمعات".
وقالت ليف: "لقد كان أول اجتماع جيد. سنحكم على الأفعال، وليس فقط بالأقوال. "
وقالت دارين خليفة، المستشارة البارزة في مجموعة الأزمات الدولية والتي أجرت مقابلات مع الشرع: "في نهاية المطاف، هم عمليون، ومصلحون، وسياسيون، ولا يمكن مقارنتهم بالنظام من حيث سياساتهم... ولكنهم إسلاميون محافظون".
ويجادل بعض المسؤولين والمحللين الغربيين بضرورة إزالة تصنيف الولايات المتحدة للجماعة كمنظمة إرهابية. وقال روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق الذي دفع في البداية لإضافة جماعة الشرع إلى قائمة الإرهاب، إن الجماعة ربما لم تعد مؤهلة.
وقال: "بناءً على ما يفعلونه الآن، سيكون من الصعب تبرير إدراجهم على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية"، مشيراً إلى أن مقاتلي الجماعة قاتلوا وماتوا في معركة ضد "داعش" وسمحوا لسنوات لجمعية خيرية طبية مقرها الولايات المتحدة بإدارة مستشفى في إدلب.
وقال فورد، السفير الأمريكي السابق في سوريا: "لا أعتقد أن لديهم خطة مفصلة بعد. أعتقد أنهم، جزئياً، يرتجلون الأمر".

نشأة الشرع

نشأ الشرع، الذي ولد عام 1982 في المملكة العربية السعودية، في دمشق. وأمضى خمس سنوات في معسكر سجن أمريكي في العراق بعد صعوده في صفوف تنظيم القاعدة في وقت شنت فيه الجماعة المسلحة هجمات على القوات الأمريكية والمدنيين الشيعة.
في عام 2011، أرسل أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم القاعدة في العراق، الشرع إلى سوريا لتشكيل مجموعة محلية بعد بدء الثورة ضد الأسد. ويشير الاسم الحربي للشرع، الجولاني، الذي يعني شخصًا من الجولان، إلى جذور عائلته في مرتفعات الجولان. ونزح جده أثناء استيلاء إسرائيل على المنطقة في حرب الأيام الستة عام 1967. 

Syria is becoming Libya on steroids.

As I wrote a week ago, Netanyahu's approval of a cease-fire with Hezbollah showed that another major action was brewing in the background, in Syria.

Erdogan and Netanyahu managed to push Assad from power, with their terrorist minions.… pic.twitter.com/XE2X4MZNDD

— Megatron (@Megatron_ron) December 10, 2024

واكتسب الشرع شعبية كبيرة بفضل النجاحات العسكرية التي حققها ضد نظام الأسد والخدمات الاجتماعية التي قدمتها مجموعته، وفقاً لأرون زيلين، المحلل الأمني في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى، وكتابه عن هيئة تحرير الشام.
وشكلت "هيئة تحرير الشام" حكومة يقودها إسلاميون وتضم محاكم ونظاماً مدرسياً في إدلب، وأطلقت حملة للقضاء على "داعش" وفتحت المنطقة أمام المنظمات غير الحكومية الأجنبية. وعلى مدى سنوات، حاولت هيئة تحرير الشام أن تنأى بنفسها عن حلفائها السابقين في عالم التطرف العنيف وحظرت الهجمات في الخارج.
ويقول الشرع ومساعدوه، الذين يتولون المسؤولية الآن، إنهم بحاجة إلى احترام تنوع سوريا.
وقال خالد، مسؤول مكتب الشؤون السياسية، الأسبوع الماضي: "الناس لديهم ثقافات مختلفة"، وفي الوقت نفسه، "هوية سوريا سورية، ومعظم سكانها مسلمون".

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الجولاني الأسد سوريا روسيا وإيران سقوط الأسد الجولاني الحرب في سوريا هيئة تحرير الشام روسيا إيران الولایات المتحدة هیئة تحریر الشام

إقرأ أيضاً:

إبراهيم هنانو.. قصة الثائر الذي أحرق أثاثه من أجل سوريا

يعد إبراهيم هنانو أحد أبرز رموز النضال السوري ضد الاستعمار الفرنسي، وقائدًا استثنائيًا، ترك بصمة لا تُنسى في تاريخ البلاد في مرحلة حرجة امتدت إلى ربع قرن من الاحتلال.

لم يكن الرجل مجرد ثائر يحمل السلاح، بل جسّد بمواقفه وشجاعته معنى المقاومة، واشتهرت عنه جملة خالدة، قالها عشية إعلان الثورة التي قادها: "لا أريد أثاثًا في بلد مستعمر"، وهي العبارة التي أصبحت رمزًا للعزيمة ورفض الاحتلال.

وتعد قصة هنانو أكبر من مجرد سيرة ذاتية لقائد بزغ نجمه في فترة من التاريخ؛ بل هي شهادة حيّة على صراع شعب من أجل حريته وهويته في مواجهة قوى استعمارية.

من الميلاد إلى الثورة

وُلد إبراهيم بن سليمان آغا بن محمد هنانو لعائلة ثرية في بلدة كفر تخاريم غرب إدلب في عام 1869، ونشأ في حلب حيث أكمل فيها تعليمه الثانوي قبل أن يسافر إلى إسطنبول لدراسة الحقوق، وهناك انضم إلى جمعية الاتحاد والترقي، وشغل لاحقا مناصب إدارية في الدولة العثمانية.

أثناء إقامته في إسطنبول تزوج من فتاة أحبها، تعود أصولها إلى مدينة أرضروم شرق الأناضول، ورُزق منها بابنته نباهت، وبعد 12 عامًا من ولادتها أنجبت له ابنه طارق، بيد أنها فارقت الحياة بعد 15 يومًا من ولادته.

وعقب إكمال دراسته، عُيّن مديرًا لناحية في ضواحي إسطنبول لمدة 3 سنوات، ثم نُقل إلى نواحي أرضروم حيث تولّى بها منصب قائم مقام لمدة 4 سنوات، ثم عُيّن قاضي تحقيق في كفر تخاريم، حيث استمر في هذا المنصب قرابة 3 سنوات.

إعلان

لاحقًا انتُخب عضوًا في مجلس إدارة حلب لمدة 4 سنوات، ثم عُيّن رئيسًا لديوان الولاية لمدة عامين أثناء ولاية رشيد طليع، الذي دعمه وشجّعه على قيادة الثورة في الشمال بالتنسيق مع الملك فيصل.

كما انتُخب ممثلًا عن مدينة حلب في المؤتمر السوري العام بدمشق في دورته بين عامي 1919 و1920.

إبراهيم هنانو (الرابع من اليمين) مع وجهاء حلب (مواقع التواصل ) هنانو الثائر في وجه الفرنسيين

في صيف عام 1920 وجّه الجنرال هنري غورو إنذارا إلى الحكومة السورية التي كان يقودها الملك فيصل بن الحسين تضمّن عدة شروط، كان منها تسليم الخط الحديدي رياق-حلب، وحلّ الجيش السوري، وقبول الانتداب الفرنسي، إلى جانب فرض العُملة الورقية الفرنسية وإجراء تغييرات في الحكومة.

وبعد مشاورات مع الأعيان، انصاع الملك فيصل بن الحسين للإنذار وأبلغ غورو بذلك في برقية رسمية. أما القادة العسكريون فقد رفضوا هذه الشروط المهينة، وأعد يوسف العظمة وزير الحربية خطة دفاعية قسّم فيها سوريا إلى عدة جبهات استعدادا لمواجهة الفرنسيين.

وعقب هزيمة الجيش السوري في معركة ميسلون واستشهاد العظمة، قسمت سلطات الانتداب الفرنسي سوريا الشمالية إلى 5 كيانات، وهي دولة دمشق، ودولة حلب، ودولة جبل العلويين، ودولة لبنان الكبير، ودولة جبل الدروز.

وفي تلك الأثناء عيّنت سلطات الانتداب، صبحي الحديدي، رئيسًا لدولة حلب، بدلًا من إبراهيم هنانو الذي حاول السيطرة عليها مع الثوار دون جدوى.

كان هنانو منذ عام 1919 يدرك الخطر الفرنسي على سوريا، بل وعلى مناطق قليقية التي كان يحتلها الفرنسيون في جنوب الأناضول.

غورو وجه إنذارا إلى الحكومة السورية طالبها بحل الجيش السوري وقبول الانتداب الفرنسي (الجزيرة)

وفي أواخر ذلك العام، عُقد اجتماع في منزل قائم مقام إدلب عمر زكي الأفيوني، برئاسة إبراهيم هنانو، وحضره كبار ووجهاء إدلب والمناطق المجاورة كجسر الشغور وغيرها، كما شارك عدد من الوطنيين من أنطاكية والحفة واللاذقية بهدف تنظيم شؤون الثورة ومقاومة الاحتلال.

إعلان

وفي ذلك الاجتماع، تم الاتفاق على تكليف هنانو بتشكيل قوات عربية من المجاهدين على هيئة مجموعات قتالية لمشاغلة القوات الفرنسية التي كانت قد احتلت أنطاكية، وكانت المدينة سابقًا تحت سيطرة عزّة هنانو، شقيق إبراهيم، لكنه اضطر إلى تسليمها تنفيذا لأوامر الحكومة العربية في سوريا.

وكما يذكر محمود صافي في كتابه "سوريا من فيصل الأول إلى حافظ الأسد"، أن هنانو أعلن حينئذ بدء الثورة بحرق أثاث منزله، مؤكدًا موقفه بعبارته الشهيرة: "لا أريد أثاثًا في بلد مستعمر"، وعقب ذلك اندلع أول اشتباك مسلح بين الثوار والقوات الفرنسية في 23 أكتوبر/تشرين الأول 1919، حيث استمر القتال نحو 7 ساعات.

تمكنت فرق المتطوعين من الثوار بقيادة هنانو من تحقيق نجاحات ضخمة، مما زاد من شهرته والتفاف الناس حوله، ووصلت حماسة الثورة إلى حد أن ابنته طلبت مهرا غير تقليدي ومحفّزا للثوار، وهو 5 رؤوس جنود فرنسيين!

الملك فيصل الأول وقع معاهدة الانتداب مع فرنسا مما أثار غضبا شعبيا (غيتي)

ولكن في عام 1920، وقع الملك فيصل معاهدة الانتداب مع فرنسا، مما أثار رفضًا واسعًا بين السوريين.

ومع تصاعد الضغط الفرنسي، وانسحاب فيصل من سوريا، واجه إبراهيم هنانو صعوبات كبيرة بسبب نقص السلاح والعتاد، ما دفعه إلى اللجوء إلى أصدقائه الأقدمين في تركيا لطلب العون، وقد سافر لمقابلة مصطفى كمال أتاتورك وطلب دعمه.

وفعلا نجح هنانو في الحصول على كميات كافية من السلاح والذخيرة من تركيا، مما مكّنه من إلحاق خسائر فادحة بالقوات الفرنسية في جميع المواجهات، سواء في الأفراد أم العتاد.

وقد خاض بنفسه 27 معركة ضد الفرنسيين، كان من أبرزها معركة مزرعة السيجري، حيث نجح في أسر عدد من الجنود الفرنسيين، الأمر الذي يذكره جميل شاكر خانجي في كتابه "ثوار صنعوا الاستقلال"، كما تمكن هنانو من استعادة مناطق واسعة من السيطرة الفرنسية، بما فيها مسقط رأسه كفر تخاريم.

موكب الجنرال هنري غورو في حلب (مواقع التواصل) تحوُل في مسار الثورة

وعلى إثر ذلك، دخل الفرنسيون دمشق ثم حلب لقمع الثورة، مما دفع إبراهيم هنانو وقواته إلى اللجوء إلى جبل الزاوية، في المنطقة الواقعة بين حماة وحلب وإدلب.

إعلان

ومع تزايد أعداد المنضمين إليه هناك، تمكن من إنشاء قاعدة عسكرية، واتخذ المنطقة مقرا لقيادته، وأطلق عليه أتباعه لقب "المتوكل على الله" نظرًا لتكراره عبارة "توكلنا على الله" كلما قاد قواته في هجمات ضد الفرنسيين.

لاحقًا نقل هنانو قيادته إلى جبل الأربعين، وازداد عدد أتباعه بسرعة بعد تحقيقه عدة انتصارات على الفرنسيين، ولذلك أعلن قيام دولة حلب وأسس حكومة مستقلة تحت إدارته.

وقد دفع هذا التطور الفرنسيين إلى فتح قنوات تفاوض معه، مثلهم فيها، الكولونيل فوان والجنرال غورو، غير أن هنانو اشترط إيقاف تحركات القوات الفرنسية قبل البدء في أي مفاوضات.

وكما يذكر فايز قوصرة "الثورة العربية في الشمال السوري"، فإنه مما لا شك فيه أن الإصابات التي ألحقها الثوار السوريون بالقوات الفرنسية في عامي 1920 و1921 كانت شديدة، وهو ما يظهر من إحصاءات قدمتها الحكومة الفرنسية إلى مجلس النواب الفرنسي في جلسته بتاريخ 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1925.

فقد أُعلن أن عدد الجنود الفرنسيين الذين قُتلوا في عام 1920 بلغ 2893، وفي عام 1921 بلغ العدد 2032 قتيلًا، ثم انخفض العدد في 1922 بعد القبض على هنانو إلى 636 قتيلًا، ليعود ويقفز من جديد إلى 5885 قتيلًا خلال ثلاثة أشهر فقط (من 15 يوليو/تموز إلى 15 أكتوبر/ تشرين الأول 1925) خلال الثورة السورية الكبرى التي اندلعت فيما بعد.

ولكن بعد توقيع مصطفى كمال أتاتورك اتفاقية مع فرنسا لانسحابها من تركيا، أوقف دعمه الثوار السوريين، الأمر الذي أضعف موقف إبراهيم هنانو في المفاوضات، وأصر الفرنسيون على أن تكون الدولة التي يطالب بها، والتي تضم إدلب، وحارم، وجسر الشغور، وأنطاكية، خاضعة لقيود عسكرية تفرضها فرنسا، وهو ما رفضه هنانو بشدة، معتبرًا ذلك اتفاقًا مذلا.

لاحقًا، اكتشف هنانو، أن الفرنسيين كانوا يناورون لكسب الوقت، حيث كانوا يحشدون قواتهم على الساحل السوري، إذ تمكّن الجنرال غورو من جمع 100,000 جندي هناك، بعد انسحابهم من جنوب تركيا التي كانوا يحتلونها منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى، بينما كانت المفاوضات مجرد وسيلة لإلهاء هنانو ورفاقه عن الاستعدادات العسكرية الفرنسية.

بعد توقيع أتاتورك اتفاقية مع فرنسا بانسحابها من تركيا أوقف دعمه الثوار السوريين فضعف موقف هنانو في المفاوضات (غيتي) اتصالاته بلينين

يروي يوسف إبراهيم يزبك في كتابه "حكاية أول نوار في العالم وفي لبنان" حادثة لافتة حيث أخبره إبراهيم هنانو، ذات ليلة أثناء إقامته الصيفية في بحمدون بلبنان، أن فلاديمير لينين أرسل إليه ضابطًا من القوقاز كان قد تعرف إليه هنانو قبل سنوات، عندما عملا معًا في خدمة الحكومة العثمانية في ولاية حلب.

إعلان

كان الضابط يحمل رسالة مكتوبة باللغة التركية، يعرض فيها دعم الثورة السورية التي حمل لواءها هنانو ورفاقه من فلاحي جبل سمعان في مواجهتهم الاحتلال الفرنسي عقب نكبة ميسلون.

وعندما سأل يزبك الزعيم عن مصير تلك الرسالة، أجاب: "لم تكن رسالة واحدة، بل عدة رسائل تبادلتها مع زعيم البلشفية، لإشعال نيران الثورات ضد الفرنسيين والإنجليز في تركيا، وسوريا، والعراق، وفلسطين، ومصر، وكان لينين مخلصًا في عرضه، لكنه أراد أن تكون الثورات نابعة من الشعوب الإسلامية نفسها".

ويؤكد الأمر نفسه محمد جمال باروت في كتابه "العلاقات العربية التركية" إذ إن الثورة البلشفية يومها، كانت حريصة على التحالف مع زعماء الأقطار العربية لنشر الشيوعية فيها للوقوف ضد الإمبريالية الغربية؛ فرنسية كانت أم إنجليزية.

باروت: الثورة البلشفية بزعامة لينين كانت حريصة على التحالف مع زعماء الأقطار العربية لنشر الشيوعية فيها (مواقع التواصل) الأسر والمحاكمة وسنوات النضال السياسي

في كل الأحوال، لم يكن الفرنسيون ليتركوا هنانو طليقا بعد هذه النجاحات الكبرى التي حققها، فأصدروا في حقه 4 أحكام غيابية بالإعدام عن طريق محكمة الجنايات العسكرية.

ومع تشديد السيطرة الفرنسية على الطرق وانقطاع الإمدادات العسكرية، اضطر هنانو في يوليو/تموز 1921 إلى مغادرة معاقله متجها جنوبًا، آملًا في التفاوض مع الشريف عبد الله في شرق الأردن.

لكن رحلته لم تكن آمنة، فبينما كان يعبر جبل الشعر قرب حماة في 16 يوليو/تموز 1921، وقع في كمين عنيف في معركة مكسر الحصان، حيث فقد معظم رجاله، لكنه استطاع الفرار بأعجوبة، لتكون تلك المعركة إيذانًا بانتهاء ثورته.

ومع ذلك، لم يكن الشريف عبد الله متحمسًا لأفكار هنانو السياسية، مما حال دون لقائهما، الأمر الذي اضطره إلى مواصلة طريقه إلى القدس وكان يريد الوصول إلى القاهرة لعله يجد في مصر داعما لثورته.

إعلان

ولكن في فلسطين تمكنت القوات البريطانية المتحالفة مع الفرنسيين من القبض عليه في 13 أغسطس/آب 1921، ليبدأ فصل جديد من المواجهة مع الاحتلال.

فبعد القبض على إبراهيم هنانو قُدِّم إلى محكمة الجنايات العسكرية الفرنسية بتهمة الإخلال بالأمن والقيام بأعمال إجرامية، وقد انعقدت أولى جلسات المحاكمة في 15 مارس/آذار 1922 وسط إجراءات أمنية مشددة.

فتح الله صقال أبرز محامي حلب تولى الدفاع عن هنانو (مواقع التواصل)

تولّى فتح الله صقال -أبرز محامي حلب آنذاك- الدفاع عن هنانو، حيث أكد أن التهمة باطلة، لأنه كان خصما سياسيا يسعى إلى تحرير بلده وليس مجرمًا، وأوضح أن الفرنسيين أنفسهم قد قبلوا بالتفاوض معه مرتين ووقعوا معه هدنة، ما يثبت شرعية نضاله السياسي.

وهذا ما أكده هنانو حين وجّه إليه القاضي الفرنسي تهمة تكوين عصابات من الأشقياء للإخلال بالأمن العام واستهداف الفرنسيين، قائلا: "إنني لا أعد مجرما؛ لأن أمرنا سياسي صرف، إنني متهم سياسي ولو كنتُ مجرما لما فاوضني ممثلكم الجنرال غوبو لعقد هدنة ومبادلة الأسرى"، كما يذكر فايز قوصرة في كتابه السابق.

وخلال المحاكمة، قال رئيس المجلس العرفي العسكري لهنانو: "إن الشعب السوري لم يطلب منك إعلان الثورة؟" لكن قبل أن يجيب هنانو، وقف صديقه في النضال سعد الله الجابري: "إننا نحن الذين طلبنا من الزعيم هنانو مقاتلتكم، ولن نتخلى عن قتالكم، ما دام فينا وطني واحد، حتى تخرجوا من بلادنا".

في 25 مارس 1922م، طالب النائب العام الفرنسي المحكمة بإعدام هنانو، قائلاً: "لو أن لهنانو سبعة رؤوس لطلبت قطعها جميعًا".

لكن القاضي الفرنسي فاجأ الجميع بإطلاق سراح هنانو، معتبراً ثورته ثورة سياسية مشروعة، ومؤكدًا استقلالية السلطة القضائية الفرنسية عن السلطة العسكرية، ولكن في ما يبدو فإن احتشاد 30 ألف ثائر سوري في أثناء محاكمة هنانو في داخل المحكمة وخارجها هو الذي اضطر الفرنسيين لهذا القرار.

من اليسار إلى اليمين: شكري القوتلي وسعد الله الجابري ورضا الشوربجي والشيخ صالح العلي وخلفهم أديب خير (يسار) وإبراهيم هنانو (مواقع التواصل)

وقد لعب هنانو عددا من الأدوار السياسية بعد الإفراج عنه، فكان أحد الأعضاء البارزين في الكتلة الوطنية، كما تولى زعامة الحركة الوطنية في شمال سوريا، ولهذا السبب عين في عام 1928 رئيسًا للجنة الدستور في الجمعية التأسيسية لوضع الدستور السوري.

إعلان

ورغم ذلك سعى المفوض السامي الفرنسي إلى تعطيل عمل الجمعية التأسيسية وإجهاض الدستور الوليد، مما أدى إلى اندلاع مظاهرات حاشدة طالبت بتنفيذ بنود الدستور، وفي عام 1932، انتُخب زعيمًا للكتلة الوطنية في مؤتمرها.

وفي عام 1933، كان له دور حاسم في استقالة حكومة حقي بيك العظم بعد نية الحكومة الموافقة على المعاهدة الفرنسية.

وكما يذكر أدهم آل جندي في كتابه "تاريخ الثورات السورية في عهد الانتداب الفرنسي" فإنه في سبتمبر/أيلول 1933م تعرض هنانو لمحاولة اغتيال عندما أطلق عليه شخص يُدعى نيازي الكوسا النار أثناء وجوده في قريته، إلا أن الرصاص أصاب قدمه فقط.

ونظرا للضجة الكبرى التي أحدثها الناس الذين تقاطروا بالآلاف للاطمئنان عليه من حلب وغيرها، قُبض على الكوسا في أنطاكية وحُكم عليه بالسجن مدة 10 سنوات، لكن المفاجأة كانت في العفو الخاص الذي أصدره المفوض السامي الفرنسي بحق هذا المتهم، ما أثار الشكوك وأدى إلى اعتقاد الجميع بوجود علاقة بين الفرنسيين وحادثة الاغتيال.

تشييع جنازة إبراهيم هنانو في جامع الصديق في حي الجميلية عام 1935 (مواقع التواصل الاجتماعي) النهاية

في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 1935، بينما كان إبراهيم هنانو في قريته "السيدة عاتكة" يشرف على أعماله الزراعية فقد أصيب بأزمة قلبية حادة، وحين كانت تفيض روحه إلى بارئها أُثر عنه قوله لمن حوله: "قولوا لإخوتي الوطن بين أيديهم"، وقد صُلي عليه لاحقا في المسجد الأموي بدمشق.

ولهذه المكانة الكبرى للقائد الثوري والوطني السوري إبراهيم هنانو، وعقب دفن الجثمان تسابق الخطباء والشعراء والصحف إلى تأبينه، وكان من الخطباء مشاهير من الشخصيات السورية وقتئذ، مثل فارس الخوري، وصبري العسلي، وعبد الرحمن الكيالي، والشاعر عمر أبو ريشة.

مقالات مشابهة

  • حكومة سورية جديدة تمنح الشرع مزيداً من الوقت لكسب الثقة
  • السعودية.. تكهنات حول جنسية المرأة التي صفعت رجل أمن في الحرم مع استمرار التفاعل
  • معاريف: حكومة نتنياهو تشتبه في أن التظاهرات التي خرجت في غزة حيلة من حماس
  • معاريف: حكومة نتنياهو تشتبه أن التظاهرات التي خرجت في غزة حيلة من حماس
  • يوم تاريخي في سوريا.. إعلان تشكيل أول حكومة بإرادة حرة
  • الشرع يصدر مرسوما بتشكيل حكومة جديدة من 27 وزيرا ورئيس وزراء
  • حارات الشام القديمة تسرد حكاياتها قبل حلول عيد الفطر المبارك
  • خيارات المليشيا بعد الهزيمة التي تلقتها من الدندر وحتى جبل اولياء ومهرجانات تحرير الخرطوم
  • ماذا يعني تحرير الخرطوم؟
  • إبراهيم هنانو.. قصة الثائر الذي أحرق أثاثه من أجل سوريا