خيانة الماركسية وكيف تحولت الحركة الشيوعية السودانية إلى قبيلة فكرية؟
تاريخ النشر: 24th, December 2024 GMT
في منصات التواصل الاجتماعي الحديثة مثل كلوب هاوس، يُفترض أن تُتاح مساحات للنقاش المفتوح وتبادل الأفكار بحرية، خاصة بين جماعات تتبنى الفكر الماركسي الذي يرتكز على الحوار والنقد البناء. ومع ذلك، يبدو أن بعض الممارسات التي شهدتها هذه المنصات، خصوصًا من قبل بعض الشيوعيين، تتناقض مع هذه القيم الأساسية.
تظهر أزمة الحوار في هذه المنصات عندما يتم منع فرصة الحديث وطرد المنتقدين في غرف كلوب هاوس التي تجمع شيوعيين وماركسيين.
رفض النقد الداخلي أو الخارجي لأي مبادرة فكرية أو تنظيمية يشكل تهديدًا لاستمرارية وتطور الفكر الماركسي. يعتمد الفكر الماركسي على النقد الذاتي لفهم الواقع وتحسين الأدوات النظرية والتنظيمية، ورفض النقد يؤدي إلى الجمود الفكري والتنظيمي، مما يُفقد الحركة قدرتها على التطور ومواكبة التحديات الجديدة. يُعد التعامل العقلاني مع الأصوات المختلفة خطوة أساسية لتعزيز الحوار الفكري، وإقصاء الماركسيين المستقلين أو غير المنتمين تنظيميًا يُضعف الحركة ويُفقدها التنوع الضروري لفهم الواقع وتحقيق التغيير المنشود.
تعزيز ثقافة الحوار في هذه المنصات أمر ضروري.
ويجب أن تكون منصات مثل كلوب هاوس مساحات مفتوحة لجميع الأصوات، بغض النظر عن الانتماءات التنظيمية. ومن الضروري التمييز بين الالتزام الفكري بالماركسية والانتماء الحزبي، مع احترام التنوع الفكري داخل الحركة. التأكيد على أن الماركسية حركة أممية تُعلي من شأن التضامن القائم على المبادئ المشتركة وليس القبلية الحزبية يُعد من الأولويات. النقد يجب أن يُستقبل بروح إيجابية ويُرد عليه بعقلانية، مما يُثري النقاش ويُقوي الحركة.
إن سلوك الإقصاء الذي ظهر في غرف كلوب هاوس، من قبل بعض الشيوعيين، يعكس انحرافًا خطيرًا عن جوهر الفكر الماركسي. إذا أرادت هذه الجماعات البقاء ذات صلة بالساحة الفكرية والسياسية، فعليها التخلي عن هذا النهج الإقصائي وتبني رؤية أكثر شمولًا وتقبلًا للآخر المختلف. إن الماركسية ليست مجرد عضوية حزبية، بل هي منهج لتحليل الواقع وتغييره، ولا يمكن أن تُحقق أهدافها إلا بانفتاح فكري وتعددية حقيقية.
في العصر الرقمي، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي أدوات فعالة لتبادل الأفكار والنقاشات الفكرية. ومع ذلك، فإن ما يُفترض أن يكون ساحة مفتوحة للحوار البناء قد يتحول إلى ساحة للإقصاء والانغلاق، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمجموعات ذات الطابع الفكري أو السياسي. في هذا السياق، تُطرح تساؤلات حول ممارسات الشيوعيين والماركسيين في منصات مثل كلوب هاوس، حيث يُلاحظ ميلٌ نحو الانغلاق والقبلية التنظيمية بدلاً من تعزيز الحوار الفكري.
الإشكالية: انحراف الممارسة الفكرية
في منصات مثل كلوب هاوس، تُتاح مساحات للنقاش المفتوح، ولكن السلوكيات السائدة داخل بعض غرف الماركسيين والشيوعيين تشير إلى تناقض واضح مع القيم الأساسية للفكر الماركسي. هناك ميل لطرد الأصوات المنتقدة وحرمانها من فرصة المشاركة، حتى عندما تأتي هذه الأصوات بطرح أكاديمي أو رؤية مختلفة. هذا السلوك لا يعكس فقط غياب الثقة في مواجهة النقد، بل يُظهر انحرافًا خطيرًا نحو القبلية، حيث يُصبح الانتماء التنظيمي معيارًا لقبول الآراء، بينما يتم إقصاء من يختلفون عن هذا الإطار.
القبلية التنظيمية وتهديد الأممية
الفكر الماركسي يُفترض أن يكون حركة أممية قائمة على التضامن والنقد الذاتي. ومع ذلك، فإن اختزال الماركسية في ممارسات حزبية ضيقة يُضعف من جوهرها. عندما تُغلَّب الولاءات التنظيمية على المبادئ الفكرية، تتحول الأحزاب إلى كيانات مغلقة، تُشبه القبائل التي ترفض الحوار وتُقصي المختلف. هذا الانغلاق يُضعف الحركة الشيوعية ويُفقدها القدرة على التفاعل مع التحديات الجديدة، مما يؤدي إلى جمود فكري وتنظيمي.
جذور الأزمة: بين التاريخ والتنظيم
الإرث التاريخي للسرية , نشأت الأحزاب الشيوعية في ظروف قمعية جعلتها تميل إلى السرية والانغلاق. وعلى الرغم من تغيُّر الظروف، إلا أن بعض هذه النزعات ما زالت تُمارس اليوم في النقاشات الفكرية.
غياب النقد الذاتي - أن النقد الذاتي ليس مجرد أداة لتحسين الأداء التنظيمي، بل هو جوهر الممارسة الماركسية. رفض النقد الداخلي والخارجي يؤدي إلى تآكل الفكر الماركسي من الداخل.
تحديات منصات التواصل _منصات التواصل مثل كلوب هاوس، بطبيعتها، تتيح إمكانية النقاش المفتوح. ومع ذلك، فإن سوء استخدامها يُنتج بيئة تُعزز الهيمنة الفكرية والإقصاء بدل الحوار.
تأثير الإقصاء على الحركة الماركسية
رفض النقد وإقصاء الماركسيين المستقلين أو غير المنتمين تنظيميًا يُضعف التنوع الفكري داخل الحركة، وهو عنصر أساسي لفهم الواقع وتحقيق التغيير المنشود. عندما يتم قمع الأصوات المختلفة، فإن ذلك يؤدي إلى جمود الحركة وفقدانها القدرة على تقديم حلول حقيقية للتحديات الراهنة.
سُبُل الإصلاح: نحو ثقافة حوار مفتوح
إعادة إحياء الأممية . ومن الضروري التركيز على البُعد الإنساني والكوني في الماركسية بدل الحزبية الضيقة. الأممية تقتضي تضامنًا مبنيًا على المبادئ المشتركة وليس على الولاءات التنظيمية.
تعزيز ثقافة الحوار لابد من نشر ثقافة نقاش تحترم التعددية وتشجع على تقبل النقد. هذا يتطلب تدريبًا عمليًا على الحوار الفكري واستقبال الآراء المختلفة.
خلق مساحات بديلة ويجب توفير قنوات جديدة للماركسيين المستقلين وغير المنتمين تنظيميًا، مما يتيح لهم فرصة المشاركة في النقاشات وإثراء الحركة.
ما يحدث في منصات التواصل الاجتماعي مثل كلوب هاوس يكشف عن أزمة أعمق في بنية التفكير لدى بعض الشيوعيين والماركسيين. إذا أرادت هذه الجماعات البقاء ذات صلة بالساحة الفكرية والسياسية، فعليها التخلي عن النهج الإقصائي وتبني رؤية أكثر شمولًا وانفتاحًا. الماركسية ليست مجرد عضوية حزبية؛ إنها منهج لتحليل الواقع وتغييره، ولا يمكن تحقيق أهدافها إلا بالانفتاح الفكري والتعددية الحقيقية.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: منصات التواصل النقد الذاتی على المبادئ ی النقاش فی منصات یؤدی إلى ومع ذلک
إقرأ أيضاً:
نيويورك تايمز: تدمر الأثرية تحولت إلى أطلال
زار مدير مكتب صحيفة نيويورك تايمز بالشرق الأوسط، بن هوبارد، ضمن مجموعة من مراسلي وسائل إعلام أخرى مدينة تدمر الأثرية في ريف حمص وسط سوريا، وكتب تقريرا يرصد معالمها ويقف على آثار الدمار الذي خلفته الحرب الأهلية التي استمرت 13 عاما.
ولاحظ في تقريره أن الأعمدة الحجرية الشاهقة لمدينة تدمر التاريخية لا تزال تشرئب بشكل مهيب من بين رمال الصحراء، وتنتصب شامخة على الجادة الرئيسية التي كانت تربط بين معابدها وأسواقها ومسرحها الروماني المكشوف.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إعلام إسرائيلي: شهادة رئيس الشاباك زلزال سياسي ونتنياهو يجب أن يرحلlist 2 of 2هولندا تصدّر كلابا مدربة إلى إسرائيل تستخدم في تعذيب الفلسطينيينend of listولا تزال قلعتها التي تقع على قمة التل تتيح إطلالات خلابة على حطام المدينة التي كانت شاسعة ومصانة بشكل جيد وجذبت إليها المستكشفين وعلماء الآثار والسياح لمئات من السنين خلت.
أقواس وتماثيل ومعابدوعند الاقتراب من المدينة -حسب تقرير الصحيفة- يبدو الدمار الذي نجم عن المعارك واضحا؛ حيث يرى المرء أقواسا تاريخية وقد سقطت بفعل الانفجارات، وتماثيل طمس معالمها من وصفهم المراسل بالمتطرفين، ومعابد استحالت إلى أكداس من الأنقاض.
ومنذ أن وضعت الحرب الأهلية أوزارها في ديسمبر/كانون الأول الماضي بإطاحة الرئيس بشار الأسد، والسوريون والسياح الأجانب، على ندرتهم، يزورون تدمر لمشاهدة أحد أكثر المواقع التراثية المذهلة في البلاد، والتفكر في كيفية اندماجها في مستقبل سوريا.
إعلانوينقل مراسل الصحيفة عن طبيب سوري مقيم في فرنسا يدعى زياد العيسى، زار تدمر مؤخرا مع بعض أصدقائه، القول إن ثمة حضارة "كانت هنا في هذا المكان، ورغم القصف والدمار، فهي لا تزال ماثلة"، مضيفا أن ما شاهده هناك يغيّر الصورة الراسخة في أذهان الناس عن سوريا وعن الدمار والحرب.
وفي أثناء حديثه، سُمع صوت انفجار هز الأرض، قال السكان المحليون إنه ناجم عن انفجار لغم أرضي زُرع أثناء الحرب.
ووفقا لمعظم التقديرات، فقد أسفر الصراع في سوريا عن تدمير المواقع التاريخية المنتشرة في بلاد كانت مركزا للعديد من حضارات الشرق الأوسط القديمة، كما أدى إلى نزوح أكثر من نصف سكانها البالغ عددهم 22 مليون نسمة قبل الحرب، ومقتل أكثر من 500 ألف شخص.
ورغم ما تتمتع به سوريا من ثراء أثري، فإن تدمر التي تضم بقايا آثار تاريخية هائلة لمدينة عظيمة، كانت من أهم المراكز الثقافية في العالم القديم، بحسب منظمة اليونسكو التي أدرجتها ضمن قائمة المواقع التراثية العالمية في عام 1980.
ويقول هوبارد في تقريره، إن حجم وجمال الموقع يأسر الألباب، على الرغم من أن بعض المعالم الأثرية المعروضة قد تضررت بشدة لدرجة أنه من الصعب تخيّل كيف كانت تبدو.
ويضيف أن تدمر كانت واحة في الصحراء واندمجت في الإمبراطورية الرومانية في القرن الأول الميلادي ونمت لتصبح محطة رئيسية على طول طريق الحرير وحكمتها لفترة من الزمن الملكة زنوبيا.
وقد ظل لتدمر، التي تمزج بين العمارة اليونانية والرومانية والفارسية، تأثير عبر القرون بعد أن حكمها البيزنطيون والعرب والفرنسيون.
وعقب اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011، جعل موقع تدمر الإستراتيجي من المدينة ساحة معارك بين الثوار المناهضين للحكومة والقوات السورية والجيش الروسي والمليشيات الأفغانية المدعومة من إيران.
إعلان تخريب متعمدوأشار التقرير إلى أن كل تلك المجاميع القتالية تركت بصماتها على المدينة، لكن تنظيم الدولة الإسلامية -على وجه الخصوص- الذي استولى على تدمر في عام 2015 شنّ عمليات تخريب متعمدة للتماثيل والآثار التي تعود إلى أديان أخرى غير الإسلام.
ونسف التنظيم مواقع دينية، من بينها معبد بعل شمين الأثري الذي يعود بناؤه إلى ما قبل ظهور الإسلام، كما يفيد مراسل الصحيفة الذي قال إنه لم يتبق من المعبد الآن سوى رواقه المستطيل الشكل، إلى جانب مجموعة من الكتل الحجرية الكبيرة، بعضها مزيّن بأوراق الشجر والعنب المنقوشة.
وقال البائع المتجول محمد عوّاد (36 عاما)، وهو مستلقٍ في الظل بالقرب من المسرح الروماني المُدَرّج، إن المعارك جعلت المدينة غير صالحة للعيش.
مقاتلون من جنسيات عديدةوأضاف أن أعدادا من الأفغان والإيرانيين والروس ومقاتلي حزب الله اللبناني وشيشانيين مروا جميعا عبر تدمر، معربا عن توقه لرؤية السياح الأجانب يعودون لزيارة المدينة.
وذكر هوبارد في تقريره أن إيران ولواء "فاطميون" التابع لها من رجال المليشيات الأفغانية الذين استُقدموا للقتال إلى جانب الجيش السوري، استولوا على فندق ديدمان تدمر الواقع في طرف المدينة.
واتخذ أولئك المقاتلون من الفندق سكنا لهم، وكتبوا على جدرانه شعارات تُمجد المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي، وتستنهض همم القوات.
بَيد أن الصحيفة تشير إلى أن تلك الشعارات اختفت الآن. أما مباني الفندق فقد دكّتها الغارات الجوية وتناثرت أجزاء شاحنات "البيك آب" البيضاء المدمرة بالقرب من المدخل.
ونسبت إلى عمرو العظم، أستاذ تاريخ وأنثروبولوجيا الشرق الأوسط في جامعة شاوني ستيت في أوهايو ومسؤول الآثار السابق في سوريا، القول إن السلطات الجديدة في البلاد تفتقر إلى الوسائل اللازمة لإصلاح ما لحق بمدينة تدمر من أضرار.
لكن ذلك لا ينفي القيمة التاريخية للموقع، على حد قوله.
إعلان