إِبْرَاهِيم بَرْسِي

في قلب الخراب الذي خلفته الأنظمة المستبدة، في شوارع مدنٍ ملأها الغبار، وشقوق المنازل التي تحكي تاريخًا من النسيان، وفي صمت العيون السودانية المتعبة، يقف كتاب بَيْتِ العَنْكَبُوتِ كمرآة صافية تعكس هشاشة السلطة وصراعات الإنسان مع واقعه.
الكاتب فَتْحِي الضَّوْ لا يقدم حكاية عن السُّودَانِ فحسب؛ إنه ينسج سردية فلسفية عميقة عن السلطة، الخوف، والإنسان، مستخدمًا بَيْتِ العَنْكَبُوتِ كاستعارة مدهشة لبنية متماسكة ظاهريًا، لكنها سرعان ما تتهاوى تحت أي ضغط حقيقي.



الضَّوْ يرى في السلطة نظامًا يقف على شفا السقوط، ولكنه أيضًا يكشف عن مجتمع يصارع ذاته بقدر ما يصارع القمع. في إحدى جمل الكتاب العميقة يقول: “النِّظَامُ الَّذِي يَخَافُ مِنْ وَعْيِ شَعْبِهِ، يَخَافُ مِنْ ظِلِّهِ.”
هذه الكلمات لا تحتاج إلى شرح طويل؛ فهي تدخل إلى جوهر العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
إن الخوف الذي يعيشه النظام ليس خوفًا من الآخر، بل من الحقيقة التي يمكن أن تزعزع أساساته الواهية. وهنا نتذكر كلمات سَارْتَرْ: “الحُرِّيَّةُ هِيَ مَا تَفْعَلُهُ بِمَا فُرِضَ عَلَيْكَ.”
الحرية ليست في التخلص من القيد فقط، بل في إعادة تعريف العلاقة مع القيود ذاتها.

ولكن النظام السُّودَانِيَّ، كما يصفه الضَّوْ، لا يكتفي بالخوف من وعي شعبه، بل يعيد بناء هذا الوعي ليخدمه، عبر أدواته الناعمة التي تتغلغل في التعليم والإعلام. النظام يحرص على أن تظل العقول مشدودة بخيوطه الدقيقة، تلك الخيوط التي تبدو رقيقة كخيوط العنكبوت، ولكنها قادرة على أن تكبل أجيالًا بأكملها.

في موضع آخر، يؤكد الضَّوْ أن: “الفَسَادَ لَيْسَ فِعْلًا عَرَضِيًّا، بَلْ هُوَ ثَقَافَةٌ.”
هذا الوصف يعري العلاقة المتشابكة بين الفساد وبنية الدولة السُّودَانِيَّةِ. الفساد هنا ليس مجرد انحراف، بل هو جزء من النسيج اليومي للسلطة والمجتمع.

ما يثير الانتباه أيضًا هو قول الضَّوْ: “الشُّعُوبُ تَصْنَعُ ثَوْرَاتِهَا، وَلَكِنَّهَا لَا تَتَحَكَّمُ فِي نَتَائِجِهَا.”
هذه العبارة تلخص مأزق الثَّوْرَاتِ السُّودَانِيَّةِ، التي رغم نبالتها، كانت دائمًا عرضة للاختطاف من قبل النخب التي، بدلًا من أن تكون حاملة للتغيير، تحولت إلى نسخة أخرى من بَيْتِ العَنْكَبُوتِ.

وسط هذا السواد، يبقى الأدب في رأي الضَّوْ أداة مقاومة.
الكتابة ليست مجرد فعل توصيفي؛ إنها إعادة تشكيل للعالم، محاولة لتحرير المعنى من أسر اللغة القامعة.
بَيْتِ العَنْكَبُوتِ ليس مجرد تحليل سياسي؛ إنه دعوة للتحرر من القوالب الفكرية التي تبقي الفرد أسيرًا داخل دائرة الخوف.

إن قراءة بَيْتِ العَنْكَبُوتِ ليست رحلة سهلة؛ إنها مواجهة مباشرة مع الأسئلة التي غالبًا ما نتجنبها:
ما الذي يجعلنا نقبل بالخوف؟
كيف يمكننا كسر دائرة الفساد إذا كانت جزءًا من حياتنا؟
وكيف يمكننا بناء دولة جديدة إذا كانت النخب التي يُفترض أنها تقود التغيير هي نفسها جزءًا من المشكلة؟

كتب الضَّوْ لا لنقد السلطة فقط، بل لدعوة القارئ لمواجهة ذاته.
فالتغيير لا يبدأ من الثورة على النظام، بل من الثورة على الأفكار المترسخة في العقول. وكما قال فْرِيدْرِيكْ إِنْجِلْزْ: “الحُرِّيَّةُ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ التَّحَرُّرِ مِنَ القُيُودِ، بَلْ القُدْرَةُ عَلَى بِنَاءِ العَالَمِ.”

النظام هش، والنخب معطوبة، والشعب مكبل بالخوف. ولكن، كما يقول فَتْحِي الضَّوْ: “حَتَّى أَكْثَرَ البُيُوتِ هَشَاشَةً يُمْكِنُ أَنْ يَسْقُطَ بِخَيْطٍ وَاحِدٍ.”
والسؤال الذي يتركه لنا الكتاب هو: هل نحن مستعدون لقطع هذا الخيط؟

zoolsaay@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: ود ان ی ة التی

إقرأ أيضاً:

فوق السلطة: يهود سيقتلون اليهود والإكثار من أكل البطيخ يدخل الجنة

وقال لبيد إن "إسرائيل في طريقها إلى كارثة أخرى، لكن هذه المرة ستكون من الداخل"، لافتا إلى أن "مستوى التحريض والجنون غير مسبوق، فالخطوط الحمراء يتم تجاوزها الآن".

وحذر "إذا لم نوقف الأمر فستكون هناك اغتيالات سياسية وفقا لمعلومات استخباراتية قاطعة"، وقد تفتتح برئيس الشاباك رونين بار عدو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وفي هذا الإطار، قال مقدم البرنامج نزيه الأحدب إن "حكماء الغرب الذين يحبون الإسرائيليين يحذرونهم بأن التمادي في الظلم عاقبته وخيمة".

وأضاف "الرهان على ضعف العرب والمسلمين مثل رهان زعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر على ضعف اليهود قبل أن يقتله غروره وجنونه الطائفي والعنصري".

وتشهد إسرائيل احتجاجات واسعة منذ تولي حكومة نتنياهو اليمينية مقاليد الحكم في ظل الاتهامات الموجهة إليها بمحاولة "الانقلاب القضائي"، والإصرار على مواصلة حرب غزة والتضحية في سبيل ذلك بالأسرى المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية.

أكل البطيخ والجنة

وتناولت الحلقة موضوعا ثانيا، إذ حض معمم على "الإكثار من أكل البطيخ من أجل دخول الجنة"، في مقطع فيديو ظهر فيه وهو يمسك كتابا بيده اليسرى، في حين كانت تحمل يمناه شوكة وفي رأسها قطعة بطيخ.

ووفق هذا المعمم، فإن من أكل لقمة واحدة من البطيخ كتبت له 70 ألف حسنة، ومُحيت عنه 70 ألف سيئة، مطالبا بقراءة سورة التوحيد (سورة الإخلاص) عند شق البطيخ إلى نصفين.

إعلان

واستند المعمم في كلامه إلى أن "البطيخ يعد حلاوة من حلاوات الجنة"، في حين قال مقدم البرنامج إنه "لا صحة لخبر روجه بعض الخبثاء بأن المعمم تاجر بطيخ في سوق الجملة".

وتناول البرنامج عددا آخر من المواضيع وهذه أبرزها:

محاكاة إلكترونية إسرائيلية لتفجير المسجد الأقصى وإحلال الهيكل. فتوى مستشارة رئاسية أميركية توجب زيارة المسيحيين لإسرائيل. لأول مرة منذ نصف قرن كنائس سوريا بدون صور عائلة الأسد. نجيب ميقاتي معجب بالتطور السياسي والفكري عند أحمد الشرع. هل استفز ماكرون ترامب بفتح أبواب فرنسا للعلماء الأميركيين؟ الصينيون يفضحون الماركات العالمية، ما تشترونه بـ100 دولار ثمنه 5. قيس سعيّد متهما: أطفال بعمر 8 سنوات تم التغرير بهم ضدّي. 25/4/2025

مقالات مشابهة

  • طبيب سوري مغترب: رفع العقوبات ضروري لبناء النظام الصحي السوري الذي ‏دمره النظام البائد
  • إطلاق جائزة لأحسن بحث في مجال القانون الإنتخابي
  • الحركة الإسلامية السودانية… المأزق والغنيمة
  • حماس ترد على السلطة: تصريحاتكم صادمة وسلاح المقاومة خط أحمر
  • مجلس القضاء الأعلى ينعي القاضي عبدالباري عقبة
  • فوق السلطة: يهود سيقتلون اليهود والإكثار من أكل البطيخ يدخل الجنة
  • ترامب يصف أول 100 يوم من ولايته.. وطريقة استخدام السلطة
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • البرغوثي يرد على شتائم محمود عباس / فيديو
  • محمود عباس.. أي سقوط؟!