لجريدة عمان:
2025-03-04@10:20:12 GMT

درجة الكراهة

تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT

تأخذ المسألة هنا بعدين مهمين؛ الأول: بعد التحريم في الكراهة، والثاني: بعد التنزيه في الكراهة، وكلا المعنيين الحاضرين من هذين البعدين هما أقرب إلى الأحكام الشرعية منها إلى الأحكام الاجتماعية، والمقصود هنا بـ «الاجتماعية» هي مجموعة العلاقات بين الناس، وما يتوغل في هذه العلاقات من مماحكات، وصدمات، واختلافات، وتضادات، وتنازعات، وتنافسات، وكلها - كما يبدو - تؤول إلى نمو وتدرج درجات الكراهة، والحقد، وقد تتطور إلى المصادمات المباشرة بين الطرفين، وهذا من شأنه أن يوجد بيئات خانقة للعلاقات، ويوجد مستويات أفقية من الزعل «الناعم» ورأسية من درجات الكره، والضيم وهذه أشدها في تقويض مجمل العلاقات القائمة بين أفراد المجتمع، مما يؤدي إلى عرقلة الكثير من مشروعات الحياة اليومية، بينهم، وهذا مما يتحاشاه أغلب الناس؛ خوف الوقوع في مستنقع الكراهة المؤلمة.

وللأمانة؛ أن أغلب الناس لا تنتهج هذا الأسلوب من الحياة، إلا في حدود ضيقة عندما تضيق بها سبل السلام مع الأطراف التي تتعامل معها، حيث يظل السلام والأمان مآوي حاضنة لمختلف العلاقات، حتى العلاقات القائمة على الربح والخسارة؛ يحاول كلا الطرفين اللذين تجمع بينهما مصلحة من هذا النوع أن لا تصل العلاقة بينهما إلى مستوى الكره، وهذا مما يعزز البناءات الاجتماعية القائمة بين الناس؛ وهذا من رحمة الله؛ سواء على مستوى الأسر، أو على مستوى المجتمع الكبير، وفي ذلك امتحان للنفوس التي تهوى دائما التعالي، والإصرار على مواقفها المتصلبة، حتى وإن كانت تدرك خطأها حيث تأخذها العزة بالإثم.

لذلك يلاحظ أن درجة الكراهة؛ غالبا؛ ما تكون في مستويات نسبية، تضيق في كثير من الأوقات، وتتسع في ظروف استثنائية، حيث تزول بزوالها، ولا يبقى لها أثرا إلا ذكرى مؤلمة؛ لا يحبذ الكثيرون استعادة مشاهدها، حتى لا يزعجون أنفسهم باستذكارها، وهم المحقون في ذلك، فالحيادة؛ جدا قصيرة؛ ولا تعطي نفس استمرار الكراهة والحقد والحسد بين الناس، ومن يستطيع أن يسل نفسه من هذا المستنقع المؤلم، هو حقا؛ جدير بالتقدير، والإشادة، والتكريم.

(درجة الكراهة) ينظر إليها على أنها تعظيم للأفعال غير السوية، فلا يتوقع أن تبادر شخصا ما بكلمة طيبة، فيرد عليك بكلمة سيئة، إطلاقا؛ إلا إذا كانت هناك خلفية لعداء، أو لموقف؛ يؤرخ للحظة كراهِيَة أو كراهة، واستضافة هذه اللحظة على طول خط سير العلاقة بين الطرفين، دون أن تكون هناك مبادرة من أحدهما لمحو آثارها، والخطورة أكثر عندما يُصَدِّرْ أحد الطرفين هذه اللحظة لآخرين من حولهما، وتتسع بذلك رقعة هذه الصورة القاتمة بين الطرفين، والأنكى في هذا الجانب أن تزرع مثل هذه النكات السوداء في قلوب ونفوس الأطفال، سواء بصورة مقصودة أو غير مقصودة، واحتمالية ترعرع واتساع رقعة الكراهة واردة في ظل الحرص على مداومتها، وعدم الإسراع في إزالتها القطعية من النفوس.

وعودة إلى بعدي الكراهة، يَمْثُلُ في شأن العلاقات أكثر هو البعد التحريمي، وذلك لأن النتائج المتوقعة في أي بذرة كراهة هو التفرق، والتشتت، وإذابة اللحم الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد، ويقينا؛ لا أحد يسعده ذلك مهما كانت المبررات، ومعنى ذلك أن تجاوز مرحلة «الزعل/ العتاب» مؤداه إلى الوقوع في مستنقع الكراهة، ومن هنا تقتضي الحكمة أن أي خلاف يحدث بين طرفين على العقلاء أن يحتووه بحيث لا يتجاوز مرحلة العتاب «ويبقى الود ما بقي العتاب».

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مؤلف مسلسل "معاوية" يرد على المنتقدين. وهذا ما قاله

دافع الكاتب المصري خالد صلاح مؤلف مسلسل معاوية، الأحد، عن العمل الدرامي الذي أثار جدلا في الآونة الأخيرة وقرر العراق منعه من العرض.

وكتب صلاح في منشور على فيسبوك أن المسلسل لم يكن يهدف للترويج إلى رواية معينة أو ينحاز لطرف دون آخر وإنما أراد تقديم قراءة جديدة ترسم صورة لمعاوية ابن أبي سفيان من غير اللجوء لمنطق المنتصر والمهزوم.

وقال صلاح في بيان له: "معاوية لم يكن مجرد رجل دولة أو قائد عسكري يخوض معاركه بالسيف، بل كان إنسانا صاغته الأيام كما تصوغ النار الحديد، قاسيا حين تستدعي الحاجة، ولينا حين يتطلب الأمر التروي والتدبر".

وأضاف صلاح: "سعينا إلى الاقتراب من معاوية كإنسان وجد نفسه وسط زلزال سياسي لا يهدأ، واضطر إلى أن يكون لاعبا رئيسيا في صراعات لم يخترها بنفسه، بل ألقتها الأقدار بين يديه."

وأوضح أن "العمل يقدم قراءة جديدة لمسيرة معاوية، بعيدا عن ثنائية المنتصر والمهزوم، مشيرا إلى أن المسلسل يسلط الضوء على نشأته في بيت العظمة بين قريش، ورحلة التحولات الكبرى التي شهدها العالم الإسلامي آنذاك، وصولا إلى الصراع السياسي الذي وجد نفسه فيه".

وأشار المؤلف إلى أن معاوية كان إنسانا يتعامل مع التحديات الكبرى في عصره: "لم يكن معاوية رجل سيف كخالد بن الوليد، ولا ناسكا زاهدا كعلي بن أبي طالب، بل كان رجل التدبر الطويل والانتظار الصامت. تعلم منذ صغره أن النصر لا يتحقق دائمًا في ساحات القتال، وأن الحرب ليست دائمًا الحل الأمثل، بل أحيانا تكون المصيدة التي يقع فيها المتعجلون".

وأردف: "في هذا المسلسل، لم نكتب التاريخ بمنطق الأبيض والأسود، لم نر معاوية كحاكم فحسب، بل كروح عاشت، وتألمت، وانتصرت، وأخطأت، ثم سارت إلى قدرها مثل كل من سبقوها."

واختتم مؤلف المسلسل حديثه قائلا إن العمل يطرح تساؤلات أكثر مما يقدم إجابات، ويدعو المشاهدين إلى إعادة التفكير في شخصية تاريخية أثرت في مسار الأحداث الإسلامية، بعيدا عن الجدل المسبق الذي يحيط بها عبر العصور.

مقالات مشابهة

  • محمد علي الحسيني يُجيب على سؤال هل أنت عضو في الماسونية؟.. وهذا ما قاله عمن يديرون العالم
  • فوز وتعادلان في الدوري العراقي الممتاز وهذا موعد التصفيات المؤهلة للدرجة الأولى
  • الإمام الطيب: حين ضاع منا أدب الاختلاف ضاع الطريق.. والعدو هو المستفيد «فيديو»
  • الزعاق: رمضان يتنقل بين الفصول كل 33 عامًا وهذا موقعه الحالي .. فيديو
  • نادين نجيم تثير تفاعلاً بمنشورها عن "تحت سابع أرض".. وهذا ما قالته
  • استحقاق مرحلي.. غاية أم وسيلة؟
  • مؤلف مسلسل "معاوية" يرد على المنتقدين. وهذا ما قاله
  • جنود أوكرانيون عن المشادة بين ترامب وزيلينسكي: على الطرفين تقديم تنازلات
  • أيمن أبو عمر: الرحمة أساس العلاقات الإنسانية ولبّ الرسالة المحمدية (فيديو)
  • "معًا نتقدم".. سُّمو الطرح وفضاء الحوار