سلطت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، الضوء على العملية الأمنية التي تنفذها أجهزة السلطة في جنين، مؤكدة أن لها علاقة بالحصول على دور في قطاع غزة بعد الحرب الإسرائيلية المدمرة منذ أكثر من 14 شهرا.

وقالت الصحيفة في تقرير أعده الصحفيون ميريام بيرغر وهايدي ليفين وسفيان طه، إن "السلطة الفلسطينية والمسلحين الذين يسيطرون على مخيم جنين يخوضون معركة مفتوحة نادرة"، موضحة أنه "خلال الأسبوعين الماضيين كان المسلحون في جنين يخوضون معركة مفتوحة نادرة مع عدو داخلي".



تسعى لحكم غزة
وذكرت الصحيفة أن السلطة أطلقت أكبر عملية مسلحة لها منذ ثلاثة عقود، لإحباط المقاومة المتنامية في الضفة الغربية، مشددة على أنها "تحاول إثبات قدرتها على إدارة الأمن في المناطق المحدودة من الضفة الغربية التي تسيطر عليها، في حين تسعى إلى حكم قطاع غزة بعد الحرب".

ولفتت إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استبعد عودة السلطة إلى غزة، مضيفة أن "شخصيات رئيسية في ائتلافه اليميني المتطرف دفعت إلى ضم جزء أو كل الأراضي الفلسطينية، لكن في الجولة الأخيرة من مفاوضات وقف إطلاق النار، وافقت إسرائيل على السماح للسلطة بتولي إدارة معبر رفح لفترة قصيرة".

ونقلت الصحيفة عن المتحدث باسم أجهزة السلطة أنور رجب، أن "العملية في جنين تهدف إلى استعادة المخيم عبر استهداف الخارجين عن القانون، والذين ينشرون الفوضى والاضطرابات ويضرون بالسلم الأهلي"، على حد قوله.



ونوهت إلى أن أجهزة السلطة قتلت 13 فلسطينيا بينهم ثمانية في جنين، منذ حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة بتاريخ 7 تشرين الأول/ أكتوبر لعام 2023.

من جانبه، تحدث صبري صيدم مستشار رئيس السلطة محمود عباس وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح لصحيفة "واشنطن بوست"، قائلا: "لا نريد أن نرى قطرة دم واحدة تُراق. ما نود تحقيقه هو حالة من الهدوء، والجلوس مع الفصائل المختلفة والاتفاق على الطريق إلى الأمام".

بينما قال مسؤول فلسطيني مقرب من عباس، اشترط عدم الكشف عن هويته، إن رئيس السلطة الفلسطينية قرر المضي وعدم التراجع في جنين.

وبحسب الصحيفة، فإنه بعد مرور أسبوعين على الحملة الأمنية، لا يزال المسلحون يتجولون بحرية في مخيم جنين. وتدوي أصوات إطلاق النار ليلا ونهارا. وقد أوقفت وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين الدراسة في المدارس. وأغلقت الشركات أبوابها.

غضب متصاعد
وسمع مراسلو صحيفة "واشنطن بوست" ما بدا وكأنه إطلاق نار قادم من سطح المستشفى. وقال إن الرصاص أصاب مدخل الطوارئ واخترقت نافذة أحد المكاتب، وأن المرضى والموظفين خائفون للغاية من القدوم إلى المستشفى.

ولفتت الصحيفة إلى أن الغضب ارتفع تجاه قوات الأمن في الضفة الغربية، مبينة أن أجهزة السلطة، التي تحاصرها قوات الاحتلال الإسرائيلي، تعمل في مساحة متقلصة باستمرار، وبموجب الاتفاقيات الأمنية، ولا يجوز لها التدخل لوقف عنف المستوطنين الإسرائيليين أو الغارات العسكرية القاتلة.

ويرى العديد من الفلسطينيين أن "هذه الأجهزة هي عبارة عن مقاولين من الباطن لإسرائيل وأداة عباس للفساد وقمع المعارضة الداخلية".

وذكرت "واشنطن بوست" أن أجهزة السلطة هي من بين الخيوط الأخيرة التي تربط اتفاقات أوسلو، التي تم توقيعها في تسعينيات القرن العشرين لإنشاء دولة فلسطينية من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة والقدس المحتلة. وفي العقود التي تلت ذلك، وسعت إسرائيل سيطرتها على الضفة الغربية ورسختها، ما أدى إلى تآكل اختصاص السلطة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية السلطة جنين غزة الضفة غزة السلطة جنين الضفة التنسيق الأمني صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الضفة الغربیة أجهزة السلطة واشنطن بوست فی جنین

إقرأ أيضاً:

المشهد الفلسطيني بعد المركزي.. 10 أسئلة وأجوبة

انتهت الدورةُ الثانية والثلاثون للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأُسدل الستار عن انتخاب حسين الشيخ نائبًا لرئيس المنظمة/الدولة، لكن تداعيات الحدث لم تنتهِ بعد، والجدل بشأنه، لن يضع أوزاره حتى إشعار آخر.

فيضٌ من الأسئلة والتساؤلات اجتاح الأوساط السياسية والإعلامية والاجتماعية الفلسطينية، آراء وتقديرات تذهب في كل اتجاه، هنا سنتوقف أمام عشرة من أهمها، وسنقدم ما نقترحه إجابات عنها، علّنا نسهم بذلك، في تعميق الحوار وتصويب البوصلة:

الأول: ما الذي عناه انعقاد الدورة الثانية والثلاثين للمجلس المركزي لمنظمة التحرير؟

من دون مداورة أو تدوير لزوايا الحقائق الحادّة، نرى أنها دورة فاقدة لنصابها السياسي، لكيان حُمّل بما لا يحتمل من وظائف وصلاحيات، ودائمًا من ضمن عملية إعادة تكييف النظام السياسي الفلسطيني على مقاسات حفنة من القيادات المتنفذة، بلا صدقية شعبية، بدلالة حصادها الهزيل في استطلاعات الرأي العام المتعاقبة، ووسط مخاوف محقّة، بأنها تقود البلاد والعباد والمشروع، إلى ضفاف الهلاك.

اجتماع عُقد بـ"من حضر" من رهط الموالين، وبقايا فصائل أكل الدهر عليها وشرب، وفي غياب لفصائل العمل الوطني والمقاوم الأساسية، من داخل المنظمة وخارجها، بعضهم قاطع علنًا ومسبقًا، وبعضهم لم يُدعَ للمشاركة أصلًا، فيما فريق ثالث، آثر الانسحاب من الاجتماع بعد أن ضجّ وضاج من ببؤس المسرحية المعروضة على خشبة المجلس.

إعلان

جدول أعمال حافل، وبيان ختامي لا ينسجم مع بنوده، صُمم للتغطية على "البند الوحيد" المدرج على مائدة المجتمعين: انتخاب نائب للرئيس، بعد أن انتزع الرئيس وكالة حصرية لاختيار نائبه وخلفه منفردًا دون تشاور، وبعد أن تمكّن من "تكبيل" مهامه وصلاحياته على نحو محكم، جعلت أمر تعيينه وتكليفه وعزله، من ضمن صلاحياته، مبقيًا خيط النائب مربوطًا بكفّ الرئيس مهما اقترب أو ابتعد.. لكأن التاريخ يعيد نفسه على شكل مهزلة هذه المرة؛ ما فعله عرفات زمن عباس رئيسًا للوزراء، يفعله الأخير رئيسًا للسلطة والمنظمة بنائبه وخلفه، و"ما حدا أحسن من حدا".

في الجانب الدستوري، كل ما بُني على باطل فهو باطل حكمًا، وفقًا لفقهاء القانون وخبرائه، وفاقد الشرعية، أو المنتهية ولايته، لا يحق له أن يمنح الشرعية لأي موقع أو شخص أو وظيفة.

أما في الجانب السياسي، فنحن أمام حقبة جديدة، تنتهي معها الحركة الوطنية الفلسطينية التي عرفناها منذ ستين عامًا، لندخل في مرحلة "ما بعدها"، بكل ما تستوجب من ضرورات مراجعة الشعارات والأولويات والأهداف والأدوات، بما فيها، إسقاط الرهانات الزائفة والمضللة، على حوار ومصالحة، ووحدة وترتيب بيت داخلي في ظلال هذه التركيبة.

الثاني: ما الذي يعنيه تعيين حسين الشيخ نائبًا لرئيس المنظمة/الدولة؟

يعني أن الرئيس الفلسطيني رضخ لاختبار الخضوع للضغوط والإملاءات الخارجية، بدلالة موجة الترحيب بهذا الاختيار من قبل عواصم بعينها، وتعبير أوساط إسرائيلية عن ارتياحها لما اعتبرته اختيارًا لـ "رجلها في المقاطعة" في موقع الرجل الثاني والخليفة المنتظر، توطئة لما هو أبعد وأكبر: حفز مسار التكيف المتسارع مع مخرجات الحل الإسرائيلي للقضية الفلسطينية، لا أكثر ولا أقلّ.

أما الشطر الآخر من المعادلة، فيتجلى في إخفاق الرئيس و"ترويكا" السلطة في رام الله، في الاستجابة لنداءات شعبهما وقواه الحيّة من فصائل وشخصيات ومبادرات، لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، واسترداد الوحدة الوطنية وتمتينها.. هذا الباب، أغلق تمامًا، وأغلق بإحكام.

إعلان

ليس ما حدث وصفةً للإصلاح، كما تزعم السلطة والناطقون باسمها والمرحبون بقرارها، بل توطئة لإشاعة الفوضى داخل "حزب السلطة"، فمنذ صدور القرار عن المجلس، ووقوع الاختيار على الشيخ، دخلت حركة فتح، في طور جديد من صراع الأجنحة والتيارات، وبدل ترتيب البيت الوطني، سيستحدث القرار فوضى في البيت السلطوي/الفتحاوي، وسيأتينا بالأخبار من لم نزوّدِ، وقادمات الأيام بيننا.

"التنسيق الأمني"، وضبط الخطوات الفلسطينية على إيقاع الاحتلال ومتطلباته، سيكونان عنوان المرحلة المقبلة، وسيجري العمل على نقل نماذج التنسيق وتبادل الأدوار القائمة في الضفة، إلى قطاع غزة، مرورًا بلبنان ومخيماته التي تنتظر زيارة "تاريخية" عنوانها "نزع السلاح الفلسطيني"، وترك المخيمات لقدرها أمنيًا وحقوقيًا.

الثالث: ماذا الذي تبقى من "الممثل الشرعي الوحيد" والحالة كهذه؟

الأصل، أن المنظمة اكتسبت مكانتها التاريخية من كونها عنوانًا لشعب تعرض بين النكبة والهزيمة، لأبشع عمليات المصادرة والإلغاء والتبديد، وكاد أن يمحَى من الجغرافيا والسياسة.. المنظمة بعد استردادها من يد النظام العربي، باتت ممثلًا حقيقيًا لشعب فلسطين، من دون أن يحول ذلك دون اتخاذها قرارات، كان لها مردود خطير على القضية والمشروع الوطنيين.

اليوم، تدخل المنظمة منعطفًا جديدًا أشد خطورة، ولا يجوز بحال السماح لها بجر شعبها إلى "أقشطة" الذبح والسلخ والتقطيع والتغليف. و"خاتم" الشرعية، إما أن يُستخدم في مكانه ومطرحه الضروريين.

 فلسطين، قضيةً وشعبًا، هما الهدف والمآل النهائي، أما المنظمة، فوسيلة وليست هدفًا قائمًا بذاته، لا سيما حين تمرغ بأوحال التساوق والتكيف مع مقتضيات حلول تصفوية.

حكاية الممثل الشرعي الوحيد، تحولت عبر السنين، إلى أكبر عملية ابتزاز وإعاقة وتعطيل لتخليق بدائل وطنية وشعبية فلسطينية مقاومة.. يخرج عليك من يوصيك بالمنظمة ثم بالمنظمة ثم بالمنظمة، والهدف دائمًا عن وعي أو من دونه، تعطيل أي محاولة لشقّ مسار جديد.

إعلان

للمنظمة مكتسبات لا يجوز التفريط بها، لكن العمل لتهيئة بنية تحتية كفيلة بالتقاط الثمرة حين تنضج، هو خيار لا يحتمل التأجيل والتسويف والمماطلة، مهما كانت الاتهامات المحيطة بهذا العمل، ومهما اختلفت الظروف القائمة حاليًا، عن تلك التي سادت في العام 1969.

"ليس باسمنا"، عنوان مقترح لحملات وطنية لنزع الشرعية عن الأطر المتحكمة والمتنفذة بالمنظمة، ونزع الشرعية عن الممارسات والسياسات التي لا تقضم من رصيد شعب فلسطين وكفاحه، ونزع الشرعية عن القرارات والمؤسسات والقيادات، غير الشرعية أصلًا، إما بالتقادم وانتهاء الولاية، أو بالتجاوز على التفويض الوطني والشعبي.. آن الأوان لنبذ التردد، ونفض غبار الأوهام.

الرابع: أية مكافأة تنتظر هؤلاء؟

ما الذي ينتظره المتنفذون في المنظمة نظير كل هذا التكيّف مع إملاءات الاحتلال والعواصم الداعمة والمتواطئة، ونظير كل هذا "التكييف" للنظام السياسي الفلسطيني؟

لا شيء على الإطلاق، سوى المطالبة بالمزيد من التقديمات والتنازلات.. كلما أمعن العدو في همجيته وفاشيته وإلغائيته، ازداد هؤلاء تكيفًا، وكلما هبطوا بسقوف المطالب والكرامة والحقوق.. فلا مطرح لهم في حسابات إسرائيل، والولايات المتحدة.

حرب إبادة غزة جارية على قدم وساق، وحرب "تحرير يهودا والسامرة" تقضم يوميًا مزيدًا من الحقوق والمكتسبات والمقدسات.. ليس في قاموس إسرائيل مفردة تصف "الكيان الفلسطيني" المرتجى، دع عنك أمر الدولة وحلّ الدولتين.. لا مطرح فيه لعباس أو حماس، لفتح والسلطة أو للمقاومة.

الخامس: لماذا أخفق الفلسطينيون في ممارسة ضغط حقيقي على قيادتهم؟

شتات الفلسطينيين جغرافيًا، عمّق شتاتهم السياسي والتنظيمي، ووضع الضفة الغربية على سكة الاحتواء والإلهاء، منذ الانتفاضة الثانية، كانت له عواقب وخيمة، والأهم فإن وجود الاحتلال الرابض بكل ثقله فوق صدور أهلها، شكل "شبكة أمان" للسلطة والقيادة، حتى بات ممكنًا القول، إن ثمة شروطًا موضوعية وذاتية، أسهمت في خفض الطلب على "الإصلاح" و"الدمقرطة" و"البعث" و"الإحياء" و"التجديد" و"التشبيب".

إعلان

خشية الفلسطينيين من اقتتال داخلي، فيما الاحتلال ما زال جاثمًا على صدورهم، كانت سببًا آخر للمراوحة، ارتباط شرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني بالسلطة معيشيًا ووظيفيًا، شتات الفصائل وتبعثرها، انتهازية بعضٍ منها، واعتمادية بعضٍ آخر على "الصندوق"، "إسلامية" القوى الأكثر نفوذًا وشعبية، ونفور المحيط الإقليمي والدولي من "الإسلام السياسي" عمومًا.. كل هذه العوامل كانت تلعب دور الكابح لحركة التغيير، وتسببت في إخفاق متراكم ومتراكب لجهود إحياء المنظمة وتطويرها وتفعيل المنظومة السياسية.

السادس: أي محاذير تثيرها الفصائل عند التفكير باجتراح البدائل؟

ثمة خشيتان وقفتا وتقفان سدًّا في وجه أية محاولة لاجتراح بدائل: الأولى تتمثل في الخشية من الاتهامات بتبديد مكتسب "الممثل الشرعي الوحيد"، والتساوق مع محاولات عربية وإقليمية لوضع اليد على ورقة التمثيل الفلسطيني.

والثانية، الخشية من تكرار تجربة الفشل المتمادي في بناء تجارب وحدوية، من جبهة الرفض زمن بيروت، والإنقاذ زمن دمشق، والتحالف الديمقراطي بينهما، وصولًا إلى فشل محاولات لم تكتمل لبناء تحالفات وتجارب وحدوية، ضاغطة على القيادة المتنفذة.. المآلات الكارثية لكل تلك التجارب، تسهم في تثبيط أي جهود ومساعٍ لاستنقاذ الموقف، ومزاحمة القيادة المتنفذة على شرعية التمثيل.

ويتعين ألا نغفل أثر عوامل أخرى، في تشكيل ظاهرة العزوف عن اجتراح البدائل، منها استمرار الرهان على "صحوة فتح"، وهو رهان يتعين أن تكون تجربة ما بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول قد أسقطته، والثاني، يتعلق بالشرط العربي والدولي الداعم لفكرة تهميش المنظمة لصالح السلطة، واختزال الشعب الفلسطيني بأهل الضفة والقطاع، توطئة لإسقاط قضية اللجوء وحق العودة.

يطرح هذا الشرط الإقليمي (الموضوعي) الصعب، سؤالًا عن ضيق الجغرافيا العربية بالعمل الوطني الفلسطيني، وغياب حواضن يمكن أن تستقبل أي بدائل وخيارات جديدة.. بخلاف ما كان عليه الحال، قبل عشرين أو ثلاثين عامًا.

إعلان السابع: هل كان السابع من أكتوبر/ تشرين الأول فرصة لاستنقاذ الموقف، وهل تبددت؟

وفّر زلزال السابع من أكتوبر/ تشرين الأول فرصة تاريخية لإطلاق ديناميات فلسطينية داخلية جديدة، وليس خافيًا على أحد، أن أحد أهداف "الطوفان" كانت تتمثل في إعادة تشكيل الهرم القيادي والسلطوي الفلسطيني، بفتحه على مختلف القوى، وعلى قاعدة الشراكة والمقاومة.

الزخم الذي استحدثه الزلزال، كان كفيلًا، لولا التردد، في استحداث زلزال مماثل في المنظومة السياسية الفلسطينية.. بيد أن نافذة الفرصة لم تكن طويلة بما يكفي، والتطورات التي أعقبت الطوفان وترتبت عليه، تجعل من المهمة اليوم، أكثر صعوبة وتعقيدًا، بل إن هذه التطورات ذاتها، هي التي تمكن القيادة المتنفذة اليوم، من التجرؤ على البوح بمكنونات صدرها، وقذف مشاريعها وأفكارها في وجوه الفلسطينيين جميعًا، دون خشية أو تردد.

الثامن: مبادرات ما بعد الطوفان.. سرّ الفشل؟

أدرك فلسطينيون كثر، حجم الفرصة وعظم التحدي اللذين جاء بهما طوفان الأقصى.. صدرت عديد المبادرات والنداءات، عن جهات وشخصيات فلسطينية عدة، كان من بينها تجربة "المؤتمر الوطني الفلسطيني"، لكن أيًا منها لم يخرج عن "صندوق الأفكار القديمة والمعلّبة"، الجاهزة للاستخدام في أية لحظة، والتي يتبدد تأثيرها ما إن يصدر بيانها الأول.

ظلت الرهانات على السلطة والرئاسة قائمة، واتخذت مختلف هذه المبادرات شكل المناشدة والمطالبة والدعوة للحوار، ولم يبلغ أي منها حد "ممارسة الضغط" و"حشد التأييد"، ظلت بما فيها تجربة "المؤتمر الوطني الفلسطيني" بمثابة "دعسة ناقصة"، تنتظر الاكتمال بجنوح رام الله لمنطق الحوار والمصالحة.. لا رام الله جنحت، بل كشّرت عن أنيابها في آخر اجتماعات لمجلسها المركزي، ولا قطار التغيير انطلق من محطة المراوحة والجمود.

إصلاحيو الشعب الفلسطيني، الطامحون للتغيير والدمقرطة، مثلهم مثل السلطة ذاتها.. عباس يتحدث عن "شرعنة" و"تجديد" النظام الفلسطيني عبر انتخابات، وضعَ مفاتيحها في جيب نتنياهو وموافقته على إشراك القدس فيها.. والإصلاحيون وضعوا مفاتيح الإصلاح في جيب عباس وصحبه، وجنوحهم لخيار الحوار والمصالحة والشراكة.. كلا الرهانين، كان إما خائبًا أو زائفًا.

إعلان التاسع؛ ما الذي ينتظر "التمثيل" و"النظام" الفلسطينيين؟

فيما الجدل الفلسطيني يحتدم حول حكاية الممثل الشرعي الوحيد، وجواز أو عدم جواز البحث عن خيارات بديلة، تعمل إسرائيل على فرض تصورها الخاص لمستقبل النظام والتمثيل الفلسطينيين، في الضفة الغربية كما في قطاع غزة.. وأخشى ما أخشاه، أن تسقط أهدافنا ومخاوفنا تباعًا، مع كل منجز تحققه تل أبيب على هذا الطريق، وتصبح حواراتنا لغوًا فائضًا عن الحاجة.

في غزة، يبدو "الإسناد المجتمعي" أقصى طموح الفلسطينيين؛ "إسناد" متحرر من "الفصائل والفصائلية"، لا فتح ولا حماس، مدعّم بأجهزة أمنية من قِماشة أجهزة دايتون وإنسانه الفلسطيني الجديد.

وفي الضفة، تبدو إسرائيل ماضية في ترجمة مشروعها لتفكيك السلطة وتقزيمها، وإحياء مشروع "روابط المدن". تذويب السلطة لصالح قيادة محلية مطواعة، هو عنوان المشروع الإسرائيلي في الضفة، وتفكيك حكم حماس هو عنوان متواطأ عليه مع عرب وأعاجم كثر.

حماس تحت هول الكارثة المحيطة بغزة وأهلها، تجد نفسها مرغمة على قبول "الإسناد" والتخلي عن حكم القطاع.. وليس مستبعدًا أن ترتضي "الترويكا" بإدارة "إمارة رام الله/البيرة"، مع بعض من بطاقات الـ"VIP"، ويسدل الستار على الاستقلال والعودة وتقرير المصير، فيما ضجيج الشعارات إياها عن "الممثل الوحيد" و"استقلالية القرار"، و"أول الرصاص والحجارة" سيتواصل دونما انقطاع.

العاشر؛ أي معالم على طريق الخروج من المأزق؟

لا بديل عن مزاحمة القيادة المتنفذة على "شرعية التمثيل ووحدانيته"، ودائمًا تحت شعار "ليس باسمنا".. التردد ليس خيارًا، ما دامت إسرائيل ماضية في تسويق وتسويغ مشاريعها، وبتساوق واتساق مع رام الله في عهدها الجديد-القديم. لا بديل عن بذل الجهد لإعادة تنظيم الشعب الفلسطيني في منظمات واتحادات شعبية، بديلة وموازية.

إعلان

في الدول المستقرة، ثمة أكثر من اتحاد ونقابة للمهنة الواحدة أو القطاع الواحد، فما بالكم بالحالة الفلسطينية التي ويجري تجويفها وتحويلها إلى طرازات مشابهة لـ"شبيبة الثورة" و"طلائع البعث".

آن أوان الانتظام في جبهة عريضة، وطنية متحدة، من فصائل ومبادرات وشخصيات ومنظمات واتحادات ونقابات ومؤتمرات وطنية وشعبية، في الداخل والخارج، تحت عنوان "تحرير منظمة التحرير" واستردادها من خاطفيها، وإلى أن يحدث ذلك، فلا ضير من وجود "عنوانٍ ثانٍ" للشعب الفلسطيني، ما دام العنوان الأول، لم يكن مؤتمنًا من قبلُ، وهو اليوم، وبعد التطورات الأخيرة، بخاصة، بات مدعاةً لقلق أكبر.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • وزارة الداخلية تباشر مهامها لمنع مخالفي تعليمات الحج التي تقضي بالحصول على تصريح لأداء الحج من الدخول إلى مدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة وضبط المخالفين وتطبيق العقوبات بحقهم
  • 26 عملاً مقاوماً في الضفة الغربية خلال 48 ساعة
  • عاجل | مصادر للجزيرة: قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية
  • شهيد وإصابات والاحتلال يقرر هدم 106 منازل بالضفة الغربية
  • حماس تحذر من مخطط الاحتلال لتغيير معالم شمال الضفة الغربية
  • الجيش الإسرائيلي يهدم منزلي عائلتين في قرية قبيا شمال الضفة الغربية المحتلة
  • المراحل العشر التي قادت فيتنام إلى عملية الريح المتكررة ضد أميركا
  • انتقادات واسعة لعرض السلطة الفلسطينية المساعدة في إخماد الحرائق لدى العدو
  • المشهد الفلسطيني بعد المركزي.. 10 أسئلة وأجوبة
  • جيش الاحتلال يقتحم بلدة حجة شرق قلقيلية في الضفة الغربية