إبراهيم عبد المجيد: الفلسفة والفنون غذاء الكاتب في عصر الذكاء الصناعي وهيمنة الصورة
تاريخ النشر: 24th, December 2024 GMT
يحمل الأديب المصري إبراهيم عبد المجيد على عاتقه تقديم مدينته الإسكندرية للقارئ العربي، وعبر أعماله التي تمتد لعقود، استطاع عبد المجيد أن يخلق عالما أدبيا متفردا، يجمع بين الحس الإنساني العميق والتحليل الواقعي لقضايا المجتمع.
بدأ رحلته مع الأدب في سبعينيات القرن الماضي، وأصبح أحد أبرز الأصوات التي عكست التحولات الاجتماعية والسياسية في العالم العربي.
في هذا الحوار، يفتح إبراهيم عبد المجيد نوافذ رؤيته على المشهد الثقافي الراهن، مناقشا أسباب كثرة الإنتاج الروائي وضعف الصدى الملموس له، ودور النشر الإلكتروني في طغيان الكم على الكيف، وتأثير الثورة المعلوماتية على الإبداع الأدبي. كما يشاركنا تجربته الشخصية مع الكتابة، وتحديات النشر، ونصائحه لجيل الروائيين الشباب، فإلى الحوار:
الحديث عن رؤيتك للمشهد الثقافي لا سيما عالم الرواية، من زوايا عدة.. منها كثرة الإنتاج الروائي دون إحداث صدى ملموس.. ما أسباب ذلك من واقع خبرتك؟ إعلانالمشهد الثقافي عامر بالإنتاج في كل مجلات الكتابة. الرواية والشعر وسائر الفنون. كذلك الدراسات الفكرية والترجمة من اللغات الأخرى للغة العربية. الوقوف عند الرواية فقط فيه ظلم لسائر الفنون، لكن هذا ما جرى منذ منتصف السبعينيات. قفز العالم كله إلى الرواية باعتبار أن ما يحدث فيه يحتاج إلى الحكي أكثر من الإيجاز. مشى الكثيرون وراء مقولة زمن الرواية فأهملوا إنتاجا رائعا في المجالات الأخرى. فجأة في العقدين الأخيرين صارت الرواية هدفا للكثيرين. تحول إليها شعراء ونقاد وفنانون. لا يضايقني هذا فللإبداع تجلياته المختلفة. لكن بعيدا عن هؤلاء دخل حقل الرواية الكثيرون ممن يحكون فقط دون فهم لبناء الرواية وتطوره عبر التاريخ. وكما أقول دائما فالكتابة ليس ماذا تكتب لكن كيف تكتب. الأمر يحتاج إلى متابعة من النقاد، لكن الإنتاج كثير جدا فمن الصعب على النقاد المتابعة. كذلك غلبت النزعة الاستهلاكية في التسويق، فهناك من يشتري الإعجابات بصفحات مدفوعة على الإنترنت، ويتصور أن هذا دليل على قيمة روايته. لكن في النهاية لا يبقى غير الجيد من الأعمال، لذلك لا أتوقف عند هذه الظاهرة.
مع النشر الإلكتروني وكثرة دور النشر الورقية.. كيف يسهم ذلك في طغيان الكم على الكيف؟ حبذا لو تتحفنا هنا بالمقارنة مع أول إنتاجك الروائي والصعوبات التي واجهتها.مؤكد يساعد النشر الإلكتروني وكثرة دور النشر في طغيان الكم على الكيف. بعض دور النشر تنشر 200 نسخة من كل طبعة للرواية وتعلن أنها الطبعة العاشرة. حين بدأت أنشر كانت الطبعة الواحدة 3 آلاف نسخة وتتكرر مع المبيعات. اختلف الزمن. لا تزال بعض دور النشر محتفظة بالروح القديمة لكنها قليلة.
أما أول إنتاج لي فكان رواية "في الصيف السابع والستين" التي انتهيت منها عام 1974 لكن كانت هناك رقابة علي الكتب قبل النشر. تقدمت بها للرقابة أكثر من عام وكان الرقيب يرفض نشرها لأسباب سياسية، فالرواية تسجيلية عن هزيمة 1967 وأيام الحرب. في عام 1979 ألغى الرئيس السادات الرقابة على الكتب قبل النشر، فنشرتها في دار الثقافة الجديدة في سلسلة كان يشرف عليها صنع الله إبراهيم. الآن بعض دور النشر رغم عدم وجود رقابة مبدئية على الكتب، تتوجس من بعض العبارات أو الأفكار لأن هناك رقابة أخرى على السوشيال ميديا من جهات وأشخاص لا يعرفون أن الفن خيال، فيتعاملون مع ما تقوله الشخصيات باعتباره رأي المؤلف، ومن ثم صرت أنشر ما يعتذر عنه الناشرون خارج مصر في "دار المتوسط" التي يديرها الفنان والشاعر خالد الناصري في ميلانو بإيطاليا. والحمد لله تدخل إلى مصر.
إعلان دور أهل الخبرة والريادة في الإنتاج الروائي.. كيف ينقلون خبرتهم للجيل الجديد؟ هل ورش الكتابة تسهم في ذلك؟مؤكد تساعد ورش الكتابة في فهم الفن الروائي، لكن الأهم هو أن يقرأ الكاتب تاريخ الأدب تاريخ المذاهب الأدبية، من كلاسيكية ورومانتيكية وواقعية وعجائبية وغيرها. هذا متوفر في الكتب النقدية وفي مذكرات بعض الكتاب. مهم أن يعرف الكاتب ذلك ليقرر أين يقف ومن أين يبدأ فلا يكون حديثه مكررا لا قيمة له.
مع الثورة المعلوماتية والذكاء الاصطناعي المتنامي.. كيف يحافظ الأديب على تفرده؟أنا من جيل قديم وأرى الذكاء الاصطناعي في الأدب والإبداع فاقدا للروح، ومهما غذيته من معلومات سيكون رده ميكانيكيا لا روح فيه. يمكن استخدامه في العلوم أو حتى الترجمة، لكن في الإبداع يظل الأمر قاصرا.
على فرض أنه أتيحت لك فرصة الإفادة من منصات التواصل في تسويق أعمالك.. ما الاختلاف الذي كنت تتوقعه؟– أنا أترك ذلك للناشر ولا أشغل نفسي به. فقط أنشر مقالاتي علي منصات التواصل بعد نشرها في مواقع ومجلات. كذلك أنشر أخباري وأخبار رواياتي وما يكتبه النقاد عنها. أفعل ذلك من باب الاحتفاظ بها. يسعدني الاهتمام من المتابعين طبعا لكن أنا متعتي فيما أكتب. ما بعد ذلك متروك للقراء وهم أحرار.
ما الأحلام التي تراودك اليوم؟ هل يمكن أن تترجم في عمل ما؟انا مشغول بكتابة رواية جديدة وأنتظر رواية ستنشر في دار المتوسط في يناير القادم. حين أكتب رواية لا انشغل بشيء آخر.
لو قدمت جملة من النصائح لشباب الروائيين.. ما أبرزها؟كما قلت من قبل أن يقرأ في تاريخ الأدب وتطوره، وأن المهم هو كيف يكتب لا ماذا يكتب. الكتابة فن وللرواية أو الشعر أو المسرح أو الرسم مدارس فنية علي الكاتب الشاب أن يدركها. كذلك الاهتمام بالفنون الأخرى مثل السينما والفن التشكيلي تساعده على التصوير الفني والإيجاز في الحكي، وحبذا لو قرأ شيئا من الفلسفة ليعرف قضايا الوجود، وكيف تنعكس في مواقف شخصياته. الفلسفة مهمة جدا للكاتب لا تقل أهميتها عن القراءة في تاريخ الأدب أو علم النفس أو التاريخ أو غيرها.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات عبد المجید دور النشر
إقرأ أيضاً:
وفاة الكاتب ماريو فارغاس يوسا الحائز جائزة نوبل للآداب
توفي الكاتب الإسباني-البيروفي ماريو فارغاس يوسا الحائز جائزة نوبل للآداب عن 89 عاما في ليما عاصمة البيرو حيث كان يعيش منذ أشهر قليلة بعيدا عن الحياة العامة، على ما ذكرت عائلته في رسالة عبر منصة "إكس" للتواصل الاجتماعي.
وتمثل وفاته نهاية حقبة الجيل الذهبي للأدب في أميركا اللاتينية، والذي كان فارغاس يوسا آخر ممثليه الكبار.
ولد فارغاس يوسا في عائلة بيروفية من الطبقة المتوسطة وكان أحد أبرز الأسماء في "الفورة" الأدبية الأميركية اللاتينية في الستينات والسبعينات مع الكولومبي غابريال غارسيا ماركيز والأرجنتيني خوليو كورتازار.
جاء في رسالة، كتبها نجله البكر ألفارو ووقعها شقيقه غونزالو وشقيقته مورغانا "بحزن عميق، نعلن وفاة والدنا ماريو فارغاس يوسا اليوم في ليما بهدوء محاطا بعائلته".
وأعلنت الحكومة البيروفية 14 أبريل يوم "حداد وطني"، مشيرة إلى تنكيس الأعلام على المباني العامة، بحسب مرسوم.
ولم تتطرق العائلة إلى سبب وفاة الكاتب، لكنّ صحته كانت ضعيفة منذ عودته إلى العاصمة البيروفية في العام 2024، بعد مغادرته العاصمة الإسبانية مدريد.
وأضاف أولاده "إن رحيله يبث الحزن في نفوس عائلته وأصدقائه وقرّائه في مختلف أنحاء العالم، لكننا نأمل أن يجدوا العزاء، كما نجده نحن، في حقيقة أنه تمتع بحياة طويلة ومتنوعة ومثمرة".
أمام منزل الكاتب المطل على المحيط الهادئ في حي "بارانكو"، تجمعت مجموعة صغيرة من الأشخاص في صمت عند تلقي خبر وفاته، حاملين نسخا من أعماله.
وقال أحد هؤلاء الأشخاص ويُدعى غوستافو رويس، في حديث إلى إذاعة "آر بي بي": "كان مرجعا مهما جدا بالنسبة لي. كان يقول إن الأدب أنقذ حياته".
وقالت عائلة الكاتب "لن تقام أي مراسم جنازة عامة"، موضحة أن الجثة ستُحرَق. وأضافت "سنتصرّف خلال الساعات والأيام المقبلة بحسب ما أوصى".
"عبقرية فكرية"
في رسالة عبر منصة "إكس"، أعربت الرئيسة البيروفية دينا بولوارتي عن أسفها لوفاة فارغاس يوسا. وكتبت "إن عبقريته الفكرية وأعماله الكثيرة ستبقى إرثا دائما للأجيال المقبلة".
ووصف رئيس غواتيمالا برناردو أريفالو الكاتب بأنه "مؤرخ عظيم لأميركا اللاتينية ومترجم فطن لمساراتها ومصائرها".
وكتب الرئيس الكولومبي السابق ألفارو أوريبي، عبر منصة "إكس" أيضا "رحل ماريو فارغاس يوسا، أحد استاذة الأدب الكبار. ترك لنا أعماله، وروعته، ومثاله. ترك لنا مسارا لنتّبعه في المستقبل". بينما أكّد كريستوفر لاندو نائب وزير الخارجية الأميركي أنّ "مواضيعه واهتماماته خالدة وعالمية".
وقال الكاتب البيروفي ألفريدو بريس إيتشينيكي، مؤلف كتاب "عالم ليوليوس" وصديق ماريو فارغاس يوسا، عبر إذاعة "آر بي بي"، إن وفاة فارغاس يوسا تشكل "حدادا للبيرو لأن أحدا لم يمثلنا في العالم بقدر ما مثلنا هو، بعمله عموما، ومثابرته، ونقائه، وعظمته".
"عبقري الآداب"
تُرجمت أعمال ماريو فارغاس يوسا، وهو كاتب محب للثقافة الفرنسية عاش لسنوات في باريس، إلى نحو ثلاثين لغة، وكان أول كاتب أجنبي يدخل مجموعة "بلياد" الأدبية المرموقة خلال حياته في عام 2016. كما انتُخب لعضوية الأكاديمية الفرنسية في عام 2021.
وأشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عبر منصة "إكس"، بالكاتب الراحل، ووصفه بأنه "عبقري الآداب" الذي كان له "وطن" في فرنسا وكان عمله "يعارض التعصب بالحرية، والجزمية بالسخرية، واستشرس في دفاعه عن المُثُل في مواجهة عواصف القرن".
ولد ماريو فارغاس يوسا في مدينة أريكيبا في 28 مارس 1936، وأمضى الأشهر الأخيرة من حياته محاطا بعائلته، بعيدا عن المناسبات العامة.
قبل أيام قليلة من عيد ميلاده التاسع والثمانين، ظهر في سلسلة من ثلاث صور التقطت في الأماكن التي كتب فيها رواياته "خمس زوايا" (بالإسبانية "سينكو إسكيناس") عام 2016 و"أهدي لك صمتي" ("لي ديديكو مي سيلينسيو") عام 2023.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي ينشر فيها نجله صورا له في أماكن من العاصمة ألهمته لكتابة بعض أعماله الشهيرة.
تدهورت صحة فارغاس يوسا بشكل كبير منذ العام 2023، بعدما نُقل إلى المستشفى في يونيو بسبب إصابته بفيروس كوفيد-19 خلال إقامته في إسبانيا، البلد الذي حصل على جنسيته في العام 1993.
وكان الكاتب صاحب روائع أدبية مثل "المدينة والكلاب" ("لا سيوداد إي لوس بيروس") و"محادثة في الكاتدرائية" ("كونفرساسيونين إن لا كاتيدرال) يحظى بالإعجاب لوصفه الوقائع الاجتماعية.