في ظل زخم دبلوماسي إقليمي ودولي تجاه سوريا، شهدت العاصمة السورية حراكا عربيا ملحوظا خلال الأيام الأخيرة، تميز بتوافد مسؤولين لإجراء مباحثات مع القيادة السورية الجديدة، في أعقاب تفاعل دولي تضمن زيارات وفود أوروبية وأميركية.

وفي زيارة هي الأولى لمسؤول أردني منذ سقوط الأسد، التقى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بالقائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، حيث دعا عقب اللقاء إلى منح الإدارة الجديدة فرصة لإعادة بناء البلاد، مشددًا على أهمية استقرار سوريا كعامل أساسي لأمن الأردن والمنطقة.

كما أجرى وزير الدولة بالخارجية القطرية محمد الخليفي لقاء مع الشرع، بحث خلاله العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون، إضافة إلى تقديم دعم قطري لتشغيل مطار دمشق الدولي، وجاء ذلك غداة لقاء وفد حكومي سعودي بالشرع في أول تواصل بين الإدارة الجديدة والرياض بعد سقوط الأسد.

لكن الدكتور لقاء مكي، الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات، خلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث" يرى أن التحركات العربية تجاه سوريا جاءت متأخرة نسبيا مقارنة بالتحركات الدولية التي سبقتها.

وأوضح أن العرب، باستثناءات محدودة مثل قطر التي رحبت منذ البداية، اتسموا بالحذر في التعامل مع القيادة الجديدة، لافتا إلى أن هذا التوجس لم يكن فقط بسبب ماضي القيادة الجديدة وتصنيفها على قائمة الإرهاب الأميركية، بل أيضا نتيجة رهانات بعض الدول العربية على نظام الأسد الذي بقيت آمال البعض معلقة عليه حتى لحظاته الأخيرة.

إعلان نضج سياسي

ويبدو أن "النضج السياسي والقدرة على التصرف بعقلية الدولة لا الثورة" التي أظهرتها القيادة الجديدة في دمشق -بحسب مكي- خلال الفترة الماضية، شجعا العديد من الدول على إعادة النظر في مواقفها.

كما أن زيارة باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأميركي إلى دمشق وما تبعها من تصريحات إيجابية تجاه القيادة السورية فتحت الباب أمام قبول دولي واسع لمن تولى زمام الأمور هناك، وفقا للمتحدث ذاته.

أما مسألة رفع هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب فـ"قد باتت مسألة وقت" كما يقول مكي، وأن هذا الأمر دفع بعض الدول العربية للإسراع في التعاطي مع القيادة الجديدة لتأمين مصالحها السياسية والاقتصادية في سوريا المستقبلية، مثل الأردن والخليج ولبنان.

لكنه في ذات الوقت حذر من رهان بعض الأطراف الإقليمية والدولية على فشل التجربة الجديدة في سوريا، سواء من خلال التأثير على الاستقرار الداخلي أو دعم أطراف متضررة مثل قوات قسد.

 

مفهوم الوصاية

ويرى مكي أن مفهوم الوصاية الذي كان حاضرا في السابق أثبت فشله في التعامل مع سوريا، لافتا إلى أن التجربة الديمقراطية في هذا البلد تمتد تاريخيًا إلى فترات بعيدة، وأن الشعب السوري -بما لديه من وعي- قادر على التكيف مع المرحلة الجديدة بعيدًا عن التطرف.

وعن الحضور التركي في سوريا، أوضح الباحث بمركز الجزيرة للدراسات أن تركيا كانت في طليعة المتفاعلين مع الثورة السورية منذ عام 2011، مما جعل حضورها في الانتصار الحالي أمرًا طبيعيًا.

بدوره، يرى الكاتب والباحث السياسي الدكتور مؤيد غزلان قبلاوي أن سوريا تحتاج إلى وقت للتعامل مع المعطيات الجديدة، لكنه أكد أن المبادرات الآنية التي قامت بها حكومة الإنقاذ كانت مطمئنة للوسط الإقليمي والدولي.

وأشار قبلاوي إلى أن القوى الدولية لاحظت استقرارا غير متوقع في دمشق، حيث كان هناك تخوف من الفوضى وغياب الأمن، لكن حكومة الإنقاذ أثبتت عكس ذلك.

إعلان

وأضاف أن الأرضية الأمنية والرؤية السياسية المتعاضدة مع دول الإقليم أسهمت بهذا الاستقرار، إلى جانب المكاسب التي حققتها الثورة السورية، مثل قطع تجارة الكبتاغون العالمية التي أرهقت دول الجوار، وتأمين الأمن الإقليمي بإنهاء الهلال الشيعي وتحويله إلى "رماد أمني".

مكاسب عاجلة

وأوضح الدكتور قبلاوي أن هذه المكاسب امتدت إلى لبنان الذي عاد إلى ساحة تنافسية بعيدا عن سيطرة حزب الله، وكذلك تركيا التي استفادت من تقليل سطوة "قسد" معتبرا أن هذه الإنجازات فشلت القوى الدولية في تحقيقها على مدار 15 عامًا.

ولفت إلى أن دول المشرق العربي كانت أسرع في الاعتراف بالتطورات الجديدة مقارنة بدول المغرب العربي التي لا تزال مترددة، مضيفا بأن من يتأخر عن الاعتراف بالسياسة الجديدة في دمشق سيتأخر عن الركب الدبلوماسي العالمي.

واعتبر قبلاوي أن هذا التردد يعود إلى حرص بعض الدول المغاربية، مثل الجزائر وبعض الأطراف الليبية، على استكشاف المرحلة القادمة، مرجحا أن تكون علاقاتها مع روسيا أثرت على تسريع هذا الاعتراف.

ورأى أن دول أوروبا، مثل فرنسا، أبدت رسائل إيجابية تجاه التطورات في دمشق، متوقعا أن تلحق الدول المغاربية بالركب الأوروبي قريبا، خاصة مع إدراكها أهمية المسار الاقتصادي والمصالحة الوطنية.

وأكد قبلاوي أن الوضع في سوريا يتجه نحو الأفضل، مع ملاحظة التعايش بين المكونات المختلفة وإجراءات تقاربية مع الدول العربية. وأعرب عن أمله في إعادة تعريف الإرهاب في المنطقة، مشيرًا إلى أن حتى الموالين للنظام السوري السابق لا يرغبون في عودة فلوله إلى المشهد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات القیادة الجدیدة فی سوریا فی دمشق إلى أن

إقرأ أيضاً:

القيادة في سوريا تدعو لحوار وطني يعقد قريبا

دمشق"وكالات": التقى القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع، نائب الرئيس السابق فاروق الشرع الذي أبعِد عن المشهد السياسي في الأعوام الأخيرة من حكم بشار الأسد، ودعاه لحضور مؤتمر حوار وطني، وفق ما أفاد قريب للمسؤول السابق اليوم.

وقال مروان الشرع، وهو ابن عم فاروق، في اتصال هاتفي "منذ الأيام الاولى لدخول أحمد الشرع إلى دمشق، زار فاروق الشرع في مكان إقامته في إحدى ضواحي دمشق، ووجّه له دعوة لحضور مؤتمر وطني سيعقد قريبا".

وأضاف "قابل فاروق الشرع الدعوة بالقبول وبصدر رحب،وكان آخر ظهور علني لفاروق الشرع في مؤتمر الحوار الوطني في فندق صحارى عام .

وكان فاروق الشرع على مدى أكثر من عقدين، أحد أبرز الدعامات التي رسمت السياسة الخارجية لسوريا. وشغل السياسي المخضرم منصب وزير الخارجية اعتبارا من العام 1984 خلال حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، وبقي فيه مع تولّي نجله بشار السلطة في 2000.

وعيّن نائبا لرئيس الجمهورية عام 2006، وترأس مؤتمر حوار وطني في فندق صحارى بدمشق عام 2011، بعد أشهر من اندلاع الاحتجاجات المناهضة للأسد. وأدلى الشرع خلال المؤتمر بتصريحات تنادي بتسوية سياسية للنزاع، غاب بعدها عن المشهد السياسي والأنظار لفترة طويلة.

ودعا فاروق الشرع الذي طرح اسمه مرارا في السابق لاحتمال تولي سدة المسؤولية خلفا للأسد في حال التوافق على فترة انتقالية للخروج من الأزمة، الى "تسوية تاريخية" تشمل الدول الاقليمية وأعضاء مجلس الأمن الدولي.

من جهة أخرى استقبل أحمد الشرع قائد الإدارة الحاكمة في سوريا وليد جنبلاط زعيم الدروز اللبناني اليوم في محاولة جديدة لطمأنة الأقليات بأنها ستحظى بالحماية .

وقال الشرع إن سوريا لن تشهد بعد الآن استبعاد أي طائفة، مضيفا أن عهدا جديدا "بعيدا عن الحالة الطائفية" بدأ.وقال خلال اللقاء مع جنبلاط :"اليوم يا اخواننا نحن نقوم بواجب الدولة في حماية كل مكونات المجتمع السوري".وذكر الشرع أن الإدارة الجديدة أرسلت وفودا حكومية إلى مدينة السويداء ذات الأغلبية الدرزية في جنوب غرب البلاد.

وفي محاولة لتهدئة المخاوف بشأن مستقبل سوريا، استضاف الشرع عددا كبيرا من الزوار الأجانب في الأيام القليلة الماضية، وتعهد بمنح الأولوية لإعادة إعمار البلاد التي دمرتها الحرب الأهلية على مدى 13 عاما.

مون/كام

مقالات مشابهة

  • مبادرة لبنانية مرتقبة تجاه سوريا
  • روسيا: نتواصل مع الإدارة السورية الجديدة دبلوماسيًا وعسكريًا
  • أعلى رتبة عسكرية في نظام الأسد يجري تسوية مع القيادة الجديدة
  • مخاوف إسرائيلية من القيادة الجديدة في سوريا
  • القيادة في سوريا تدعو لحوار وطني يعقد قريبا
  • من هي أبرز الشخصيات التي تدير المشهد في سوريا الجديدة؟.. وزراء ومحافظون
  • القيادة السورية تعيّن وزيرا للخارجية سعيا لإقامة علاقات دولية
  • القيادة العامة السورية الجديدة تعلن تكليف أسعد الشيباني بحقيبة وزارة الخارجية
  • خبراء أميركيون: الحوافز والشروط تحكم علاقات واشنطن مع سوريا الجديدة