عين ليبيا:
2025-02-23@07:16:26 GMT

مظاهر تحريف الأديان

تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT

من المظاهر التي اعترت الأديان الكتابية التي سبقت ظهور الإسلام أنها تعرضت للتحريف والتزييف والتلاعب بنصوصها وبتأويلها بحسب رغبة ومصلحة أحبارها وقساوستها؛ فجاء الإسلام لنسخها وتصحيح المُحرّف من أحكام شرعية أنزلها الله تعالى على أنبيائه عليهم السلام جميعًا، وأتباعهم عبثوا بها وحرّفوها عن موضعها ليشتروا بها عرض من الدنيا بأثمان قليلة؛ فجاء وصفهم في القرآن الكريم في قوله تعالى: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا}، فالذين هادوا هم الذين أوتوا نصيبا من الكتاب، ويقصد بهم الكتابيون دون غيرهم من الديانات غير الكتابية، التي هي خارج نطاق التناول هنا، وليس مقام الحديث عنها.

ومظاهر التحريف التي قام بها أتباع هذه الكتب تمثلت في تحريف نصوص الكتب، وما جاء فيها من أحكام من خلال تحريف معاني الكلم أو تغييرها عن مواضعها؛ لتتغير أو تنقلب معانيها ودلالتها، التي تتناسب مع أهوائهم ورغباتهم وتحقق مصالحهم. قال تعالى: {يحرفون الكلم عن مواضعه} قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قوله: “يحرفون الكلم عن مواضعه” أي: يتناولونه على غير تأويله، ويفسرونه بغير مراد الله عز وجل قصدا منهم وافتراء.

وقال الإمام الرازي، رحمه الله، في كيفية التحريف وجوه:

أحدها: أنهم كانوا يبدلون اللفظ بلفظ آخر.

والثاني: أن المراد بالتحريف إلقاء الشبه الباطلة والتأويلات الفاسدة، وصرف اللفظ من معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه الحيل اللفظية، كما يفعله أهل البدعة في زماننا هذا، بالآيات المخالفة لمذاهبهم، وهذا هو الأصح.

والثالث: أنهم كانوا يدخلون على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويسألونه عن أمر فيخبرهم ليأخذوا به، فإذا خرجوا من عنده حرفوا كلامه. وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في “إغاثة اللهفان”: قد اختلف في التوراة التي بأيديهم، هل هي مبدلة أم التبديل وقع في التأويل دون التنزيل؟ على ثلاثة أقوال:

قالت طائفة: كلها أو أكثرها مبدل، وقالت طائفة من أئمة الحديث والفقه والكلام: إنما وقع التبديل في التأويل.

قال البخاري، رحمه الله، في صحيحه: يحرفون: يزيلون، وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله، ولكنهم يتأولونه على غير تأويله، وهو ما اختاره الرازي أيضا.
وجاء في الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿من الذين هادوا﴾ أَيْ: قومٌ ﴿يحرِّفون الكلم عن مواضعه﴾ أَيْ: يُغيِّرون صفة محمَّد صلى الله عليه وسلم وزمانه ونبوَّته في كتابهم ﴿ويقولون سمعنا﴾ قولك ﴿وعصينا﴾ أمرك ﴿وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ ﴾ كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: أسمع ويقولون في أنفسهم: لا سمعت ﴿وراعنا ليًّا بألسنتهم﴾ أَيْ: ويقولون راعنا ويوجِّهونها إلى شتم محمَّد عليه السَّلام بالرُّعونة وذكرنا أنَّ هذا كان سبًّا بلُغتهم ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ مكان قولهم: سمعنا وعصينا وقالوا ﴿واسمع وانظرنا﴾ أَيْ: انظر إلينا بدل قولهم: راعنا ﴿لكان خيرًا لهم﴾ عند الله ﴿ولكن لَعَنَهُمُ الله بكفرهم﴾ فلذلك لا يقولون ما هو خيرٌ لهم ﴿فلا يؤمنون إلاَّ قليلًا﴾ أَيْ: إيمانًا قليلًا وهو قولهم: اللَّهُ ربُّنا والجنَّةُ حقٌّ والنَّارُ حقٌّ، وهذا القليل ليس بشيءٍ مع كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وليس بمدحٍ لهم.

إن تحريف الكلم عن مواضعه آفة يقوم بها الأدعياء والجهلة وأصحاب المنافع الدنيوية منذ وجودها إلى يومنا هذا، ويتخذ التحريف ثلاثة مظاهر:

التدخل في الوحي الإلهي بالحذف والزيادة، اتباعا للهوي أو غلوًا في الدين بالتأويلات الفاسدة والتفاسير الباطلة لما ورد من نصوص الشرعية بدون برهان ولا دليل، بل هو تحريف للكلم عن المعاني لأجل التحريف لأغراض متعمدة ذكرناها في بداية الحديث عن التحريف.

تعطيل العمل بطائفة من الأوامر والنواهي، تعطيل العمل ببعض الكتاب، وتوارث هذا العطل من جيل إلى جيل حتى تنشأ خلوف قاصرة تظن ما أهمل قد نسخ وباد! كما حدث مع علماء قوم نوح – قبل أن يبعث – الذين جعلوا لهم تماثيل ومع مرور الزمن جاءت أجيال فعبدتهم من دون الله.

يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: ومن حسن حظنا –نحن المسلمين– إنّ كتابنا محفوظ بعناية الله، فالأصل الذي نحتكم إليه قائم دائم، ومن حسن حظنا أن الإجماع منعقد على أركان الإسلام والأجهزة الرئيسية، التي تتفرع عنها شعبة وقوانينه هنا وهناك.

وهذا في أصل الدين، ولكن وجدت وتوجد نوابت وإن لم تحرف النصوص لحفظ الله لها {إنا نزلنا الذكر وإنا له حافظون}، ولكن حرفت معانيها وتوسعت في تأويلها وإخراجها عن دلالتها ووظفتها لنيل عرض الدنيا أو رضا سلطان، وهذه الصورة من التحريف والتزييف يجب معرفتها وفضحها والتحذير منها حتى لا تسقط الأمة في هذا المستنقع الذي كفره الله وحذر منه، ولعنه قال تعالى: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا}

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم رحمه الله

إقرأ أيضاً:

خطيب الجامع الأزهر: تقوى الله أمثل طريق للطمأنينة في الدنيا والآخرة

ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور ربيع الغفير، أستاذ اللغويات بجامعة الأزهر،  ودار موضوعها حول "الاستعداد لشهر رمضان"

وقال الدكتور ربيع الغفير، إن تقوى الله أمثل طريق وأقوم سبيل للطمأنينة في الدنيا والسعادة في الأخرة، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾، لذلك يجب على المسلم الاستعداد لشهر رمضان، وأجلُّ ما يستقبل به هذا الشهر: سلامة الصدور، وطهارة القلوب، وتزكية النفوس، والسيرة لا تطيب إلا بصفاء السريرة ونقاء القلوب، لأنه لا يوجد أجلُّ من استقبال مواسم الطاعات بتوبة صادقة نصوح لله جل وعلا، فيستقبل هذه المواسم، وقد أقلع وتخلَّى عن ذنوبه ومعاصيه التي لطالما قيَّدته، وحرمته من كثير من الطاعات والحسنات ومن أبواب الخيرات.

وأوضح خطيب الجامع، أنه يجب على كل مسلم أن يحرص على ألَّا يدخل عليه رمضان إلا وهو طاهرٌ نقيٌّ، فإن رمضان عطر، ولا يعطر الثوب حتى يغسل، وهذا زمن الغسل، فاغتسلوا من درن الذنوب والخطايا، وتوبوا إلى ربكم قبل حلول المنايا، واتقوا الشرك فإنه الذنب الذي لا يغفره الله لأصحابه، واتقوا الظلم فإنه الديوان الذي وكله الله لعباده، واتقوا الآثام، فمن اتقاها فالمغفرة والرحمة أولى به،  قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾.

وحث خطيب الجامع الأزهر المسلمين على السباق في ميادين الطاعات، ومضمار القربات؛ ليدخل شهر رمضان وقد تهيَّأ العبد تهيئةً إيمانيةً، فيدرك من حلاوة الصيام ولذة القيام ما لا يقدر قدره، فإن قلوب المؤمنين تترقب بلهفةٍ ذاك الشهرَ العظيم، والضيفَ الكريم، الذي يرونه نعمة كبرى، وهبةً عظمى من الرب الكريم، لهذا كان السلفُ -رضي الله عنهم- يجعلون دخول شهر شعبان للاستعداد المبكّر لاستقبال رمضان، حتى لا يدخل عليهم الشهرُ الفضيل إلا وقد روّضوا أنفسَهم على ألوانٍ من الطاعات والقُربات، فشهر شعبان بمثابة الفترة التدريبية التي تسبق دخول مضمار السباق، والبوابةَ الممهِّدة للدخول في السباق الأخروي، فالخيل التي لا تُضمَّر ولا تَتَدرب؛ لا تستطيع مواصلة السباق وقت المنافسة كما ينبغي، بل قد تتفاجأ بتوقّفها أثناء الطريق.

وأضاف أن العاقلُ من عرف شرف زمانه، وقيمة حياته، وعظّم مواسمَ الآخرة، واستعد لهذا الزمن العظيم من الآن، وهيأ قلبَه ليتلقى هبات الله له بقلب سليمٍ، متخفِّف مما ينغّص عليه التلذذ بالطاعات، كأن يجتهد الإنسان في إنهاء ما قد يشغله في رمضان من الآن، وأن يتدرب على بعض أعمال رمضان كصيام ما تيسر من أيام شعبان، وأن يزيد قليلاً على نصيبه المعتاد من صلاة الليل، وأن يزيد قليلاً على وِرده الذي اعتاده من القرآن.

وفي ختام الخطبة أكد الغفير، أهمية التدرب على تلاوة القرآن الكريم في شعبان، كما أن من أعظم ما يعين على تهيئة النفس لرمضان: كثرةُ الدعاء، والإلحاحُ على الله تعالى في أن يبارك له في وقته وعمره، وأن يبارك له في شعبان ورمضان، وأن يجعله في رمضان من أسبق الناس إلى الخير؛ فإن العبد مهما حاول فلا توفيق ولا تسديد إلا بعون الله وتوفيقه، والعبدُ مأمورٌ بفعل الأسباب، واللهُ تعالى كريم، لا يخيّب مَن وقف على بابه، وفعل ما بوسعه من الأسباب.

مقالات مشابهة

  • ما هو سبب صيام شهر رمضان؟ اغتنم 6 نفحات ربانية تتنزل على الصائمين
  • ما الحالات التي يباح فيها الفطر في رمضان؟ .. مفتي الجمهورية السابق يجيب
  • رمضـان علـى الأبـواب.. فمـا أشبـه اليـوم بالبارحـة!
  • أعظم ثلاث دعوات فى القرآن.. داوم عليها كل يوم
  • لاحت بشائر رمضان.. خطيب المسجد النبوي: تاج الشهور ومعين الطاعات فاغتنموه
  • خطيب الجامع الأزهر: تقوى الله أقوم سبيل للطمأنينة في الدنيا والسعادة بالآخرة
  • خطيب الجامع الأزهر: تقوى الله أمثل طريق للطمأنينة في الدنيا والآخرة
  • خطيب الأوقاف: الشريعة الإسلامية تميزت بالسهولة والتيسير.. فيديو
  • حاجة المؤمنين إلى مغفرة رب العالمين
  • ما يجب فعله قبل الفجر بساعة؟.. 7 أعمال تجمع لك الخيرات كلها