فيما يخوض الاحتلال حرباً على سبع جبهات، فإن القناعة السائدة أن الأضرار الهائلة التي أصابته من هذه الحروب منذ أواخر 2023 لم تعلمه شيئاً، لأن قادته ما زالوا يدفنون رؤوسهم في الرمال، ويرفضون الاعتراف بأن الجبهة الأساسية التي حقق فيه الاحتلال هزيمة نكراء هي المعركة الداخلية.

البروفيسورة يديديا شتيرن رئيسة معهد سياسة الشعب اليهودي (JPPI) وأستاذة القانون بجامعة بار إيلان، لم تتردد في القول إن "المراقب العاقل للوضع الإسرائيلي لابد أن يمزّق شعره، وهو يرى ما الذي ينشغل به قادته في هذه اللحظة التاريخية المصيرية الراهنة، وهو السؤال الأبرز الذي يدور في قلب الجدل العام، في ضوء إعادة تشكيل الشرق الأوسط؛ وغرق الجنود في مستنقع غزة ولبنان وسوريا؛ وقد فُتحت لأول مرة فرصة حقيقية للقضاء على السلاح النووي الإيراني؛ وهناك إدارة جديدة تنهض في واشنطن، والمجتمع والاقتصاد يئنّان تحت أعباء ثقيلة؛ ورغم كل ذلك فلا زال قادة إسرائيل منشغلون في عالم موازي آخر".



انعدام المسئولية
وأضافت في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21" أن "قادة الدولة لا يتوانون عن الاستمرار في مهمة حفر القبور للمختطفين المئة، والجنود الذين يسقطون بزيّهم العسكري في وحل غزة، لكنهم يعتبرون هذه المسائل الوجودية ثانوية، مما يكشف عن حالة من الجنون وانعدام المسؤولية التي لا مثيل لها في المنطقة، وتدار بها الدولة في هذه المرحلة الخطيرة وغير المسبوقة، التي تستدعي من قادة الدولة عموما، ورئيس الحكومة خصوصا، أقصى قدر من الاهتمام لهذا الوضع غير المستقر الذي تعيشه الدولة برمّتها".

وأشارت أن "الشواهد على تدهور وضع الدولة في هذه الظروف الاستثنائية أكثر من أن تحصى، لعل أخطرها، أن الإسرائيليين فقدوا دولتهم، ولا يتوانى عدد من قادتهم عن إعلان الدعوة لرفض الخدمة في الجيش؛ فيما يطالب كبار الحاخامات عناصرهم المتشددة، الذين يمثلون ثُمن الجمهور الإسرائيلي، لعدم التجنيد؛ أما وزير القضاء وأعضاء الكنيست فيفكرون برفض أمر المحكمة العليا؛ ويعلن وزير آخر أنه لا يستبعد تغيير النظام القضائي، وكل ذلك يعني في النهاية تقويض القدرة على الحفاظ على حكم القانون في الدولة".


وأكدت أنه "بينما تواصل الآلة الدعائية للحكومة والجيش على ترديد المزاعم الخاصة بتحقيق الانتصار في جبهات القتال الخارجية السبعة، لكن الحقيقة الماثلة أن الدولة تخسر بشكل خطير حربها على الجبهة الداخلية الثامنة، مع العلم أن ثمن الخسارة في هذه الجبهة سيكون البنية التحتية للدولة برمّتها، وهو ما لا يمكن استرداده بسهولة، لأن مؤسسات الدولة في هذه الآونة تفقد الثقة بصورة كاملة في ذاتها، ويتم استخدام النظام السياسي من قبل الأغلبية اليمينية لهدم أركانه وأسسه".

التصدع الداخلي
وأشارت أن "معالم خسارة الاحتلال لحربه الداخلية تتجسد في غياب وتصدع التكافل الاجتماعي في زمن الحرب بين الإسرائيليين، وما مُني به جهاز المناعة القومي من أضرار غير قابلة للترميم، وفي هذه الحالة فإن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق من هم في السلطة، أي رئيس الوزراء والحكومة بأكملها، بسبب مبادرتهم لإطلاق عجلة الانقلاب القانوني فور توليهم السلطة في أواخر 2022، حتى أن الأضرار الهائلة التي خلّفتها سنة 2023 من حروب ومواجهات خارجية لم تعلّمهم شيئا، بدليل عودة ذات الحماقة من جديد في هذه الآونة".


وأوضحت أن "حكومة اليمين لا تتردد في محاولة تغيير قواعد اللعبة السياسية والقانونية من جانب واحد، ودون إجماع إسرائيلي واسع، فيما يكتفي الآخرون بدفن رؤوسهم في الرمال، رغم بدء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للإدلاء بشهادته في المحكمة، وفي الوقت ذاته السماح له بمزاولة مهامه في هذه اللحظة الحرجة، وهي خطوة غير مسبوقة في تاريخ الدولة منذ تأسيسها".

وأكدت أن "الحقيقة المرّة أن الصراع الذي تخوضه الدولة على الجبهات الخارجية المتعددة يسفر عن قلق حقيقي على مستقبلها، وفي الوقت ذاته فإن ساستها ممن يخوضون الحرب الداخلية يفتقرون للمرونة والرؤية الواسعة، بل إن كلا منهم متمترس في تكتله الحزبي، ووجهه مغلق أمام الرأي العام، الذي يتطلب بطبيعته التنازل للآخرين، مما ينفي الحديث عن المساواة في المسؤولية عن الكارثة الوطنية الماثلة، ويحمّل الحكومة مسئولية أكثر من أي جهة أخرى، لأنها تملك السلطة، وعليها واجب استخدامها، وبإمكانها تغيير قواعد اللعبة، رغم أن استطلاعات الرأي تشير أن مستوى الثقة بها منخفض، ولا تحظى بدعم أغلبية الجمهور الإسرائيلي".


ودعت إلى "وقف إطلاق النار بين الإسرائيليين في الجبهة الداخلية الثامنة، لأنه بدونها فلن يتحقق النصر في الجبهات السبع الأخرى، وسيكون لا قيمة له، وحينها فإن ما يعتبره الإسرائيليون "النصر المطلق" سيكون خسارة لهم جميعاً، وسيجعل الدولة تفتقر لحالة التوازن الداخلي، وسيقوم الجانب الخاسر بترتيب جولة أخرى، وعلى طول الطريق سيخسر الإسرائيليون جميعًا، لأن كل تيار ينظر للآخر انطلاقا من "الدونية الأيديولوجية"، وهذا خطأ فادح، سيزيد من الفجوة الاجتماعية العميقة الحاصلة".

وأشارت أن "قواعد لعبة إدارة النزاع الإسرائيلي الداخلي ليست مستقرة، لأن الأغلبية اليمينية الحالية تحاول حالياً تغيير شكل الدولة من جانب واحد، مما يعني افتقارنا للقدرة على الاتفاق على هوية إسرائيل، ومضمونها القيمي، وبالتالي لا يمكن التوصل لدستور كامل، الذي يحمي قواعد اللعبة السياسية، أي أن الدولة ستبقى مفتقرة لما يمكن اعتباره "الترياق" الضروري للأزمة المتفاقمة حالياً".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية الإسرائيلي غزة سوريا لبنان إسرائيل غزة صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی هذه

إقرأ أيضاً:

الحرب في عامها الثالث.. ما الثمن الذي دفعه السودان وما سيناريوهات المستقبل؟

اتفق محللان سياسيان على أن الصراع المستمر في السودان منذ أكثر من عامين قد وصل إلى مرحلة حرجة، حيث تتفاقم الكارثة الإنسانية وسط تدخلات خارجية معقدة وفشل واضح للمجتمع الدولي في تحقيق أي اختراق لوقف الحرب، في حين يشهد الميدان العسكري تغيرات متسارعة.

وحسب أستاذ الدراسات الإستراتيجية والأمنية، أسامة عيدروس، فإن الحرب في السودان اتسمت منذ يومها الأول باستهداف مباشر للشعب السوداني، متهما الدعم السريع ومنذ بداية الحرب باقتحام بيوت المواطنين رفقة مليشيات مرتزقة، وتنفيذ "سلسلة ممنهجة من التهجير القسري واغتصاب النساء ونهب البيوت والمرافق الحكومية والبنوك".

ورأى عيدروس أن استهداف البنية التحتية كان مخططا له ومقصودا لجعل الحياة في العاصمة الخرطوم "غير ممكنة" ودفع سكانها قسرا للخروج منها، مؤكدا استمرار هذا النمط حتى الآن، ودلل على ذلك باستهداف الدعم السريع قبل 3 أيام محطات الكهرباء ومحطة المياه في نهر النيل في مدينة عطبرة وقبلها في سد مروي، وفي دنقلا في الولاية الشمالية، على حد ذكره.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد أكد مؤخرا أن الحرب التي دخلت عامها الثالث قبل أيام قد جعلت السودان عالقا في أزمة ذات أبعاد كارثية يدفع فيها المدنيون الثمن الأعلى، ودعا لوقف الدعم الخارجي ومنع تدفق الأسلحة إلى الأطراف المتحاربة.

إعلان

فشل أممي

وفي السياق نفسه أكد الكاتب والباحث السياسي، محمد تورشين، بأن الوضع الإنساني في السودان قد وصل إلى مستويات كارثية، مشيرا إلى وجود عدد كبير جدا من اللاجئين السودانيين في تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا.

وانتقد تورشين فشل الأمم المتحدة في إيصال المساعدات، قائلا إن الأمم المتحدة ممثلة بالوكالات الإغاثية فشلت تماما في إيصال الاحتياجات والمساعدات لمن هم بحاجة إليها.

واتفق المحللان على وجود تدخل خارجي واضح في الصراع السوداني، وقال عيدروس إن الراعي الإقليمي للدعم السريع أمده بتقانات عسكرية متطورة خصوصا المسيرات ومنظومات الدفاع الجوي، مؤكدا أن الدعم السريع يفتقر إلى أي مشروع سياسي حقيقي، ما يعني أن ما يجري هو عبارة عن "مخطط مصنوع من الخارج" حسب رأيه.

وفيما يتعلق بالتطورات الميدانية على الأرض أوضح عيدروس أن الدعم السريع تمدد حتى وصل مدينة الدندر في الشرق، لكن الجيش السوداني تمكن مؤخرا من تحرير الدندر والسوكي وسنجة وولاية سنار وولاية الجزيرة، بالإضافة إلى تحرير ولاية الخرطوم كاملة وفتح الطريق إلى الأبيض مرورا بتحرير مدن أم روابة والرهد وغيرها.

وأكد أن القوة الصلبة للدعم السريع انكسرت، وقيادتهم تشتتت وليس لديهم سيطرة على قواتهم، مشيرا إلى أن قوات الدعم في كردفان تشتكي من أنها تركت تقاتل وحدها والجيش السوداني يتقدم في مساحات واسعة.

ومع أن تورشين رجح بأن تكون قوات الدعم السريع قد تلقت ضربات موجعة أضعفت مقدرتها العسكرية وتسببت بانسحابها من الكثير من المناطق، فإنه لم يستبعد أن تكون هذه القوات مازالت تمتلك العديد من القدرات والإمكانيات التي تمكنها من تهديد أمن واستقرار المناطق الآمنة.

واستبعد انتهاء الصراع المسلح قبل أن يتمكن الجيش من امتلاك آلة عسكرية أكثر تطورا من تلك التي بحوزة الدعم السريع، خصوصا المسيرات وأجهزة التشويش.

إعلان

الحل السياسي

وفيما يتعلق بالحل السياسي، رأى عيدروس أن السودان "يتعرض لعدوان" وأنه إذا لم يتم صد العدوان وتأمين المواطن السوداني في كل بقعة من بقاع السودان، فإنه لا يمكن الحديث عن مرحلة الحل السياسي. ووجه انتقادا للقوى السياسية السودانية، قائلا إنها استقالت من مهامها الحقيقية ولم تستطع تقديم توصيف حقيقي لما يجري على الأرض.

وشدد على أن الحكومة الحالية هي حكومة الأمر الواقع وأنها تملك فقط حق إدارة الأزمة الموجودة حاليا وليس من حقها التقرير نيابة عن الشعب السوداني في شأن مستقبلي.

أما تورشين، فرأى أن الحل السياسي يتمثل بدمج قوات الدعم السريع وكافة المليشيات الأخرى في جيش وطني واحد مع ضرورة إجراء عملية إصلاح واسعة بالبلاد، ثم البدء بحوار سوداني- سوداني بمشاركة كل الأطراف للاتفاق على مرحلة انتقالية بكافة تفاصيلها، محذرا من فكرة تكوين حكومة مدنية في الظروف الحالية، باعتبار "أن الأوضاع غير مواتية، وأنه لا صوت يعلو فوق صوت البندقية".

وتوقع المتحدث نفسه أن يشهد مستقبل السودان السياسي تغييرا جذريا، على يد شرائح كثيرة من الشباب السوداني الذين لديهم انتقادات كثيرة على أداء الإدارات السابقة، ويحلمون بإنشاء منظومات سياسية بأفكار جديدة.

مقالات مشابهة

  • صندوق النقد يحذر من تراجع النمو بسبب التوتر التجاري الذي أشعله ترامب
  • قصة الروبوت جيني الذي ابتكرته وحدة لوتيم في الجيش الإسرائيلي
  • الحرب في عامها الثالث.. ما الثمن الذي دفعه السودان وما سيناريوهات المستقبل؟
  • حرب القيامة التي يُراد بها تغيير خارطة الوطن العربي
  • نزع سلاح المقاومة الفلسطينية: المعركة الأخيرة للمحتل
  • الأمم المتحدة تحذر من تفكك السودان بسبب حكومة الدعم السريع
  • حرب القيامة التي يُراد بها تغيير خارطة الوطن العربي 
  • ما هو سلاح المقاومة الذي يريد الاحتلال الإسرائيلي نزعه من غزة؟
  • خامنئي: لا تفاؤل مفرط ولا تشاؤم بشأن المحادثات النووية مع واشنطن
  • أكثر من 51 ألف شهيد في غزة.. وفزع أممي إزاء القصف الإسرائيلي للمستشفى الأهلي