مخططات تقسيم الشرق الأوسط: الخلافات «وقود خبيث».. وإسرائيل الرابح
تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT
تشهد المنطقة العربية والشرق الأوسط تحولات جيوسياسية كبرى فى العقود الأخيرة، كشفت العديد من المخططات التى تهدف إلى تقسيم الدول العربية وإعادة رسم خريطة المنطقة، إذ لا تقتصر مخططات التقسيم على التحولات الداخلية التى تحدث فى بعض الدول، بل تشمل التدخلات الخارجية التى تهدف إلى إضعاف وحدة الشعوب، عبر تحفيز الصراعات الطائفية، ودعم الانفصال والتجزئة، وإضعاف الشأن العربى وتفتيت كياناته السياسية.
وتعود بداية مخططات التقسيم إلى سنوات طوال؛ ففى عام 1957، أعلن الرئيس الأمريكى دوايت أيزنهاور ما عُرف بـ«مبدأ أيزنهاور»، الذى كان يقضى بأحقية الولايات المتحدة فى التدخل لصالح أى دولة فى الشرق الأوسط.
وفى العصر الحديث، هناك مخطط برنارد لويس، الذى يهدف إلى تقسيم الدول العربية إلى دويلات وأقاليم على خلفيات دينية وعرقية، وفى عام 2004، ظهر مشروع «الشرق الأوسط الكبير» من قبَل إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، الذى استهدف تقسيم بعض الدول العربية إلى كيانات أصغر على أسس طائفية أو عرقية.
وتبعه مشروع «الفوضى الخلاقة» فى العام نفسه، إذ استُخدم هذا المصطلح فى 2005 من قبَل وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس، التي دعمت استراتيجيات تهدف إلى إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط عبر تفكيك العديد من الدول العربية وإطلاق شرارة الحروب الأهلية، لتعم الفوضى العديد من الدول.
لم تكن المخططات تستهدف إعادة تقسيم المنطقة فحسب، بل تفتيت الدول العربية نفسها، وهو ما برز فى مشروع تقسيم العراق عام 2006، خصوصاً بعد الغزو الأمريكى، إذ روج بعض المسئولين والمفكرين الأمريكيين لفكرة تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات منفصلة «دولة شيعية فى الجنوب، دولة كردية فى الشمال، ودولة سنية فى الوسط»، وعلى الرغم من أن المشروع لم يتم تنفيذه رسمياً، فإن العراق شهد تفككاً داخلياً بسبب الانقسامات الطائفية، ما ساعد على نمو الجماعات المتطرفة مثل تنظيم داعش الإرهابى.
وفى عام 2011، برز مخطط تقسيم ليبيا، بعد تدخل حلف الناتو على خط الأزمة، حيث بدأت بعض الأطراف الدولية فى الحديث عن تقسيم ليبيا إلى ثلاث مناطق مستقلة أو فيدرالية؛ المنطقة الغربية التى تسيطر عليها طرابلس، والشرقية وعاصمتها بنغازى، والجنوبية التى تسيطر عليها الجماعات المسلحة، وعلى الرغم من عدم تنفيذ المخطط رسمياً، لكن ليبيا شهدت تفككاً سياسياً وصراعات مستمرة بين مختلف الفصائل المسلحة.
وفى 2012، برز مخطط تقسيم سوريا، وبدأت الفكرة تنتشر بشكل أكبر بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية، وكانت هناك دعوات من بعض الأطراف الدولية لتقسيم سوريا إلى مناطق ذات أغلبية عرقية أو طائفية، مثل دولة كردية فى الشمال، وعلوية فى الساحل، وكيانات سنية فى بقية المناطق، وهو ما لاقى معارضة من الحكومة السورية وحلفائها، لكنه أصبح محل نقاش خلال الحرب الأهلية التى أدت إلى تدخلات متعددة من القوى الأجنبية.
«إسماعيل»: الغرب سعى لتحويل الدول العربية إلى كيانات طائفية وعرقيةوقال الدكتور محمد صادق إسماعيل، مدير المركز العربى للدراسات السياسية، إن مخططات تقسيم الشرق الأوسط بدأها بعض المفكرين الأمريكيين مثل صامويل هنتنجتون، وميشيل فوكوياما، وتوماس فريدمان، وتحدث هؤلاء المفكرون عن تقسيم الدول العربية إلى كيانات أصغر، تحت مسمى «الشرق الأوسط الجديد» وإعادة هيكلة المنطقة، ومن ضمن تلك التحركات ما يسمى بـ«الربيع العربى».
وأشار «إسماعيل»، لـ«الوطن»، إلى أن المخططات كانت تشمل تقسيم دول مثل السودان واليمن وسوريا وليبيا على أسس طائفية أو عرقية، مؤكداً أن المخططات كانت تتضمن تقسيم مصر، لكن القيادة السياسية المصرية حافظت على استقرارها بفضل تماسك شعبها ووجود مؤسساتها القوية كالقوات المسلحة.
«مهران»: مطلوب تعزيز دور الجامعة العربيةوأكد محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولى، عضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولى، أن مخططات تقسيم المنطقة العربية وتفتيت دولها تتعارض مع مبادئ القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، مشيراً إلى وجود مخططات ممنهجة لتفتيت الدول العربية وإعادة رسم خريطة المنطقة وفق مصالح قوى إقليمية ودولية.
وتابع «مهران»: «المنطقة العربية تواجه تحديات غير مسبوقة فى ظل تصاعد الصراعات الإقليمية وتزايد التدخلات الخارجية، ما يتطلب يقظة عربية مستمرة لحماية وحدة وسيادة الدول العربية».
وحذر «مهران» من نجاح مخططات التقسيم؛ لأنها تفتح الباب أمام سلسلة من التداعيات الخطيرة على المنطقة بأكملها، مشيراً إلى أن تفتيت الدول العربية سيؤدى إلى إضعاف قدرتها على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، منوهاً بأن المخططات الحالية تستند إلى استراتيجيات قديمة لتفتيت المنطقة، مثل اتفاقية سايكس بيكو وما تلاها من محاولات لتقسيم المنطقة على أسس طائفية وعرقية.
وشدد أستاذ القانون الدولى على ضرورة تعزيز دور جامعة الدول العربية وتفعيل آليات العمل العربى المشترك، إضافة إلى تقوية المؤسسات الوطنية وتعزيز التماسك المجتمعى فى الدول العربية، لافتاً إلى أهمية الوعى الشعبى بخطورة مخططات التقسيم، وأن تماسك المجتمعات العربية وتعزيز الهوية الوطنية يمثلان خط الدفاع الأول ضد محاولات التفتيت.
«العنانى»: التدخلات الخارجية مدفوعة بمصالح شخصية والمشكلات الداخلية تسهل المخططات الاستعماريةوقال أحمد العنانى، خبير العلاقات الدولية، إن الاضطرابات تعد فرصة لبعض الدول لتغذية الصراعات الداخلية، ما يسهل عليها تحقيق أهدافها، موضحاً أن التدخلات الخارجية، سواء من دول كبرى أو إقليمية، تكون مدفوعة بالمصالح الشخصية، فالمشكلات الداخلية والانقسامات بين الأطراف المختلفة تسهل المخططات الاستعمارية، حتى تصبح الدول أهدافاً سهلة للأطراف الخارجية التى تبحث عن موطئ قدم لها.
واستشهد «العنانى» بوجود القوات الروسية والتركية والإيرانية فى سوريا، التى تتفاوت أهدافها بين تأمين مصالحها الاستراتيجية أو محاربة الجماعات المتطرفة.
وأكد أن إسرائيل هى أكثر المستفيدين من الفوضى فى المنطقة، خصوصاً من خلال توغلها فى مناطق استراتيجية بالعديد من البلدان سواء فلسطين أو سوريا وحتى لبنان واليمن، سعياً إلى ضمان أمنها القومى وتعزيز نفوذها، لافتاً إلى أن التطورات الحالية تشير إلى أن تفتيت الدول العربية يعود جزئياً إلى التدخلات الخارجية وانعدام الاستقرار الداخلى، وفى ظل هذه الظروف، يصبح الشرق الأوسط منطقة ملتهبة، تتطلب جهوداً مشتركة لتحقيق التماسك والاستقرار.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الشرق الأوسط التدخلات الخارجیة الدول العربیة إلى الشرق الأوسط إلى أن
إقرأ أيضاً:
كيف سيعيد ترامب تشكيل الشرق الأوسط ؟
خلال حملته الانتخابية، وعد دونالد ترامب، الرئيس المنتخب للولايات المتحدة الآن، بأن «الشرق الأوسط سوف يُحَل»، لكنه لم يقدم سوى القليل من التفاصيل حول الكيفية التي قد يحقق بها مثل هذه النتيجة. مع عودته إلى البيت الأبيض، ستواجه أجندته التي ترفع شعار «أمريكا أولا» اختبارًا حقيقيًا في ظل تورط الولايات المتحدة في حرب إسرائيل في غزة، والأزمة الإنسانية المتفاقمة هناك.
على مدار العام الماضي، شهدت المنطقة تصعيدًا مباشرًا في الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، في وقت واصلت فيه إسرائيل عدوانها على حماس وحزب الله. بالتزامن مع ذلك، انهار نظام الأسد في سوريا، أحد أبرز حلفاء إيران، بعد نصف قرن من الحكم، خلال أسابيع قليلة.
تراجعت مكانة واشنطن في الشرق الأوسط إلى أدنى مستوياتها، حيث لم يمر تواطؤها في العدوان الإسرائيلي دون أن يلحظه الأعداء أو الحلفاء. تقلص نفوذ الولايات المتحدة لدى الحكومات والشعوب العربية مع كل شحنة أسلحة تُرسلها إلى إسرائيل وكل فيتو تستخدمه لحمايتها في الأمم المتحدة.
أخفقت إدارة بايدن في الدفاع عن أبسط حقوق الفلسطينيين في الغذاء والماء والدواء والمأوى، فيما يفتقر الفلسطينيون إلى أي أمل في أن يتخذ ترامب موقفًا مغايرًا. سجله الحافل بدعم إسرائيل، إلى جانب إحاطته نفسه بمستشارين مؤيدين لها بشدة، يجعل من المستبعد أن يوقف الدعم الأمريكي الثابت لإسرائيل، حتى في ظل الاتهامات الدولية التي تواجهها بارتكاب جرائم حرب والإبادة الجماعية.
ولكن كما هو معروف، يظل ترامب ورقة رابحة في المشهد السياسي، فهو لا يحمل عبء المساهمة المباشرة في الحرب الإسرائيلية الحالية، ويفتخر بكونه صانع صفقات. يبدو أنه يتمتع بنفوذ أكبر على القادة الإسرائيليين مقارنة بالرئيس الأمريكي جو بايدن.
فوق كل ذلك، ستعتمد السياسة الأمريكية على توازن القوى المتقلب في الشرق الأوسط، الذي بات أكثر تغيرًا وتعقيدًا مما كان عليه منذ عقود. وعلى الرغم من أن الفلسطينيين لا يتوهمون أن ترامب حليف لهم، فإن البعض لا يزال يأمل في أن يتمكن رئيس غير متوقع، في ظل بيئة إقليمية متغيرة بسرعة، من إحداث تغيير يُنتظر بفارغ الصبر. (تجدر الإشارة إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة «حماس» لمدة 42 يومًا في غزة، بوساطة من قطر ومصر والولايات المتحدة، دخل حيز التنفيذ يوم الأحد 19 يناير).
يصعب التنبؤ بمستقبل الشرق الأوسط ويزداد صعوبة عندما نضع في الحسبان سلوك ترامب المتقلب. تقدم لنا ولايته الأولى في منصبه أدلة حول الكيفية التي قد يتعامل بها مع الشرق الأوسط اليوم: على الرغم من أنه صرح في البداية بأنه لا يفضل حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة، إلا أنه اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقطع المساعدات عن الأونروا والفلسطينيين، وأعلن أن المستوطنات الإسرائيلية - التي اعتبرتها واشنطن والمنظمات الدولية دائمًا غير قانونية - كانت فوق الشبهات.
بلغت سياسته في الشرق الأوسط ذروتها في اتفاقيات إبراهيم عام 2020، وهي سلسلة من الاتفاقيات الثنائية التي قامت بموجبها عدة دول عربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. كانت معظم الدول العربية قد وعدت سابقًا، من خلال التوقيع على مبادرة السلام العربية لعام 2002، باستعادة العلاقات الكاملة مع إسرائيل فقط في مقابل تحقيق حل الدولتين. ومع ذلك، كانت الاتفاقيات مبنية على فكرة مفادها أن السلام الإسرائيلي الفلسطيني يمكن فرضه من الخارج بمجرد إقامة العلاقات العربية الإسرائيلية - وهو عكس الحكمة التقليدية. فصلت الاتفاقيات إلى حد كبير التطبيع العربي الإسرائيلي عن مصير فلسطين. يأمل ترامب أن يقترن اتفاق إبراهيم بما أسماه «صفقة القرن»: وهي خطة للسلام الإسرائيلي الفلسطيني تميل لصالح إسرائيل بشدة. ستسمح هذه الخطة لإسرائيل بضم جزء كبير من الضفة الغربية رسميًا ورفض عودة اللاجئين الفلسطينيين، في مقابل الاستثمار الإقليمي والوعود بإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وتفتقر إلى السيادة بأي معنى. رفضت منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل المعترف به للشعب الفلسطيني، الصفقة لأسباب مفهومة؛ كانت لتمنع احتمال قيام دولة حقيقية وتتنازل عن الأراضي والحقوق الفلسطينية المشروعة. رغم أن ترامب تخلى عن الخطة بحلول نهاية ولايته الأولى، فهناك سبب وجيه للاعتقاد بأنه سيحاول إزالة الغبار عنها. كان ترامب مترددًا بشكل عام بشأن الدولة الفلسطينية، ولم تؤكد تخفيضاته للمساعدات المقدمة للفلسطينيين إلا افتقاره إلى الاهتمام برفاهتهم. ومع ذلك، يبدو أنه يعتقد أن الاتفاقيات السياسية يمكن أن تخضع للمصالح المالية والاقتصادية المشتركة (أو تنمو في نهاية المطاف من خلالها)، وبالتالي فإن أي «صفقة قرن» جديدة ستقوم على مقايضة بين الحقوق السيادية الفلسطينية والازدهار الاقتصادي، وسوف تتوقف أيضًا على إقناع الفلسطينيين بأنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق آخر. أدت الحرب الكارثية التي شنتها إسرائيل على غزة إلى إضعاف الجماعات السياسية الفلسطينية، فلم تعد حماس موجودة كحركة عسكرية منظمة أو حكومة في غزة... وفي الضفة الغربية، ألحقت الحملات العسكرية الإسرائيلية أضرارًا جانبيةً بحماس ـ في حين حاولت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية استعادة السيطرة في جنين. والآن أصبح الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركته فتح أقل شعبية من أي وقت مضى لعدم رغبتهما الملحوظة في التدخل في حرب إسرائيل، وعجزهما عن تخفيف المعاناة في غزة.
إذا طرح ترامب نسخة من خطته لعام 2020، فلن تكون هناك وحدة سياسية فلسطينية لمقاومتها بشكل فعال. ومن المرجح أن يكون هناك القليل من المقاومة من جانب الحكومات الأخرى في المنطقة أيضًا، وخاصة الآن بعد أن تم إخراج «محور المقاومة» من الخدمة. ونظرًا لأن الدول العربية استجابت بشكل ضعيف لحرب إسرائيل، فإذا حانت اللحظة، فمن المرجح أن يكون القادة العرب على استعداد لممارسة أي ضغط مطلوب للإصرار على توقيع الفلسطينيين على اتفاق مع إسرائيل بشروط ترامب، ويمكنهم الحصول على تنازلات في المقابل، مثل: الضمانات الأمنية أو المساعدات الاقتصادية أو العسكرية.
قدم المانحون والمستشارون والمرشحون لترامب مؤشرات حول الكيفية التي قد يتعامل بها ترامب مع الشرق الأوسط. تبرعت ميريام أديلسون، المليارديرة المؤيدة لإسرائيل، بأكثر من 100 مليون دولار لحملة ترامب. وقال مايك هاكابي، السفير المعين لترامب في إسرائيل: إنه «لا يوجد شيء اسمه الضفة الغربية - إنها يهودا والسامرة»، مما يعني أن المنطقة تنتمي إلى إسرائيل. ويؤكد بيت هيجسيث، مرشح ترامب لمنصب وزير الدفاع، أنه «إذا كنت تحب أمريكا، فيجب أن تحب إسرائيل» ورفض فكرة حل الدولتين باعتبارها مجرد «كلام بلا معنى». وقال مايك والتز، المرشح لمنصب مستشار الأمن القومي: إن الإدارة ستدعم هجومًا إسرائيليًا آخر على غزة إذا لم يصمد وقف إطلاق النار، الذي أُعلن عنه في 15 يناير.
منذ هجوم حماس، نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في إبقاء إسرائيل معلقة في وضع الانتقام الأعمى. ووفقا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة جالوب، يعارض 64% من الإسرائيليين الآن حل الدولتين، ارتفاعا من 30% في عام 2012. وتحرص حكومة إسرائيل على تفكيك أي تظاهر بوجود دولة فلسطينية ومؤسسات وحكومة. والواقع أن بعض الإسرائيليين عازمون على ما هو أسوأ من صفقة القرن التي طرحها ترامب. فقد اقترح أعضاء في الحكومة، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، استعادة المستوطنات الإسرائيلية في غزة، ونقل مئات الآلاف من الفلسطينيين من غزة، وضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، وانهيار السلطة الفلسطينية، ومن الواضح أن الفلسطينيين لا يستطيعون بمفردهم منع مثل هذا الهجوم. ولكن في الوقت نفسه، تتسع الانقسامات في المجتمع الإسرائيلي وداخل الشتات اليهودي ــ بين الإسرائيليين العلمانيين والمتدينين، وبين أولئك الذين يطالبون بالمساءلة عن أحداث السابع من أكتوبر وأولئك الذين يحاولون تحويل اللوم أو ببساطة المضي قدمًا، وبين الإسرائيليين الذين يبدو أنهم على استعداد للتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين وأولئك الذين لا يفعلون ذلك، وبين مصالح حركة الاستيطان ودولة إسرائيل، وبين الناس الذين يعطون الأولوية ليهودية الدولة وأولئك الذين يعتقدون أن الديمقراطية ينبغي أن تكون القوة المرشدة لإسرائيل. وفي مرحلة ما من عام 2025، سوف يضطر نتنياهو وحكومته إلى مواجهة الحساب مع شعبهما بشأن هذه التوترات. وتتضاءل احتمالات قدرته على الاستمرار في تجنب المساءلة والحفاظ على تماسك ائتلافه اليميني الضعيف مع إغلاق كل جبهة حرب.
رغم قتامة المستقبل القريب بالنسبة للفلسطينيين، فإن هناك أمورًا أخرى مجهولة ستؤثر على ما يفعله ترامب في الشرق الأوسط. ومن بين هذه الأمور تغيير الديناميكيات الإقليمية، فقد أصبحت طهران في موقف دفاعي، ودخل الصراع على سوريا مرحلة جديدة مع تسابق القوى الإقليمية على النفوذ. واستغلت إسرائيل الفراغ باحتلال الأراضي السورية وقصف مخازن الأسلحة والمنشآت العسكرية في مختلف أنحاء البلاد. هناك عامل آخر يتمثل في غرور ترامب: فهو يتوق إلى تأمين صفقة كبرى بين الإسرائيليين والفلسطينيين وربما تعلم من ولايته الأولى أن الصفقة لا يمكن أن تتم دون موافقة فلسطينية وقبول عربي.
بعد كل المعاناة التي عاشها الفلسطينيون، فإن مستقبلهم الأكثر ترجيحًا هو مستقبل «لا حرب ولا سلام»: مقاومة وقمع على مستوى منخفض، ومواجهات مع المستوطنات الإسرائيلية المتعدية، وإغاثة إنسانية محدودة، وواقع الدولة الواحدة الذي يشبه نظام الفصل العنصري. ويبدو أن تداعيات السابع من أكتوبر قد استنفدت الإمكانات والتبريرات اللازمة للنضال المسلح الذي كانت منظمة التحرير الفلسطينية تدعو إليه ذات يوم، والآن حماس.
يتطلب النضال من أجل مستقبل أفضل للفلسطينيين الوحدة حول هدف مشترك وتجديد وسائل المقاومة لتحقيق تقرير المصير الوطني. ينبغي تأسيس مؤسسات فلسطينية جديدة تعبر عن السيادة الوطنية وتخفف من معاناة غزة، مع التركيز على السلام العادل بدلًا من التفاصيل الفنية.
رجا الخالدي باحث تنموي اقتصادي متخصص في الأوضاع الفلسطينية في لبنان والاراضي المحتلة 1967 وداخل إسرائيل.
نشر المقال في oreign Affairs