لجريدة عمان:
2025-02-02@20:22:49 GMT

الربيع العربي.. الأحداث والتحديات

تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT

17 ديسمبر 2010م.. انطلقت شرارة الربيع العربي، حين أحرق التونسي محمد بوعزيزي نفسه، فاندلعت في مدينته سيدي بوزيد مظاهرات عمّت تونس، وبعد أقل من شهر ترك الرئيس زين العابدين بن علي (ت:2019م) بلاده. كانت تونس الحجرة الأولى من رقعة الدومينو التي تتساقط أحجارها واحدةً تلو الأخرى، وآخرها في 8 ديسمبر 2024م، عندما رحل الرئيس السوري بشار الأسد عن دمشق إثر سيطرة قوات المعارضة عليها، التي بدأت نضالها عام 2011م.

كُتِبتْ دراسات ومقالات وقُدِّمتْ حوارات وتحليلات عبر مختلف واجهات الصحافة والنشر والإعلام والتلفزة.. والجامع بينها هو اتفاقها على أن الربيع العربي لم ينتهِ، وأن أحداثه جارية، إنه قطار انطلق ولن يقف حتى تتغير خارطة الوطن العربي. خارج نطاق التحليل، ونزولاً على أرض السياسة العربية، فإن الحكومات تدرك ذلك، وتدرك أن الشارع يتحرك من تحت أقدامها، وقد كشف سير الأحداث أنها تبذل جهدها لتجنب تأثير الربيع عليها، هذا بالنسبة للدول التي لم يكتسحها، أما التي اكتسحها فهي غارقة في صراعاتها، محاولة الخروج من مستنقع الدمار الذي أصابها، وهي تعاني من الاقتتال الداخلي، وتعاني أكثر من التدخلات الخارجية، التي يحاول كل طرف منها أن يفرض رؤيته في تشكّل الدولة الجديدة، من دون أن يرتد هذا التشكل بأثر سلبي على نظامه. وحتى يستبين حجم التحديات المستقبلية للربيع العربي ونوعها؛ ينبغي النظر في الخط العام لأحداثه خلال المدة المنصرمة.

الربيع العربي.. هو ثمرة حالة الشعوب العربية قبله، فقد كانت معظم الحكومات تعتبر الشعوب محكومة من قِبَلها، وليست شريكتها في الوطن وإدارته واتخاذ قراراته وسن قوانينه. فلا توجد أحزاب سياسية حقيقية ينضوي تحتها الشعب، ولا برلمانات معتبرة تمثله، ولا منابر إعلامية يعبر فيها عن رأيه. كانت هذه الحكومات تعاني من اللايقين السياسي والاقتصادات المهزوزة، والتعليم غير قادر أن ينهض بالأمة. وإعلام يقدم الإنجازات الحكومية، غاضاً الطرف عن حقيقة الحالة التي يعيشها الناس. والشعوب تعيش على حافة الفقر، وفرص العمل محدودة. أضف إلى ذلك؛ دخول العالم العصر الرقمي، وتواصل الشعوب فيما بينها، وتأثر العرب بالحالة الديمقراطية التي يعيشها العالم، دون قدرة الحكومات على إيجاد طرق توافقية للتواصل مع شعوبها، وقد ظلت خاضعة لبُنية الدولة العميقة التي يهيمن عليها متنفذون لهم مصالح لا يريدون التفريط بها، ولو على حساب عموم الشعب واستقرار الوطن.

أما أمريكا فقد كانت تعيد هيكلة الشرق الأوسط، وتنفذ مشروعها هذا بطريقين متلازمين: بمحاربة ما أسمته «الإرهاب الإسلامي»، دون اعتبار الأسباب التي أدت إليه، ولا الوضع الاجتماعي الناشئ من الحالة السياسية المحتقنة والممارسات العسكرية لأمريكا ذاتها في المنطقة. وبفرض الديمقراطية الغربية ببرنامج تأهيلي لمن تختارهم من «الناشطين الحقوقيين» في الشعوب العربية المقهورة، مما أوجد حالة من الحقد المتبادل بين الحكومات والشعوب؛ أدى إلى مزيد من السخط.

الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.. لم يكن غائباً عن التأثر بالربيع العربي، فقد عملت أمريكا على الدفع بالمنطقة إلى التطبيع مع إسرائيل، تحت طائلة خوف الحكومات من تمدد الإسلام السياسي نتيجة الفراغ السياسي الذي أحدثه الربيع، مما دفع إلى تهميش هذا التيار العريض - الذي عملت بعض حكومات المنطقة بنفسها على رعايته وتمكينه- حتى لا يقف عقبة كأداء أمام التطبيع، ونسيت بأن التهميش لا يؤدي إلى الاضمحلال.. بل إلى الانتعاش والعنف. ومن الآثار المباشرة التي أدت إليها هذه السياسة انفجار الأوضاع بغزة، وقيام المقاومة الفلسطينية؛ في مقدمتها حماس بطوفان الأقصى، الذي أدخل المنطقة في صراع مستعر، وجعل العالم على حافة حروب دولية. لقد وقفت إيران وسوريا مع المقاومة، وحشدت إيران معها حزب الله والمقاومة العراقية وأنصار الله اليمنيين لمساندة غزة، مما دفع الدول الحليفة لإسرائيل إلى العمل على تحجيم جبهات المقاومة، وتحقق لها ذلك بقتل إسرائيل قيادات عليا في المقاومة وإيران، مما أوهن الوجود الإيراني في المنطقة، فعاجلت قوى المعارضة السورية بالإطاحة بنظام الأسد، فأصبحت المنطقة في حالة توتر، سيحدد ما بعدها حكام سوريا الحاليون.

لقد أدى الربيع العربي إلى تدمير الدولة في بعض البلدان التي عصف بها، ثم لم تتمكن من بنائها من جديدة.. بل دخلت في دوامة الانقسام والعنف ولم تخرج منها. وهناك تفاؤل من البعض بأن سوريا الجديدة ستكون أوفر حظاً، وتتحول إلى دولة ديمقراطية مستقرة، ولكن سوابق المنطقة لا تبشر بذلك، فقد تمكن بعض البلدان التي أطيح بحكامها من الحفاظ على الدولة من الانهيار، ولم تتمكن من تبني الديمقراطية وعاد الاستبداد إليها، وأزيحت الحكومات المنتخبة بقوة السلاح أو بالحشد المضاد، وزُجَّ بقياداتها في السجون، وقد مضى على الثورات عقد ونصف دون أن تخرج هذه البلدان من مشاكلها كالفقر والاستبداد وهجرة العقول إلى عالم أفضل.

خليجياً.. نظر بعض الدول إلى أن المشكلة في الإسلام السياسي، وأن عليها الأخذ بالانفتاح الغربي، فانقلبت على التوجه الإسلامي عموماً، وفتحت الحياة الاجتماعية على القيم الغربية، ظناً منها أنها تسير في طريق التحول المستقر، وغفلت أن الانفتاح في الغرب ليس هو إلا ثمرة ثانوية للديمقراطية والحرية الفردية. إن هذا الانفتاح الذي تمارسه هذه الدول قد يؤول إلى اضطراب اجتماعي وسياسي لا تحمد عقباه، ولا يكفي أن تحمي الحكومات نفسها بتبني المشاريع الاقتصادية وتحقيق الرفاه الاجتماعي، فالمعتقدات أرسخ في النفس وأقوى في المجتمع من التحولات الطارئة.

ورأت دول خليجية أن تسير سيرتَها الأولى، فواصلت الوقوف مع الإسلام السياسي وتحولاته، باعتباره يشكل شريحة كبرى من الاجتماع البشري في المنطقة، كما أنه التيار الوحيد الذي لديه برنامج سياسي، ومن الصعب تهميشه. ورغم أن هذه النظرة تتمتع بنصيب من الصواب، إلا أن هذه الدول ذاتها تتحصن عن تأثير الإسلام السياسي عليها، وعاقبة هذه السياسة أن يؤثر هذا التيار على الجميع؛ إن نجح في ذلك، بما فيها الدول الداعمة له. في حين آثرت دول أخرى عدم تغيير مسار التعامل مع التحولات الاجتماعية والسياسية فيها، ورأت أن دمج القوى الناشطة في المجتمع هو السبيل الأنجع، وقد دخلت في إعادة التراتبية الاجتماعية، انطلاقاً من وضع ضوابط للجنسية.

أما سلطنة عمان التي نهجت نهجاً متزناً في التعامل مع الأمور السياسية والدينية؛ فقد رأت أن من المشكلات التي ينبغي معالجتها الديون وضعف الاقتصاد، فعملت بـ«خطة التوازن المالي» وتشجيع الاستثمار الخارجي، وهذا جيد. وعليها أن تسارع بمعالجة ملف الباحثين عن العمل والمسرحين من أعمالهم؛ فهو من أهم عوامل الاطمئنان الاجتماعي. وعليها كذلك النظر في الخطاب الديني والحراك الثقافي، وهما ملفان يحتاجان إلى وضع استراتيجية جديدة تستفيد من المعطيات الحضارية للبلاد، على أن تدفع بها إلى مستقبل مستقر ومتوازن ومسهم في التحولات المدنية التي تشهدها المنطقة، وهذا ما تبشر به النهضة المتجددة.

حتى الآن.. لا يبدو هناك مخرج حاسم من مسار الربيع العربي، وقد تتواصل التغييرات حتى تجد الحكومات حلاً للعلاقة بينها وبين الشعوب، فالمنطقة أمام جيل جديد؛ «الجيل زد» (مواليد:1995-2010م)، الذي لا يفكر كما نفكر، ولا طموحاته هي طموحات آبائه، ولا مشاكله هي مشاكل من سبقه. إن على الدول أن توجد لها «دعاتها» بين هذا الجيل، بحيث يكونون قادرين أن يتفهموا آليات التحول الاجتماعي والسياسي، وأن التدرج هو سنة الحياة. والساسة مجبرون بحكم الزمن على إيجاد صيغة تشاركية مع المجتمع، فهذا جيل برجماتي لا ينتظر الأماني المعسولة.. بل تلح عليه سرعة العصر أن يرى النتائج قريبة التحقق.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الإسلام السیاسی الربیع العربی

إقرأ أيضاً:

الورشة التحضيرية للعملية السياسية بعد الحرب: الفرص والتحديات أمام القوى المدنية

اختتمت ورشة العمل التحضيرية للعملية السياسية بعد الحرب أعمالها في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا هذا الأسبوع، بمشاركة واسعة من القوى السياسية السودانية، بما في ذلك شخصيات تنتمي إلى الحركة الإسلامية السودانية، وأحزاب من مختلف الطيف السياسي، إضافة إلى مجموعات مدنية.

أهمية الورشة في السياق السياسي السوداني
تأتي هذه الورشة في وقت بالغ التعقيد، حيث تستمر الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023، مما أدى إلى تمزق النسيج السياسي والاجتماعي للبلاد، وتدهور الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق. وعليه، فإن أي محاولة لتأسيس عملية سياسية بعد الحرب تتطلب توافقًا واسعًا بين القوى السياسية والمدنية والمجموعات المسلحة، وهو ما تسعى إليه مثل هذه المبادرات.

أهداف القوى المدنية من المشاركة في الورشة
تسعى القوى المدنية، من خلال هذه الورشة، إلى تحقيق عدد من الأهداف التي يمكن أن تؤثر بشكل جوهري على مستقبل السودان السياسي، ومن أبرزها:
وقف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية
تعتبر هذه الأولوية القصوى للقوى المدنية التي ترى أن استمرار الحرب يعمق الأزمات السياسية والاجتماعية ويهدد بتمزيق وحدة السودان. لذلك، تحاول هذه القوى الدفع نحو اتفاق لوقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة.

التأسيس لحوار سياسي شامل
القوى المدنية، التي شاركت في هذه الورشة، تدرك أن أي حل سياسي مستدام يجب أن يكون شاملاً، بحيث يشمل كل الفاعلين السودانيين من مختلف الخلفيات السياسية، بما في ذلك القوى الرافضة للحرب وتلك التي شاركت فيها.
استعادة الحكم المدني والتحول الديمقراطي
يمثل إنهاء الحكم العسكري وإعادة السودان إلى مسار الحكم المدني مطلبًا أساسيًا للقوى المدنية، التي تسعى إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس ديمقراطية ودستورية تعكس تطلعات الشعب السوداني.

محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات
تحاول بعض القوى المدنية الدفع نحو آلية لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات التي وقعت خلال الحرب، سواء من طرف القوات المسلحة أو قوات الدعم السريع، وذلك لضمان تحقيق العدالة الانتقالية وعدم إفلات الجناة من العقاب.

تفكيك بنية الاستبداد وإصلاح المؤسسات

القوى المدنية تدرك أن أي تسوية سياسية بعد الحرب يجب أن تتضمن إصلاحات هيكلية في المؤسسات الأمنية والقضائية والاقتصادية، لضمان عدم تكرار التجارب السابقة التي أدت إلى إعادة إنتاج الأنظمة السلطوية.

التحديات التي تواجه القوى المدنية
على الرغم من الأهداف الطموحة التي تسعى القوى المدنية لتحقيقها من خلال المشاركة في الورشة، إلا أن هناك عدة تحديات تعترض طريقها، أبرزها:

هيمنة القوى العسكرية على المشهد: لا تزال المؤسسة العسكرية طرفًا فاعلًا في الصراع، مما يجعل من الصعب تنفيذ أي اتفاق سياسي دون موافقتها أو ضغوط دولية فعالة.
التباينات داخل القوى المدنية: عدم وجود موقف موحد بين القوى المدنية يجعل من الصعب تحقيق تقدم ملموس، خصوصًا في ظل تباين وجهات النظر حول التعامل مع الإسلاميين والعناصر المرتبطة بالنظام السابق.
ضعف التأثير في المفاوضات الدولية: القوى المدنية لا تملك النفوذ الكافي لفرض أجندتها على المفاوضات الدولية والإقليمية، خاصة في ظل تدخل قوى إقليمية ودولية ذات مصالح متباينة في السودان.

الآفاق المستقبلية
إذا تمكنت القوى المدنية من تجاوز خلافاتها الداخلية، وتعزيز موقفها التفاوضي، وتوحيد مطالبها، فقد تنجح في التأثير على مخرجات أي عملية سياسية مستقبلية. ومع ذلك، فإن نجاح أي اتفاق سياسي سيعتمد على مدى قدرة جميع الأطراف، بما في ذلك العسكريون، على الالتزام بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، وتحقيق انتقال حقيقي نحو حكم مدني ديمقراطي.

في النهاية، تبقى هذه الورشة خطوة في طريق طويل وشاق، لكن نجاحها أو فشلها سيحدد إلى حد كبير ملامح السودان في المرحلة المقبلة.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • معرض الكتاب بين الإنجازات والتحديات
  • شمس الكويتية بوجه منتفخ يثير الذعر: ما الذي حدث؟ (فيديو)
  • بناء المستقبل العربي
  • السكوري أول وزير للشغل في تاريخ الحكومات المغربية ينجح في وضع تعريف للإضراب
  • باحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات: تهجير الفلسطينيين يمس الأمن القومي العربي
  • الزراعة: نسخة استثنائية من معرض زهور الربيع في دورته الـ 92
  • الزراعة: نسخة استثنائية من معرض زهور الربيع في دورته الـ92
  • كاتب صحفي: التعاون العربي المشترك ضرورة حتمية لمواجهة تحديات المنطقة
  • الورشة التحضيرية للعملية السياسية بعد الحرب: الفرص والتحديات أمام القوى المدنية
  • «قمة الحكومات» تدشن الدورة الثانية من المسح العالمي للوزراء