لجريدة عمان:
2025-01-23@13:12:00 GMT

في تحرير الخيال

تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT

يؤدي الخيال دورا بارزا في تشكيل السلوكيات والأفكار وطريقة الحياة، لذلك فإن التحكم فيه يوفر نوعا من الاستقلالية والتحكم في الإرادة وعدم تسليمها للآخر، وقد اعتبر الكثير من المفكرين في التاريخ الإسلامي الخيال ركيزة أساسية، فإن مبدأ الشك كما عند المعتزلة -خصيصا الجاحظ على سبيل المثال- مبدأ أساسي، والشك أوله الخيال، إذ أن الشك في شيء يأتي من متخيل الثغرة فيه أو إمكانية نقضه بغيره، فانظر إلى الجاحظ في مبحث مواضع الشك واليقين في الحيوان يقول: «لم يكن يقين قط حتى كان قبله شك، ولم ينتقل أحد عن اعتقاد إلى اعتقاد غيره حتى يكون بينهما حال شك»، وكذا الحال مع ابن عربي في حديثه عن نظريته المعرفية حول الخيال وربطه بالتصوف.

إن الخيال هو «مجموعة من العمليات الحسية والإدراكية والمعرفية وما وراء المعرفية والانفعالية النشطة التي تكوّن الصور الداخلية وتحولها وتحللها وتركبها وتنظمها في أشكال جديدة يجري تجسيدها بعد ذلك في أعمال وتشكيلات خارجية»، ويعتبر توماس هوبز أن الخيال هو «الحس المتدهور» عند الكائنات الحية في اليقظة والمنام. وقد استعمل العرب الخيال في شعرهم ونثرهم فأبدعوا فيه وأتقنوا.

وقد عبّر عمار علي حسن في كتابه الخيال السياسي عن مجالات توظيفه فذكر منها مجالات عديدة منها عبور الأزمات السياسية الذي يساعد الخيال فيه صانع القرار لعبور الأزمات من خلال طرق غير عقلانية، والخطط والاستراتيجيات التي يتم فيها استخدام الخيال للوصول إلى حالات متصورة يُمكن لها أن تحدث، لذلك يعرف المفكر البريطاني آيزيا برلين حسن التقدير بأنه قدرة على دمج «المعلومات الأولية الظرفية المتغيرة والمتشابكة متعددة الجوانب»، والحرب الذي يفيد فيها الخيال المحاربين والجيوش لتخطيط ميادين القتال، ومكافحة الإرهاب التي تكون فيها الضربات الاستباقية مهمة، ومواجهة الفساد التي تحتاج لإعمال الخيال للتنبؤ بمواطن الفساد المحتملة، والحس الأمني الذي يحتاج إعمالا مستمرا للخيال، وتفادي سلبيات الديموغرافيا السياسية من خلال التعرف عليها وتصورها ثم الحكم عليها، وتقدير المواقف من خلال «عملية مركبة تقوم على جمع وتحليل وربط بيانات جمعت بعناية»، والبحث عن المثل العليا والكمال الاجتماعي الذي كان مطروحا في التاريخ الفلسفي بشكل مستمر، ومعرفة الجماعات المتخيلة التي تنطلق من أساسات عرقية ودينية ولغوية وظرفية تاريخية، وأخيرا صناعة دور دولي من خلال معرفة المكانة في الساحة الدولية في ظل التصارع المستمر.

أدرك المستعمر منذ بدء رحلاته أهمية الخيال والتلاعب فيه، فوظفه بطريقة تخدم أهدافه، وحاول الولوج إليه بطرق مختلفة، منها اللغة والأفكار والكتابات والتفريق وغيرها. لذلك حتى بعد أن أخرج معسكراته، أبقى على خيالاته حول الناس ولم يأخذها معه، فبقي كثيرون يعتقدون عن أنفسهم ما يعتقده، فحتى القوة الناعمة التي نظّر لها جوزيف ناي تعتمد على الخيال بشكل كبير، واعتبار أن العالم يجب أن يكون «أبيض» بطريقة أو بأخرى، فانظر مثلا إلى تأثر العالم بالقيم الغربية -الأمريكية دون الحاجة للقهر العسكري. لكن قبل أن يصل السيناريو إلى هذه الحالة، فإنه عمل في البداية على التأثير في الخيال من خلال القهر العسكري، فقام الاستعمار الفرنسي في الجزائر مثلا بتفريق الناس وتشكيلهم في مجموعات أصغر وأكثر عشوائية ليقضي على القبلية، فنقل أناسا من جماعات معينة ليعيشوا مع جماعات أخرى وبعد أجيال طويلة، أصبح المرء لا يعرف لأي أصل قبلي ينتمي، وكذا فعل باللغة بعد أن أجبر الناس على التحدث بالفرنسية.

ينطبق هذا على الإنجليزية، فحتى اليوم، كثير من الجامعات في العالم العربي تُدرّس علومها باللغة الإنجليزية أو الفرنسية، باعتبار أنها لغة العلم أو اللغة الأكثر عملية، على الرغم من أن هذه اللغة تصنع حائطا للدخول في أعمق نقاط الإبداع لدى الفرد، ويستمر هذا لينتقل إلى خارج الفصول الدراسية، فتجدها -أي اللغة الأجنبية- متحدَثٌ بها بين الأفراد، لاعتقادهم بأنها لغة عملية وعلمية، أو ربما تشير إلى التحضر والثقافة، وبتقصٍّ بسيط في الجامعات، ترى الكثير من الطلبة يتحدثون بلغة إنجليزية فيما بينهم على الرغم من أن المتحدث والمستمع عربيان من بيئات عربية، وقد يُعترض على هذا بأن اللغة وسيلة لإيصال المعنى وليست غاية في حد ذاتها، لكن الحقيقة أن اللغة حاملة أفكار، فالمتحدث بلغة قوم يسلك سلوكياتهم بطريقة أو بأخرى لأن عالمه يتشكل بحدود تلك اللغة وألفاظها ومعانيها، فعلى سبيل المثال، عند العربيّ القديم تجد لفظ «المروءة» حاضر، لذا فإنهم يتصفون به ويتفاخرون به، أما في كثير من اللغات الأجنبية فإن هذا اللفظ غير حاضر، لذا يفقد المتحدثون بها هذه السمة وإن حضرت ألفاظ أخرى قريبة منه، لكن ليس هو تحديدا.

إن أول ما يُمكن البدء به لتحرير الخيال هو تحرير العقول من اللغات الأخرى، وليس يرمي هذا لمنع الناس من التحدث بلغات أخرى، لكنه يرمي للعودة إلى اللغة الأم والالتفات لها وترسيخها في الذات والعقل والأفكار والسلوكيات ثم الانتقال لتعلم اللغات الأخرى باعتبارها مدخلا لفهم الآخر ودراسته.

كذلك تمت السيطرة على الخيال من خلال الإعلام، لا سيما الأفلام مثلا؛ فالمتتبع لها يجد أنه يتم تنميط العربي والعربية في صورة معينة، حتى تشكل عند كثيرين ممن ينتمون لنفس دائرة العرب نفس الصورة عن أنفسهم، فإما أن يعتقدوا بأن الأشخاص من دول معينة هم كذلك، أو أنهم بأنفسهم يتصرفون بنفس الطريقة التي تم تخيلهم بها، وتشكيل هذه الصورة عن العربي لم تخترعها الأفلام، تصف الدكتورة منال حسني في بحثها (صورة العربي في الرواية الفرنسية) أن وصف العربي في الروايات الفرنسية يندرج تحت ثلاث فئات رئيسة هي الاختلاف الديني، والمغايرة الإثنوغرافية، والمهمة الحضارية لفرنسا وواجبها نحو الإنسانية، لذلك تظهر هذه الصورة عن العربي بأنه همجي وشهواني ويحتاج إلى بطل مغوار ليخلصه من بؤسه البدائي ويطلعه على التمدن والحضارة، وقد حملت هذه الكتابات -الأدبية منها والفكرية- ذات الصورة حول العربي، بين رجل همجي، وامرأة إما راقصة في قصور الحكّام والأمراء أو متغطية بالسواد كلها. انتقلت هذه الصور من الكتابات إلى الإنتاج السينمائي، لذلك تجد في الأفلام حول الغزو الأمريكي للعراق مثلا ذات الصورة، شيطنة الضحية وأنسنة المحتل الغازي، وهذا ما حاولت إسرائيل فعله أيضا في دعايتها الموجهة للغرب والشرق على السواء، بأنهم مضطهدون ويدافعون «ببطولة وتضحية» عن أراضيهم ضد «الإرهابيين المعتدين المعادين للإنسانية والحضارة» في الإعلام التقليدي والجديد، فتتبع بسيط للمقاطع التي تنشرها الحسابات الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية تجد هذا المفهوم حاضرا بشكل أكبر، حتى اعتقد كثيرٌ من الجمهور المستهدف بصدق الرواية الإسرائيلية، وحتى أولئك الذين لم يعتقدوا بإنسانية المحتل فإن كثيرا منهم اعتقد بإرهابية المقاوم وشيطنته، وفي الجانب المقابل، تم تصدير سردية خطأ المقاومة وما حدث في السابع من أكتوبر على سبيل المثال، وأن على المقاوم أن يحسب حسابا دقيقا لتحركاته وانطلاقاته بدلًا من المجازفة والتهور. وبالحديث عن إسرائيل، فإن من التلاعب بالخيال أيضا هو تصدير وجود القومية اليهودية واللغة العبرية الجامعة، وعلى الرغم من أن جميع الدلائل التاريخية والواقعية المنطقية تشير لبطلان هذه السردية، إلا أن كثيرا من الإسرائيليين وغيرهم -حتى في العالم العربي- يصدقون بها.

لذلك يُمكن القول إن من مهمات تحرير الخيال أيضا، هو تحرير الصورة الذهنية حول الذات والآخر، وإعادة تشكيلها كما يقتضي الواقع لا كما يُريد المتحكم.

كل ما سبق ذكره يؤثر في المعتقدات والنظرة العامة حول العالم، فإن القوة الناعمة التي تستعملها الدول الكبرى للتأثير على الشعوب تعمل في إطار الخيال؛ فالليبرالية عندما أرادت أن تكون نظرية سياسية عالمية، عملت على هذه المسألة، فحاولت تصدير السلوكيات والأفكار الغربية إلى شعوب العالم الأخرى من خلال السياسة والثقافة والاقتصاد وغيرها، لكنها «فشلت» بتعبير باتريك دينين، لكن الخيالات الليبرالية لا تزال تسيطر على كثير من الشعوب وتجعلهم يتصرفون على غير ثقافتهم ويستوردون أفكارا من الخارج دون النظر إلى حاجة المجتمع إليها وتناسبه معها، ولذلك فإن من مهمات تحرير الخيال أيضا جعله ينطلق من الثقافة المجتمعية الداخلية ويبني تصوراته حول الكون بما يتناسب معه لا بما يتناسب مع غيره، لأنه في الوقت الذي يتخيل العالم بالطريقة التي يتصوره بها غيره يصبح أسيرا لجميع تقلبات هذا الغير فإن رضي اليوم بالفكرة الكذائية يرضى هو بها، وإن رضي غدا بنقيضها يأخذ حججه ويحاول إقناع نفسه والآخرين من مجتمعه بها أو ربما يفرضها عليهم، بدعوى أن الآخر المتحضر -خياليا- يؤمن بها ويأخذ بمنهجياتها، ويُمكن إيجاد هذا في الكثير من الأفكار المستوردة دون النظر إليها ونقدها وتمحيصها، وفي أحيان كثيرة دون الحاجة حتى لتشكيلها بما يتناسب مع واقعه الاجتماعي والسياسي.

في النهاية، إن تحرير الخيال لا يصلح الحالة الاجتماعية فحسب، بل حتى الحالة السياسية، فإن المقدمة الأولية التي تنطلق بأن السياسة تتشكل من المجتمع، تقضي بأن الانطلاق من الذات ومعرفة ما يتناسب معها، يجعل التنظير السياسي أيضا ينطلق من المشكلات الداخلية الحقيقية بدلا من المشكلات المتخيلة غير الموجودة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: یتناسب مع کثیر من من خلال

إقرأ أيضاً:

في ذكرى تحرير الخرطوم – 26 يناير 1885 .. سلام على أرواح أجدادي

 

في ذكرى تحرير الخرطوم – 26 يناير 1885،

سلام على أرواح أجدادي عدلان التوم عمر عبد الله وبنته نصرة،

وحامد جبر الدار ود بلل، وبنته حواء

ناصف بشير الأمين أحمد

 

تمر علينا الذكرى المئة وأربعون لتحرير الخرطوم على يد الإمام محمد أحمد المهدي وأنصاره في 26 يناير 1885، وبلادنا تمر بأسوأ أزمة وجودية في تاريخها الحديث، أزمة تهدد بانهيار السودانوتقسيمه إلى دويلات صغيرة وهشة، وخاضعة بالكامل لهيمنة القوى الأجنبية الطامعة في أراضيها ومواردها، بعد أن تكبدت البلاد آلاف الضحايا، وملايين من النازحين واللاجئين والمهجرين قسريا، وتدمير اقتصادها وبنيتها التحتية، بسبب الحرب الدائرة حاليا.

 

وفي ظل الأوضاع الخطيرة والمهددات التي تواجه السودانبسبب الحرب والانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021 الذي تمخضت عنه، وفشل القوى السياسية والمدنية في التوافق على استراتيجية ذات فعالية ومصداقية لوقف الحرب المستمرة وإعادة وضع البلاد في مسار التحول المدني، يلح السؤال حول مدى جدارتنا للانتساب لهؤلاء الأجداد المقاتلين الذين هزموا المستعمر وحرروا السودان منربقة الاستعمار،وحققوا له استقلالا حقيقيا غير منقوص السيادة، في وقت كانت فيه كل دول المنطقة ترزح تحت وطأة الاستعمار الأجنبي.

 

وبمناسبة هذه الذكرى العظيمة أخصص هذا المقال القصير لذكرى أجدادي الذين كانوا من بين أوائل أنصار الإمام المهدي الذين دخلوا الخرطوم فاتحين، وهمجدود أبي لأبيه وأمه معا؛عدلان التوم عمر عبد الله، وبنته جدتي نصرة بنت عدلان، وحامدجبرالدارودبلل وبنته جدتي حواء بنت حامد.

كان جدي عدلان ود التوم ود عمر ود عبد الله من أوائل الذين التحقوا بالمهدية من منطقة غرب الجزيرة والمناقل، مثل الشيخ عامر المكاشفي.والمعلوم أن للجزيرة مكانة خاصة في تاريخ الثورة المهدية، وبالإضافة إلى كونها موطن العديد من أنصار الإمام المهدي، فهي الإقليم الذي تعلم فيه الإمام المهدي على يد شيخيه الشيخ القرشي ود الزين، وقبله الأستاذ محمد شريف نور الدائم،شيخ الطريقة السمانية، وهي المكان الذي التقى فيه الإمام المهدي لأول مرة خليفته عبدالله التعايشي، وذلك أثناء مشاركته هو والخليفة علي ود حلو في بناء قبة الشيخ القرشي ود الزين، قبل أن ينضم إليهما الخليفة عبدالله التعايشي.

 

بعد انتصار المهدية وفتح الخرطوم، تزوج جدي عدلان ود التوم ود عمر بأمدرمان واستقر بحي الأمراء بأمدرمان، حتى سقوط الخرطوم على يد جيش كتشنر في 1899. وبعد سقوط الخرطوم،غادر جدي عدلان ود التوم أم درمان وانتقل بأسرته إلى موطنه قرية الزريبة بالمناقل، والتي عاش فيها حتى وفاته.

 

كان جدي عدلان ود التوم من المقربين من الخليفة علي ود حلو، وكانت تربطهما علاقة خاصة، وبسبب تلك العلاقة تزوج جدي عدلان من جدتي رابحة بنت علي ودمرحالود إسماعيل ود مريمي،شقيقة زوجة الخليفة علي ود حلو حواء بنت عليوأم ولديه إبراهيم ومسعود، وهي من دار محارب فرع الكبيشاب. وسكنجدي عدلان ود التوم وأسرته جوار بيت الخليفة علي في حي الأمراء، حتى سقوط الخرطوم، كما أشرت.

 

وقد أورد الأستاذ عبد الرحمن إبراهيم الحلو في كتابه: “الخليفة علي ود حلو صاحب الراية الخضراء، الطبعة 2، شركة مطابع العملة المحدودة، 2020، صفحة 38″، إنه وبعد هجرة الإمام المهدي إلى قدير، تزوج الخليفة علي ود حلو زوجته الثانية حواء بنت علي ود مريمي من قبيلة محارب، وكانت تكنى “بأم المهدي” نسبة لابنها الأول محمد المهدي الذي استشهد مع والده الخليفة علي في أم دبيكرات، ولم يكن قد تزوج عند استشهاده، وقد انجبت حواء بنت علي أيضا، بعد ابنها المهدي،ولديها مسعود وإبراهيم. وقد توفيت حواء بنت علي في رشيد بمصر بعد أسرهم في أم دبيكرات في نوفمبر 1899، وتولت شقيقتها فاطمة المعروفة ب”غبيشة” تربية ولديها مسعود وإبراهيم في ديارهم بالنيل الأبيض، بعد إعادتهم من مصر، وفاطمة “غبيشة” بنت علي هي أيضا شقيقة جدتي رابحة بنت علي.

 

وكان زواج جدي عدلان ود التوم من جدتي رابحة بنت علي بعد أن استشهد زوجها الأول جديحامد جبر الدار ود بلل، والذي استشهد في معارك المهدية، والراجح لدي إنه قاتل أيضا تحت الراية الخضراء – راية الخليفة علي ود حلو، إلى أن استشهد. وحامد ود جبر الدار ود بللهو أيضا جدي والد جدتي حواء بنت حامد ود جبر الدار، وهي جدة أبي أم والدته خديجة موسى التوم عمر.إن انضمام هؤلاء الأجداد لركب الإمام المهدي وانتقالهم للسكن بأمدرمان هو الذي جعل تعارفهم وذلك الزواج ممكنين.

 

وأنجب جدي عدلان ود التوم ود عمر بنته الوحيدة نصرة بنت عدلان، وهي جدة أبي ووالدة جدي لأبي الأمين أحمد محمد عمر. وتولى جدي عدلان ود التوم تربية بنته نصرة وأختها حواء بنت حامد، وعندما سقطت الخرطوم وانتقلت الأسرة إلى الجزيرة كانتا طفلتينصغيرتين.

 

وكبرت الأختان نصرة وحواء وتزوجتا في قرية الزريبة بالمناقل وصارتا جدتي أبي بشير الأمين أحمد لأبيه وأمه معا، حيث تزوج جدتي حواء بنت حامد ود جبر الدار جدي موسى ود التوم ود عمر شقيق جدي عدلان ود التوم ود عمر، وأنجب منها خديجة بنت موسى ود التوم والدة أبي، وتزوج جدي أحمد ود محمد ود عمر ود عبد الله المشهور ب”شرشر” ابنة عمه نصرة بنت عدلان ود التوم ود عمر ود عبد الله وأنجب منها جدي والد أبي الأمين أحمد محمد عمروشقيقاته حليمة وفاطمة وحواء وآمنة وستنا.

 

ولأن جدتي أبي الاثنتين ولدتا وقضتا الجزء الأكبرمن سنوات طفولتهما بحي الأمراء بأم درمان في صدر المهدية، فقد كانتا حافظتين لأجزاء من القرآن وتجيدان القراءة والكتابة، في وقت كانت فيه الغالبيةمن رجال القرية أميين لا يعرفون القراءة أو الكتابة. وكانت جدتي حواء بنت حامد تعلم بعض نساء القرية القرآن، وكانت مشهورة بقراءة راتب الإمام المهدي، وعندما ولدتُفي أغسطس 1971، كانت جدتي نصرة بنت عدلان قد توفيت إلى رحمة مولاها، ولكن كانت أختها جدتي حواء بنت حامد لا تزال على قيد الحياة، وقد أخبرتني والدتيأن جدتي حواء بنت حامد كانت تصر على تسميتي “علم الهدى”، بدل اسمي الذي اختارهلي أبي. ومن الأشياء التي لا أنساها في صغري أنني كنت أقرأ من وقت لآخر راتب الإمام المهدي الخاص بها والذي تركته بعد وفاتها، وهو كتاب صغير في حجم الجيب.

 

في ذكرى هذا اليوم العظيم،أحي هؤلاء الرجال والنساء الأماجد الذين حملوا فكر الثورة المهدية،وقاتلوا تحت راياتها، وروا هذه الأرض بدمائهم الطاهرة. ويقدم هذا المقال القصير لمحة تعريفية عن أجداديعدلان ود التوم ود عمر ود عبد الله وبنته نصرة وجدي حامد ود جبر الدار وبنته حواء، وأنوي الكتابة في المستقبل بتفصيل أكثر عن مختلف جوانب حياتهم، خاصة عن جدي حامد ود جبر الدار ود بللالذي استشهد في معارك الثورة المهدية، والذي أجد أن المعلومات المتوفرة لدي حاليا عن شخصيته وحياته محدودة، مقارنة بما أعرفه عن جدي عدلان ود التوم ودعمر.

 

وتقتضي الموضوعية الإشارة إلى مصادري، وأؤكد هنا أنني قداستقيت معظم هذه المعلومات من والدي، ومعظمها معروف داخلأسرتنا، وبعضها من الأستاذ عبد الرحمنإبراهيم الحلو،حفيد الخليفة علي ود حلو وحفيد حواء بنت علي شقيقة جدتي رابحة بنت علي، وقد أهداني الأستاذ عبد الرحمن إبراهيم مشكورا نسخة موقعة من كتابه المذكور أعلاه.

 

 

 

الوسومأم درمان الاستعمار الأجنبي. ذكرى تحرير الخرطوم ناصف بشير الأمين أحمد

مقالات مشابهة

  • تحرير 238 محضرا تموينيا لأصحاب المخابز البلدية بالمنيا
  • في ذكرى تحرير الخرطوم – 26 يناير 1885 .. سلام على أرواح أجدادي
  • تحرير فلسطين
  • روبرت هوارد.. نهاية مأساوية لأحد رواد قصص الخيال
  • أكتوبر … معارك ما قبل تحرير الأقصى !
  • محافظ المنوفية: تحرير 443 محضرًا تموينيًا
  • جبهة تحرير أزواد تنجح في تحرير رهينة إسباني
  • لحماية حقوقهم.. طرق تحرير محضر عبر مباحث الإنترنت
  • اكتوبر ... معارك ما قبل تحرير الأقصى !
  • مرادف الوئام.. سؤال حير طلاب الإعدادية في امتحان العربي