هل يكشف سقوط الأسد تراجع بوتين للوصول إلى القوى العظمى؟
تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT
أحدث سقوط نظام بشار الأسد في سوريا نوعًا من الصدمة في العديد من دول الشرق الأوسط، إذ سقط النظام سريعًا، كما أحدث هذا السقوط للقوى السورية التي حكمت البلاد لأكثر من نصف قرن، وأحكمت قبضتها الحديدية عليها، نوعًا من التحول الكبير وزلزالًا في التوازن الذي كانت تعيشه من تدعي امتلاك القوى العظمى في المنطقة.
أما الآن، فمن غير المعروف ما هو مستقبل تلك القاعدتين، وقد كانت كل من القاعدة البحرية الروسية في «طرطوس»، ويرجع تاريخ نشأتها إلى الفترة السوفييتية، والقاعدة الجوية في البلدة السورية «حميميم» التي تم إنشاؤها في جنوب شرق اللاذقية خلال عام 2015، بمثابة قوى عسكرية أصيلة روسية تهدف إلى إظهار مدى القوة الروسية العسكرية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى أن القاعدتين تهدفان إلى تعزيز مطالبات الكرملين بخصوص وضع القوى العظمى الروسية.
ورغم أهمية القاعدتين الروسيتين في سوريا من دعم النظام، إلا أن سقوط النظام يُعد بمثابة نكسة قوية للقوى الروسية، التي دعمت النظام السوري لعدة سنوات واستثمرت الكثير من الأموال في سبيل تحقيق استمرارية الأسد، واليوم يسقط نظام الأسد الذي يُشكل المستوى السيئ بشكل كبير للقدرات الروسية في مسألة فرض النفوذ وقدرتها على إثبات قوتها أمام العالم. ولو تمكنت روسيا اليوم من التوصل إلى طريق للمفاوضات مع القوى الجديدة التي تحكم سوريا، لتقرر مصير قواعدها العسكرية، لكن ذلك لن يلغي الحقيقة المتمثلة في عدم قدرة موسكو على الانتصار لحليفها بشار الأسد، وهذا ما يكشف بشكل واضح نقاط الضعف المحرجة للقوى الروسية وقدرتها على التصرف في إنقاذ حلفائها، ولن يفيد روسيا مجرد الكلام والادعاء بأنها لا زالت تمثل القوى العظمى. وقد يكون تراجع التأثير الروسي في حماية بشار له عوامل أخرى، مثل غفلة نظام الأسد عن دور الداعمين للقوى المناهضة له، أو الدعم المتوقع من تركيا لهذا الحشد، إلى جانب ذلك واجهت روسيا صعوبات في تعزيز قواعدها في سوريا بالأصول العسكرية، وهذا الأمر يرجع بطبيعة الحال إلى الحرب التي تعيشها روسيا ضد أوكرانيا. كما تم استنزاف القدرات العسكرية لاثنين من أقوى حلفاء بشار، إيران وحزب الله، بسبب موقفهما ضد إسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين، كل ذلك فاقم الصعوبات على التأثير الروسي في سوريا، وهذا الأمر يدعو إلى التساؤل «هل أساءت روسيا تقدير الوضع الراهن في سوريا، ولم تنتبه لنقاط الضعف تلك؟».
إلا أن الأمر الأكثر أهمية هو أن ما حل في سوريا يُسلط الضوء على اعتماد روسيا على حلفاء لا يمكنهم رد طلبات موسكو، مثل موقف بشار الأسد، منها مطالبة موسكو بمواقع تُنشئ عليها قواعد عسكرية، فقد منح بشار لروسيا قواعد عسكرية، كما منح إيران وحزب الله العديد من المزايا لتحقيق مزاعمهما في عام 2015.
يبدو أن العنصر الغائب في هذه المعادلة هو الصين، فعلى الرغم من أن بكين ساندت نظام الأسد بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، فإن هذا الدعم كان في الغالب دعمًا خطابيًا الهدف الأساسي منه هو منع أي تدخل غربي مدعوم من الأمم المتحدة شبيه بما حدث في ليبيا، والذي أدى إلى سقوط القذافي وإغراق البلاد في الفوضى منذ ذلك الحين. لقد أسفرت زيارة بشار الأسد رفيعة المستوى إلى الصين في سبتمبر 2023 عن اتفاقية شراكة استراتيجية، بدا ذلك كخطوة أخرى نحو إعادة تأهيل النظام السوري، على الأقل من وجهة نظر بكين، لكن عندما اشتدت الأزمة وواجه نظام الأسد تهديد مصيره، لم تحرك الصين ساكنًا لإنقاذه. هذا يثير تساؤلًا مهمًا حول تقدير الصين للنظام السوري والأزمة المتفاقمة هناك، لكن هناك نقطة أوسع تتعلق بالطموحات الروسية كقوة عظمى. رغم كل الحديث عن الشراكة «غير المحدودة» بين موسكو وبكين، لم تفعل الصين في نهاية المطاف شيئًا لإنقاذ روسيا من هزيمة محرجة في سوريا، حيث احتاجت روسيا إلى وجودها العسكري لتعزيز ادعاءاتها بمكانتها كقوة عظمى، وكانت المصالح الصينية في الشرق الأوسط تتركز بشكل أساسي على الفرص الاقتصادية والتهديد المتصور من الإرهاب.
إن موقف روسيا في الشرق الأوسط الآن في خطر، لقد فقدت موسكو حليفًا رئيسيًا وهو بشار الأسد. حلفاؤها الآخرون الرئيسيون، إيران وحزب الله، يعانون من ضعف كبير، أما تركيا، التي لم تكن علاقات الكرملين معها سهلة خلال السنوات الماضية، فقد أصبحت في وضع أقوى، وربما ينطبق ذلك على إسرائيل.
إن هذا الأمر يكشف عن هشاشة الادعاءات الروسية بامتلاك مكانة القوة العظمى. ومن المرجح أيضًا أن يؤدي ذلك إلى مزيد من تراجع هيبة روسيا ومكانتها في أعين شركائها الآخرين مثل الصين أو كوريا الشمالية، أو أعضاء مجموعة البريكس، أو دول الجنوب العالمي التي حاولت روسيا مؤخرًا التقرب منها.
أما بالنسبة لأوكرانيا - التي يمكن القول إنها المصدر الرئيسي لاستنزاف روسيا - فإن العواقب قد تكون متباينة. من ناحية، تُظهر سهولة الإطاحة بالأسد أن روسيا ليست قوة لا تقهر، وأن دعمها للأنظمة الديكتاتورية الوحشية له حدود، ومن ناحية أخرى، لا ينبغي توقع أي شيء سوى مضاعفة روسيا لجهودها في أوكرانيا.
من الواضح أن بوتين بحاجة إلى نجاح يُعيد الثقة به على الصعيدين الداخلي والدولي، ولا بد أن يحقق ذلك في وقت قريب، ففي النهاية فإن دونالد ترامب لا يحب الخاسرين!
ستيفان وولف أستاذ الأمن الدولي في جامعة برمنجهام
عن آسيا تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القوى العظمى نظام الأسد بشار الأسد فی سوریا
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية الإماراتي يهاتف نظيره السوري الجديد.. أول اتصال رسمي منذ سقوط بشار
قالت وكالة الأنباء الإماراتية "وام"، إن وزير الخارجية الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، هاتف أسعد حسن الشيباني، وزير الخارجية في الحكومة السورية الانتقالية، وبحث معه آخر التطورات في سوريا.
وناقش الجانبان بحسب "وام"، سبل تعزيز العلاقات الأخوية الوطيدة بين البلدين والشعبين الشقيقين في المجالات ذات الاهتمام المشترك.
وهذا الاتصال هو الأول بين مسؤول إماراتي وآخر سوري منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر الجاري.
وشدّد عبد الله بن زايد خلال الاتصال مع الشيباني، على أهمية الحفاظ على وحدة وسلامة وسيادة سوريا، كما أكّد موقف دولة الإمارات الداعم لجميع الجهود والمساعي المبذولة للوصول إلى مرحلة انتقالية شاملة وجامعة تحقق تطلعات الشعب السوري في الأمن والتنمية والحياة الكريمة، حيث تؤمن دولة الإمارات بأهمية إعادة التفاؤل إلى الشعب السوري الشقيق من أجل مستقبل مزدهر.
وكانت الإمارات الدولة العربية الوحيدة التي أجرى رئيسها (محمد بن زايد) مكالمة مع بشار الأسد للتضامن معه بعد بدء معركة "ردع العدوان" والتي انتهت بسقوط نظام الأخير.
وبعد سقوط الأسد بأيام، أطلق أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، تصريحا مثيرا للجدل، قال فيه إنه غير مرتاح تجاه القيادة الجديدة في سوريا، زاعما أن "طبيعة القوى الجديدة، ارتباطها بالإخوان، وارتباطها بالقاعدة، كلها مؤشرات مقلقة للغاية".