جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-02@07:27:32 GMT

جودة الحياة والأنشطة الاجتماعية

تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT

جودة الحياة والأنشطة الاجتماعية

 

أ. د. حيدر أحمد اللواتي **

كثيرة هي الدراسات التي تؤكد أهمية النشاطات الاجتماعية على صحة الفرد وعلى استمرار كفاءة قدراته العقلية؛ فهذه الأنشطة الاجتماعية المختلفة لها أثر على الأبعاد العاطفية والنفسية والعقلية على الإنسان، وهي من أهم العوامل المؤثرة.

وفي دراسة بدأت عام 1938 على 268 فردًا، أُجريت في جامعة هارفارد، واستمرت لمدة 80 سنة على من تبقّى من الأفراد، إضافة إلى 1300 فرد من أبناء هؤلاء، لمعرفة كيف تؤثر تجارب الحياة المُبكرة على الحياة والشيخوخة، علمًا بأن عددًا من هؤلاء أصبحوا شخصيات ناجحة ومؤثرة وآخرين أصيبوا بانفصام في الشخصية وبعضهم غدوا مُدمني كحول!

وقد علّق روبرت والدينجر مدير الدراسة وأستاذ الطب النفسي في جامعة هارفارد على نتيجة الدراسة بقوله "النتيجة المدهشة هي أن علاقاتنا الاجتماعية ومدى سعادتنا في تلك العلاقات لها تأثير قوي على صحتنا".

وأضاف "إن العناية بجسدك أمر مهم لكن الاهتمام بعلاقاتك الاجتماعية هو شكل من أشكال العناية الذاتية أيضا".

وقد كشفت الدراسة بصورة واضحة لا لبس فيها أنَّ العلاقات الاجتماعية الوثيقة هي التي تجعل الناس سعداء طوال حياتهم أكثر من المال والشهرة؛ فهذه العلاقات تحمي الناس من مُعضلات الحياة وتساعد في تأخير التدهور العقلي والجسدي وهي أفضل وسيلة للتنبؤ بالحياة الطويلة السعيدة من الطبقة الاجتماعية أو معدل الذكاء أو حتى الجينات الوراثية.

وعندما ننظر إلى مجتمعاتنا العربية والإسلامية عمومًا، نلاحظ أنَّ البعد الاجتماعي من أقوى الأبعاد وأكثرها وضوحًا، فإذا كان الاهتمام بجودة الغذاء وممارسة التمارين الرياضية ليستا في سلّم الأولويات عند الكثيرين من أفراد المجتمع، فإن العلاقات الاجتماعية مازالت قوية على الرغم من تراجعها النسبي.

ومن هنا، فمن المهم جدًا المحافظة على هذه العلاقات الاجتماعية، وعدم النظر لها وكأنَّها إرث ثقيل يجب التخلص منه، فنحن وإن كنَّا في زمن العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي إلّا أن محاولة التخلص من العلاقات الاجتماعية أو التقليل من شأنها خطأ كبير سنرتكبه في حق أنفسنا وفي حق مجتمعاتنا، كما تثبته العديد من الدراسات العلمية والتي أشرت إلى أحدها.

وتختلف صور ومظاهر هذه الروابط الاجتماعية، ولربما من أهمها وأكثرها تميزًا في مجتمعاتنا الإسلامية هو الحضور للمسجد والصلاة جماعة، وحضور المحاضرات في المناسبات الدينية المختلفة، لأن كلاهما يتكرران في حياة الفرد المسلم بشكل كبير؛ إذ إن المسلم يعتاد على الحضور للمسجد بصورة دائمة ويستمع إلى المحاضرات بشكل متكرر فخطب الجمعة مثلا يستمع لها بشكل أسبوعي.

إنَّ ما نرغب في التركيز عليه هنا، هو أهمية الاستفادة القصوى من هذه التجمعات المهمة، فمن الخطأ الكبير الذي يقع فيه الكثيرون أنهم يحضرون هذه التجمعات دون أن يقضوا فيها أوقات تتميز بالجودة، فتراهم يحضرون إلى الصلاة مثلا لتأدية الواجب ليس إلّا، أمَّا أن يستغلوا الحضور، بحيث يؤثر ذلك في نفسيتهم وحياتهم بصورة رائعة وإيجابية، فهذا أمر يغفلون عنه تمامًا، ويمكنهم أن يحققوا ذلك بصور بسيطة وسهلة؛ فتبادل الابتسامة مع الآخرين والسلام عليهم والسؤال عن أحوالهم وتبادل الحديث الودي له بالغ الأثر على الطرفين. وينطبق الأمر ذاته على الامام الذي يؤم الصلاة، وليسمح لي أئمة المساجد- وأنا دونهم علمًا وقدرًا- بكلمة في هذا الصدد، فمن أكبر الأخطاء أن يظن الامام أن وظيفته تنحصر في حضور الصلاة وإلقاء المحاضرة والوعظ والإرشاد وتوضيح الأحكام الشرعية؛ بل إن عليه أن يدرك أن وظيفته سامية ومسؤوليته كبيرة؛ فعدد من المؤمنين يحضرون الصلاة وهم مثقلون بتحديات يواجهونها، وينتظرون من يخفف عنهم ولو بابتسامة جميلة تشرح صدره، فكم يبهج النفس أن تجد الامام الذي يدخل المسجد بابتسامة يوزعها على المؤمنين يسلم على هذا ويتحدث مع آخر ويطبع قبلة على جبين الكبير منهم ويربت بيده على الصغير ويستشير أحدهم ويشير على آخر،  ويشعرهم بأنَّه منهم، إن هذه الأمور البسيطة لها بالغ الأثر على نفسية الإمام والمأموم على حد سواء.

كما إنَّ علينا أن ندرك أن الأثر الاجتماعي إنما يتحقق عندما يستغل الفرد حضوره في تلك التجمعات، أما أن يحضر فيها وهو منشغل بهاتفه النقال، وما أن ينتهي الخطيب من إلقاء محاضرته حتى يُسرع بمغادرة المسجد، لا يُحقق ذلك الأثر المرجو من حضوره. ومن الغريب ما يطرحه بعضهم بأن سماع المحاضرات المفيدة عبر الوسائل السمعية والبصرية المختلفة تفي بالغرض وهي البديل عن الحضور!! فيمكنني أن أستفيد من المحاضرة دون أحضر إلى المسجد إلى أو إلى قاعة المحاضرة، لكن هذا الطرح لا يأخذ بعين الاعتبار الفوائد الجمّة المترتبة على التجّمع نفسه والتفاعل مع الآخرين من الأصدقاء والإخوة، ولذا ففائدة الحضور لا تقارن إذا أحسن الفرد وأجاد استخدام فترة حضوره لتلك التجمعات.

وهكذا الحال مع مناسبات الأفراح والأتراح، فالبعض يحضر هذه المناسبات ويقتصر همه في أداء المهمة، وقد كنت من هؤلاء قبل مدّة، ولكن بعد أن راجعت نفسي أدركت كم كنت مخطئاً في ذلك، واليوم تغيرت نظرتي لهذه التجمعات، فأصبحت أحضرها محاولا الاستفادة منها وإفادة الآخرين، لا بالحديث الجاد والنقاش الهادف دوماً بل ربما بابتسامة أو حديث ودي أشارك الآخرين به.

إنَّ المناسبات الاجتماعية التي تزخر بها مجتمعاتنا الإسلامية هي من الثروات المُهمة التي يجب أن نحافظ عليها، بحيث نقضي على بعض السلبيات التي تتخللها ونحافظ على الإيجابيات فيها، ولا ننظر لها كعبء ثقيل علينا أن نزيحه عن كاهلنا.   

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بحوث الصحراء: توزيع أكثر من 150 ألف شتلة وتنظيم 30 دورة تدريبية و 200 زيارة ميدانية

استعرضت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، تقريرا لمركز بحوث الصحراء، حول جهود مبادرة "اسأل واستشير قبل ما تدفع كتير" والتي أطلقها المركز لخدمة مزارعي سيناء، قبل ٥٠٠ يوم.

وقال الدكتور حسام شوقي رئيس مركز بحوث الصحراء، أنه تم إطلاق المبادرة في إطار التوجه الاستراتيجي للدولة المصرية نحو تعزيز التنمية المستدامة في المناطق الصحراوية ودعم التجمعات الزراعية، ، وذلك تنفيذا لتكليفات علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، لدعم مشروع التجمعات الزراعية في شمال وجنوب سيناء، بإعتباره أحد أهم المشروعات التنموية الزراعية التي أطلقتها الدولة بهدف إنشاء 18 تجمعًا زراعيًا متكاملًا، حيث تعمل المبادرة حاليًا على خدمة 16 تجمعًا وتستهدف تحقيق التنمية الزراعية والاجتماعية لحوالي 2122 أسرة في سيناء، في إطار خطة قومية لزيادة الرقعة الزراعية وتحقيق الاستقرار الأسري والاقتصادي.

وأوضح رئيس المركز أن المبادرة ومنذ إطلاقها حققت مجموعة من الإنجازات الواقعية، حيث تم توزيع أكثر من 150 ألف شتلة زراعية معتمدة لدعم التنوع الزراعي، كما نظمت  30 دورة تدريبية وورشة عمل استهدفت بناء قدرات المزارعين وتعزيز مهاراتهم الفنية والإدارية، فضلا عن تنفيذ أكثر من 200 زيارة ميدانية لمتابعة التحديات الزراعية واقتراح حلول عملية وفورية.

وأشار شوقي إلى أنه في إطار التواصل المستمر، تم الرد على أكثر من 1200 استفسار فني عبر الوسائل الميدانية والإلكترونية، إلى جانب حل 300 مشكلة زراعية ميدانية أسهمت في تحسين الأداء الزراعي وزيادة الإنتاجية.

وتابع أن المبادرة عززت  أيضًا من جهود التوعية عبر إصدار أكثر من 50 نشرة وكبسولة فنية مبسطة تركز على أهم الممارسات الزراعية الحديثة، بالإضافة إلى إنتاج 4 أفلام وثائقية تعليمية عرضت قصص النجاح والتطور الزراعي في التجمعات المستفيدة، مما ساعد على نشر المعرفة بأساليب عملية ومبسطة تناسب طبيعة المزارعين المستهدفين.

ولفت إلى أن هذا الجهد التراكمي يعد تعبيرًا حقيقيًا عن حجم العمل الميداني الذي بُذل طيلة هذه الفترة، والذي يعكس رؤية واضحة في الاعتماد على التنمية المعرفية والعملية كمدخل رئيسي لتحقيق استدامة حقيقية على الأرض.

وأشار إلى أنه اليوم، ومع مرور أكثر من 500 يوم على بدء المبادرة، تواصل "اسأل واستشير قبل ما تدفع كتير" تقديم خدماتها بنفس القوة والتوسع، مدعومة بخطط مستقبلية لتغطية كافة التجمعات الزراعية الثمانية عشر في سيناء، وتطوير أدوات الدعم الفني عبر تعزيز استخدام التطبيقات الذكية وقنوات التواصل الإلكترونية الحديثة.

ولفت إلى أن المبادرة تضع المبادرة نصب أعينها تكليفات وزير الزراعة بالتوسيع في مجالات الدعم الفني لتشمل استشارات خاصة بالتقنيات الزراعية المستدامة، وإدارة المياه، وتحسين التربة، بما يتماشى مع رؤية مصر للتنمية الزراعية المستدامة والأمن الغذائي.

وأوضح رئيس المركز ان المبادرة أثبتت أن تقديم الدعم العلمي والفني المستمر للمزارعين، خاصة في المناطق الصحراوية الناشئة، يمثل أحد أهم مرتكزات نجاح مشروعات التنمية الشاملة. فمساندة الفلاح وتمكينه من التعامل مع أرضه بأفضل الممارسات الحديثة لا يصب فقط في مصلحة الفرد والأسرة، بل ينعكس بشكل مباشر على أمن مصر الغذائي والاجتماعي.

ولفت إلى أن المبادرة ليست مجرد مشروع توعوي مؤقت، بل هي نموذج عملي لالتزام الدولة بالتنمية الحقيقية من خلال المعرفة والممارسة المدروسة على أرض الواقع، وتستمر اليوم بقوة وإصرار لدعم كل فلاح وكل تجمع زراعي في قلب سيناء.

وتابع: أن المبادرة تقوم في الأساس على تقديم استشارات فنية مجانية للمزارعين وتوفير دعم فني مباشر من خلال الزيارات الميدانية ووسائل التواصل الإلكتروني، بهدف رفع وعي المزارعين وتحسين ممارساتهم الزراعية اليومية وتعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة. تركز المبادرة على مساعدة المزارعين في تجنب الأخطاء المكلفة، وزيادة كفاءة إدارة الموارد الزراعية، وتحسين جودة وإنتاجية المحاصيل، مع خفض التكاليف التشغيلية لتحقيق أفضل عائد اقتصادي، إلى جانب تمكين الجهات المسؤولة من متابعة الواقع الزراعي بشكل دقيق بما يخدم خطط التنمية المستقبلية.

طباعة شارك بحوث الصحراء مبادرة اسأل واستشير قبل ما تدفع كتير مزارعي سيناء الزراعة التنمية الزراعية

مقالات مشابهة

  • حملة "دوووس"..لعبة الحياة التي تُعيد القيم المفقودة للشباب المصري من طلاب إعلام عين شمس
  • البطولة العربية لألعاب القوى: ذهبيتان وفضية لسيدات الجزائر
  • اتفاقية خورعبدالله تؤثر على الحضور الخليجي بالقمة
  • الحميري ينثر إبداعه في سماء الشرقية
  • المولَّد وعقاب يتفقدان أنشطة الدورات الصيفية في صعدة
  • بحوث الصحراء يواصل المرور الميداني على التجمعات الزراعية بشمال ووسط سيناء
  • تفقد أنشطة الدورات الصيفية في مديرية التحرير
  • تفقد أنشطة الدورات الصيفية في مديرية التحرير بأمانة العاصمة
  • «الزراعة» تستعرض جهود مبادرة «اسأل واستشير قبل ما تدفع كتير» لخدمة مزارعي سيناء
  • بحوث الصحراء: توزيع أكثر من 150 ألف شتلة وتنظيم 30 دورة تدريبية و 200 زيارة ميدانية