جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-18@01:42:33 GMT

ربما لأنه هدف سهل!

تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT

ربما لأنه هدف سهل!

 

 

معاوية الرواحي

 

وتستمر الظاهرة الرقمية الجديدة! كما تستمر الحياة، وكما يمضي الوقت، ونعيش نحن الذين في الأربعين غربةً تكشفُ لنا غربة من قبلنا، عندما عاشوا في زمانٍ غير زمانهم، وعرفوا أن السنن الجديدة معبَّاة بالغربة، والاختلاف، وتغيير ماهية المعايير، والطبيعي، والمنطقي، بل وأحيانا، في عصر الدماء والحروب، الإنساني! نحن لا نعيش في زمانٍ عادي، على كل الأصعدة، أصعدة اليمين واليسار العالميين، أصعدة التناقض البشري الهائل، أصعدة الحروب التي تُعاقب فيها بعض الدول، وتُسامح فيها بعض الدول الأخرى، وكأن الدماء لها ملصق تسعير، يحدد إنسانيو العالم أسعارها كما يحبون ويشاؤون.

أمام كل هذا الاحتدام العالمي، تبرز تلك الظواهر الجانبية التي أصبحت رئيسيةً من فرط قوة معتنقيها، قضايا الصوابية السياسية العالمية، وجمهور الضحالة والتفاهة، النابذ للمعرفة، والعلم، والتفكير النقدي، جيل التكتوك والرقص من أجل المشاهدات، جيل التصوير العمودي، والذي إن وجه للخارج نزع السياق وحول الحكاية إلى لحظة، جيل التسعين ثانية والمشاهد البصرية السريعة، جيل الملل، وكراهية القراءة، وبمعونة الصناعة، والهواتف، والمنصات التي تساعدك على إدمان التصفح المرئي القصير، فرض هذا الجيل شروطه على المنتج الرقمي، فحدث لدينا ما حدث من شيء اسمه هذا العالم الذي نعيش فيه، وهذه الظاهرة الرقمي التي نشتكي منها.

وإنه لسؤال محيّر حقا، بأي أداة يمكنك أن تتصدى لهذه التفاهة؟ فهي ظاهرة عالمية، ولا تقتصر على بلادٍ دون أخرى؟ ما الحل حقا؟ لأن ظاهرةً أخرى رديفة أيضا موجودة في عصرنا الحالي، لكنها ليست حديثة مثل أجيال (الفرفشة) والسطحية، وإنما هي مستمرةٌ ضمن استخدام الواقع الرقمي (الجاد للغاية) والذي ينتظر من العالم أن يقدم لها ما يناسب عينيه، وكأن الأدب توقف، وكأن السينما توقفت، وكأن الإبداع البشري يتأثر بهؤلاء الذين يتعاملون مع معطيات الزمن الرقمي الحديث، وما حملته ثوراته الصناعية. لم يتوقف الإبداع، ولم يعدم العالم ذلك (المحتوى) الذي يجد فيه المهتم بالتفكير النقدي والحقائق بغيته.

يظن البعضُ أن إصلاح العالم يحدث بصناعةِ العبر، وهذا متفهمٌ للغاية في سياقات كثيرة، إلا في سياقٍ واحد فقط، عندما يتعلق الأمر بصانع محتوى يصفه أحد النخبة بالتافه. يمتلئ الواقع الرقمي بعشرات النماذج التافهة، والشرسة، والعدوانية، والمتنمرة، هُنا ترتكس الجموع من كهنة الوعي العميق لتفكر في خطوتها القادمة، فما الذي يجعل إنسان يتعرض لصانع محتوى شرس، مليء بالشرور، يُسمى في الرائج من تسميات الأجيال الجديدة (جلادا) وتُردد في تعليقات منصاته كلمة (اجلدهم يا فلان) هذا لا يستحق طبعا تأنيبا عامَّا، ولا يستحق أن تتحرك الجموع الصوابية ضدَّه، لأنه هدف صعب، وقادر على الدفاع عن نفسه.

ولكن ماذا عن الهدف السهل؟ ذلك الإنسان الطيّب زيادةً عن اللازم؟ هنا تتحرك الظاهرة الرقمية الرديفة، صناعة العبر، وتحطيم البشر، واندفاع جموع هائلة من الناس كانت تنتظر السانحة لكي تصبَّ جام لومها للعالم على شخص واحد، وكلما كان هذا الإنسان (على نيّاته) كان من الأسهل على من هبَّ ودبَّ أن يطلق العنان لمعوله، وسهل على النصال أن تنطلق مصوبةً إلى ذاتِه، ووجوده، فحرية التعبير مشروطة ليست بالقانون، وإنما أيضا مشروطة بالتفضيلات الشخصية، فما هو كوميدي تافه بالنسبة لزيد، وضحل بالنسبة لعمر، أما ما هو مؤذٍ (وجلاد) ويسيّس، ويثير النعرات، وطائفي، هنا تسكت شهرزاد عن الكلام المباح، لأن الهدف السهل موجود، ولأن الهجوم على شخص واحد كفيل بصناعة الإشباع الشخصي الذي يجعل إنسان يعبر عن رثائه للمعنى في هذا العالم بالانتقاص والتهكم من إنسان حقَّا لم يكن يفكر يوما بطريقة التهجم، والفعل، ورد الفعل!!

ربما لأنه هدف سهل، ضحيةً أخرى من ضحايا الصوابية التي تُنصر بالتطاول، ولم لا؟ فالكياسة يستحقها أشخاص آخرون، الذين تحسب حسابًا إن تعرضت لهم، الذين سيستغلون منصاتهم للدفاع عن أنفسهم، بشراسةٍ مضادة، وأيضا يستخدمون المقاربة الرائجة، يحاول البعض أن يجعل منهم عبرةً فيختارون عبرةً مضادةً من هذه الجموع، وعلى من تقع القرعة؟ هنا تتراجع الجموع المندفعة، ولا سيما تلك التي تريد أن ترمي بزجاجها الحاد فقط بعد أن تطمئن، هذا شرطٌ بشري فادح، وهذا ما يجعل هجومًا جماعيا رقميا مستساغا، ومباحا، ومتاحا، فقط لأنَّك أمنت ردة الفعل، ولهذا يسقط الطيبون، يفترسون رقميا بكل شدَّة ممكنة، لأنهم هدف سهل، لن يختار عبرةً مضادة، أمَّا الذي يعرف لغة الشر، والأذى، والتنمر، والتحطيم، أو ما يسمى (جلادًا) فسيعرف كيف يدافع عن نفسه، وكيف يعترك الشر بالشر، مؤسف هذا العالم عندما تنقلب الصوابية إلى انتقاء لا يسد الذرائع، وإنما هو إشباع آخر آثم، لا يختلف عن إزاحة البعض لضيقه من الحياة ليحوله على فريق رياضي، وليهنأ شجعان الصوابية بهدف جديد وراء آخر، وعندما يصنع من هذا الزخم إنسانٌ غاضبٌ، ساخطٌ جاهز لرد الصاع صاعين، وقتها ستغادر هذه الجموع إلى هدف سهلٍ آخر، وهكذا دواليك، تستمر الظاهرة البشرية، كالظاهرة العالمية، كالظاهرة الرقمية في هذا العصر الذي أصبح كامرةً عموديةً توجه للآخر كسهم، وتوجه للذات كمرآة.

مقاربات كثيرة يمكنها أن تعيد توازن صناعة المحتوى، مقاربات إبداعية، وتحتاج إلى أشخاص لديهم سعة البال، والإيمان بالآخر، والتعاطف مع أحلامه، واحترام حريته، ونسج الخيارات أمامه، مقاربات بنَّاءة كثيرة تختلف عن التأنيب، والتقريع، والتنمر، والإلغاء، مقاربات لا نهاية لها، مرمية في أرصفة الفنون، والنقد، ولكن لم إنفاق الوقت في تنمية تجربة إنسان آخر، تحطيمه يكفي، وصناعة عبرة منه تكفي، لأنَّه هدف سهل، وهذا يكفي لكي نعبر عن أسوأ ما فينا تجاه إنسان نعرف جيدا أنه لا يملك من الشر ما يكفيه للدفاع عن نفسه! زمان عجيب نعيش فيه، ولعلنا سنرى الأعجب في رجبٍ أقرب!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

فوائد أكل الخيار قبل النوم

الخيار تعتبر من الخضروات التي تُستخدم في إعداد وصفات السلطات بأنواعها والمحشي وبعض العصائر، ويتميز باحتوائه على المعادن والفيتامينات، ولا يحتوي على أي دهون أو السعرات الحرارية المرتفعة، سنتعرف في هذا المقال على فوائد أكل الخيار قبل النوم:

اقرأ ايضاًطريقة تحضير شوربة الخيارفوائد أكل الخيار قبل النوممن فوائد تناول الخيار في الليل وقبل النوم أنه يساعد على فقدان الوزن لأنه يحتوي على 96% من الماء مما يساعد على التخلص من السموم.يساعد تناول الخيار في الليل على محاربة رائحة الفم الكريهة.تقوية جهاز المناعة في جسم الإنسان مما يساهم في حماية الجسم من الإصابة بالأمراض.فوائد أكل الخيار يوميًايحسن من عملية الإخراج.يخفف الضغط على الجهاز العصبييقلل من الشعور بالإجهاد لأنه يحتوي على مجموعة من الفيتامينات من أبرزها فيتامين B7، وفيتامين B5، وفيتامين B1.يعتبر الخيار وجبةٍ خفيفة بين الوجبات الغذائية يحد من الشعور بالجوعيخلص الجسم من السموم.يطهر الكلىيساعد على شفاء المعدة من القرحةيعزز صحة الدماغ ويحسّن الإدراكيحسن عملية الهضم لأنه يحتوي على نسبة عالية من الماء والألياف القابلة للذوبان.ينظم معدل ضغط الدم لأنه يحتوي على عنصر البوتاسيوم. كلمات دالة:فوائد أكل الخيار قبل النومالخيار تابعونا على مواقع التواصل:InstagramFBTwitter

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)

نادين طاهر مُحررة قسم صحة وجمال

انضمّتْ إلى فريق "بوابة الشرق الأوسط" عام 2013 كمُحررة قي قسم صحة وجمال بعدَ أن عَملت مُسبقًا كمحُررة في "شركة مكتوب - ياهو". وكان لطاقتها الإيجابية الأثر الأكبر في إثراء الموقع بمحتوى هادف يخدم أسلوب الحياة المتطورة في كل المجالات التي تخص العائلة بشكلٍ عام، والمرأة بشكل خاص، وتعكس مقالاتها نمطاً صحياً من نوع آخر وحياة أكثر إيجابية.

الأحدثترند فوائد أكل الخيار قبل النوم كارثة في السودان.. 80% من المرافق الصحية خرجت عن الخدمة الأمم المتحدة: نصف مليون شخص اضطروا للنزوح "مجددا" في غزة نجمة مسلسل المدينة البعيدة تخرج عن صمتها وتكشف عن تلقيها تهديدات بسبب دورها أول تدريب يجمعهما.. الصين ومصر تعلنان عن تدريب مشترك Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا حل مشكلة فنية الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اشترك الآن

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • بروتوكلون يذهل العالم.. أول إنسان اصطناعي ينافس روبوتات تسلا!
  • فوائد أكل الخيار قبل النوم
  • الدب الأمريكي الذي قد يقتل صاحبه!
  • معلش!
  • تحذيرات من عاصفة شمسية قد تدمر العالم الرقمي وتعيدنا إلى القرن الـ19 ..هذا ما سيحدث
  • «الأكاديمية العالمية للمعلم الرقمي» تُمكّن 12 ألف معلم بأدوات وحلول المستقبل في 32 دولة
  • والي العيون: العالم الآخر يضغط لمقاطعة الانتخابات في الصحراء التي نبنيها دون السعي لنصبح قوة ضاربة
  • ابن حزم الأندلسي.. العالم والفقيه والشاعر الذي أُحرقت كتبه
  • رئيس الجمعية العامة: يجب مكافحة العبودية الحديثة التي يرضخ لها 50 مليون شخص حول العالم
  • مخرج فيلم "علكة": ربما أجعل شخصا يعيد التفكير في نظرته لمتلازمة داون