حمود بن علي الطوقي

 

 

في خطوة نوعية تهدف إلى تعزيز حضور سلطنة عُمان عالميًا، أعلن برنامج "نزدهر" في مؤتمر صحفي عن إطلاق مشروع الهوية الوطنية الترويجية تحت شعار "صوِّت لقصتنا"، وهي مُبادرة تسعى لرسم خارطة طريق تعكس ماضي السلطنة العريق وحاضرها الطموح ومستقبلها الواعد.

ورغم أنَّ هذه الخطوة قد تأخرت نوعًا ما، إلّا أن القول المأثور "أن تصل متأخرًا خير من ألا تصل أبدًا"، يُعبِّر بدِقَّة عن أهمية هذا المشروع، الذي جاء ليواكب التحديات ويستثمر في الفرص التي تذخر بها سلطنة عُمان كدولة ذات عمق تاريخي وحضاري.

معالي وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار قيس بن محمد اليوسف الذي حضر المؤتمر الصحفي، أكد أهمية الإعلام بمختلف قنواته لتحقيق النجاح لهذه المبادرة الوطنية التي تأتي استكمالًا لمبادرات عده تهدف الى الترويج والتسويق لسلطنة عُمان كمحطة مهمة ووجهة سياحية لها مكانتها في الخارطة الدولية. علاوة على أن الفريق الفني الذي يعمل على تنفيد هذا المشروع يعمل فقد خطة زمنية ليكون المشروع جاهزاً للانطلاق بتاريخ 26 من ديسمبر 2024، كما أوضح صاحب السمو السيد فارس بن تركي آل سعيد خلال  المؤتمر الصحفي.

في الحقيقة أن إطلاق هذه المبادرة الهوية الوطنية هو أحد متطلبات رؤية "عُمان 2040" وهو ليست مجرد إطلاق شعار؛ بل إستراتيجية شاملة تهدف إلى الترويج لعُمان كدولة لها إرث حضاري غني ومكانة بارزة في العالم. الهوية الوطنية هنا تعني السمعة التي لطالما ارتبطت بعُمان كبلد للسلام والتعايش، ومجتمع متماسك يزخر بالمواهب والقيم الأصيلة التي ترتبط بالإنسان العُماني أرضًا وانتماءً.

إن رسالة الهوية الوطنية الجديدة كما ذكر صاحب السمو السيد فارس بن تركي في المؤتمر الصحفي تحمل رسائل عديدة للترويج لعُمان كوجهة سياحية استثنائية، تجمع هذه الرسائل بين الجمال الطبيعي والتراث الثقافي الغني وكذلك إبراز السلطنة كبيئة جاذبة للاستثمار وتتمتع أرض عُمان بفرص اقتصادية وقوانين محفزة، لجذب الاستثمارات بالإضافة إلى سمعتها الدولية ومكانتها بين الشعوب إلى جانب استقرارها الأمني، كل هذه المعطيات يجعلها أحد أهم المحطات المميزة على الساحة العالمية.

هنا نؤكد كإعلام وشريك أساسي في أية مبادرات تحمل اسم عُمان أن سلطنة عُمان ليست مجرد بلد تتميز بموارد طبيعية أو مناظرها الخلابة، أو سمعتها بين الشعوب، يكفينا فخرا عندما نتحدث عن الإنسان العُماني وأرض عُمان. مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال: "لو أن أهل عُمان أتيت ما سبوك وما ضربوك"، ومن هنا ندرك أن سمات الإنسان العُماني تتجلى في القيم الإنسانية والتسامح الذي جعله جزءًا مهمًا في الحضارة الإنسانية.

إنَّنا ندرك أن الترابط والتواصل هو جوهر الهوية العُمانية لهذا نجد العُماني متسلحا بهذه الصفات الحميدة وأصبحت قيم التسامح والتعايش إحدى أهم صفات الإنسان العُماني أينما حل وأينما ارتحل.

وإذا أردنا تلخيص سردية الهوية العُمانية، فإنَّ الترابط والتواصل هما المحور الأساسي. فهذه الهوية تمتد بجذورها في أعماق التاريخ، عندما كانت عُمان إحدى القوى البحرية الكبرى التي نشرت الإسلام، وشيدت جسورًا ثقافية واقتصادية مع دول وشعوب العالم. واليوم، هذه الروح لا تزال حاضرة، حيث تعمل سلطنة عُمان على تعزيز مكانتها كمركز للتواصل الإنساني والثقافي والاقتصادي.

وخلال هذا المؤتمر طرحتُ مجموعة من الأسئلة وركزتُ حول أهمية غرس الهوية الوطنية الترويجية لدى الناشئة، لكوني أشرف على إصدار مجلة معنية بالأطفال وهي مجلة "مُرشد"، ولضمان استمرارية هذه الهوية، لا بُد من غرسها في عقول وقلوب الأجيال القادمة؛ فأطفال اليوم هم سفراء المستقبل، ولذلك يجب أن تكون الهوية الوطنية جزءًا لا يتجزأ من التعليم والثقافة اليومية. ولابد أن تكون القيم التي نغرسها فيهم اليوم ستشكل ملامح عُمان الغد، فعُمان وعلى مدى التاريخ هي دولة فخورة بتراثها، قادرة على مواجهة تحديات العصر.

لهذا فإن الهوية الترويجية للسلطنة تنطلق من رؤية طموحة لتعزيز هوياتها الترويجية، وتبدو الحاجة ملحة لتطوير استراتيجيات تسويق احترافية تبرز هوية سلطنة عُمان بصورة أكثر قوة ووضوحًا. ورغم ما تتمتع به السلطنة من مقومات كأدوات للقوة الناعمة الى إيصال صوت عُمان وهويتها المميزة إلى أقصى مشارف العالم، حيث تصبح قصة عُمان جزءًا من الوعي العالمي.

ومن خلال هذا المقال فإننا ندعو كافة أبناء المجتمع للمشاركة في التصويت؛ حيث موعدنا سيكون بتاريخ 26 ديسمبر، وسيتمكن الجميع من التصويت لاختيار أفضل هوية ترويجية تمثل السلطنة وتروي قصتها للعالم.

وأخيرًا.. إنَّ هذه الخطوة ليست مجرد اختيار لهوية بصرية؛ بل تعبير عن الانتماء والمشاركة في صياغة قصة عُمان الحديثة. لهذا نتطلع من الجميع التفاعل والمشاركة في هذا الحدث الوطني، لأنَّ قصتنا تستحق أن تُسمع بأصواتنا جميعًا.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

القتل على أساس الهوية في السودان

د. الشفيع خضر سعيد

كل الشواهد تقول إن السودان اليوم يسير سيرا حثيثا على خطى مثلث الرعب الرواندي قبل أن تستعيد رواندا عافيتها. فالحرب الدائرة الآن فيه، تتجه لتسودها جرائم القتل على أساس الهوية الإثنية، كما شهدنا في مدينة الجنينة والعديد من مناطق ولايات دارفور وكردفان، ونشهد اليوم في مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة والمناطق التي يسكنها العمال الزراعيون في الولاية وتسمى «الكنابي».
ومع الإشارة، بدون تعليق مؤقتا، إلى أن سيطرة قوات الدعم السريع على عاصمة ولاية الجزيرة ومدن وقرى الولاية الأخرى تمت بدون مقاومة تذكر مما أثار غبارا كثيفا من الشكوك لم ينجل حتى اللحظة، فإن سكان الولاية، ولما يقرب من العام، ظلوا يذوقون الأمرين من هذه القوات تنكيلا وقتلا ونهبا واغتصابا. لذلك، كان طبيعيا أن يتنفس سكان الولاية الصعداء ويعم الفرح أهل السودان بعد أن استعاد الجيش السوداني سيطرته على مدينة ود مدني. لكن الفرحة أفسدتها الانتهاكات البشعة وذات الطابع العنصري التي حدثت في المدينة ووسط سكان «الكنابي» بعد إحكام الجيش سيطرته على المنطقة. وإذا كان السودانيون لا يتوقعون ولا ينتظرون سوى الانتهاكات الجسيمة التي تطال أمنهم وكرامتهم مع سيطرة قوات الدعم السريع على مناطقهم، فإنهم ظلوا يرومون التخلص من هذا الكابوس المرعب، وينشدون الأمن والأمان مع استعادة سيطرة القوات المسلحة السودانية على هذه المناطق، لا أن تتواصل الانتهكات على مرأى ومسمع من قيادات هذه القوات، مهما كانت التهم الموجهة إلى من تم ذبحهم ذبح الشاة أو ألقي بهم في النهر لتلتهمهم التماسيح. فأخذ القانون باليد هو جريمة أيضا، وعامل يعمق الشروخ في مجتمع يحتاج بشدة إلى الوحدة والتماسك. والانتهاكات التي تطال المدنيين وترتكب خارج قواعد الاشتباك، هي جرائم يجب ألا تمر دون عقاب. والتغاضي عنها والإفلات من العقاب سيزيد من اشتعال نيران الحرب ويخدم مصالح الجهات التي تسعى إلى دفع الحرب نحو صراعات جهوية وإثنية من شأنها تمزيق البلاد.
وإذا كان معروفا أن أحاديث قيادات الدعم السريع حول أن الجرائم المنسوبة إلى قواتهم هي من فعل مجموعات متفلتة، وأنهم شكلوا لجانا لمحاسبة هولاء المتفلتين، هي مجرد فقاعات هوائية، فإن الانتهاكات التي تمت بعد استعادة القوات المسلحة السودانية سيطرتها على مدينة ود مدني هي جرائم لا يمكن السكوت عليها، وتستوجب أن تتحمل قيادة القوات المسلحة السودانية المسؤولية القانونية والأخلاقية حيالها. صحيح أن هذه القيادة أصدرت بيانا استنكرت فيه هذه الجرائم وشكلت لجنة تحقيق حولها، ومع ذلك يظل المطلب الرئيسي هو المحاسبة العاجلة والعادلة، وبشكل شفاف ومعلن، لكل المتورطين فيها. وفي نفس الوقت نرى ضرورة الإسراع في نشر أفراد الشرطة والأجهزة المدنية لإنفاذ القانون في كافة المناطق التي يستعيد الجيش سيطرته عليها، وضمان الفصل بين العناصر العسكرية النظامية ومجموعات المستنفرين وبين التعامل المباشر مع المواطنين، وأن يكون هذا التعامل وفق ما يضمن سيادة القانون وإنفاذه بفعالية وعدالة. وعموما، نحن لن نتوقف عن القول بأن الحرب المشتعلة اليوم في السودان، هي جريمة تستوجب المساءلة والعقاب. وأن من ينفخ في كيرها ويزكي نيرانها ويوجه دفتها، هم من أعمى الحقد بصرهم وبصيرتهم بعد أن أطاحت بهم ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 بقوة حراكها السلمي وطردتهم شر طردة تصحبهم اللعنات، فتمكنت منهم الرغبة في الانتقام من الشعب والوطن، فصموا آذانهم عن صوت العقل، وظلوا مستمسكين بمطامعهم الأنانية ومسترخصين حياة المواطن، وصمموا أن يعودوا إلى كراسي الحكم ولو على حساب دم الشعب المسفوح وفوق جماجم الوطن. هي حرب لن ينتصر فيها طرف، وإن هُزم الطرف الآخر، ولكن قطعا الخاسر فيها والضحية هو الشعب السوداني وبلاده.

إن تحقيق السلام المستدام وإعادة رتق النسيج الاجتماعي وإصلاح الشروخ التي خلفتها صراعات الموارد والسلطة، يتطلب صياغة وإنجاز مشروع وطني يحارب التهميش ويحقق التنمية المتوازنة ويعيد بناء مؤسسات الدولة السودانية

صحيح أن استعادة الجيش السوداني سيطرته على مدينة ود مدني تمثل تحولا نوعيا من الزاوية الاستراتيجية العسكرية. لكن التحولات العسكرية، مهما كانت حاسمة، لن تكون وحدها كافية لإنهاء الحرب التي أنهكت البلاد ومزقت نسيجها الاجتماعي. فهذه الحرب أعمق من مجرد صراع عسكري بين أطراف تتنازع حول السلطة، وهي تستغل أزمة وطنية تتغذى جذورها بالتهميش الناتج من التنمية غير المتوازنة والتوزيع غير العادل للموارد والسلطة. وأن وقف الحرب بشكل نهائي في السودان لا يمكن أن يتحقق بمجرد انتصارات عسكرية أو معارك على الأرض، بل يتطلب في المقام الأول مخاطبة هذه الجذور، مثلما يشترط التوقف عن استثمار الانقسامات العرقية والجهوية التي أضرت بالبلاد والكف عن تغذيتها لصالح مشاريع سياسية منتهية الصلاحية. إن تحقيق السلام المستدام وإعادة رتق النسيج الاجتماعي وإصلاح الشروخ التي خلفتها صراعات الموارد والسلطة، يتطلب صياغة وإنجاز مشروع وطني يحارب التهميش ويحقق التنمية المتوازنة ويعيد بناء مؤسسات الدولة السودانية، المدنية والعسكرية، على أسس جديدة تضمن العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية والاعتراف بالتنوع الثقافي والعرقي، بما يحقق إعادة صياغة الهوية السودانية على أساس المصالح المشتركة. وهذا هو الحلم الكبير الذي حملته ثورة ديسمبر/كانون الأول المجيدة بكل ألقها وعنفوانها، حين هتف الثوار حرية سلام وعدالة، وكل البلد دارفور، وأن مستقبل السودان يتطلب تجاوز أي نظرة ضيقة أو السعي نحو المصالح الذاتية إلى الانطلاق نحو هذا المشروع الوطني الجامع. هذه الثورة العظيمة تمثل نقطة تحول فارقة في تاريخ السودان الحديث، وهي البوصلة التي ينبغي أن يهتدي بها حراكنا اليوم.
السودانيون، بكل أطيافهم ومشاربهم، يستحقون وطنًا يُحترم فيه الإنسان وتُصان فيه كرامته، وتعلو فيه قيمة المواطنة. لكن هذا لن يتحقق إلا بقيادة واعية تدرك أن المستقبل لا يمكن أن يُبنى على عداءات الماضي، بل على أساس المصالحة الوطنية ووحدة البلاد، وتؤمن بأن هذا الهدف ليس مجرد ضرورة سياسية، بل هو أيضًا واجب أخلاقي تجاه شعب ظل يعانى طويلًا.

نقلا عن االقدس العربي  

مقالات مشابهة

  • استعراض فرص التعاون التجاري والاقتصادي في "منتدى الأعمال العُماني السنغافوري"
  • لماذا يبسّط البعض مفهوم الهوية وقيمتها الوطنية ؟
  • الآلية الوطنية لحماية المدنيين تناقش إعادة تشكيل الآلية بما يواكب المستجدات التي فرضتها الحرب
  • ماني يحسم موقفه من عرض إنتر ميلان
  • عاجل.. ننشر الهوية الشخصية للمتعدي على فرع بنك مصر بالفيوم
  • الأربعاء.. انطلاق أعمال "منتدى الأعمال العُماني السنغافوري"
  • برنامج ثقافي عُماني حافل وجلسات حوارية بمعرض القاهرة للكتاب
  • وفاء بنيامين: القومي لحقوق الإنسان يُعد المؤسسة الوطنية التي تعمل على تعزيز وحماية حقوق الإنسان
  • القتل على أساس الهوية في السودان
  • " الأكاديمية السلطانية" تطلق برنامجًا لتعزيز الكفاءات الوطنية في مجال البحوث البيئية الميدانية