استعادة الجيش قاعدة الزُرق بدارفور تحول إستراتيجي بالحرب
تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT
الخرطوم- انتزع الجيش السوداني والقوات المشتركة المتحالفة معه قاعدة "الزُرق" العسكرية، والزُرق منطقة نائية في ولاية شمال دارفور تقع في المثلث الذي يربط الحدود بين السودان وتشاد وليبيا.
واتخذت قوات الدعم السريع الزُرق منذ العام 2017 قاعدة أنشأت فيها بنى تحتية ضخمة شملت مدارس ومستشفيات ومعسكرات تدريب ومستودعات وقود وذخائر وعتادا عسكريا ضخما، فضلا عن مطار حربي ظل يستقبل دفعات الإمداد وينقلها إلى مهابط ترابية عديدة في مناطق أم بادر وحمرة الشيخ بولاية شمال كردفان.
وبعد اندلاع الحرب في 15 أبريل/نيسان 2023 كانت "الزُرق" واحدة من القواعد الرئيسية التي تستقبل إمدادات الدعم السريع عبر تشاد وليبيا.
وقصف الطيران الحربي للجيش السوداني قاعدة الزُرق أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية، في محاولة لتدمير إمدادات الدعم السريع.
وقال حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي في تصريح لـ"سودان تربيون" إن "معارك شرسة خاضتها القوة المشتركة في شمال دارفور استمرت 5 ساعات انتهت بإزالة كافة الارتكازات التي نصبتها الدعم السريع لحماية قاعدة الزُرق".
وأضاف "الآن فقدت الدعم السريع خط إمداد رئيسي يربطها بدولة ليبيا".
إعلان معارك شرسةوأظهرت مقاطع فيديو عناصر من القوة المشتركة يستعرضون سيارة مصفحة، وتشير الأنباء إلى استيلاء القوة المشتركة على كميات كبيرة من العتاد الحربي، بالإضافة إلى 90 سيارة مقاتلة، منها 30 مصفحة، مما يدل على وجود عدد من القادة، إذ تخصص السيارات المصفحة للقادة.
وشارك الطيران الحربي التابع للجيش في المعارك الشرسة، إذ قصف أهدافا لقوات الدعم السريع بالبراميل المتفجرة، وفقا لمصادر عسكرية.
وتأتي المواجهات في صحراء شمال دارفور امتدادا للمعارك الضارية التي تدور في مدينة الفاشر منذ مايو/أيار الماضي بين الجيش وحلفائه من الحركات المسلحة من جهة والدعم السريع من جهة الأخرى.
وفشلت محاولات الدعم السريع في استعادة قاعدة الزُرق إثر تحشيد كبير من مناطق عديدة تحيط بالقاعدة، من كتم ومليط وكبكابية وسرف عمرة وجبل عامر والقبة.
وعلى الرغم من إعلان قوات الدعم السريع في بيان في اليوم التالي استعادتها المنطقة فإن الأنباء اللاحقة بينت غير ذلك.
تحول إستراتيجيويعتبر كثيرون من مراقبي الحرب في السودان استرداد الجيش السوداني قاعدة الزُرق العسكرية تحولا إستراتيجيا في مسار الحرب يقود إلى تداعيات تزعزع القيادة والسيطرة في قوات الدعم السريع، مما قد يقرب نهاية الحرب.
وتعد الزُرق القاعدة الرئيسية للإمداد القادم من ليبيا وتشاد للسيطرة على ولاية شمال دارفور، مما يعتبر ضربة موجعة لقوات الدعم السريع لوجستيا ومعنويا.
وفضلا عن أهميتها الإستراتيجية فهي مقر آل دقلو الاجتماعي، وتعد حاضنة اجتماعية لهم ولممتلكاتهم، وفيها سلطتهم الأهلية التي يمثلها العمدة جمعة دقلو شقيق والد محمد حمدان دقلو (حميدتي).
ومن المتوقع أن تزداد محاولات الدعم السريع لاسترجاعها، فقد ضجت مجموعات مناصري الدعم السريع في مواقع التواصل الاجتماعي بالتعبئة والاستنفار لاستعادة الزُرق، ويقود الفشل في ذلك إلى تداعي الانهيارات في مواقع كثيرة، فهي حجر الدومينو الذي بسقوطه يتوالى السقوط.
إعلانوسيدفع سقوط الزُرق الجيش والقوات المشتركة المتحالفة معه إلى التقدم نحو استعادة عواصم ولايات دارفور، مدن الجنينة وزالنجي ونيالا والضعين، خاصة إن نجحت الجهود الأميركية في كبح تدفق الإمداد لقوات الدعم السريع من الدول الداعمة لها.
كما أنه يخفف الضغط عن مدينة الفاشر التي تحاصرها قوات الدعم السريع منذ مايو/أيار الماضي، إذ كانت الزُرق أهم مصادر الدعم اللوجستي والبشري الدعم السريع المحاصِرة للفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وهي الوحيدة من عواصم ولايات الإقليم الخمس خارج سيطرة الدعم السريع.
وربما يقود سقوط قاعدة الزُرق إلى انسحاب قوات الدعم السريع من مواقع مختلفة في شمال كردفان والجزيرة والنيل الأبيض، في محاولة لتكثيف عملية استعادة القاعدة، مما يعجل بسيطرة الجيش على المناطق المنسحب منها، خاصة منطقة الجزيرة وعاصمتها مدني التي أحكم الجيش حلقات حصارها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قوات الدعم السریع الدعم السریع من شمال دارفور
إقرأ أيضاً:
إلى البلابسة اكملوا رؤيتكم: خسر السودانيون الحاضر بالحرب.. فاحفظوا مستقبلهم
في ظل الحرب الدائرة، يواجه السودانيون خيارات مصيرية ستحدد مستقبلهم لعقود قادمة. من بين هؤلاء تأتي شريحة "البلابسة"، وهي مجموعة مجتمعية متنوعة تشمل بعضاً من قوى ثورة ديسمبر تنظيمات وأفراد، وأعضاء أحزاب، ومثقفين، وأكاديميين، وشخصيات عامة، ومواطنين عاديين. كثير منهم دفعوا ثمن فساد النظام السابق قبل وبعد الحرب دون أن يحققوا مكاسب، وبعضهم اليوم في الميدان، وآخرون منهم أصواتهم مسموعة في وسائط التواصل الاجتماعي، يدعمون الجيش أو الدولة أو المؤسسية بحسبهم، بل بعضهم يدعم تيارات الإسلامويين والمليشيات المستقلة جزئياً عن الجيش والمشاركة في الحرب. حجتهم في ذلك أن هذا هو السبيل الوحيد لإيقاف مليشيا الدعم السريع والمحافظة على الدولة.
لكن، هذا هو الحاضر "بل بس"، فماذا عن المستقبل ونوع الحكم والسلطة ما بعد الحرب ؟؟ هل تتفاجأ بل بس كما قال البعض سابقاً عن تسقط بس !!
الماضي يجب أن لا يُمحى من الذاكرة
منح قادة الجيش والإسلامويين تفويضاً مطلقاً لإنتاج سلطة سودان ما بعد الحرب، أو ما يشبه "الشيك على بياض"، يُغفل حقيقة أن هؤلاء الفاعلين كانوا جزءاً أساسياً من الأزمة التي أوصلت البلاد إلى هذا الدمار. الإسلاميون حكموا السودان لثلاثة عقود، تحولت خلالها السلطة إلى أداة للنهب والقمع، وتم استخدام الجيش لحماية النظام بدلاً من حماية الشعب والأرض. كما أسسوا مليشيا الدعم السريع، وسَنّوا لها القوانين، ودافعوا عنها دولياً. حتى بعد سقوط البشير، لم يكن قادة الجيش محايدين، بل لعبوا هم والإسلامويون على التوازنات للحفاظ على نفوذهم، ولم يزكر أنهم حاولوا تحجيم مليشيا الدعم السريع بل تحالفوا معها، فتم أيام المجلس العسكري في يوليو ٢٠١٩ تعديل مواد قانون الدعم السريع التي تتيح إخضاعها لإمرة الجيش والتي تزيد من استقلاليتها، فسمحوا لها بزيادة أعدادها وتسليحها ونفوذها العسكري والإقتصادي.
ثمن الحلول المؤقتة
يرى البعض أن دعم الجيش أو حتى بعض تيارات الإسلامويين والمليشيات المستقلة جزئياً عنه ضروري في الحرب، باعتبار أن الأولوية القصوى الآن هي هزيمة مليشيا الدعم السريع. لكن السؤال هو: ماذا بعد؟
إذا منح البلابسة قادة الجيش والإسلامويين شيكاً على بياض الآن، أو لم يُكمل البلابسة رؤيتهم حول المستقبل ما بعد الحرب، أو صمتوا عما يفعله قادة الجيش والإسلامويين حالياً في تحديد شكل السلطة والحكم في سودان ما بعد الحرب، فإنهم عملياً يُعيدون إنتاج المعادلات نفسها التي قادت إلى هذا الوضع. لا يمكن افتراض أن هؤلاء سيتحولون فجأة إلى ديمقراطيين، أو إلى نظام ديمقراطي هجين مثل تركيا والمجر وكينيا (توجد انتخابات ومؤسسات ديمقراطية لكنها مقيدة بسلطة مركزية قوية تهيمن على القضاء والإعلام)، أو حتى بالعدم إلى شمولية ناعمة مثل الصين وفيتنام وكازاخستان (حيث توجد لحد ما مظاهر حكم القانون والتنمية الاقتصادية ومكافحة الفساد ولكن مع سيطرة حزب واحد على الحياة السياسية والإعلام ومنع أي معارضة حقيقية). الأرجح أنهم سيسعون لترسيخ نظام حكم فاشي عسكري (نظام سلطوي يعتمد على العسكر كمصدر وحيد للشرعية ويعتمد على القمع والاستقطاب القومي والمليشيات الأمنية)، أو فاشي إسلاموي (وهو نظام يجمع بين السلطوية العسكرية وتوظيف الدين لتبرير الحكم المطلق)، أو خليطاً بينهما حسب موازين القوى داخل هذا المعسكر، كما كانت تجربة حكم الإنقاذ بأشكالها المختلفة. الشواهد كثيرة على أن هذا هو الاتجاه الأرجح، من هذه الشواهد استراتيجية تفريخ المليشيات، وهجوم الإسلامويين على رئيس مجلس السيادة بعد خطابه الذي قال فيه: "لن تحكموا على أشلاء السودانيين"، ولن تنتهي بما رشح عن تعديلات الوثيقة الدستورية، وقوانين كل من الإجراءات الجنائية، والشركات، والاستثمار وفي إجتماع واحد لسويعات لا تكفي عملياً حتى لقراءة هذه النصوص ناهيك عن تعديلها، وخلاصة التعديلات تعني عملياً إعادة التمكين سلطوياً وعسكرياً واقتصادياً.
المستقبل لا يكون رهينة للحلول العاجلة
المقايضة بين هزيمة مليشيا الدعم السريع اليوم وبين بناء دولة ديمقراطية أو حتى شمولية ناعمة في المستقبل ليست حتمية. يمكن دعم المجهود العسكري دون إعطاء تفويض مفتوح لأي جهة، ودون إغفال ضرورة بناء بديل سياسي حقيقي. على البلابسة الذين ليست لديهم أطماع سلطوية تحت سلطة الأمر الواقع، أو ميول سياسية لأطرافها الحالية، أن يكونوا واضحين: نحن ضد مليشيا الدعم السريع، ولكننا أيضًا ضد العودة إلى فاشية عسكرية أو فاشية إسلاموية تحت أي غطاء. الحل ليس في دعم طرف دون شروط، بل في فرض معادلة جديدة تُبنى على أساس أن أي دعم يجب أن يكون مشروطاً بمسار ديمقراطي حقيقي، وإصلاح حقيقي للمؤسسة العسكرية تصبح عبره جيشاً وطنياً واحداً، وإبعاد رموز النظام القديم الفاسدة.
الحاضر مليء بالتحديات، لكن لا يجب أن يكون على حساب المستقبل. السودان لن يخرج من أزمته بتكرار أخطاء الماضي، بل بإعادة بناء الدولة على أسس واضحة:
لا لدولة المليشيات،
نعم للجيش الوطني المحترف الواحد،
لا للديكتاتورية العسكرية،
لا للسلطوية الإسلاموية.
يجب أن يحدد البلابسة خيارهم ويكملوا رؤيتهم ليس فقط حول الحرب وإنما أيضاً مستقبل السودانيين بعدها.
mkaawadalla@yahoo.com
محمد خالد