أرشيف الأسد: ملاحقة المصلين.. والمخبرون في كل زاوية
تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT
23 ديسمبر، 2024
بغداد/المسلة: بعد سقوط نظام بشار الأسد وهروبه من دمشق، كشف اقتحام السوريين للأفرع الأمنية والمعتقلات عن الجانب المظلم للدولة التي حكمها لأكثر من خمسة عقود.
كانت هذه الأجهزة الأمنية أشبه بجهاز مراقبة شامل يدير البلد بالخوف والترهيب، موثقة أدق تفاصيل حياة المواطنين في سجلات بدت وكأنها تعود لعصور غابرة.
من أبرز الوثائق التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي كان “سجل أسماء من يرتاد الجوامع وخاصة عند صلاة الفجر من الشباب”، و”سجل المخبرين”، إضافة إلى قوائم أخرى تتناول تصنيفات دقيقة، مثل الطلاب الذين يحملون “الفكر السلفي”. اللافت أن هذه السجلات لم تكن مجرد أرشيف، بل أدوات قمعية توثق كل تحركات الأفراد، وحتى نواياهم المفترضة، بناءً على تصورات المحققين وأهوائهم.
في أحد التسجيلات المصورة من فرع الأمن السياسي بمدينة السويداء، ظهر مستودع ضخم يحوي ملفات المواطنين مصنفة حسب العائلات، وكأن الهدف كان بناء خارطة شاملة لكل فرد. وصف الناشطون النظام بأنه مهووس بتوثيق كل شيء، حتى جرائمه، وكأن الأرشفة كانت ضمانته للاستمرار في نهجه القمعي.
أثار هذا النمط من الحكم دهشة السوريين الذين تساءلوا: كيف يدير نظام كامل الدولة بهذه الأدوات البدائية؟ وكيف يمكن لنظام ادعى الحداثة استخدام سجلات ورقية بدل التكنولوجيا المتقدمة لإدارة شؤونه؟ يبدو أن المخابرات فضّلت الطريقة اليدوية لتكريس سلطتها بآليات أكثر تخويفاً وتأثيراً.
وكان سجل المخبرين الأكثر إثارة للجدل. وصفه الناشطون بأنه “ملف الخيانة”، إذ كان يعتمد على تقارير مليئة بالافتراءات والدوافع الشخصية. أصبح المخبرون خلال تلك الحقبة سلاحاً يخدم مصالح الأجهزة الأمنية مقابل المال والسلطة، لكن سقوط النظام جعلهم مطاردين، إذ بدأت تتكشف هوياتهم عبر الوثائق التي عُثر عليها، مما أثار غضباً شعبياً واسعاً. تساءل البعض عن شعور هؤلاء “الفسافيس” وهم يواجهون فضيحتهم العلنية، وعن الأماكن التي يمكن أن يختبئوا فيها هرباً من العقاب.
لم تسلم حتى الشعائر الدينية من رقابة النظام. كان جمع معلومات عن المصلين، خاصة صلاة الفجر، وسيلة للتضييق والتصنيف، مما أثار سخرية واسعة على منصات التواصل. علق البعض متهكماً بأن النظام كان “يكافئ” الشباب المستيقظين باكراً للصلاة، فيما قال آخرون إن هذا يُظهر مدى تناقض النظام، الذي كان يُصوّر نفسه علمانياً بينما كان يتدخل حتى في أوقات الصلاة.
هذه السجلات لم تكن مجرد أداة قمع، بل مرآة تعكس اهتراء الدولة وانفصالها عن الواقع. أظهرت كيف أن النظام لم يثق بأحد، حتى مواطنيه، الذين كانوا يعيشون تحت وطأة الخوف من الاعتقال لمجرد شبهة أو تقرير كيدي. اليوم، ومع كشف هذه الوثائق، أصبح التاريخ أكثر وضوحاً، لكن التساؤل الأكبر يبقى: كيف ستُكتب صفحة المستقبل بعد هذا الإرث الثقيل؟
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author AdminSee author's posts
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
وثائق سرية بريطانية: مصر جهزت خطة لإنشاء دولة فلسطينية انطلاقا من غزة في الخمسينيات
مصر – كشفت وثائق بريطانية سرية نشرها الأرشيف الوطني البريطاني عن مخطط مصري بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لإنشاء دولة فلسطينية في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
وتُظهر الوثائق أن عبد الناصر سعى إلى تحويل قطاع غزة إلى جزء من رؤية استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز الوحدة العربية، التي تجسدت لاحقا في تأسيس الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا عام 1958.
ووفقا للوثائق التي تضمنت برقيات دبلوماسية سرية من بينها رسالة نقلها السفير البلجيكي في القاهرة إلى لندن عام 1957 اقترحت مصر تشكيل دولة فلسطينية تمتد من غزة كخطوة لتوحيد الجهود العربية ضد الاحتلال الإسرائيلي، مع خطط لتعيين المفتي الفلسطيني أمين الحسيني رئيسًا لهذه الدولة المقترحة.
وجاءت هذه الخطة المصرية بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة وسيناء في مارس 1957 إثر ضغوط دولية من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، لكن الوثائق تكشف أيضًا معارضة بريطانية حادة لهذه الفكرة، إذ اعتبرتها لندن “خطوة متطرفة” قد تعزز نفوذ عبد الناصر في المنطقة.
وشهد قطاع غزة، الذي كان تحت الإدارة المصرية منذ نكبة 1948 تحولات كبيرة عقب العدوان الثلاثي حيث احتلته إسرائيل لمدة أربعة أشهر بين نوفمبر 1956 ومارس 1957، مخلفة دمارا واسعا ومجازر أودت بحياة المئات، أبرزها مجزرة خان يونس التي قُتل فيها 275 فلسطينيا في 3 نوفمبر 1956، وفقا لتقارير منظمة التحرير الفلسطينية.
وبعد الانسحاب الإسرائيلي، عملت مصر على تعزيز وجودها في القطاع عبر إنشاء هياكل إدارية جديدة مثل المجلس التشريعي الفلسطيني في مارس 1958 في محاولة لإعادة تنظيم الحياة السياسية والعسكرية هناك.
وتكشف الوثائق أن عبد الناصر رأى في غزة نقطة انطلاق لتعبئة المقاومة الفلسطينية حيث أشرف على تدريب الفدائيين منذ 1955 مما أثار قلق إسرائيل ودفعها لتصعيد عملياتها ضد القطاع قبل العدوان، ومع ذلك أظهرت الوثائق مخاوف بريطانية من أن يؤدي إعلان دولة فلسطينية إلى تقوية الموقف المصري، خاصة بعد نجاح عبد الناصر في تحدي بريطانيا وفرنسا في أزمة السويس، مما دفع لندن للضغط على الأمم المتحدة لإجهاض هذا المشروع.
جاءت هذه التطورات في ظل تصاعد التوترات الإقليمية بعد تأميم قناة السويس في يوليو 1956، الذي أشعل فتيل العدوان الثلاثي (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل) ضد مصر، وعلى الرغم من فشل الحملة عسكريًا بسبب الضغوط الأمريكية-السوفيتية، إلا أنها عززت مكانة عبد الناصر كزعيم قومي، مما دفعه للتفكير في مشاريع طموحة مثل إنشاء دولة فلسطينية كجزء من استراتيجيته لمواجهة الاستعمار والصهيونية.
وتشير الوثائق إلى أن بريطانيا خشيت أن يؤدي ذلك إلى إعادة رسم خريطة المنطقة، خاصة مع تزايد شعبية القضية الفلسطينية بعد نزوح نحو 200 ألف لاجئ إلى غزة إثر حرب 1948.
المصدر: RT